الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليونان: هل تعصف الأزمة الحالية بحكومة تسيبراس الثانية؟

مرتضى العبيدي

2016 / 5 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


خلال صائفة 2015، بلغت الأزمة الاقتصادية والسياسية في اليونان أشدّها، وكانت البلاد على قاب قوسين أو أدنى من مغادرة الاتحاد الأوروبي، وعملت حكومة سيريزا آنذاك إلى ضمان المساندة الشعبية لسياستها وكرّستها باللجوء إلى الاستفتاء الذي قال فيه الشعب "لا" لسياسة الإملاءات والفرض من قبل الدوائر المالية العالمية. وكانت اليونان قد شرعت في شق طريق أعاد الروح لحركات المقاومة للهجمة النيوليبيرالية للرأسمال العالمي التي تأتي على الأخضر واليابس، فهي لا تقتصر على المساس بقوت الملايين من العمال والفلاحين والمفقرين والمهمّشين فحسب، بل وكذلك وخاصة المساس بالسيادة الوطنية للبلدان التي تخضعها كليا لإرادتها دونما حاجة لاحتلالها عسكريا.
وبعد مرور سنة على تلك الأحداث، وبعدما وافقت الحكومة اليونانية المنتخبة غداة الاستفتاء أي في شهر سبتمبر 2015 على جميع إملاءات الدوائر المالية وزيادة، خائنة بذلك الثقة التي منحها إياها الشعب ، كيف يبدو الوضع اليوم في اليونان، في ظل وضع أوروبي عام زادته أزمات الهجرة والإرهاب وعودة الحركات الفاشية على السطح تعقيدا؟

الإضراب العام الرابع

وما يجرّنا إلى الحديث عن اليونان مجددا هو تصاعد وتيرة الاحتجاجات والنضالات المناهضة لسياسات الحكومة خلال الأشهر الأخيرة، من ذلك ما دعت إليه ونفذته النقابات العمالية في القطاعين العام والخاص من إضرابات متكررّة عن العمل آخرها الإضراب العام ليومين متتاليين في 6 و7 ماي الجاري، وهو الإضراب العام الرابع منذ صعود حكومة تسيبراس الثانية في سبتمبر 2015 احتجاجا على مراجعة القوانين الخاصة بالتقاعد وبالجباية. وكانت عديد الإضرابات القطاعية قد شنّت قبل هذا التاريخ لنفس الأسباب منها إضراب الوظيفة العمومية يوم 7 أفريل الماضي الذي دعت إليه مركزية الوظيفة العمومية باليونان التي تضم 500 ألف منخرط من قطاعات التعليم والصحة والنقل والعمّال البلديين وغيرهم...
وفي بيانها بمناسبة الإضراب الأخير، أكدت المركزية النقابية للقطاع الخاص ما يلي: "مادامت الحكومة تتجاهل المجتمع وحاجياته، ما دامت مصرّة على أن تضع حيّز التنفيذ إجراءات لا تؤدي إلا إلى مزيد تفقير الشعب، فإن جوابنا لن يكون إلا بالنزول إلى الشوارع وإعلان النضال المستمرّ"
وقد جاءت الدعوة إلى الإضراب العام هذه المرة ردّا على اعتزام الحكومة طرح مشروعي قانونين أمام أنظار البرلمان يتعلقان بالزيادة في شتى أنواع الضرائب والتخفيض فى جرايات التقاعد الأكثر ارتفاعا حسب زعمها.

ماذا جاء في القواننين المذكورة؟

فقانون مراجعة جرايات التقاعد ينص على عديد الإجراءات منها: الترفيع في حجم الخصم بعنوان التقاعد من أجور العمال والموظفين، و توحيد جرايات التقاعد على مستوى وطني بـ 384 يورو بالنسبة للذين قضوا عشرين سنة في الشغل، والتخفيض في جرايات التقاعد الأكثر ارتفاعا مقارنة بالمعدّل الوطني العام، وإدماج مختلف صناديق التقاعد والحيطة الاجتماعية والتأمين على المرض، و وهي الشروط التي تفرضها المؤسسات المالية المانحة والتي تمتنع عن تمكين اليونان من القسط الثالث من القرض الممنوح إليها في جويلية 2015 في صورة عدم تطبيقها لهذه الاملاءات.
والمعلوم أنّه بدون هذا القسط الجديد من القرض والذي تقدر قيمته الجملية بـ 86 مليار يورو، لن تتمكّن اليونان من الإيفاء بتعهداتها تجاه دائنيها ولا حتى من تصريف شؤونها اليومية إذ أن جزءا مهمّا منه يُلحق بميزانية التصرف للدولة. وللتذكير هنا فإنّ ميزانية الدولة اليونانية تخضع منذ ستّ سنوات إلى التدخل المباشر تخطيطا وتنفيذا من قبل الاتحاد الأوروبي بمختلف مؤسساته المختصة وصندوق النقد الدولي. وهذه الأخيرة تتدخل بحقن "جرعات من الإصلاحات" تعتبرها ضرورية لإنعاش هذا الجسم شبه الميّت. والملاحظ أن هذه "الأدوية المفترضة" هي دائما نفسها: التخفيض في الأجور، مراجعة جرايات التقاعد نحو الأسوأ والترفيع في الضرائب على الأجراء. لذلك كانت النتائج هي نفسها إذ لم يحصل أيّ تقدّم نحو "الجنة الموعودة" بل إن الفقر بصدد الاستفحال والتوسّع والبطالة مازالت في حدود 25% من مجمل اليد العاملة النشيطة.
أمّا بخصوص القانون المتعلق بالجباية، فهو كما كان متوقعا لا يتجه إلى المتهرّبين الحقيقيين من دفع الضرائب ومن ممتهني الغش في هذا المجال، بل يتجه إلى أصحاب الأجور ويرفّع في نسب الضرائب لمن يعتبرهم المشرّع أصحاب الدخل العالي. بينما لا يفرض القانون أيّة مراقبة على البنوك الخاصة التي تساهم بشكل وافر في التهرّب الجبائي إذ هي تحصل مع بقية البنوك على 95% من القروض الممنوحة لليونان ، ويؤكد المراقبون أن جزءا كبيرا منها يتم تحويله مباشرة وقبل وصوله إلى اليونان أصلا إلى بنوك أجنبية مختصة في تبييض الأموال وفي عمليات التهرّب الضريبي. ولعلّنا نذكر قائمة الـ 2006 من اليونانيين أصحاب الثروات الطائلة التي أمدّت بها كريستين لاغارد الحكومة اليونانية وهم من المتهرّبين من الواجب الجبائي.

البرلمان يصادق على مشاريع القوانين

ولمّا كان تنفيذ الإضراب العام يومي الجمعة والسبت 6 و7 ماي الجاري وما صحبه من حراك جماهيري كبير في شوارع أثينا وسائر كبرى المدن اليونانية، فإنّ ألكسيس تسيبراس، ارتأى دعوة البرلمان للمصادقة على القانونين المذكورين يوم الأحد 8 ماي، بعد أن تكون الحركة قد هدأت، خاصّة وأنّ يوم الإثنين الموالي يصادف أول مواعيد التفاوض الذي لا ينتهي مع ممثلي الاتحاد الأوروبي، الذي دعت هيئاته وزراء ماليتها لاجتماع طارئ للتفاوض مجدّدا بشأن الديون اليونانية ومدى التزام حكومة هذا البلد بتطبيق الاملاءات الأوروبية. وكما كان متوقعا، صادق البرلمان على مشروعي القانونين بأغلبية بسيطة أساسها نواب حزب سيريزا وحليفه في الحكم حزب اليونانيين المستقلين اليميني القومي. وبما انّ "السخرية لا تقتل" كما يقول المثل الفرنسي، فإن جميع أحزاب المعارضة بيمينها (جزب الديمقراطية الجديدة) ويسارها (الحزب الاشتراكي الموحد والحزب الشيوعي اليوناني) صوتت ضدّ المشروعين، وهي الأحزاب (باستثناء الحزب الشيوعي) التي أوصلت البلاد إلى هذه الحالة من الضعف والوهن والارتهان إلى الخارج طوال الأربعين سنة من الحكم إن بصفة منفردة أو في إطار حكومات ائتلافية جمعت بينها في بعض الفترات. والمُضحك المُبكي كذلك أنّ حزب سيريزا ثم جبهة سيريزا اللذان كانا قد نشآ على نقيض تلك السياسات النيوليبيرالية ومن أجل مقاومتها ووضع حدّ لها هو المدافع الشرس عليها اليوم. ولأن السياسة لدى البورجوازية بلا أخلاق، فإننا نرى اليوم أنّ تبنّي السياسات لدى مختلف هذه الأحزاب لا تنبع من حاجيات البلاد والشعب الحقيقية بل ولا حتّى من برامج هذه الأحزاب ذاتها، المصادق عليها في مؤتمراتها والمُعبّر عليها في لوائحها، بل تفرضها المصلحة والحفاظ على الموقع لدى قادتها.

فهل تؤدّي الأزمة الراهنة إلى إعادة خلط الأوراق في اليونان وهو الذي جعل منه الاتحاد الأوروبي مخبرا لتجريب سياساته المدمّرة للشعوب والبلدان أم هل أن التهديدات الحقيقية بتفكك هذا الكيان وتصاعد النزعات القومية في معظم أجزائه سيجعل الساسة الأوروبيين ـ وهم يعيشون اليوم حلة رعب خوفا من نتائج الاستفتاء الذي سيجرى قريبا في المملكة المتحدة حول البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي من عدمه ـ يعيدون حساباتهم ويقبلون بأضعف الإيمان ألا وهو فسخ جزء من ديون اليونان أو تحويلها إلى مشاريع استثمارية تمكن من خلق الثروة وتسمح للبلاد من النهوض مجددا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة