الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نحن ناضجون؟

علي المدن

2016 / 5 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التيارات الفكرية التي تنشأ كمعارضة، والتي تبقى تحافظ على استمرارها كتكتل موازٍ للدولة، تنتج في الغالب خطاباً مثالياً. في العراق مثلا، كان التشيع على هذا النحو. ظل المخيال الاجتماعي ينبذ السياسة كخطيئة، وينتقد من يزاولها بإحساس أخلاقي مرهف جدا. في المقابل بقيت فكرة الخروج على الجماعة الشيعية تمثل ليس فقط مروقا، وإنما ضياعا أيضا. قد يظن البعض أن خلو تجربة الشيعة العراقيين من ممارسة السلطة أضاعت الكثير من مواهب أبنائهم في الحكم والسياسة، إلا أنني أرى أن في ذلك ما هو أمرّ، وهو انحسار الكثير الكثير من العقلية الواقعية في فهم شؤون السياسة والحياة. لكنّ الشيعة اليوم على موعد مع اختبار جدي ليس للمواهب أو العقلية الواقعية فقط، بل ولكل تلك المثاليات العريقة، لكل تلك الأفكار السعيدة عن العدالة الاجتماعية، ولكل تلك الروح الثورية التي كانت تنكر على الآخرين خنوعهم للحكّام الفاسدين. إننا على موعد مع التاريخ لوضع جميع هذه اليوتوبيا على محك الواقع.
إن حالة السخط التي تعم العراق شرقا وغربا سوف لن تجدي نفعا ما لم تتحول إلى خطوات ملموسة قابلة للتطبيق، ولن يتحقق ذلك ما لم يبادر فريق سياسي لحملها، وليس مجرد نشطاء مدنيين، بل ولا حتى فريق سياسي من الأطراف السياسية الحالية المتهمة هي ذاتها بتحطيم البلاد. لن تكفي في هذه الحالة المراهنة على بعض الشخصيات السياسية الدينية مهما بدت تلك الشخصيات حماسية، لأن المسألة هي مسألة "مشروع سياسي" قبل أن تكون مسألة نزاهةٍ، أو كاريزما، أو بلاغةٍ، شخصية. إن الفرص في السياسة لا تتكرر، كما أنها لا تلبث طويلا، ومن يرغب حقا بالمغامرة عليه أن يبدأ، قبل كل شيء، بتعريف ما يود القيام به، مما يحقق آمال هذه الحشود المحتجة، كما عليه أن يكون مقنعاً على الصعيدين الداخلي والإقليمي، فالثقة صعبة المنال داخليا، والاستعداء لا طائل من ورائه خارجيا.
لقد أشرت في بداية حديثي إلى الشيعة والتشيع، ولم يكن ذلك مني بدافع الرغبة في تكريس الأحداث لصالح طائفة على حساب طائفة أخرى، وإن كان جميع المعنيين بأحوال العراق، ممن هم خارج العراق، رأوا في الاحتجاجات الأخيرة، طابعا، أو حضورا، شيعيا طاغيا. وسواء أكان هذا حقا أو باطلا، فإن ما يحملني أنا شخصيا على التسليم لهذا المنطق هو علمي بأن التغيير الحقيقي في العراق اليوم لن يكون ممكنا ما لم يقوده الشيعة حصرا. إنني كباحث أرى في هذا الوضع حقلا تجريبيا في تأمل قدرة المثاليات التاريخية على التغيير، ولكنني كمواطن أجدها فرصة لفحص مدى تأهيلنا ونضجنا كشعب في معالجة قضايا السياسة والإدارة. فهل نحن حقا ناضجون؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح