الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جومر : تسلط المحتوم على الإرادة

محمود جابر

2016 / 5 / 19
الادب والفن


فى منظور الرهبنة كما فى منظور التصوف أن الذهن محكوم بقوة مسيطرة تلغى حرية الإرادة وحرية التفكير، لان حرية الإرادة تعنى التصرف بناء على تفكير منطقى وأسباب عقلية ومعرفة بالأفعال وعدم الأسف على عواقبها، ولكن هذا الأمر غير متاح للنفس البشرية ولا فى الواقع المجرد، فهؤلاء الرهبان والمتصوفة كما هو حال الكثيرين نعتقد أن هناك قوة مجهولة – القدر- ترتب لنا الأمور، بل وتتسلط على أقدارنا، بشكل يصل الى الجبر والإرغام، هذه اللغة الرمزية المنثورة، عن الحياة والمسيح والقديسين والتصورات الدينية، والنصوص المسيحية، والتصورات الصوفية التى تولد الإلهامات والرؤى والخيالات والإبصارات وومضات الأمان أو رعشة الخوف...
كل هذا يطرح سؤالا كبير – وفق هذا المنظور الكلى لأغلبنا -: ما هو هدف الحياة أو معنى الحياة؟
فى النهاية الجواب أكثر لغزا هو ما ذكره "روبير الفارس" عن "جومر" روايته العبقرية الإبداعية، ومريم ورحيل وهذا الأب الذى جاء محمل بتراث المعابد المصرية القديمة وصحارى مصر المترامية وقصص الرهبان زمن الاضطهاد. جاء بنفس آثمة ولكنها بريئة وشفافة وعزيزة ومؤمنة وشقية، والزمن الممتع والمربك والمترابط والمتداخل والثرى والمتفرد الذى استخدمه "روببر" فى روايته " جومر" .

جريمة فى دير الراهبات " جومر" هى الرواية من إبداع الروائي الشاب " روبير الفارس" والصادرة عن وكالة سفنكس وسط القاهرة ...
وللحقيقة التى لا مراء فيها ولا مجاملة على أى نحو، فإن الروائي "روبير" فى روايته زاد الكنيسة القبطية التى شبهها بامرأة تلبس السواد زاد أسرارها أسرار، وغموضها غموض، وهو ذاهب من أجل فك تلك الأسرار وحل شفرات الغموض.
وهو ذاهب فى فك طلاسم الكتابة عن التراث القبطى، وعن عاداته وتقاليده وطقوسه غاص فى ما هو مُخَتلف فيه عند علماء الاجتماع بمدارسه المختلفة وربط بينهم وركبهم وشابكهم من خلال تجربة زواج مريم من طبقة كهنوتية مرة وطبقة ارستقراطية أخرى لتفشل عوامل الارتباط بين الطبقات الاجتماعية حتى داخل نسق الدين الواحد، وربما هذا أحد دوافع الرهبنة أو التصوف التعامل الخطأ مع مجتمع معقد الروافد .
للحقيقة مرة ثانية، لقد وضعني الروائى " روبير" فى مأزق لا أحسد عليه ولا أعرف هل أدرك هو نفسه هذا المأزق الذى يضع فيه كل الذين يمكن أن يقوموا بالكتابة عن روايته " جومر"، من أين يمكن أن نمسك بـ "نصه" البالغ الأهمية والإبداع فى بنائه الزمنى المختلف، أو الاجتماعى المنحوت بدقة بالغة، أو الراصد لأشكال الفوضى الدينية الراسخة فى نفوس المعتقدين والمتبتلين والمنغمسين على حد سواء، كيف نحب الله والشيطان فى الوقت ذاته؟ وكيف تنتحى النفس إلى التوبة وهى غارقة فى لذة الاثم، كيف ندخل إلى محراب الصلاة خائفين من الله وراغبين فى كأس من خمر اللذة ولحم الطير؟!!
الرواية نصا، وبناء، وشخصيات، وتركيب بين الحدث الآني، والحدث السابق، والحدث الماضى التراثى، هى أشبه ببعض من الروايات فى أمريكا اللاتينية، وحيث مزج بحرفية منقطة النظير بين جومر بنت رحيل وأخت مريم وجومر زوجة النبى هوشع، التراجيديا التى تحكم شخصيات الرواية والتى تؤلم نفسك وتتمنى أن تتبدل أقدارهم، ولكن دون جدوى، وكأن صاحب النص يريد أن يخلق فينا دوام الألم المتجدد مع طول القراءة اللذيذة، فالجميع يموتون بعمليات قتل يصفها الشرطى " الفيلسوف" : هل يقتل الميت الحى ؟!!
وهذا ملمح آخر من ملامح عظمة وروعة وإبداع النص الذى يلخص ما يجرى فى فلسطين، وما يجرى فى العراق، وما يجرى بين الشرق والغرب، وبين الكاثوليك والبروتستانت، وما يجرى بين السنة والشيعة .... الأموات يقتلون الأحياء ويدفعونهم إلى موت محتوم مقدس .
الغوص فى هذا النص المبدع له جوانب متعددة تحتاج كل منها الى كتابة مفصلة، فالأول طريقة الكتابة ومدارسها وإبداعه وهذا يحتاج إلى دراسة تحليلية منفصلة، والثاني المجتمع القبطى المصرى ومخزونة الثقافى والتراثى فى الرواية وهذا أيضا يحتاج الى دراسة منفصلة، وربما يتبعها هذا التفرد الرصدى والقصصى لجانب مسكوت عنه من حياة الرهبان المصريين، الثالث: ما يمكن أن نسميه النظرية الاجتماعية عند " روبير" وهذا أمر لا أبالغ فيه حين أقوله لان النص يحتوى تحليلا اجتماعيا للمجتمع القبطى أرى ان جل علماء الاجتماع فى مصر لم يتناولوه ولم يقع نصا تحت أيديهم يمكن أن يشرحوا من خلاله المجتمع القبطى – المسيحى – المصرى الذى أظن انه ما يزال شديد الغموض فى مظهره ومضمونه.
فى نهاية هذه السطور أحب أن أقدم شهادة من خلال من أرسلت لهم تلك الرواية فجميعهم أشادوا بها وبطريقة الروائى الرائع والمبدع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي