الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراقيون مظهرهم تقدمي و أفكارهم رجعية

حسين كركوش

2016 / 4 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


طوال حكم الأمويين ، و العباسيين ، والايلخانين ، والجلائرين ، ودولتي الخروف الأسود والخروف الأبيض ، والصفويين ، والعثمانيين ، والعهد الملكي ، والعهود الجمهورية (ربما باستثناء الفترة المبكرة بعد ثورة 14 تموز 1958) وحتى اليوم الأخير لحكم صدام ، ظلت الأكثرية الساحقة من السكان في كل مناطق العراق قاطبة ، غائبة ومُغَّيبَة عن صنع القرار. أما قيادة الحكم في العراق فتحتكرها (نخب) ، هم خلفاء وملوك وأمراء وسلاطين و عائلات ارستقراطية وسلالات وأعراق وجنرالات ، يحكمون بأسم الدين أو النسب أو المذهب ، أو فقط لأنهم الأقوى.

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق و زوال نظام صدام حدث انقلاب تاريخي هائل لا مثيل له سابقا.
الانقلاب تمثل في وضع العراق على عتبة الديمقراطية (ولكَ أن تسميها إذا شئتَ ديمقراطية الاحتلال أو ديمقراطية بريمر أو ديمقراطية الشياطين).
و عندما أقول (عتبة الديمقراطية) فإنما أعني استخدام (الآليات) الديمقراطية ، وليس تطبيق الديمقراطية كفلسفة في الحكم وفي الحياة. لأن النظام الديمقراطي ، سياسيا واجتماعيا ، لا يمكن أن ينهض بين يوم وليلة ، بينما (آليات) الديمقراطية بالإمكان تطبيقها بين يوم وليلة ، تماما مثلما يتغير النظام السياسي من ملكي إلى جمهوري بين يوم وليلة.
آليات الديمقراطية الجديدة في العراق تجسدت في ممارسة و ضمان ممارسة (وفقا لمواد الدستور) حريات النشر والصحافة والنقد والتظاهر وتشكيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ، وكذلك تخصيص كوتا خاصة للنساء في البرلمان ومجالس المحافظات.
لكن قبل هذه الآليات كلها ظهرت (وهو الموضوع الذي تريد هذه السطور ان تناقشه) الانتخابات وصناديقها وأوراقها. هذه الانتخابات تختلف كثيرا عن تلك التي كانت في العهد الملكي ، وتختلف جذريا ، وليس كثيرا فقط ، عن تلك التي كان يجريها نظام صدام ويفوز بها صدام بنسبة 99%.
انتخابات ما بعد 2003 ، البرلمانية العامة ومجالس المحافظات والأقضية والنواحي ، هي انتخابات حرة وحقيقية وديمقراطية ( ولست بحاجة لمن يعلمني أن هذه الانتخابات رافقتها عمليات تزوير كثيرة ، بل خطيرة ، فأنا أعرف ذلك).
هذه الانتخابات أطاحت باحتكار الحكم من قبل النخب و الغت مركزية القرار ، وقلبت البناء الهرمي للمجتمع رأسا على عقب ، وعبدت الطريق لنهوض قاعدة الهرم أو (الأطراف) ، ديموغرافيا وجغرافيا وطبقيا ، و أضحى بإمكان (شعيط وامعيط) و (كل من هب ودّب) أن يشارك في الحكم. المعيار الوحيد هو الحصول على أكثرية الأصوات.
وهذا الأمر أغاض جدا النخبويين الرجعيين من مناصري الداروينية الاجتماعية الذين يؤمنون بنظرية (الانتقاء) الاجتماعي ، ويرفضون المساواة الديمقراطية بين البشر.

هناك انقلاب آخر تاريخي ودراماتيكي أحدثته الانتخابات ، فيما يخص اوضاع النساء ، هذه المرة.
المرأة ليست متساوية مع الرجل ، لا في الثقافة الإسلامية ، ولا في الأعراف والتقاليد العشائرية ، ولا وفق قانون العيب الاجتماعي. ورغم أن الإسلام رفع من شأن المرأة ، قياسا بمنزلتها وفقا للمفهوم العشائري ، إلا أن قانون العشيرة رفضَ وظل يرفض القانون الإسلامي بشأن المرأة ، واُجبر الإسلام أن يتأقلم مع قانون العشيرة ويتعايش معه.
فقد ظل مقبولا في مجتمعنا العراقي المسلم (وربما ما يزال حتى الآن عند البعض) و شائعا ومتعارفا عليه في القانون العشائري ، أن يُنظر للمرأة كسلعة وبضاعة تُدفع ، مع المال أو مع الحيوانات ، تعويضا لمقتل رجل ، وتسمى (فصلية).
الآن واعتمادا على قانون الانتخابات ( وهو قانون وضعي ، على أي حال) صارت (الفصلية) ترشح نفسها كالرجال ، وقد تحصل على عدد أصوات يفوق عشرات المرات عدد الأصوات التي يحصل عليها شيخ العشيرة نفسه. وفي بعض مناسبات أصبحت المرأة ، عضوة البرلمان ، بفضل شهرتها ومكانتها ، تتصدر الرجال في المجلس داخل المضيف العشائري ( وقد حدث هذا الأمر فعلا وشاهده الجميع).
فهل أن أمرا كهذا كان متوقع الحدوث قبل ألف سنة ، أو قبل قرن ، أو حتى قبل عشر سنوات ؟ ؟

طيب، من أين ياتي هولاء الفائزون والفائزات الذين سيحتلون مقاعدهم في البرلمان والبعض منهم يصبحون وزراء يديرون امور المجتمع ؟ وكيف ستكون سحنات وجوههم وأزيائهم ، ومظهرهم ، وهندامهم ، ولغة تخاطبهم ، وأفكارهم ؟


بالطبع يأتون من المجتمع العراقي نفسه ، وليس من مجتمع آخر ؛ المجتمع العراقي في 2016 ، وليس كما كان في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وهذه الأسئلة والأجوبة أطرحها لأناقش عبرها موضوع (المرشحين الفائزين) كما يثيره في أحيان كثيرة متصفحون ومتصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.
في مواقع التواصل الاجتماعي دائما ما نجد صورة لبرلمانية فائقة الجمال من أوربا ولصقها برلمانية عراقية ينقصها الجمال ، أو صورة وزير أو برلماني عراقي ولصقها صورة لزميل له في بلدان أوربا.
وفي الحالتين يُكتب تعليق ساخر وحزين يلعن سوء حظ العراقيين لأن البرلمانيين والوزراء والساسة العراقيين من الإناث والذكور هذه الأيام لا يشبهون أقرانهم في الدول الأوربية.
المفارقة هي أن بعض من يفعل ذلك هم تقدميون وديمقراطيون وحتى ماركسيين ، أو على الأقل هكذا يقدمون أنفسهم. لكنهم في واقع الأمر يعبرون عن أفكار رجعية حتى أكثر مما عند خصومهم في الفكر الذين يعتبرونهم محافظين ورجعيين.
هولاء التقدميون مظهرا والرجعيون فكرا ينسون أن الانتخابات الديمقراطية ، في كل زمان ومكان ، تشبه شبكة صيد السمك. عندما تسحب شبكة الصيد فأنك لا تجد فيها إلا ما متوفر من أنواع السمك في المياه التي تصيد فيها. في المياه الأوربية تجد أنواعا خاصة (أوربية). وفي المياه العراقية ستحصل على أنواع خاصة (عراقية). وسيكون من العبث أن تتوقع وأنت ترمي شبكتك في المياه العراقية ، أن تحصل على نفس أنواع السمك في البحار الأوربية. وإن فعلتَ فأنك تضحك على نفسك وتسخر منها.
كذلك هي صناديق الانتخابات. الناخبون الذين يختارون المرشحين هم عراقيون والمرشحون الذين يفوزون هم عراقيون. والجميع يعيشون في عراق 2016 وليس في أزمان سابقة. وبالتالي فأن طبيعة ونوعية المجتمع ، و طبيعة و نوعية وعي الناخبين هو الذي يحسم اختيار المرشحين الفائزين.

هولاء الفائزون يمثلون ، كما الناخبين ، المجتمع العراقي الآن ، في هذه الساعة ، في هذه اللحظة ، الذي يختلف عن ما كان عليه قبل أربعين سنة.
بماذا يختلف المجتمع العراقي الآن عن ما كان عليه قبل أربعين سنة ؟ و ماذا واجه المجتمع خلال تلك الفترة الزمنية ؟
خلال السنوات الأربعين الماضيات عاش المجتمع العراقي مصائب و ويلات هي أشبه بزلازل وبراكين وهزات أرضية وصواعق : حُكم صدام الذي قفل بالشمع الأحمر على عقول العراقيين فصَّحر تماما الحياة السياسية و الثقافية. حرب الثمان سنوات ضد إيران. عاصفة الصحراء أثر احتلال الكويت التي أعادت العراق تقريبا للعصر الحجري. الحصار الاقتصادي الذي فاق في دماره الروحي والمادي الحربين السابقتين. قمع انتفاضة آذار. الحرب الاميركية الثانية. وهذا حتى لا نذكر الانفال وتهجير الأكراد الفيلية وغيرها من الكوارث.
هذه الزلازل مجتمعة كسرت العمود الفقري للمجتمع العراقي ، و دمرت تدميرا كاملا الطبقة الوسطى العراقية التي دائما ما كانت (الداينمو) المحرك للمجتمع ، بأفكارها التنويرية التي كانت تستمدها من الأفكار التنويرية التي بدأت تغزو العالم كله عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى ، وعقب نجاح ثورة أكتوبر الروسية ، وكانت تلك الأفكار سمة العصر.
العراقيون كانوا عشية سقوط نظام صدام ملايين من الأشباح مقطوعة عن العالم ، أو ملايين من الفئران البشرية تُستخدم ، داخل مختبر أسمه العراق ، لإجراء التجارب عليها ، وليسوا بشرا أسوياء.
ومع التخندق الطائفي والتقوقع المذهبي اللذين أعادا الإنسان العراقي لغرائزه البدائية ، ومن ثم اندلاع الاقتتال الطائفي بعد 2003 الذي أشعلته الجماعات المسلحة المتقاتلة وانهيار الدولة ومؤسساتها مع ما رافقه من انهيار المؤسسات التعليمية بكل مستوياتها وتفشي الخرافة وانكفاء الذات العراقية داخل الهويات الفرعية ، دخل المجتمع العراقي ، أفرادا وجماعات ، مرحلة انعدام الوزن ومرحلة اليأس المطلق. هذا هو (العجين) العراقي عندما أُجريت الانتخابات لأول مرة.
و (هذا الكعك) البرلماني والوزاري العراقي خرج (من هذا العجين) المجتمعي العراقي ، ولم يتم تصنيعه خارج العراق. وهذه معادلة طردية : كلما تغير العجين وتحسنت نوعيته واختمر ونضج ، كلما أصبح الكعك ناضجا ولذيذا ، وقبل ذلك مختلفا عن نوعه السابق.
و سؤال الأسئلة والأكثرها أهمية هو : هل يظل العجين المجتمعي العراقي على حاله ، أم سيتغير نوعه و سيختمر ؟

هناك مؤشرات تتزايد سنة بعد أخرى و بوتائر متسارعة تشير إلى تغير الوعي الفردي والمجتمعي. وقد ظهر بعضها مبكرا وبوقت قياسي. لن أتحدث عن الحراك الجماهيري المطالب بالتغيير ، الذي يحدث الآن في عام 2016. سأعود لست سنوات إلى الوراء ، أي إلى عام 2010. في ذاك العام دقق العراقيون في أسماء المرشحين فلم يجدوا سوى 17 منهم منحوهم ثقتهم. أما البقية وعددهم (310) رجل وأمرأة فأنهم دخلوا البرلمان واصبحوا نوابا رغم أن الشعب رفضهم ولم ينتخبهم ، وإنما وصلوا بأصوات كتلهم.
أليس هذا دليل على تغير وعي الفرد العراقي.

والأحزاب والجماعات والتكتلات السياسية التي تسيطر حاليا داخل البرلمان وعلى السلطتين التنفيذية والقضائية تعرف أكثر ألف مرة من غيرها بأن هذا التغيير في الوعي المجتمعي جار وسيتصاعد. ولهذا السبب هي تتقاتل لمنع أي تغيير في قانون الانتخابات.

لكن هل تستطيع هذه الكتل السياسية المتنفذة أن تصمد إلى ما نهاية ؟
قطعا ، لا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العراق سيكون
سهير جابك ( 2016 / 4 / 29 - 18:43 )
احييك على مقالك المتسلسل الاحداث والحقائق ولكني اختلف معك حول رؤيتك عن إن الاسلام حاول ان ينصف المرأة, اكره هذا الدين وكيف عاملني على أنني نصف انسان وبأنني عوره و بأنني جسد بلا كرامة, بلا عقل, بغير حقوق واولها حق الاختيار
العراق سيكون لو تخلص من دين الدولة الرجعي وأحكامه وحرر دستوره من نصوصه المتخلفة, نحو مجتمع يعيش حاضره.


2 - تحياتي للكاتب المحترم-هذه احسن مقاله قراءتها في13س
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2016 / 4 / 30 - 06:36 )
عاشت ايدك وقلمك وقبل كل شئ عاش عقلك المستنير-مرض كتابنا-ومناضلينا- انهم لايرون الا قناعاتهم وفي احيان كثيره عبر شيزوفرينيتهم لذالك سمى بعضهم الشعب الذي لايعجبه بالسرسريه وشكرا

اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث