الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ويلفرد مادلونگ ونقص الترجمة في حقل الدراسات الشيعية

علي المدن

2016 / 5 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العلامة ويلفرد مادلونك (Wilfred Madelung) (مواليد 1930 / شتوتغارت - ألمانيا) واحد من أبرز المتخصصين الغربيين في الدراسات الإسلامية، والشيعية على نحو الخصوص، اشتهر بدراساته المستفيضة عن الاثني عشرية والزيدية والإسماعيلية والماتريدية، فكتب وحقق عشرات الكتب والدراسات. درس ودرّس في العديد من الجامعات العربية والغربية (القاهرة، بغداد، جورج تاون، هامبورغ، شيكاغو، أكسفورد .. إلخ)، ومن كتبه الشهيرة: خلافة محمد، والفرق والمذاهب الإسلامية في القرون الوسطى.
مادلونك صاحب مدرسة مميزة بحق في دراسة التشيع، تتسم بالعمق والدقة والاستيعاب، وقد كان له الفضل في تكوين باحثين مرموقين من قبيل (ماكدرموت، وجابينه اشميتكه، ونجلاء أبو عز الدين (باحثة متخصصة بالدراسات الدروزية)، وحسين مدرسي طباطبائي)، وهو بعيد في منهجه عن الاتجاه التأويلي (الغنوصي) الذي كان يتّبعه هنري كوربان، والذي أغرق أبحاثه بتفسيرات باطنية لاتاريخية. لقد قيل عن أعمال الباحثين الغربيين الخاصة بتاريخ الإسلام الكثير، من الغث والسمين، إلا أن من بين أهم الاعتراضات أن الباحث الغربي يتخلى عن صرامته المنهجية حين تكون مادته الفكر والحضارة الإسلاميين، فيدرسهما بأدوات تقليدية لا تستوعب التطورات المنهجية الحديثة التي يعرفها الغرب نفسه، ناهيك عن كيفية التعامل مع اختلافات الفرق الإسلامية، ومعرفة المصادر الرئيسية لكل فرقة، والتمييز بين طبقات علماء كل فرقة وأعلامها وتياراتها، ثم ترتيب كل ذلك وتصنيفه ونقده وتحليله. يضاف لذلك ما يرافق بعض الكتابات التاريخية من إيغال في المنحى الوصفي للأحداث على حساب شرح المناخات العقلية التي كوّنتها. يمكننا القول إن أعمال مادلونك وإن لم تخلو أحيانا من التدقيق المتبحر في (وصف) الحدث في مقابل (تأويله وتفسيره)، إلا أنها أعمال على مستوى عال جدا من الحرفية والدراية والحس التاريخي، ولن يسعك حتى لو اختلفت معه إلا أن تحترم جهده ومثابرته وجديته.
دراسات مادلونك لازالت غير متاحة للقارئ العربي، وأنا شخصيا لم أطالع من أعماله إلا ما ترجم إلى اللغة الفارسية، بالرغم من تحفّظاتي بشأن دقة تلك الترجمات، لا سيّما في مجال بعض الأفعال والصفات والألقاب التي أكاد أقطع بأن مادلونك لا يستخدمها. وفي سياق الحديث عن ترجمة أعمال مادلونك فإنني أنوه على ملاحظتين من أجلهما كتبت هذه السطور:
الأولى تخص النقص الكبير الذي لدينا في العراق فيما يتعلق بترجمة الأعمال الفكرية في مجال الفلسفة والتصوف والإلهيات، إذ من النادر جدا أن نعثر على "مترجم" متخصص في نقل هذا النوع من الدرسات التي أتحدث عنها هنا، أي الدراسات الرصينة في تحليل التراث وتفكيكه ونقده، وإنما الغالب هو ترجمة الأعمال الأدبية من روايات وقصص ومسرح ونقد أدبي وأمثال ذلك. ولا أريد أن أُفهم خطأ هنا، فأنا لست في صدد التقليل من أهمية هذه الترجمات، فهي ضرورية وملحّة، على الرغم من أن لها مشاكلها الخاصة أيضا. إنما أتحدث عن النضوب الهائل في الجانب الآخر الذي تمثله الدراسات التي تندرج فيها أعمال أمثال مادلونك وماكدرموت ومدرسي طباطبائي .. إلخ. إننا لسنا نشكوا هنا فقط من قلة الناقلين لتلك الدراسات إلى اللغة العربية، بل ومن ضعف التكوين العلمي والخبرة التراثية لأؤلئك الذي يحاولون الانخراط في هذا السلك. ولا زلت أتذكر أن صديقا لي عرض عليّ قبل أكثر من سنتين نصا فلسفيا حديثا ترجمه أحد المترجمين العراقيين المعروفين، وطلب مني النظر فيه وتقييمه ومراجعته، فوجدت أن المترجم (المحترف في نقل الدراسات الأدبية) يعاني من أخطاء فادحة في استيعاب النص الفلسفي ومصطلحاته، وليس لديه أدنى فكر عن أفكار ابن رشد أو توما الإكويني أو ديفيد هيوم الذين يتناول النص أفكارهم بمصاف العديد من الفلاسفة المحدثين الآخرين. ولدينا في ترجمة كتاب جوزيف فان إس عن (علم الكلام)، وكتاب جواد علي عن (المهدي)، الصادران عن دار الجمل، خير مثالين عما أقصده هنا.
الملاحظة الثانية ليست بعيدة عن سياق الملاحظة الأولى، بل هي تتمة لها، إذ لو عرفنا أن كتابي مادلونك اللذين تقدمت الإشارة إليهما (الفرق والمذاهب الإسلامية / خلافة محمد)، ترجما إلى الفارسية من قبل (العتبة الرضوية في مدينة مشهد)، الأول في عام 1996، والثاني في عام 1998، فإن هذا سيعد مفارقة كبيرة في نظري. لماذا؟ لأننا نملك في العراق بدل العتبة الواحدة (عتبات)، وبدل الميزانية الواحدة (ميزانيات)، وبدل الوقف الواحد (أوقاف)، وكلها بعناوين ومؤسسات وكوادر ضخمة تستعصي على الإحصاء، ولكننا في المقابل لا نعرف ثمة مشروعا علميا رصينا واحدا يمكن الحديث عنه!! اللهم إلا بعض الإصدارات المتواضعة علميا وإقامة المهرجانات والاحتفالات المكلفة مالياً. إن الأجواء الفكرية المحافظة داخل تلك المؤسسات خلقت حساسية مانعة من القيام بأمثال هذه الترجمات، بل أوجدت عقلية صراطية "تضليلية" يصعب عليها التعامل مع هذه الأعمال الفكرية بأي حال من الأحوال. وهذا بحد ذاته مؤشر خطير جدا على نمط المؤسسات الدينية (الممولة من قبل الدولة على الأقل) وطبيعة دورها في الحياة الثقافية للبلد. إن المسألة ليس في حرية الفكر والشفافية والتنظيم فقط، بل وفي السياسيات المغلقة ومدى قدرتها على تأهيل الوعي بالذات أو اكتشاف ما هو تاريخي في هويتها، ومن ثمّ تحفيز الحوار حول ما أسماه محمد أركون يوما "استنفاد الوظائف التقليدية التي تقدم للديانات عادة".
هذه مهمة لا شك أنها شاقة، كما أن استيعابها يتطلب وقتاً طويلا من قبل القائمين على تلك المؤسسات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل


.. مجلس الشؤون الإسلامية في أمريكا: الرد القاسي على الاحتجاج ال




.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع