الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا نعيش اليوم إلا من أجل اللذة... هذا سبيل فقدان إنسانيتنا

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2016 / 5 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


اللهم قد بلغت

بالنسبة للسفسطائيين، الخير يطلب من أجل اللذة، لا اللذة من أجل الخير، والعمل الذي يعود علينا باللذة هو عمل خير بينما الأعمال التي تسبب آلاما هي أعمال شريرة.
فالعيش بدون لذة هو الموت بعينه، وإلا يكون الأموات والحجارة والجماد أسعد الموجودات. ويرفض السفسطائيون التمييز بين لذات حسنة ولذات سيئة أو مشينة، لأن كل ما يشبع حاجاتنا ورغباتنا هو حسن وخير. أفالذي يريد أن يحيا كما ينبغي عليه إطلاق العنان لرغباته وعليه أن يتوفر على الشجاعة والذكاء وربما الدهاء لإرضاء شهواته وهي في ذروة وسنم قوتها وهيجانها. إن في ذلك، في عرفهم، عدالة طبيعية وجمالا. فالغرائز في الإنسان الناضج، في نظرهم، يجب أن لا تكبح.
على العكس من هذا، يرى السفسطائيون ضرورة ترك غرائزنا،إذا ما كنا نملك الوسائل، تبلغ أقصى مداها وإشباعها لأن الحياة السعيدة تنطوي على أعظم تدفق، ولأن ما يميز الحي عن غير الحي هو هذا الشعور باللذة.
هذه هي التربة الخصبة للفساد المهيكل اليوم في مغربنا السعيد. وفي هذا الصدد سبق لفيلسوف أن قال: إني أؤكد أن من يرغب في السعادة، عليه أن يطلب الاعتدال ويهرب من التطرف بأقصى سرعة يستطيها رجل.
هذا ما يبدو لي الهدف الواجب أن يتوخاه الإنسان ويجب أن يوجه إليه كل جهد المواطن والدولة.
على الإنسان أن يعمل على أن يظفر بالاعتدال والعدالة لنفسه ولغيره لكي يكون سعيدا، غير تاركا لشهواته العنان، لاهثا وراء إشباعها رغم أنها لا تشبع وتفضي به إلى الفساد بشكل أو بآخر. وبالتالي سيكون غير قادر على المشاركة الصادقة في بناء مستقبل سليم لأجيال القادمة.
لكن مع الأسف الشديد، القاعدة السائدة عندنا اليوم هي: إن الذي يريد أن يحيا حياته عليه أن يطلق العنان لرغباته ... هذا أمر طبيعي في نظر الأغلبية... هنا تبرز شراهة الملكية الخاصة التي ـ في نظر الكثيرين ـ مصدر أحد الشرور العظمى التي تقسم الشعوب والدول، وتغرس بذور الكراهية والحقد. فالملكية الخاصة تنمي نزعات الأنانية والانقسام بفعل التفاوتات والفوارق المخزية التي تؤججها، وتخلق الصراع بين المواطنين وتحول دون وحدة الأفراح والأتراح على الصعيد الوطني وفقدان أسس المساواة في تحمل العواقب وتقاسم المساهمة في التضحيات لتجاوز المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي أضحت سمة العالم حاليا.
فهل وجب إلغاء الملكية الخاصة؟
لا، فهذا أمر مستحيل، فقد أكد التاريخ البشري على امتداده، أنه لا يمكن على الإطلاق محو أو إلغاء أو منع الملكية الخاصة. فالممكن والمتيسر، في حالة حضور الإرادة السياسية، هو التقليل من تأثير سلبياتها على المجتمع. وهناك سبيل واحد لتحقيق ذلك: الإقرار بالمواطنة الحق وتكريسها حقا على أرض الواقع في كل آن وحين، وضمان ظروف وشروط عيش لا تنال من كرامة الإنسان لكل الساكنة التي لم تسمح لهم أوضاعهم جني ثمار سنوات التنمية التي عرفتها بلادنا في السابق أو ثمار أي شكل من أشكال الملكية الخاصة. وطبعا، لن يتأتى هذا إلا باقتناع الذين يعيشون على ظهر الشعب ومن عائدات ملكيتهم الخاصة، أن في صالحهم المساهمة في التقليل من الآثار السلبية لغياب العدالة الاجتماعية من كره وحقد اجتماعي وتقزز وانحراف و...، التي تنتجها الملكية الخاصة.
ويحز في القلب حقا أن نسمع ـ على خلفية فضائح التهرب من أداء الضرائب في الغرب ـ أن أكبر أثرياء مدينة نيويورك يطالبون بزيادة نسبة الضريبة المفروضة عليهم، في نلاحظ في بلادنا ظل القائمون على الأمور ومازالوا يعملون سواء عبر تشريع قوانين أو من ـ تحتها ـ على إعفاء أصحاب الثروات الطيطانيكية أو التخفيف عنهم الحمل الضريبي. أفهل يعقل فرض ضريبة على بائع خضر في السويقة وإعفاء فلاح كبير يبيع منتوجاته في الأسواق الخارجية؟
لكن عندنا لا بأس بالغدر والتحريف والكذب والوقيعة إذا كانت هي سبيل النجاح والتألق في الحياة الخاصة ولو على حساب الجائعين والمهمشين.
فيبدو أن البذرة الأصلية لهذا الانحراف والفساد عندنا هي بذرة عقلية ونهج تدبير قوامها الفكرة التالية: النزوع إلى إهدار مصالح الغير توصلا إلى أغراض شخصية، وهذه إحدى الأفكار التي أسست عليها الليبيرالية المتوحشة المردية ـ أردنا أم كرهنا ـ إلى تكريس مقولة الحق يكمن في القوة.
من هذه الفكرة بالذات، تناسلت ممارسات وتكرست معتقدات وتكلست أعراف وقواعد وسوابق. ومنها أن السياسة لا تتفق مع الأخلاق في شيء، والسياسي المتمسك بالأخلاق ليس بسياسي بارع، لذلك لن يرسخ على كرسيه وينغرس في موقعه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي