الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعثر الاصلاح ولد انقساما برلمانيا وغضبا شعبيا

عبد الحسين العطواني

2016 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



الاختلاف في الرأي حول أي مسألة تتعلق بكيفية تنظيم الحياة السياسية أمر مشروع ويتوجب طرحه بشكل واضح , بل ويفترض مناقشته بحرية وموضوعية وبدرجة عالية من الأهمية , إلا أن هذا الاختلاف حينما يتحول إلى صراع ويجري في فراغ مطلق , بعيدا عما يعده المجتمع ثوابت وطنية , فهو انسياقا وراء الشعارات المضللة الداعية باسم الديمقراطية ويفضي إلى ممارسات الهيمنة التي تصب خارج المصلحة الوطنية , وترسيخ للمصالح الشخصية, وبالنتيجة لا تعود بأي فائدة نحو تطور الديمقراطية الحقيقية في البلاد .
فالكتل السياسية عامل مهم ومحرك أساس للتغيير في المجتمع والنافذة التي ينظر إليها الشعب على أنها راعية للمسؤولية الاجتماعية والاقتصادية , فهي تستطيع أن تلعب دورا فاعلا في تأسيس ودعم مسيرة الإصلاح إذا ما توفرت الإرادة السياسية الهادفة والكفاءات المهنية اللازمة للقيام بهذا الدور , وبالتالي كسب البنية الوطنية التي تؤثر في مسيرة الشعب وتصوراته في أولويات الإحداث السياسية , غير أن عدم قيام الكتل بهذا الدور يعود إلى تهربها من تحمل مسؤولياتها الأساسية كممثلة للشعب , فعندما تعجز الكتل السياسية عن تقديم تصوراتها لعواقب هذه المواضيع وطرق معالجتها , يعني أن واقعها يشير إلى فقدان التوازن في علاقتها بثلاث قوى أساسية تفعل في هذا القطاع وتتفاعل معه وهي , المصلحة العامة , ومصلحة الدولة ومؤسساتها , ومصلحة القطاع الخاص , ما نراه اليوم في عمل البرلمان هو توازن مفقود بين المصلحة العامة ومصلحة القوى السياسية , وقد أدى فقدان هذا التوازن إلى عدم مقدرة المسؤولين , وبالتالي وضع خطط وسياسات ميتة على المصلحة العامة وتحول هذه الكتل إلى جماعات متنافرة الهوية والقيم , وانقسام سياسي واجتماعي , وإغفال الأمور المعيشية .
فلابد للكتل السياسية أن تكون قريبة من الشعب , ولابد من إيجاد علاقة تأثير متبادلة بين الكتل وبين المواطنين بشكل عام من جهة , وبين رؤساء الكتل , وأعضائها من جهة أخرى , أما تحويل أعضاء الكتلة إلى كائنات خائفة وتابعة دوما إلى رئيسها , وبدلا من أن تنظم العلاقة على أساس حرية الرأي والاختيار , ضمن دولة العقد الاجتماعي المدني بينها وبين الشعب الذي انتخبها , تنظم العلاقة على أساس العقاب والثواب والهيمنة المرتبطة بدافع النفعية والمصلحية , ذلك يتنافى مع ثوابت الديمقراطية , فليس من المنطق والمألوف أن تسلك بعض الكتل طريق ما لتحقيق هدف معين , وتدعي التغيير وهي في زاوية من الضغوطات يجعلها مسلوبة الإرادة والقرار ولا رأي لها في المواصلة أو التنصل , عدا خطابات جاهزة لتبرير وشرعنة ما يؤمرون به , كتبرير المواصلة بالتغيير والاستجابة لمطالب الشعب , والتنصل والانسحاب بالمقاربة والوئام , بصرف النظر عن توافر القناعة من عدمها , ومن يحاول الخروج عن هذا المسار يجد نفسه في خانة التمرد ويتلقى العقاب , فإلى أي نوع من السلوك السياسي يرتقي هذا الخنوع , الم يعد اللعب بعقول الناس المتظاهرين والمعتصمين , وفقدان الثقة بسياسة ومصداقية الممثلين لهم .
وعندما يحصل التصويت يكاد ينحصر على المواضيع المتفق عليها مسبقا , فأعضاء البرلمان فشلوا في القيام بدور الرقابة على المؤسسات السياسية والمصالح العامة وفي الدفاع عن حقوق المواطن الذي انصرف عنها , ولم ير فيها إلا أبواق سياسية متناثرة تفرق ولا توحد , وبتعبير أخر أن فقدان دور الرقيب على السلطة أدى إلى فشل البرلمان في أن يكون حافزا لتحسين أوضاع الناس والمساهمة بالدعوة التي تطور المجتمع وبناء الدولة العادلة والمواطن الصالح , فالكتل السياسية لا تقوم بدورها الأساس كممثل للشعب تدافع عن مكتسباته وتهتم بأموره , أو مقدرتها على ممارسة مسؤولياتها الشرعية , لذلك فشلت في صياغة قرارات ضاغطة وفاعلة تسهم في عملية الإصلاح .
ففي توجه غير مسبوق تحولت معارضة حركة النواب المعتصمين في جلسة البرلمان يوم 26 نيسان 2016 في عرضها للأمور , من معارضة فكرية عامة إلى معارضة سياسية مباشرة لتزخر بالإثارة السياسية , وتعلن حضورا سياسيا وفكريا وإصلاحيا يتجاوز سقف الخطاب الإيديولوجي السياسي , وهذا هو أول اختراق فكري ثقافي سياسي على الرغم من إن إخفاقهم في اكتمال النصاب لايعني أن مطالبهم في الإصلاح تغيرت , أو تأثرت , صحيح أن الوضع السياسي عاد كما هو عليه وعادت الائتلافات أقوى من السابق وخفتت الأصوات المعارضة المعول عليها وصاحبة المشروع الإصلاحي, وغاب صوت الفكر الحر , ودعوة الإصلاح والتجديد , إلا أن هزات عنيفة قد تعرض لها البرلمان عن مفاهيمه التقليدية نتج عنها تمرير جزء ما أطلقوا عليه بكابينة ( الظرف المغلق ) .
لذلك فأن محاولات إصلاح النظام السياسي بعيدا عن قيود الكتل كان تطورا كبيرا , سعى إليه الأحرار بجرأة وقوة , بل ما يجب إدراكه أن المعتصمين حاولوا إحداث تعديلات في البناء السياسي لنظام الحكم عده البعض من أصحاب المصالح بأنه أمر يرتفع إلى مصاف التهور والجنون .
أما الشئ الأكثر أهمية هنا أن التصحيح الفكري وغربلة المفاهيم وتقديم رؤى فكرية سليمة كان هو الأجدر في ثمار الإصلاح المرتقب الذي انطلق من الفكر في معالجته وخطواته , وعلى كل حال فقد كشف مسار الإصلاح عن انحراف عقائدي وفساد فكري لدى البعض , لم يتوقع وجود ذلك عموم الناس المغطى عليهم بخطابات الاستمالة والتوافق المزيف الذي ألفوه , فقد كانت معركة بين العقيدة والانحراف , وبين الحكم المطلق والدستور , وهذا اتضح عندما تبين للجميع أن اغلب النواب رفضوا الدخول إلى جلسة البرلمان يوم السبت الماضي للتصويت على ما تبقى من الكابينة الوزارية , على الرغم من تواجدهم , لتنكشف لعبتهم التي انتهت بعدم الاتفاق على تقسيم الغنائم , إلا أن المعتصمين أدركوا ذلك وحصل ما حصل , استمرار الحراك والغضب الشعبي الذي قد ينذر بحراك عام لا يصب في مصلحة البلد, ومن ثم يصعب السيطرة عليه , لاسيما ونحن في توتر سياسي ينذر بالخطر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس