الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هابرماس ونظرية أخلاقيات المناقشة

راوية رياض الصمادي

2016 / 5 / 4
الادب والفن


الجزء الثالث

عند التحدث عن أخلاقيات المناقشة نجد أن هابرماس يعتبرها منهجاً من خلاله يتم تحديد معايير عادلة لزاوية النظر الأخلاقية. بل جعلها نظرية تبحث في الطرق والإجراءات السليمة التي تمكن الذات المتفاعلة فيما بينها، من التواصل عبر الحوار إلى صياغة تلك المعايير الأخلاقية.

ومن الملاحظ أن المهتمين لفكر هابرماس جعلهم يعتبرون أخلاقيات النقاش تأسيساً للمجتمع المدني.

جان كوهان يعتبر على سبيل المثال أن الاخلاقيات تمثل سياسة تعمل على التأسيس لمجتمع ديمقراطي مدني يستوعب التعدد ويكرس الحوار.

هابرماس رفض أن يجعل الاختزال السياسي هذ لأخلاقيات النقاش وهو باعتقاده أنها نظرية في التواصل، على وجه العموم، وقد يكون البعد السياسي أحد أبعادها.

ومن خلال قراتي المتعمقة لفكر هابرماس وجدت نفسي أفكر بأن هذه الاخلاقيات على ماذا ترتكز وعلى أي معايير وأومر تنتهج وإلى أي مدى يريد هابرماس التوصل اليه من هذه النظرية؟؟؟؟؟

أن المعايير الأخلاقية هي نلك التي يقبلها أعضاء الجماعة التواصلية المعنيون بها وهي تراعي مصالحهم المشتركة ويكون لها طابع كوني.

وعليه فإن النقاش العملي حسب هذا التعريف أداة ذات مكانة جوهرية في سن المعايير وتبريرها، لان التبرير هو عملية بيذاتية تداولية غير منفصلة عن الاجتماع، وهو وسيلة ملائمة لتأسيس نظرية عن مجتمع حداثي في عصرنا هذا وهو عصر تراجع دور التقليد والعادات في شد أواصر العلاقات الاجتماعية، هو عصر تعدد المعتقدات والأعراف والتجمعات داخل نفس المجتمع، هو عصر تصاعد النزاعات الدولية مما يهدد الاستقرار والسلم العالميين، هو عصر تصاعد المصالح التجارية والاقتصادية، هو عصر الاستغلال المفرط للبيئة وتفاقم الاحتباس الحراري الكوني.

عند إدراك كل هذا نعلم لماذا تأتي أهمية اخلاقيات النقاش والحوار، وعند النظر إلى معاييرها نعلم مباشرة إلى أنها الوسيلة الأمثل والتي تكفل التوازن الدولي ويدعم تنمية المجتمعات. هذا هو رهان أخلاقيات النقاش شرطها الأساسي إجماع الكل على قواعد ومعايير وضوابط يلتزم بها المتحاورون في إطار فعل تواصلي.

عمل هابرماس على دعم أطروحته من خلال النظرية الحجاجية، فأستمد منها القواعد الصورية التي يجب على المتحاورين الالتزام بها قصد تحقيق الاجماع أو اتفاق العقول.

كان هدف هابرماس تأسيس مبدأ استدلالي في اخلاقيات النقاش والقواعد التي اقترحها هابرماس هي:-
1- لكل من هو قادر على الكلام والفعل نصيب كامل في النقاش.
2- لكل الحق في إثارة أي إشكال أو اعتراض على أي تأكيد كيفما كان يندرج ضمن هذا الحق (حق الاعتقاد في أراء ما والتعبير عنها).
3- لا يحق منع أي كان من المتحاورين من النقاش ولا استعمال أسلوب الإكراه عليه.

عند قراءة هذه القواعد وبتمعن نجد انها تفترض على الجميع هذه القواعد المشاركة والندية بين المتحاورين: لكل الحق في أن يدلي بدلوه ويفصح عما عنده دون تضيق أو مضايقة قصد تحقيق الإجماع.

أضاف هابرماس قاعدتين أخريين مفادهما أن الدعاوى المعيارية للصلاحية تتضمن معني معرفياً، ويجوز التعامل معها بوصفها دعاوى للحقيقة؛ وعليه فإن ضرورة الدخول في نقاش من وجهة نظره حقيقي لتأسيس المعايير والاوامر اعتماداً على العقل المتواصل المتحاور وليس على العقل الفردي.

وصفة المعرفية تعني أن الشيء قابل للقبول أو الرفض خلال عملية الحوار التي هي أخذ ورد.

بعض النقاد وجدو أن أخلاقيات النقاش التي ترتكز على أهمية الحجة والحجج في صياغة المعايير الأخلاقية والاجتماعية ما هي إلا سوى تداولية فلسفية صيغت على شكل منعطف لساني تداولي أساسه التشديد على أهمية القوة غير القسرية للحجة الأقوى.
عند تناول فكر هابرماس ووضعه تحت المجهر ستلاحظ أن أخلاقيات النقاش عنده تهتم بالمعايير، معايير الفعل التواصلي وبالنسبة لهابرماس هو لن يتم إلا في إطار الدولة الدستورية حيث يكون بالإمكان المواطنين المشاركين في سياسة تشاورية أن يصلوا إلى تأسيس معايير تحظى باحترام المجتمع وقبولهم.

إذا المعايير لدى هابرماس ليست قرارات شخصية، بل هي مؤسسة على إمكانية تبريرها تبريراً عقلانياً اعتماداً كلياً على عملية حوارية حجاجيه. وهو يعمد إلى دمج بين العقل الخالص والعقل العملي.

وبذلك فإن صلاحية المعايير الأخلاقية لديه يحكمها تصور عملي ذو صلة بممارسة النقاش والحجاج أي أنها تقوم على الاعتراف بالمعيار في إطار نقاش يعترف ضمنياً به وتقبله جميع أطراف الحوار ثم إن ما يهم هابرماس هو سن معايير كونية قادرة على حل المشكلات التي فيها تتخبط البشرية وتعمق ثقافة السلام بين الأمم والشعوب.

أكد كارل اوتو أبل KARL OTTO APEL زميل هابرماس على أن أخلاقيات النقاش هي أخلاقيات المسؤولية.

تحولت أخلاقيات النقاش في ألمانيا إلى تقليد فلسفي، وأبدع الفيلسوف الألماني هانز يوناش HANS JONAS في كتابة مبدأ المسؤولية في عنوان فرعي على أخلاقيات الحضارة التكنولوجية، وهو أراد بهذه الاخلاقيات أن تكون بديلاً للأخلاقيات التقليدية الميتافيزيقية وأن تكون أخلاقيات المستقبل نظراً للتحديات التي لم تعد فيها البشرية منكبة على حل مشكلات البيئة والتلوث والانحباس الحراري.

كارل اوتو أبل عمل على دعم اخلاقيات النقاش بما ورد في مبدأ المسؤولية، في إطار حواري تواصلي يدعو إلى تجند جميع الأطراف للتفاهم حول سبل مواجهة الخطر المحيق بالبشرية.

البعد السياسي لعب دوراً هاماً وكبيراً في نظرية هابرماس وزميله كارل أوتو أبل لأخلاقيات النقاش خصوصاً حينما ربطاها بمبدأ المسؤولية. وهذا يعني أن الجميع مطالب بأن يتحمل مسؤوليته التاريخية في وضعية عالمية لم تعهدها البشرية من قبل، كما لا يمكن تصور نتائجها على الأجيال المقبلة.

أوضح هابرماس هاجس فكره حينما قال: " لقد شرعنا في السنين الأخيرة، أنا وزميلي كارل أوتو أبل في محاولة إعادة صياغة ما نسميه تأسيس المعايير، أي الاخلاق الكنطية، اعتماداً على وسائل مستمدة من نظرية التواصل".

أي أن المشاركين في النقاش أو المتناظرين هم أناس واقعيون تختلف رغباتهم ودوافعهم ومصالحهم مما يعطي للنقاش قيمة.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في


.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/




.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي