الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحفاظ على الديمقراطية في العراق وتطوير النظام السياسي لقد إنتهى زمن الأنقلابات

أحمد إبريهي علي

2016 / 5 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تأسس العراق الحديث في ظل ألانتداب البريطاني، نتيجة لما انتهت إليه الحرب العالمية ألأولى وما آلت إليه البلاد التي كانت ضمن السلطنة العثمانية. ونال عضوية عصبة ألأمم اعترافا باستقلاله عام 1932، وكان نظام الحكم ملكيا ديمقراطيا نيابيا على غرار المملكة المتحدة. لكن فاعلية النظام بقيت مقيدة بشروط النشأة، ومنها النفوذ البريطاني والوضع الأجتماعي والثقافي آنئذ. ولم تكن النخبة السياسية المؤسِسَة للمملكة العراقية نتاجا لتطور تلقائي تدريجي في المجتمع بل أظهرتها صدمة الأنقلاب الكبير المتمثل بخسارة العثمانيين للحرب، واحتلال بريطانيا للعراق والتمرد المسلح للفرات الأوسط ، ثورة العشرين، واصداؤها ومناصروها في بقية العراق. وفي ذلك السياق تصدّر المشهد الضباط، الذين آثروا الأنفصال عن القيادة التركية، قبل انتهاء الحرب العالمية الأولى ووصول الجيش البريطاني إلى بغداد، وتحالفوا مع العائلة الهاشمية في الحجاز، ليحكموا العراق بالتعاون مع اداريين ووجهاء عثمانيين. ورغم ان قيادة الدولة الجديدة كانت مدينية، من البيروقراطية العسكرية العثمانية والحكم المحلي للولايات الثلاث، فإن قاعدة النظام تتمثل في المجتمع الريفي وامتداداته في البلدات الصغيرة. ولقد تفاعل التكوين العشائري وثورة العشرين وسياسة الأرض البريطانية - الفيصلية في بلورة البنية الطبقية العشائرية الريفية التي حافظت على حضورها في مجلسي الأمة والأعيان حتى الرابع عشر من تموز عام 1958 .
ولا شك ان العراق الحالي صناعة العهد الملكي وعلى وجه الخصوص في التعليم ونظام المالية العامة والأدارة الحكومية المدنية والشرطة والقضاء وضبط حقوق المِلْكية وخدمات المدن. وساعد التعليم الحديث الممول من الحكومة ذوي القدرات العالية من ابناء الفقراء الصعود إلى مراتب عليا في التراتبية الأجتماعية، ومع نمو الأنفاق الحكومي في البناء التحتي وبرامج التنمية( الأعمار)، فيما بعد، إزدادت الحيوية الأقتصادية للمدن واتسعت الفئات الأجتماعية متوسطة الدخل تدريجيا. لكن ذلك الحراك الأقتصادي – الأجتماعي لم ينعكس في المستوى السياسي الذي بقي متصلبا على نشأته الأولى. فالنظام الملكي لم يمتلك في داخله القدرة على التغير الذاتي إلى جانب حفظ الأستقرار وهما الوظيفتان اللتان لا بد منهما لأي نظام كفوء. وبقي عاجزا عن تكوين نخبة سياسية جديدة مغايرة للجماعة التي قادت مرحلة التأسيس، وشهد انقلابات منها معروفة واخرى مستورة، اي كان النظام يتعرض إلى ضغوط قوية من خارج مؤسساته الشرعية، حتى اطاح به انقلاب عسكري لا يمكن وصف القائمين به سوى انهم من النواة الصلبة للجيش.
واستبدل ألانقلاب العسكري في تموز عام 1958، والذي حظي بتأييد شعبي واسع النطاق، الملكية بالجمهورية لتبدأ حقبة أخرى انتهت بالغزو ألأمريكي وانهيار النظام عام 2003. ولقد تقدم العراق في العهد الجمهوري بخطى واسعة على طريق التطور في الأقتصاد والتعليم ومستوى المعيشة رغم زيادة السكان الذي كان اقل من سبعة ملايين نسمة ليصبح 36 مليون نسمة او اكثر. بيد ان التجربة السياسية التي عاشها العراق في العهد الجمهوري وحتى عام 2003 لم يظهر لها اثرا إيجابيا ملموسا في نضج سياسي او ثقافي للأنتفاع من قواعد التداول السلمي للسلطة والحقوق السياسية والحريات المدنية في العهد الجديد. بل يبدو ان النظام السياسي للعهد الجمهوري الذي قام على تداول السلطة بالتدابير السرية والمباغتة المسلحة، والقسوة المفرطة في قمع المنافسين والأنشطة السياسية المعارضة، أدى إلى نكوص اجتماعي – ثقافي مستور بقشرة رقيقة وهشة من مظاهر الحداثة المعاقة بالقمع. ولذلك واجهت مهمات إعادة تشكيل هيئات السلطة والنظام السياسي الجديد، عام 2003 وما بعده، قوة ألإحساس بالانتماء للجماعات الأثنية والدينية، او غياب المجتمع السياسي وطنيا. ولم تنعكس الأحتياجات الحياتية للناس أو الخيارات البديلة لمستقبل العراق في تيارات او احزاب تستفيد من الديمقراطية، وتسهم في تعميقها وإثراء مضامينها الممكنة في التنمية والعدالة والأرتقاء الحضاري، وعلى نحو يفصح فعلا عن إبتهاج الناس بالحرية والأمل بالأزدهار.
ودلّت المجازر المروعة بعد سقوط الموصل على عمق المشكلة السياسية في التكوين الثقافي والأجتماعي للعراقيين والذي ينتج هذه الكراهيات والأحقاد التي صورتها مشاهد القتل الجماعي بدم بارد. وأدت المواجهات المسلحة مع السلفية الجهادية ومن معها إلى نزوح السكان ومعاناتاتهم الخوف والحرمان ومآسي موت الأطفال والضعفاء وتمزق العوائل. ولقد جاءت تلك الأحداث الجسام في سياق تمرد مسلح على الدولة العراقية منذ اواخرعام 2003 رفضا للقوى السياسية المتنفذة بالمجمل او لتقسيم السلطة على نحو آخر، وكانت العمليات الأرهابية ابرز مظاهرذلك التمرد المسلح.
لقد عبّر العنف بجميع اشكاله عن ازمة العراق السياسية، ولا يعني صرف الأذهان عن مسلسل سفك الدماء ودلالاته العميقة تحت ذرائع مختلفة سوى ترويض الناس على دوام الواضع الراهن. اما الفساد الأداري والهدر المالي، وضعف اجهزة الدولة في الخدمات وعجزها التنموي، فهي مظاهر اخرى لتلك الأزمة ادنى من العنف ليس في سلّم القيم ومعايير الأخلاق السياسية وحسب بل في شدة ارتباطها بجذور الأزمة السياسية ايضا. ولم تساعد الأنتخابات الأخيرة وتشكيل الحكومة الجديدة، والدعم الأمريكي والأقليمي المعلن لرئيس الوزراء، في وضع العراق على مسار جديد يقود إلى الأستقرار والأزدهار.
وكان الخطاب السياسي يعج بالشكوى من هيمنة رئيس الوزراء السابق على حساب الشركاء من التحالف الوطني والسنة والكورد، و يقال ان تلك الهيمنة سبب رئيسي للأضطراب الأمني وتدني اداء الدولة. وتبنت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الموقف تجاه الحكومة السابقة وعبّرت عنه في تصريحات رسمية على اعلى المستويات، وغضّت النظر عن ضغوط دول المنطقة على العراق وتعمّدت الأبطاء في تسليح الجيش حتى سقوط الموصل. وبعد مدة وجيزة تغيرت الفلسفة السياسية فأصبحت الدعوة قوية مع رئيس الوزراء الحالي لأبعاد أؤلئك الشركاء وأحزابهم السياسية عن مجلس الوزراء والهيئات المستقلة ومواقع الأدارة العليا في الجهاز البيروقراطي، وتقليص المناصب العليا وعدد الوزارات والهيئات المستقلة، والقول ان هذه الأحزاب حوّلت الدولة إلى إقطاعيات وتسببت في الخراب. وفي جميع الأحوال بقيت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في العالم ودول الجوار مصرّة على التعامل السياسي مع العراق على انه طوائف واثنيات كبيرة وصغيرة وعشائر وزعماء، وحكومة العراق واحدة من عدة كيانات لاعبة في الشأن العام. ولازالت التصريحات من شخصيات امريكية رسمية وتقارير لجهات تمثل السياسة الأمريكية تكرر عبارات مثل " من يمسك الأرض بعد داعش"، وأن اهل الموصل والأنبار لايريدون في مناطقهم قوات يهيمن عليها الشيعة، بل يدور نقاش حول من هي الجهة العسكرية التي تدخل الموصل اولا؟ الجيش العراقي ام قوات محلية تشرف تركيا على تدريب فصائل منها.
وثمة تماثل رغم الفاصل الزمني الذي يقترب من ستة عقود بين النظام السياسي الحالي، بعد الأحتلال الأمريكي، والنظام المؤسس لدولة العراق بعد الأحتلال البريطاني. إذ ان النظام الجديد يعجز ايضا عن امتلاك القدرة الذاتية لأحداث التغير المطلوب استجابة للضغوط الموضوعية الناتجة عن الفشل وتستمر الأزمة رغم المطالبة الشعبية الواسعة بتحسين اداء الدولة. فلماذا لا يتمكن مجتمع العراق عبرالترتيبات الديمقراطية السلمية من انتاج او تغيير الطبقة الحاكمة. لكن النظام الجديد يختلف عن تجربة العهد الملكي لأن بريطانيا أصرت على وحدة الكيان العراقي بثبات رغم ان الأنقسام الأثني - الطائفي الحالي له جذور في المرحلة التأسيسية للدولة العراقية الحديثة وقبلها في الزمن العثماني. فإلى جانب إعلان الكورد عن عميق إيمانهم بأن لهم الحق في دولة مستقلة منذ اللحظة ألأولى لتأسيس المملكة العراقية، فان جماعات أخرى بقيت تشعر بالحيف الثقافي أو ألاثني أو الغبن السياسي، ومع ذلك حافظ العراق على وحدته التي يفتقدها الآن. بينما تعاملت أمريكا مع العراق على انه جغرافية مفتوحة على الخارج بجميع مكوناتها، وتشتغل الولايات المتحدة مع تلك المكونات كل على حدة بمزاج يتغير حسب موقفها من ايران، ومتطلبات امن اسرائيل وشروط ادامة علاقاتها مع حلفائها الآخرين في المنطقة، وأغرت السياسات الأمريكية القوى المتنافسة على السلطة والدور بالمزيد من التناحر. وما أن اجتاز الحراك المدني – الصدري حاجز المنطقة الخضراء ودخل بناية المجلس النيابي حتى ظهرت وصفاتهم المخلصة لحل المشكلة السياسية من جديد " كيان فدرالي للسنة شبيه بكردستان مع لامركزية في إدارة الثروة النفطية"!!.
والآن وفي خضم المعمعة الجديدة، ومع كل الصعوبات والمعاناة والفشل، لا بد من التذكير بأن سقوط الديمقراطية يقود إلى انهيار أجهزة الدولة ويعرض العراق إلى مخاطر هائلة. إن الحكومة العراقية تتولى فعليا إدارة النطاق العربي من العراق، والأصلاح الذي يقصده الحراك هو في هذا النطاق وليس كردستان، والأفضل الضغط على احزاب التحالف الوطني وغرب العراق لأنهاء نزاعهم السياسي حول السلطة والنفوذ. وفسح المجال لتعديل النظام السياسي للحفاظ على دولة متماسكة تحفظ الأمن وتديم السلم الأهلي ومن خلال الديمقراطية. لقد أنتج التأسيس الجديد، رغم نواقصه المعروفة وأخطائه الفادحة، دستورا مستفتى عليه، وانتخابات منتظمة، و نظام حكم نيابي و فضاء للرأي والرأي الآخر، و حريات واسعة في تشكيل ألأحزاب ومنظمات المجتمع المدني . ويمكن تعديل الدستور وتغيير النظام الأنتخابي وضوابط الترشيح وتشجيع إنخراط قوى جديدة في الساحة السياسية. والمباشرة في إعادة بناء اجهزة الدولة على اسس من المعرفة العملياتية التفصيلية، إلى جانب تعميق الوعي بالدولة المعاصرة وكيف تعمل وتنظيمها وإدارتها وسياساتها الممكنة في الأقتصاد والأمن والرفاه.
د. أحمد إبريهي علي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال رصينعن حالة العراق يستاهل المناقشه والتطوير
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2016 / 5 / 8 - 14:21 )
استعراض مكثف لنشوء دولة العراق الحاليه في المئة سنه الاخيره يستاهل القراءة المتمعنة والنقاش وجوهره ضرورة التوجه لاصلاح وتطوير شرط حياتنا-الدولة العراقيه-وليس الامعان في تدميرها-اقول هذا رغم ان المقالة مكتوبه بلغة غير سلسة وكاءن النص مترجم على عجل من لغة اجنبية وشكرا للجهد الجدي

اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان