الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة من لاجىء إلى رئيس حكومة السويد

خلف علي الخلف

2016 / 5 / 6
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


عزيزي ستيفان لوفين رئيس حكومة السويد؛ شاهدتٌ الفيديو الذي تردون فيه على طفلة سويدية وجهت لك سؤالاً كيف تساعد اللاجئين ولم تترك عنوانها لترسل لها الرد بالبريد! وبغض النظر عن الإخراج الإعلامي للقصة؛ ففي السويد كما تعلم حتى إن لم تكن رئيس حكومة يمكنك معرفة عنوان أي شخص؛ أجد أن سؤال الطفلة وردك أنت يعكس روح الشعب السويدي المحب لمساعدة المنكوبين والذي يتأثر فعلاً بالكوارث والمآسي التي تحل بشعوبٍ في دولٍ بعيدة وغالباً ما يقدم المساعدة لها.

لكن اسمح لي عزيزي رئيس الحكومة السويدية أن أكون صريحاً معك، وأقول لك أن ما قلته في معرض ردك على الطفلة، رغم نبله، ورغم ما قد يعكسه من تأثير إيجابي، للحد من تصاعد كراهية اللاجئين فهو مجرد “شو إعلامي”، لن يقدم أي شيء إضافي لأي لاجيء قدم إلى بلادكم، وماذكرته؛ هو مايفعله السويديون قبل “خطابك” هذا! وشخصياً بكيتُ مرتين تأثراُ عندما قدم لي سويديون لا أعرفهم مساعدة غير متوقعة ولم أطلبها منهم! في بدايات قدومي للسويد. كنت مع ابنتي نسأل شخصاً عن عنوان المشفى في مدينة شلفتيو فقال لنا الشخص الذي سألناه اتبعاني! وكنتُ أحسب أنه سيشير من مكان واضح إلى الطريق إلا أنه أركبنا في سيارته وأوصلنا إلى باب المشفى ولفرط تأثري نسيت أن أسأله حتى عن اسمه.

وفي مرة أخرى اشتريت أغراضاً من السوبر ماركت الوحيد في قرية يورن بقيمة 97 كرونة وعندما أردت الدفع قالت لي الموظفة إن شبكة الدفع الإلكتروني معطلعة؛ وقفتُ لدقيقة أتناقش مع الموظفة لإيجاد حل لكنها أبلغتني أن المشكلة لا تخص محلهم بل في كل شبكة الصرف الآلي، تنحيت جانباً وأفسحت الطريق لمن يقف خلفي لي ووقفت أفكر في حل، ثم مشيت متجهاً إلى الباب الخارجي عاجزاً عن إيجاد حل لكن الموظفة نادتني وأعطتني الأغراض التي اشتريتها قائلة إن الشخص الذي كان يقف خلفي دفع عني! ذلك الرجل الذي كان يشتري علبة سكائر لم يتوقف حتى ليتيح لي شكره! هذا دينُ لايمكن أن أنساه طوال حياتي. أذكر هذا الذي حدث معي؛ لكني أعرف مئات القصص المشابهة التي يرويها اللاجئون عن هذا الشعب المحب لمساعدة المنكوبين، والبائسين. بل أظن أن الشعب السويدي برمته يرفع شعار “كن مثيراً للشفقة لنتعاطف معك”.

وبعيداً عن قرارات حكومتكم الأخيرة، التي جاءت للحد من تدفق اللاجئين، والتي أتفهمها فعلاً، رغم أنها أبكت نائبتكم السيدة أوسا رومسون وهي تقرؤها في مؤتمر صحفي! ومع شكري العميق للسويد التي أظهرت مستوى عالٍ من المسؤولية واستقبلت العدد الأكبر من اللاجئين السوريين القادمين إلى أوربا نسبة لعدد السكان، اسمح لي أن أقترح عليك بعض الإقتراحات التي يمكن لحكومتك أن تساعد من خلالها اللاجئين دون أي أعباء إضافية على خزينة حكومتك المتحصلة من دافعي الضرائب السويديين.

أولاً: العدالة والمساواة في الإنتظار

في فترة انتظار اللاجئين لمقابلاتهم أو في انتظار قرارات دائرة الهجرة بعد إجراء المقابلة، لتحديد مصيرهم بالقبول أو الرفض؛ يمكن لحكومتك أن ترسي قواعد لتحقيق العدالة في مدة فترة الإنتظار، والعدالة هنا لا تعني أبداً تقصير فترة الإنتظار، بل تقاربها لعموم اللاجئين! إذ ليس من العدل أن يحصل شخص على إقامته خلال يومين وآخر ينتظر سنتين! وهما حالتين متشابهتين! هذا اعتباط ممنهج يا عزيزي ستيفان ناتج عن الاستهتار بمصائر هؤلاء البشر، المعذبين في بلادهم بما يكفي والهاربين أصلاً من بلادٍ تفتقر للعدالة والمساواة، وتدار كل سياساتها بالإعتباط؛ هذا اعتباط ناتج عن استغلال ضعف هؤلاء البشر، وعدم قدرتهم على الإحتجاج في بلادٍ لا يعرفون لغتها ولايملكون أي حماية قانونية اتجاه هذا الاعتباط ويجعل مصائرهم وأيامهم ومسار حياتهم معلقة على قرار موظف في دائرة الهجرة أعطي سلطة مطلقة للتحكم بمصير هؤلاء البشر؛ وكما تعلم “السلطة المطلقة مفسدة مطلقة” بغض النظر عن التكوين الشخصي للموظف. وإذا كانت السويد أرض الإختراعات عاجزة عن إيجاد نظام تقني يحقق المساواة والعدالة في فترة انتظار اللاجئين والنظر بقراراتهم! إسمح لي أن اتقدم بالمساعدة كلاجيء في هذه البلاد لوضع هذا “السيستم”؛ مع علمي أن مجرد اقتراحي هذا يعتبر “كفر” وفقاً لنصوص قانون يانتيJante low””.

ثانياً: تعليم اللغة في فترة الإنتظار

ربما لا تعلم عزيزي ستيفان إن فترة الإنتظار الطويلة والمضنية والمدمرة والفارغة من أي شيء؛ هي أفضل فترة لتعليم اللاجئين اللغة! إن الحجة الأقرب للمنطق لعدم فعل ذلك، هي أن بعضهم سترفض طلبات لجوئهم، وهكذا ستكون الخزينة السويدية التي تديرها حكومتك الإشتراكية تحملت أعباء إضافية هي بغنى عنها. لن أذكرك بالدول التي صرفت وتصرف مليارات الدولارات على تعليم لغتها للأجانب فالسويد ليس لديها طموحات خارجية، لكن اسمح لي أن أوضح لك أن هذه الحسبة خاسرة! فاللاجيء يكون متحمساً ومندفعاً حين قدومه للبلاد الجديد باتجاه “عمل شيئ ما” وهذه أفضل فترة لتعليمه اللغة لأنه ليس لديه شيء آخر يفعله في الوقت الطويل الذي يقضيه بانتظار قرار موظف الهجرة لتحديد مصيره، وسيكون تعلمه للغة أسرع من تعلمه لها في فترة “الإندماج والترسيخ” بعد صدور قرار قبوله لاجئاً، واللغة كما تعلم يتعلمها المرء مرة واحدة، فما يتعلمه في هذه الفترة لن يذهب سدى وسيوفر على خزينتكم مبالغ كبيرة! إذ أن اللاجيء في فترة الإنتظار يأخذ أقل من ثلث المعونة التي تعطونه إياها في فترة “الترسيخ” وسيتعلم اللغة بتكاليف أقل، فالحكومة ستربح وفراً في التكاليف واللاجيء يربح الزمن المهدور من حياته دون أن يفعل شيئاً. أعرف أن مؤسسات سويدية غير حكومية أخذت مؤخراً أموالا طائلة من حكومتكم الإشتراكية تحت يافطة تعليم اللاجئين ومساعدتهم على الإندماج في فترة الإنتظار، لكن أي دراسة -غير جادة حتى- لقياس أثر هذه المؤسسات ستجد أن أثرها معدوماً وأنها حريصة فقط على التمويل، لا على تأثيرها في مستقبل اللاجئين وبناء حياتهم في البلاد الجديدة.

ثالثا: إيجاد حل لـ “عدالة قراقوش” عند استئناف قرار رفض اللجوء

كما تعلم فإن دائرة الهجرة تتبع وزارة العدل، ويحق لكل لاجيء رفض طلبه أن يستأنف الرفض أمام المحكمة السويدية المختصة، التي كما تعلم أيضاً تتبع وزارة العدل! هذا ليس عدل عزيزي ستيفان، هذا عدم تكافؤ بين لاجيء مسكين لاحيلة له ولاقوة وبين موظف أعطي صلاحيات مطلقة، سينظر زميله في القضية ويحكم بها وهم يتبعون وزارة واحدة وربما يعرفون بعضهم البعض، أو عملوا مع بعض! مع عدم قدرة غالبية اللاجئين على إيجاد محام يتولى قضيتهم. هذا يحدث في الدول التي جاءك اللاجئون منها هاربين من عدالتها “القراقوشية” وربما ستجد أحداً من مستشاريك يشرح لك “عدالة قراقوش”.

رابعاً: إيقاف الصلاحيات المطلقة لموظفي مكتب العمل في رسم خطة “الترسيخ”

كما تعلم عزيزي رئيس الحكومة فإن اللاجيء بعد صدور قرار قبول طلبه وحصوله على الإقامة، تنتقل “تبعيته” من دائرة الهجرة إلى دائرة “مكتب العمل” حيث يبدأ مشروع “الإندماج والترسيخ”. وهنا تبدأ تراجيديا “قانون يانتي” حيث يبدو أن غالبية موظفي مكتب العمل يعملون وفقاً للبند التاسع منه “لا تعتقد أن أحداً مهتم بك”! لابمهاراتك ولابخبراتك ولا بتعليمك ولا بما تريد أن تفعله، أو بالعمل الذي يناسب مؤهلاتك وخبراتك، ويعتقدون أن أفضل مهنة يمكن للاجئين أن يقوموا بها هي “سرفاتور وسرفاتورة” [غرسونات] في مطاعم السويد الكثيرة والمحتاجة للأيدي العاملة، ولايهم الموظف إن كان هذا الشخص طبيباً أو محامياً أو مهندساً في بلاده! المشكلة هنا ليست فيما يراه موظفي مكتب العمل الذي ينظرون من عين ضيقة تكاد تكون عمياء لمصلحة بلادهم، والذين هم في الغالب غير مؤهلين للتعامل مع أشخاص من خلفيات وثقافات ومؤهلات مختلفة، بل في السلطات المطلقة المعطاة لهم في تقرير ما يرونه مناسباً لهذا الشخص أو ذاك، وفي عدم وجود جهة للشكوى خارج مكتب العمل نفسه ضد أحد الموظفين الذي يستطيع أن يدمر حياتك في حال تقدمك بشكوى ضده! ويمكن لحكومتك الديموقراطية والإشتراكية الرشيدة التي أنت رئيسها يا عزيزي ستيفان أن تطلب الشكاوى التي تقدم بها لاجئون في فترة “تبعيتهم” لمكتب العمل ضد موظفين وتنظر فقط إلى النسبة التي حكم فيها لصالح اللاجيء وليس لصالح الموظف؛ وعلى الرغم من أنه ليس لدي إحصاءات حول الأمر إلا أني أستطيع أن أزعم أنها تقارب الصفر. كما أنه لدي ملف شخصي حول هذا الأمر تحديداً، أزعم أنه يجب أن يكون مخجلاً ليس لحكومتك الديموقراطية وحدها، والتي تتنطع للدفاع عن حقوق الإنسان في أراضٍ بعيدة، بل لكل سويدي يدفع الضرائب لتمويل رواتب موظفي مكتب العمل المشرفين على خطة الترسيخ والإندماج للقادمين الجدد.

خامسا: إبعاد العنصريين عن الدوائر المتعلقة باللاجئين

كما تعلم فإن العنصريين في السويد الذين يعلنون عن أنفسهم في تزايد مستمر، وحزبهم يحقق تصاعداً في شعبيته، بل أنه أجبر حكومتك الديموقراطية الإشتراكية على تبني سياسات متشددة اتجاه قبول اللاجئين؛ وربما لن يخطر في بالك عزيزي ستيفان أني شخصياً أتفهم العنصريين وأعتقد أن أفكارهم تحمل مشروعيتها عندما لا يقومون بأفعال تخالف القوانين؛ لكن هل تعتقد أنه من العدل أن يتولى عنصريون وظائف تتعامل مع اللاجئين في دوائر الهجرة ومكتب العمل والضمان الاجتماعي! إذا كنت تعتقد أن هذا الأمر ليس ممنهجا ومقصوداً يمكن لحكومتك أن تقوم بدراسة ملفات شاغلي هذه الوظائف أو المتقدمين لها وإبعاد العنصريين عنها، كما تفعل عند دراسة ملفات المتقدمين لوظائف “حساسة”، فوجود موظف عنصري في دوائر اللاجئين ليس خطراً على اللاجئين وحدهم بل إنه يشكل خطراً على الأمن الوطني للسويد، بل والأمن العالمي! فموظف عنصري واحد في هذه الدوائر كافي ليس لتدمير حياة عشرات الأشخاص وإعاقتهم عن الإندماج؛ بل يمكن أن يحول بعض اليافعين منهم إلى “دواعش” عندما يجد هذا الشخص أن كل الأبواب مغلقة في وجهه وأنه مستهدف ولا يستطيع أن يفعل شيئاً بسبب حواجز اللغة، وعدم معرفته بالقوانين التي تحميه، إضافة لمعرفة الموظفين العنصريين بالقوانين السويدية وقدرتهم على جعل تصرفاتهم العنصرية تتماشى مع القوانين، إنها العنصرية التي لاتمسك ولاتترك أثراً قانونياً. ومن باب الإستئناس أرجو أن تكلف جهاز مخابراتكم “سابو” أن يدرس ملفات السويديين الذين انضموا للمجموعات الإسلامية الإرهابية ويقدم لك تقريراً سرياً عن نسبة الذين لديهم مشاكل مع الدوائر التي تتعامل مع القادمين الجدد واللاجئين، لتدرك خطر هذه النقطة التي أتحدث عنها.

عزيزي ستيفان قبل قدومي إلى هذه البلاد كنت أعتقد أن عدم إندماج غالبية القادمين من شرقنا المنكوب في بلدانهم الجديدة يتعلق بمشاكل التنشئة والثقافة والدين التي حملوها من بلدانهم، لكني وجدت أن عدم الإدماج هو سياسة ممنهجة في البلدان الأوربية وسواء كانت رسمية أو غير رسمية فإن ذلك لن يغير من الأمر شيئاً. نحن نتحدث عن السويد التي تقول إحصائات نشرها موقع هافنغتون بوست تعتبر السويد البلد الأقل عنصرية والأكثر قبولا للقادمين الجدد في أوربا. وكما علق صديقي على منشور لي حول العنصرية أتمنى أن تصمد السويد وتنجو من حملة الكراهية المتصاعدة في العالم ضد المهاجرين واللاجئين، لأنها تعتبر المقياس العالمي لتصاعد درجات الكراهية البشرية إن صح التعبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلتنا: مقتل شخص في غارة استهدفت سيارة بمنطقة أبو الأسود ج


.. مشاهد جديدة من مكان الغارة التي استهدفت سيارة بمنطقة أبو الأ




.. صحفي إسرائيلي يدعو إلى مذبحة في غزة بسبب استمتاع سكانها على


.. هجوم واسع لحزب الله على قاعدة عين زيتيم بالجليل وصفارات الإن




.. شمس الكويتية تسب سياسيي العراق بسبب إشاعة زواجها من أحدهم