الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقف من استمرار الوجود - ماني الغنوصي

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2016 / 5 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعرضت في سلسلة مقالات "الموقف من استمرار الوجود" وفي مقال "مخافة الله بين بوذا ومحمد" ومؤخرا في موضوع "زمن الميمز" إلى وجهتي النظر المتقابلتين بخصوص استمرار الوجود، وجهة نظر أهل الفناء التي تحتقر الحياة والحركة وتسعى إلى فناء العالم ووجهة نظر أهل البقاء الذين يحتقرون السكون ويسعون إلى استمرار العالم وتوسعه. وفي حين أن معظم النظريات والفلسفات تستعير عناصر من كلتي وجهتي النظر محاوِلةً التوسط بينهما وسلك طريق وسطي معتدل، إلا أن معظم التأويلات والممارسات والتطبيقات تميل إلى أحد وجهتي النظر، ميلاً هو دون التطرف في العادة.

أما التطرف في أحد الجانبين فهو خطر جداً، ونتيجته وبال على من يسير فيه، فينتهي نهاية مؤلمة، وينهزم أتباعه، ولا يدوم ذكره، مهما كان مخلص النية أو صادقا أو طيب القلب أو مستقيم السلوك. التطرف في إرادة الاستمرار يمثله الجبابرة والطغاة، وفهم خطره وسوء مآلاته قد يكون أوضح للناس، كون الإنسان هو ابن الأرض الحية،المشتاقة إلى الفناء وإرادة التوقف، الأرض التي كانت الشهيدة على استنارة بوذا، المائل إلى الفناء دون التطرف في ميله. لذا ففي حين أن المخلوق من الطين قد يفهم بسهولة خطر الجبابرة إلا أنه قد لا ينتبه إلى خطر الدعوة إلى الفناء واحتقار الاستمرار.

ماني الغنوصي، الزاهد الفاني في الله، هو أحد أشد الأمثلة على التطرف في إرادة الفناء، فإذا ما قورن بوذا أو المسيح بماني، أصبحا من أهل البقاء. لقد رفض ماني الحياة الظاهرة واحتقرها ودعا إلى التوقف عن الإنجاب، أي إلى الانقراض وطوي صفحة البشرية. كذلك رفضت المانوية تماماً قتل الحيوانات والنباتات واعتبرت أن من يقتل حيواناً أو نباتاً سيكون مصيره أن يولد بعد موته من جنس الشيء الذي قتله، وهو طرح -رغم نقائه وطيبته- يعطّل حركة الحياة واستمرارها وتطورها.

انتشرت المانوية بسرعة في عهد مؤسسها وانطفأت بسرعة، بعد أن انقلب كهنة المجوس عليه وتم قتله شر قتلة بأمر من الحاكم، فلم تمكث في الأرض ولا رُفع ذكر مؤسسها. لم يبق من المانوية إلا قصتها، فاندثرت بكل ما فيها من صدق أو حسن نوايا.

إن درس المانوية درس مهم في هذا الزمن بالذات، الزمن الذي بدأت نعومة العيش فيه توجه الناس نحو عقائد "العصر الجديد - نيو إيج" والتشجيع على تجارب تبديل الوعي "Psychedelic experiences" من قبل مجاذيب معاصرين من أمثال تيرينس ماكينا وديفيد آيك وغيرهم ممن يؤيدون تقنين أنواع معينة من المخدرات، وكذلك الدعوات اللاسلطوية الأناركية التي تبشر بعالم متحرر من كل قيود النظام والعمل والسلطة. إن درس المانوية يعلمنا أن دعوات كهذه يصعب أن تمكث في الأرض. عليها أن تكون موجودة، وتلعب دورا في دفع البشرية إلى الإبداع، حيث أن الإبداع لا ينمو تحت القيود، ولكنها لن تلبث أن تنهار.

يمكن الحديث عن أهل البقاء بوصفهم قوى اليمين وأهل الفناء بوصفهم قوي اليسار.إن طبيعة اليمين، لا اليسار، في أي مجتمع هي التي تعكس درجة تقدمه. فالقوى الملتزمة بالحفاظ على الأمر الواقع تكون متقدمة طالما كان الأمر الواقع متقدما. اليمين ليس بالضرورة رجعيا. صحيح أنه يمانع التغيير ويبدي حذرا مع دعوات التطوير لكن دافعه قد يكون الحفاظ على حالة متقدمة نسبيا أو فيها امتيازات لا بد من الحذر من التفريط فيها. اليمين في مجتمعاتنا العربية مثلا محصور في قوى التعصب الديني والعشائري، وطالما أن الأمر الواقع لدينا متأخر لا بد أن قوى الأمر الواقع ليست متقدمة. هنا تبرز الحاجة المؤقتة إلى نفس تحرري يغير الأمر الواقع التعيس إلى حالة أكثر تقدما وتستحق أن تجد يمينا جديرا يحفظها ويحميها.

أما على المستوى الروحاني، فلا يسعنا أن نكون يمينيين فقط، متمحورين حول التكاليف الشرعية والحدود والمحرمات والمباحات، بل نحتاج نفسا روحانياً يسارياً يبشر بالحب والخيال والعوالم الموازية، ولكن علينا ألا نفرط في اعتدالنا، وإخلاصنا للاستمرار الذي لن نشهده.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وجه المقارنة
شخص ( 2016 / 5 / 9 - 10:45 )
عندما يتم المقارنة بين شيئين او فكرين يفترض ان يكون لكل منهما تأثير مماثل واقعى والسؤال هل يوجد اى تأثير لما تسميه ارادة الفناء؟ انت تتحدث كما لو كان هناك صراعا حاميا بين ما تسميه ارادة البقاء وارادة الفناء وهذا فى رأيى لغو غير مفهوم..ثانيا اين الخطر الناجم لاهل الفناء من فكرهم؟ ان كل فكرهم يتلخص في انهم يريدون الفناء اى ان غايتهم هى ان يفنوا وينتهوا وبالتالى لا وجود لهم فأين هو الخطر بالضبط؟؟.قارن هذا بالخطر الناتج على ما تسميهم اهل البقاء او اشباههم من غير المتطرفين فهم فى خطر دائم وهم فى كد وبحث شاق دائم لمحاولة ابعاد احتمالات هذا الخطر فكل انواع التطور والبحث ليست الا علاج لخطأ الوجود ومحاولة لابعاد ملايين الاخطار المحتملة ولكن بلا جدوى..كانت تعجبنى مقارنتك بين اهل الايمان واهل المادة وكيف ان صراعهم باطل وعبثى فهذه مقارنة منطقية جدا وتصف واقع عبثى يحدث ..اما مقارنتك بين ما تسميهم اهل بقاء واهل فناء مقارنة وهمية تماما فالذين غايتهم الفناء وايقاف الانجاب معظمهم ليس لديه اى رغبة فى الدخول فى صراع عبثى لاثبات موقفهم وكل غايتهم هى ان يفنوا وينتهوا ويتركوا هذا العالم بما فيه من هراء وعبث


2 - وجه المقارنة
محمد عبد القادر الفار ( 2016 / 5 / 9 - 12:49 )
أهل الفناء أهل انفعال لا أهل فعل، وغالبيتهم لا خطر منها. الخطر هو من فاعل يتبنى وجهة نظرهم التأثير ليس من الخراف، بل من ذئب يختار أن يصبح راعياً للخراف وحامياً لهم.

السؤال الأجدر هو عن جدوى الاستمرار..لماذا يستمر الكون في الوجود ولماذا يحرص الفاني على بقاء الوجود بعده

الدافع لاستمرار الوجود دافع كوني وليس دافعاً شخصياً. هناك إرادة قوية جدا في الكون للاستمرار

السؤال يصبح هنا: ما دافع الفاني لتلبية هذه الرغبة الكونية الخالدة خلال حياته القصيرة،مثل عود ثقاب يوشك ان ينطفئ بعد ان استُهلك تماماً، ولكنه حريص على ان ينقل شعلته الى عود ثقاب جديد ما سيلبث أن ينطفئ بدوره.

موقف الفاني لتلك الرغبة الكونية الخالدة هو موضوع الخلاف بين أهل الفناء وأهل البقاء

الناس المندمجة في الحياة والتي تأخذها على محمل الجد هم اهل بقاء، وهم يستجيبون دون وعي لتلك الرغبة الخالدة، بينما الناس المنسحبة من الحياة وغير المندمجة والمدركة للأساس الواهي للوجود هم عادة اهل فناء، ولكن من اختار منهم الاستجابة للرغبة الكونية الخالدة اختيارا واعياً، فهو محل عجب... هو محل تقدير وسخط في نفس الوقت، كونه غير معني بإنهاء المعاناة


3 - اهل الفناء ليسوا اغبياء
شخص ( 2016 / 5 / 10 - 04:25 )
اهل الفناء ليسوا اغبياء لكى يتم خداعهم من قبل احد الذئاب انهم بعيدون حتى عن ادنى احتمال لاتباع او تمجيد اشخاص اواتخاذهم اولياء وانبياء وقادة. اهل الفناء لم يصلوا الى ما هم عليه من فكر الا بعد وعى وادراك بحقيقة بؤس العالم وكم ما فيه من هراء و اكاذيب وليس من السهل ان يقفز عليهم احد ذئاب الضلال والوهم من البشر فيتبعونه..بل ان اهل البقاء هم الخراف الذين لن يتبعوك لو اردت قيادتهم الى حقيقة الفناء بل سيصدقونك اذا قلت لهم ان هناك بقاء ابدى واستغليت ما فيهم من عاطفة وغريزة للايمان به..وحتى لو كان اهل الفناء اغبياء لهذه الدرجة لتصديق او تمجيد شخص فإن من سيقودهم سيقودهم الى الهلاك حتما اى الموت اى الفناء وهذا هو مبتغاهم فلا خطر عليهم فى كل الاحوال...الخطر هو على اهل البقاء الذين هم فى تخبط دائم والم وبؤس وامراض وحروب يخرجون منها ثم يقعون وليس لديهم سوى امال واوهام وتصديق لوعود من زعماء اهل البقاء اهل الزيف والخداع يورثون الامهم وبؤسهم الى ابنائهم بانجابهم لتستمر دائرة البقاء العبثية فى الدوران بلا هدف او غاية اما اهل الفناء فهم يعيشون فى صمت يرفضون الانجاب يرفضون توريث الالم يرفضون استمرار العبث

اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح