الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لكل منا عقلان ...!

محمد صالح الطحيني

2016 / 5 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أزفت لي إحدى صديقاتي بالعمل خبر زواجها، قالت لي: أنى سعيدة جدا لأني تزوجت أخيرا بعد أن تأخرت كثيرا وبعد سنوات العنوسة التي قضيتها وها قد وجدت الانسان المناسب وعندما وصلت لتلك العبارة اغرورقت عيناها بالدموع
فهي حزينة رغم كلماتها التي تنطق بغير ذلك، فهي لم تتزوج من الشخص الذي احبته واختاره قلبها هي تزوجت ممن اختاره عقلها لأنه أصغر سنا ولأن امكانياته المادية أكبر من إمكانيات ممن احبته فعلقها وتفكيرها المنطقي هو الذي اختار رغم ما لديها من مشاعر اتجاه شخص آخر.
هاتان الطريقتان اﻟ-;-ﻤ-;-ﺨ-;-تلفتان اختلافا جوهريا للمعرفة يتفاعلان لبناء حياتنا العقلية. الأولى طريقة العقل المنطقي وهي طريقة فهم ما ندركه تمام الإدراك والواضح وضوحا كاملا في وعينا وما يحتاج منا إلى التفكير فيه بعمق وتأمله. ولكن ... إلى جانب هذا هناك نظام آخر للمعرفة قوي ومندفع وأحيانا غير منطقي. هذا النظام هو العقل العاطفي.
فهناك تقسيم عاطفي ومنطقي، فحين يعرف الإنسان بقلبه أن هذا الشيء صحيح فهذا أمر يختلف عن الاقتناع نوع من المعرفة أعمق من اليقين وأكثر من التفكير فيه بالعقل المنطقي. فهناك علاقة طردية بين سيطرة العواطف وسيطرة المنطق على العقل فكلما كانت المشاعر أكثر حدة زادت أهمية العقل العاطفي وأصبح العقل المنطقي أقل فاعلية. وهذا الترتيب يبدو أنه نابع عبر دهور من التطور من تفوق الاسترشاد بالانفعالات والحدس في استجاباتنا التلقائية للمواقف التي تكون فيها حياتنا في خطر وهي المواقف التي قد يكلفنا فيها التوقف للتفكير حياتنا ذاتها.
هذان العقلان العاطفي والمنطقي يقومان معا في تناغم دقيق دائما بتضافر نظاميهما اﻟ-;-ﻤ-;-ﺨ-;-تلفين جدا في المعرفة بقيادة حياتنا. ذلك لأن هناك توازنا قائما بين العقل العاطفي والعقل المنطقي. العاطفة تغذي وتزود عمليات العقل المنطقي بالمعلومات بينما يعمل العقل المنطقي على تنقية مدخلات العقل العاطفي وأحيانا يعترض عليها. ومع ذلك يظل كل من العقلين ملكتين شبه مستقلتين كل منهما كما سنرى يعكس عملية متميزة لكنهما مترابطتان في دوائر المخ العصبية.
وهناك بين العقلين في كثير من اللحظات أو في معظمها تنسيق دقيق رائع. فالمشاعر ضرورية للتفكير والتفكير مهم للمشاعر. لكن إذا تجاوزت المشاعر ذروة التوازن عندئذ يسود الموقف العقل العاطفي ويكتسح العقل المنطقي. كتب "آرازموس " أحد أنصار النزعة الإنسانية في القرن السادس عشر بأسلوب تهكمي حول هذا التوتر بين العقل والعاطفة:
منح جوبتر كبير الآلهة العاطفة درجة تفوق أكبر كثيرا من العقل تقدر ب (٢-;-٤-;- ١-;-). وضع أمام قوة العقل الوحيدة قوتين تتسمان بالاستبداد والعنف (الغضب) و (الشهوة). فكيف يمكن للعقل أن يسود أمام قوتين متضافرتين إن هذا يتضح من حياة الناس العادية. فالعقل يفعل الشيء الوحيد الذي يستطيعه ويظل يصيح بصوت أجش مكررا صورا من الفضيلة بينما يأمره الانفعالان الآخران أن يذهب ليشنق نفسه.
وهكذا يستمر تزايد الضجة والهجوم فيما بينهما إلى أن يشعر القائد في نهاية الامر بالإرهاق فيستسلم.

إذا أردنا أن نعرف كيف تهيمن العاطفة بقبضتها القوية على العقل المفكر ولماذا تظل المشاعر والعقل في حالة تأهب للحرب فيما بينهما لابد أن ندرس كيف يتطور المخ، وهذا ما سأرده في مقالتي القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر