الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعي والثورة (الجزء الثاني)

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2016 / 4 / 30
ملف 1 ايار - ماي يوم العمال العالمي 2016 - التطور والتغييرات في بنية الطبقة العاملة وأساليب النضال في ظل النظام الرأسمالي والعولمة


الوعي والثورة
(الجزء الثاني)
د. جاسم الصفار
أوضحنا في الجزء الأول من المقالة التغيرات الكمية والنوعية التي فرضها التطور التقني على التركيبة الاجتماعية للطبقة الاجتماعية في الدول الصناعية، والمهم الان القاء ضوء على دور الطبقة العاملة بشرائحها المختلفة في صناعة التغيير الاشتراكي. علما بأن التغيير الثوري لا يصنعه عمال مغتربون قليلي الوعي ولا يمارسون عملا مشتركا تضامنيا، وهذه واحدة من الأفكار الرئيسية لمعلمي الاشتراكية الأوائل.
لا ريب في ان العمل المشترك التضامني او التكاملي هو من صلب سمات شغيلة العمل ألذهني في الانظمة الرأسمالية المتطورة. وهم يمارسون عملهم بنمط جماعي تضامني ليس فقط في قطاعات الإنتاج بل وفي الحقول غير الإنتاجية كالمؤسسات التعليمية والبحثية والمستشفيات وما الى ذلك.
وبلا شك فان العمل ألمشترك والتضامني او التكافلي، في إطار مؤسسات واحدة يفضي الى مواقف متقاربة من نظام العمل وعلاقات الإنتاج في تلك ألمؤسسات ويوحد برامج الاحتجاج النضالية من أجل تحسين ظروف العمل. علماً بان تطور المزاج الاحتجاجي الى برامج نضالية أسهل بكثير عند شغيلة العمل ألذهني مقارنة بشغيلة العمل أليدوي ألذين يعانون غالباً من الاغتراب عند أدائهم لجزء محدود من عمل تنجز أغلبه آلات معقدة عالية ألتقنية يصعب استيعابها بسبب ضعف مستوى التأهيل ألفني.
ومن هنا فإننا أمام تغيير اجتماعي سياسي هام في تركيبة طبقة ألبروليتاريا، يجعلها قادرة ليس فقط على صناعة الاحتجاج بل وقادرة أيضاً على انتاج فكرة أو نظرية الاحتجاج. علماً بأن هذا التغيير يبقى في حدود ذات التوصيفات التي أطلقها ماركس وأنجلس لطبقة ألبروليتاريا في القرن التاسع عشر. فقد أشار كارل ماركس وفريدريك إنجلز إلى أنه لم يكن أمام شغيلة العمل ألذهني في النظام ألرأسمالي إلا أن يبيعوا قوة عملهم لمالكي وسائل الإنتاج مقابل حصولهم على ألأجر.
وكما جاء في البيان ألشيوعي: "لقد جعلت ألبرجوازية من الأطباء والمحامين والشعراء ورجال العلم وغيرهم عمال مأجورين". وهم بالتالي ينتمون لطبقة ألبروليتاريا التي يعرفها البيان على أنها طبقة الشغيلة ألمعاصرة التي " تعيش على ما تتلقاه من اجور مقابل بيعها لقوة عملها". وبصورة أدق فانهم ذلك الجزء من ألبروليتاريا الذي يساهم في عملية الإنتاج ألاجتماعي بقدراته ألذهنية مقابل أجر يحدده مالك مؤسسات الإنتاج ووسائلها. وقد جاء تعبير بروليتاريا العمل ألذهني بصورة أكثر تحديداً في تحية وجهها انجلز لمؤتمر الطلبة ألاشتراكيين جاء فيها "يجب إدراك حقيقة أن جزء كبير منكم سينخرط في ألمستقبل في صفوف بروليتاريا العمل ألذهني، التي تصطف بدورها مع شغيلة العمل أليدوي في سبيل لعب دور فعال في التحركات ألثورية".
هذا التوصيف ألماركسي لطبقة ألبروليتاريا يسقط تماماً أسس تلك الأفكار ألقائلة بالاضمحلال ألتاريخي للبروليتاريا وألتي بنيت أساساً على تصور خاطئ يرى في ألبروليتاريا، شغيلة العمل أليدوي حصراً. وحتى في حالة تجاوز ألنهج الذي نعتمده في تمييزنا للطبقة ألاجتماعية وفقاً لعلاقتها بوسائل الإنتاج وطريقة حصولها على دخلها، فان معظم البيانات الإحصائية لثقل ودور ألبروليتاريا في الإنتاج ألاجتماعي، وفقا لتوصيفات علم الاجتماع البرجوازي، تشهد على أنها ألأهم والأكبر في جميع ألمجتمعات ألرأسمالية.
فحسب البيانات التي تحصي ألنسب ألعددية للشغيلة في ألمؤسسات ألمصنعة للبضائع والمنتجات ألمادية، دون حساب للقطاعات الخدمية بما فيها تلك التي لها علاقة مباشرة بعمليات الإنتاج في جميع ألمجتمعات ألرأسمالية ألمتطورة، تراوحت نسبتهم في حدود 40-50% من العدد الإجمالي للعاملين في شتى ميادين العمل ألاجتماعي. ففي بريطانيا، حسب احصاء عام 1981، بلغت نسبتهم 51% من العدد الإجمالي للعاملين. ووفقاً لاستطلاعات عالم الاجتماع أ.كيدنس ألتي أجراها عام 1986 فان 48% من سكان بريطانيا في الأعمار دون سن ألتقاعد يحسبون أنفسهم على ألبروليتاريا.
أما في الاتحاد السوفيتي ألسابق فقد بلغت نسبتهم وفقاً للإحصاءات ألرسمية عام 1984- 61.6%. وتبعاً لمعطيات ألباحث ألاجتماعي الروسي زدوروف فان عدد ألمحسوبين على ألبروليتاريا في عام 1990 في المدن ألروسية وحدها قد بلغ 35-40% من العدد الإجمالي للعاملين. وقد كان هذا في ظروف انهيار الاقتصاد في روسيا وتعطل أغلب مؤسساتها ألصناعية والتسريح ألقسري للعمال. أما إذا أضفنا لهذه البيانات جميع ألعاملين لقاء أجر ولا يملكون وسائل الإنتاج فعدد ألمنتسبين الى ألبروليتاريا ألمعاصرة يبلغ وفقاً لدراسات الباحث ب. سلافن 90% من السكان ألقادرين على العمل في جميع ألمجتمعات ألرأسمالية ألمتطورة.
تبعاً لما تقدم، فإننا أما حلقة جديدة من حلقات جدلية تاريخية تنظم العلاقة بين قوى الانتاج ووسائل الانتاج. فالتطور ألنوعي في وسائل الانتاج فرض تغيراً نوعياً في تركيبة قوى الإنتاج. ولا شك في أن هذا ألأخير سيكون ألقوه ألمحركة ألرئيسية لديمومة وتواصل ألتطور ألتقني والعلمي لوسائل الإنتاج في شتى ميادينه ألاجتماعية.
لابد من الإشارة الى أن ألتطور النوعي في تركيبة الطبقة العاملة وزيادة قدرتها على استيعاب وانتاج فكر التغيير صوب مجتمع العدالة والرفاه المادي والروحي ليس كافياً على الإطلاق لتحقيق التغيير ألمنشود دون وجود احزاب اشتراكية ونقابات قوية وناضجة، تستوحي برامجها من ألواقع الحي المعاش مستندة إلى ارث نظري راقي وتجارب غنية ونهج علمي أثراه ماركس في نظريته ألاجتماعية السياسية عن الثورة ألدائمة وألتي تناولت أفكارها ألرئيسية في مقالات سابقة.
وأخيرا، فان الغور في برامج مستقبلية قد تتحقق بعد أجيال عديدة، رياضة فكرية ممتعة ولكنها غير مجدية في حسابات التغيير السياسي ألاجتماعي. وإذا كان لابد من وضع هدف استراتيجي يتجه نحوه الاشتراكيون في برامجهم ألمرحلية (على اختلاف مدارسهم وتنوع برامجهم) فهو ذلك الهدف المستنبط من تجاربهم السابقة: ألسعي لبلوغ نظام لعلاقات الانتاج، تتحقق فيه أعلى مستويات الرفاه ألاجتماعي ألروحي والمادي. وكما ذكر ألمفكر ألاشتراكي ألكبير كارل كاوتسكي في كتابه (دكتاتورية ألبروليتاريا) ألصادر عام 1918، ان كومونة باريس قد تسامت على غيرها من الثورات ألاشتراكية في أن جميع ألاشتراكيين ألفرنسيين قد ساهموا فيها بتعاضد ورفقة..... فالهدف الذي يوحد جميع ألاشتراكيين هو تحرير ألبروليتاريا ومعها ألمجتمع بأسره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن