الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رضوى عاشور في -الطنطورية- تعيد سرد تاريخ النكبة الفلسطينية

منير ابراهيم تايه

2016 / 5 / 14
الادب والفن


من " ثلاثية غرناطة" الى "الطنطورية"، مأساة ضياع الأوطان واحدة، فالمرارات التي ذاقتها مريمة "غرناطة" تتشابه مع آلام "رقية" في "الطنطورية"، ومطرودي حي البيازين في غرناطة لا يختلفون عن أبناء "الطنطورة"، سرد من القلب، ووجع تتوارثه الاجيال، وحسرة تاريخ وجغرافيا.. ملحمة إنسانية وتأصيل تاريخي عميق لمأساة من مآسي القرن العشرين، النكبة الفلسطينية .. لقد أبدعت د. رضوى عاشور في هذه الرواية وهي تعيد نسج خيوط التاريخ بطريقة تغنيك عن قراءة أكثر الكتب التاريخية في حديثها عن النكبة
أنها رواية أجيال، تحكي قصة أسرة من أربعة أجيال، تبدأ بالجد الكبير "أبو الصادق" المولود عام 1906 في الطنطورة وقتله الصهاينة عام 1948، ودفنوه مع ولديه في مقبرة جماعية وصولا إلى الحفيدة "رقية" ابنة حسن الصغرى المولودة في "اللد" عام 2000، ابنة زواج فلسطينيي الشتات بفلسطينيي 1948. وهي قصة تكتب من خلال تناسخ الشخصيات وتكرار الأسماء وتوالدها من بعضها البعض استحالة محو الصهاينة لفلسطين، أو القضاء على الفلسطينيين فهم يدمرون ويقتلون، وهي تبني وتنشئ الحياة، تعيد خلق أصحاب الحق السليب وهم أكثر تمسكا بحقهم.
تلك السيرة التي لم تكتف بالمرور على الاحداث السياسية الكبرى منذ النكبة عام 1948 ومشاركة العرب والمسلمين للفلسطينيين فيها ، لقد اختارت رضوى عاشور مذبحة "الطنطورة" تلك القرية التي تقع على الساحل الفلسطيني جنوب مدينة "حيفا" ، والتى حدثت فيها المذبحة عام 1948 على يد العصابات الصهيونية ، وتتمثل بطلة الرواية بامرأة من القرية يتابعها القارئ منذ الصبا الى الشيخوخة فتتخد الرواية خيار المزج في سطورها بين الوقائع التاريخية من ناحية و الإبداع الأدبي من ناحية أخرى كما تتناول الرواية المذبحة كمنطلق و حدث من الاحداث الرئيسية ، لتتابع حياة عائلة اقتلعت من القرية وحياتها عبر ما يقرب من نصف قرن الى الان..
منذ البداية تضعنا الكاتبة امام مشهدين الاول فلسطين بارضها وبحرها وحضارتها المتراكمة بتواصل عبر الآف السنين والتي لم يصنعها القادمون الجدد من اعالي البحار، والمشهد الثاني اولئك الغرباء وهم يلاحقون المناضلين ويعدمونهم لاقل الاسباب، ثم تنتقل بنا من مكان الى آخر عبر البنية المكانية للرواية والتي تمتد من الطنطورة في فلسطين الى آخر الدنيا في كندا بمرورا بمسار الهجرة واللجوء في لبنان، كما تنتقل بنا من زمان الى زمان بما يشكل البنية الزمانية للرواية ايضا عبر ستة عقود لتندمج هاتان البنيتان في خطاب سردي متماسك.. كل تلك الأحداث من أبو ظبي، وعمان، والاسكندرية، واليونان، والشريط الحدودي عند شمال فلسطين، وما تخللها من قتل وتنكيل وإذلال وتشريد نجد أن اختيار الأشخاص والأماكن والحراك الخاص بكل جزئية في المشهد، كان نتاج لشهادات وتقارير خاصة بالحدث، حرصت الكاتبة على دقتها المكانية والزمانية والثقافية والهوياتية، وكأنها تريد مواجهة الأكاذيب والتلفيق التي ساقها الاعداء وهم يسعون لالغاء الزمان والمكان والانسان عن طريق محو الوجود الفلسطيني ضمن الجغرافيا لإنشاء الدولة اليهودية التي جاءت بريطانيا إلى فلسطين من أجل تحقيقها. وليس أدل على ذلك مما ورد في الرواية من تأكيدات على قيام بريطانيا بتسليم حيفا لليهود، ثم تبعها سقوط المدن والقرى الأخرى في أيدي اليهود، الواحدة تلو الأخرى، كما ينفرط عقد المسبحة التي انقطع خيطها...
ولكن كيف يمكن لرواية تحكي تاريخ الوجع والمأساة بكل هذا الصدق ان تكون جميلة وممتعة؟!
الجواب ببساطه لان الرواية تمتلىء بالصدق الممزوج بالموت واحداث المجازر ورائحة الدم مع الفرح المختلس بين فينة واخرى والامال الكبيرة التي تبنيها تلك الاسرة في كل مكان ترتحل اليه؟ تنقل لنا تفاصيل الايام الفلسطينية المفعمة بالحياة والامل، انها ملحمة الشجن الفلسطيني بوجهها الاجمل.. باستخدامها تعابير شعبية والفاظ فلسطينية عامية واغان واهازيج وطلبة فتيات للزواج ادخلتنا رضوى عاشور الى داخل البيت الفلسطيني، وبرعت في ذلك من خلال شاعرية المواقف والاحداث وكذلك من خلال لغة سردية متميزة، تعيش داخل بيت رقية، تجعلك تبتسم او ربما تضحك من خلال ردود الافعال والتعليقات الجانبية على هذا الموقف او ذاك، تطلعك على نفسيات الشخصيات والابطال من خلال تلك المواقف الدالة فلا تملك الا ان تكون احد افراد العائلة..
والامر لا يتوقف عن حدود الرصد التاريخي لللاحداث فهناك الى جانب كل هذا حياة تضج بالامل والمشاحنات العائلية والافراح والاتراح، هناك المواقف الشاعرية بين الابطال التي توضح خفايا مشاعرهم وطبيعة علاقاتهم مع بعضهم البعض، علاقات الحب بين الاخوة ودفء العائلة وهناك كذلك التجاوز عن الآلام كلها والاعداد لمشروع طموح بمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب ... فاذا كانت "رقية" بكل ما تمتلكه وتبثه في ابنائها من امل وقوة واصرار، وزوجها الطبيب الهادئ والغامض في نفس الوقت والذي يستشهد في ظروق غامضة، وكذلك ابنها "حسن" الذي يحرض امه على كتابة مشاهداتها وسيرتها الذاتية وهي تروي تلك الرواية بينما هو يعد العدة للعودة الى فلسطين ارضه وارض آبائه، وهناك ايضا "عبرالرحمن" المحامي والذي يسعى لاسترداد حقه وحق اهله بالقانون؟!!
قالت الكاتبة في النهاية أن شخصيات الرواية من نسج الخيال إلا أنني على ثقة أن كل شخصية كانت أكثر من حقيقية. فرقية وأبو الأمين وأبو الصادق وغيرهم يمثلون الشعب الفلسطيني الذي لا يوجد بيت فيه إلا واستشهد فيه أحد أو جرح فيه أحد واعتقل فيه أحد
هذا قدر الفلسطينيين، والله يختار لهذا القدر من يشاء من عباده...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا