الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية القلم الضال (4)...العاصفة حكمة لم نتعلم معناها بعد!

ساكري البشير

2016 / 5 / 19
الادب والفن


في صباح يوم 15- 05 – 2016، هيأت نفسي بملابس أنيقة، وإتخذت مساري نحو المدينة التي تبعد عن بيتنا بحوالي ثلاثة كيلومترات، للقاء صديقتي "عائشة"، وقد كان بيننا موعد عمل، يتمثل في مشروع كامل، حيث يحتوي على حوالي إحدى عشرة كتابا، ويتلخص في وضع دليل أكثر إتقانا، وأكثر عملية للكتاب المبتدئين، ناسين بذلك أننا نحن الملزمين بذلك، لأننا كتاب مبتدؤون.
لم يكن ذلك الصباح مثل كل صباح عادي، بل كانت تعمها طاقة هائلة، ونشاط غير عادي، فكل منا يريد أن يطرح ما لديه من أفكار سينبهر بها محاوره...
في هذا اليوم الذي كانت فيه الساعة تشير إلى 08:10 إلتقيت بها قرب محطة الحافلات داخل المدينة، في مكان يكتظ بالمارّة، بمحاذاة مقر شركة الإتصالات الوطنية التي تسمى بـ موبيليس، وعلى الجهة المقابلة يقع مقر بلدية الوادي، ذلك أول لقاء بيننا بعد اللقاء العابر في مدينة باتنة يوم 21 – 10 – 2015 أثناء تأديتي مسابقة الدكتوراه، هي فتاة تعرفت عليها عن طريق إحدى الزميلات التي كانت تدرس معي في جامعة الحاج لخضر بباتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، وقد جمعتنا الظروف والحوادث، إن لم تكن النوائب، فليس ذلك ببعيد.
نزلت من الحافلة، وبصرها يرمي بسهامه يمينا ويسرة، للحظة وقعت عينها عليّ، لتبتسم بتلك الشفتين، وتتقدم نحوي ببعض خطوات قائلة " صباح الخير إبراهيم".
تلاطمت الكلمات من فمي، وتبعثرت الأفكار من رأسي وكأنها دوامة عصفت في داخلي، إلا أنه لم يمنعني من التحكم بنفسي والتكلم وكأن الاتّزان سلوك عادي، بل وكأنني شخصية قوية متّزنة تماما، كنت أعلم أنني أكذب على نفسي بهذا السلوك، إلا أنّ أصحاب الأقلام يفهمون بعضهم، ففي الفيزياء تكشف لنا أنّ الذرّات الموجبة والسالبة المحيطة بأجسامنا تتعايش وتتفاعل مع الذرّات السالبة والموجبة التي تحيط بشخص آخر لتنقل لنا أحاسيس كل فرد لآخر تلقائيا، لهذا نقول دائما قد شعرت بتلك الحادثة فحدثت فعلاً ، بعد ذلك رددت عليها بصوت هادئ " صباح الخير عائشة، مرحبا بك في مدينتنا "
إستمر بنا الحال حوالي خمس دقائق من التحيات، إلى أن إنطلقنا نمشي، دون وجهة محددة، لا نعلم حتى إلى أين نحن ذاهبون، في ذلك الشارع الضيق يشبه إلى حد ما شوارع سورية، هذا الشارع يقع في نهايته "سوق الملاح"، وهو سوق قديم جدا، تقع محلاته في بناءات من الجبس..
كانت مشيتها متثاقلة، وتتمايل بخصرها كأي فتاة، وصوتها الحاد يرن في أذني، وهي تتكلم عن أمنياتها، وأعمالها الشعرية، وجوائزها التي تحصلت عليها من خلال عدة مسابقات، كنت أعلم أنها تقدم نفسها بطريقة غريبة، ولكن براءتها كانت هي السلاح الذي جعلني أتأمل كلماتها، كانت لها روح طفولية، بادية في حركاتها، وعلى قسمات وجهها...
وصلنا لإحدى المقاهي التي تعجُّ برائحة التدخين، وجلسنا في الداخل على إحدى الطاولات والأنظار تترقبنا من بعيد، ذلك أن هذا السلوك هو غريب في مديني، كنت أرى في نظراتهم يتسائلون، كيف لشاب أن يجلس مع فتاة في مقهى للرجال؟ أليس في قلبه ذرة حياء؟ إلا أنني لم ألقي لكل تلك النظرات بالا..
تجاذبنا أطراف الحديث من كل جانب وقطفنا من كل بستان زهرة حتى وصل بنا الحال للدخول في مشروع عملنا المستقبلي، هذا المشروع هو أول خط للإنطلاق في ركب التأليف معها، وخوض غمار تلك المغامرات في سفينة واحدة، وقد كان إختياري واقعا على جديتها، فهي تميل للطموح في بناء مستقبل بعيد كل البعد عن الماديات رغم الفقر الذي يحيط بها وعائلتها وسط مستنقع من المجتمع البائس الذي ينبذ الفقير، وكأن هذا الفقير ليس من البشر تماما، أو أنه ليس له الحق في الحياة الكريمة رغم الإسلاموية التي يزعمون أنهم يسيرون على نهجها، لم ينتهي الحديث هنا، بل أيضا سارت بي الحوادث كما سارت معها في مدينة باتنة، تلك العنصرية التي نراها كل يوم بين عيون أهل الشمال، فالجنوب في نظرهم متخلف، وأننا بدويون ولا نحب التطور والتقدم في نفس المسار الذي يسيرون فيه، وهو ما يضحكني كثيرا بقدر ما يبكيني كثيراً، ما يضحكني هو تخليهم عن شخصيتهم وهويتهم التي نشأ عليها أجدادهم والتوجه نحو صنع هوية مزيفة غربية، وكل من ينطق باللغة الفرنسية أو بعض الكلمات باللغة الإنجليزية يظن أنه قد وصل بالعلم إلى منتهاه، وما يبكيني هو ذلك التخلي ونكران الأصل ليكون أبناء وطني تحت راية الإستسلام لرأسمالية غيرهم من الفرنسيين والبريطانيين أو الأمريكيين، هذه الراية تسمى اليوم بالثقافة والرقي، وتسميها المنظمة العالمية - الأمم المتحدة- بالسلام أو ثقافة السلام، يرحبون بهذا ويتغنون به في كل زمن وفي كل مناسبة وكأنه نصرٌ للإنسانية.
نظرت إلي بحزن وقالت: "أود بكلامي الذي نظمت به الشعر ببراعة، وأتقنت من خلاله فنون الكلمات والرواية، أنني حملت عيوب مجتمع بأكمله فوق الكتف الرقيق، وهموم النساء فوق الكتف الآخر، أناضل من أجل مكانتي، وأحارب لإنسانيتي، وفي لقائي هذا الذي جمعني بك أود أن أطرح عليك سؤالا قد صدّع تفكيري منذ زمن: لماذا مجتمعنا يحتقر المرأة؟ لماذا لا يحترم أنوثتها ورقتها؟ لماذا لا يولي أي إهتمام بإبداعاتها؟ ".

طأطأت برأسي مُلفتا نظري نحو الأسفل، ثم أخذت تنهيدة خفيفة، وقلت محاولا إبعادها عن تلك الحالة الحزينة: " سؤال رائع يا عائشة، والأروع منه هو أن يكون من يطرحه على دراية بما يقول، وهو من حملة الأقلام، وهو من جيل النهضة التي يطمح بها الجميع، سؤالك يا صديقتي قد أُلِّفَتْ عليه آلاف الكتب، ألم تغنيك تلك الكتابات في هذا المجال؟، لا! ربما لا يكفي قول بلا عمل، معكِ كامل الحق، لكن ألم يقل الله في كتابه: " إعملوا آل داود شكرا"، فالشكر ليس كلمات يتمتم بها اللسان، وإلا لكان كل الناس شكورا، فالشكر هو عمل يصدقه القلب، كذلك هي قضيتنا مع المرأة، فأنا بالنسبة لي المرأة أرفع شأنا من الرجل، وقد وضع الله إكراما لها سورة بإسمها تسمى بـ سورة النساء، وسورة أخرى بإسم: مريم، فهذا الإحتقار هو ما صنعته المرأة لنفسها وليس ما صنعه بها الرجل، فلو فرضت المرأة نفسها بطريقة تلائم طبيعتها كمرأة لما حدث لها كل هذا الإحتقار، هنا يكن دورك، أن تمنحي نفسك لحظة للتفكير، وأن تعيدي صياغة أفكرك لتعلمي الجميع أن المرأة هي الأم، ولأخت والبنت، بل أن المرأة هي المجتمع، وكما يقول الشيخ ا=عبد الحميد بن باديس من علّم إمرأة فقد علّم مجتمع ".
كنت أقول ذلك بثقة كبيرة، وأنا على يقين أن المرأة خُلقت كالطير بجانحيها ليست للطيران فقط، بل لإمتلاكها الحرية، وما الجناح إلا رمزاً للحرية، وأعلم أن المرأة في مجتمعنا مكبلة بأغلال التقاليد، وأصفاد الأعراف التي لم يروي لنا عنها التاريخ منذ عصر صدر الإسلام، فالطير إذا كان يملك جناحاً وهو في قفص فما فائدة ذلك الجناح؟ والمرأة إذا كانت من ضمن البشرية ولا تملك الحرية التي يتمتع بها كل بني آدم فما فائدة تلك الإنسانية الجوفاء التي تسنّ قوانينًا على ورق ولا تطبق على أرض الواقع، في هذه الدقائق المعدودة فهمت معنى الحرية، وأدركت حقيقة معاناة المرأة في مجتمعنا، وأن ما يتغنى به النساء اليوم من حرية ليست سوى عبودية من نوع آخر.
بعد جلستنا المطولة في الحديث عن مشروعنا، إنتقلنا إلى جوانب أخرى تهمُّ شخصيتنا، وبدت مشاعرها الأنثوية تنجذب للرقة، وهي تروي قصتها عن هذا الواقع، وداخل هذا المجتمع، فقد أخبرتني ببيت شعر من قصيدتها، تقول فيه " أغربة الدهر يكفيني... لا أريد أن يشهد الأحباء رحيلي"، كل هذا كان سببه الفقر الذي عانت منه، ليس لأنها فقيرة فقط، بل تحمل وراء ذلك القلب الرقيق أسراراً لم أعلم منها لحد الآن شيئا واحدا، ولكن ما جعلني أفكر هو تلك الكلمات التي أرسلتها كسهام حادة، بعدما تجاذبنا أطراف الحديث عن ماضيها، لتقول واليأس مخيم في عينيها بظلاله، حيث قالت: " فيك أنثر يا ألمي جراحاتي وأداويها ... فنفس الذي يجرحكِ يشفيكِ ثم يدميها...أَلِفَ حبيبي كل ليلة أن أضعه في عيني فيبكيها... يعجبه نغم شهقاتي ودموعي لم تنقطع مجاريها ".
كنت جالسا بصمت حينها أصغي لما تقول، فهذا المقطع هو لي وليس لماضيها، لأنها قصدتني، وكانت صدمة حين إسترجعته بتأمل، فهي أرادت أن تقول بأنّ كل الرجال متماثلون، ليس هناك فرقا بينهم، لأفهم من هذا أنها قد جرحت من طرف ذكر وليس رجلا، لأن للرجولة ألف معنى، فكم من مرة سأسترجع قصة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الوحي ليرتمي بين أحضان السيدة خديجة، يقطر عرقا وهلعا وخائفا ليجد في أحضانها الأمان الذي قد يسكِّنُ آلام الوحي، ويمتلئ قلبه دفئا بحنانها، هذه هي الرجولة، أما ذلك الذكر فلا يحمل معنى الألم داخله ليسعى وراء نثره في هذه المسكينة...
حين تكلّمت...سبقت الدموع لسانها لتكسر حاجز الصمت، لهذا قالت: " نفس الذي يجرحكِ يشفيكِ ثم يدميها " لأنها كانت تتخيل أنني سأكون نفس ذلك الشخص الذي غدر بها، ففي أول لقاء سأبني من الأحلام قصرا لها ثم تستيقظ على واقع لا يسود فيه سوى الظلام، خدعة وراء خدعة، فكلهم خداعون في نظرها، وكلهم ماكرون، لا يبحثون عن شيء سوى لذة يطفئ بها شعلته الجنسية، ويشبع رغباته، ليرحل عنها في النهاية تاركا وراءه آثاراّ تسمى الجراح...
لم أتمالك نفسي، وإقشعر بدني من هذه الكلمات، لأنها حقيقة جرحتني ولكن حين قارنتها بجراحها كتمت كل شيء داخل ذاتي، لأظل محتارا أنصت لكلماتها فقط، وتقول أيضا " أَلِفَ حبيبي كل ليلة أن أضعه في عيني فيبكيها يعجبه نغم شهقاتي ودموعي لم تنقطع مجاريها "، نعم! فقد وضعت كل ثقتها فيه، وأرادت أن تملكه كما إمتلكها، لأنه كان يتمتع بآلامها كل ليلة، فلوعة الحب حقيقة كمسجون فوق جبل جليد، ولكنه لا يشعر بالبرد بل يشعر بحرارة تحرق جسمه، هذا هو سجن الحب المغناطيسي الذي وقعت فيه، ولم تجد بدَّا من حله، فقد إستهوتها نفسها وضاقت بها الحياة لأنها قد أفقدت بصيرتها، وجعلت من العمى دليلا في طريقها، وأي نور ستجده في نفق مسدود؟.
هذا يذكرني بميزاج المراهقة، حين ترى بعينيها السوداوين أن الدنيا بما فيها تقف ضدها، ورغم شساعتها فهي بالنسبة للمراهق ضيقة جدا، فيظلُّ الموت أمنيته التي يتمناها كل ليلة، على أن يبقى في هذه الحياة، فهو ميزاج، وما من شخص داخل هذا العالم إلا وقد تمنى الموت يوم تقع فوق رأسه النوائب، وتنحاز الظروف القاسية لجانبه، وتلازمه كملازمة الظل للجسد.

لم يكن في لساني سوى الأمل، فجعلت منه سفينة في بحر يحركه الإعصار، ورسمتها كشراع لتلك السفينة " لا تقلقي يا عائشة فكل منا له حدوده، فليس في العالم من لم يذق طعم المعاناة، فإن لم تكن العواصف خطرا على السفينة فهي وسيلة أيضا للنجاة من الغرق"، ثم خيم الصمت علي لثواني معدودة، حتى أتت الفكرة وتجمعت بضع كلمات على لساني لأعيد الكلام مرة أخرى: " تحكمي في شراع السفينة فقط، وأتركي العواصف تعمل عملها، فالأمل في الشراع، لأنه سيخرجك من ذلك الإعصار، هذا إن أدركتِ حقيقة النجاة في تلك الظروف الصعبة، فهو أكثر السبل للنجاة من الغرق: أن تعطي للشراع ما تريده الرياح فيعكس ذلك على سرعة السفينة في السير، هذه هي سير الأعلام والأبطال الذين ذكرهم التاريخ، لتتحكمي في شراع السفينة حتى تساعدك هذه العواصف على النجاة، ولتتحكمي في نفسيتك كي لا تغرقي في بحر من اليأس".
نظرت إليّ ببراءة، وقد استجمعت قواها مطربة شعور الإرتياح " اليوم لي حلم جديد، وهدف جديد، وقد إلتقى هدفي بهدفك، وها نحن نبدأ بأول خطوة لتحقيقه، فأتمنى أن تسير الأمور كما تقول، فكل ثقتي قد وضعتها فيك" ثم نظرت للساعة على يدها، وكانت حينها تشير إلى 11:45، ثم رفعت رأسها وجمعت أوراقها، ووقفت: " الآن يجب أن أذهب إذا لم يكن هناك أي شيء آخر"
أبعدت الكرسي للوراء قليلا، ثم قلت بصوت بهيج: " بالطبع، يمكنك الذهاب، ولو بقي أي شيء فسيكون الهاتف بيننا، فنحن سنبقى على تواصل دائم "
قالت: " أوكي، شكرا لثقتك إبراهيم، أستودعك الله "
" في أمان الله"
ذهبت أتجول في شوارع سوق المدينة، وألوح بيدي للأمام، وتفكيري غارق من عدة صدمات، فبعد ما كان النشاط والحيوية تتنشر داخلي، تلاشت كلها حين إلتقيتها، ثم إنهالت علي ببعض الألفاظ الحادة بطريقة غير مباشرة أثناء حديثنا...
أثناء عودتي للبيت، كنت سأقول في هذا اليوم أنني لن أصاحب القلم، وسأرتاح منه لليلة واحدة، لأنظر في مشروعنا من أين سنبدأ وأين سننتهي، ولكن الظروف التي جمعتني وإياها قد غيرت كل شيء، فإلتقت الأقلام، وتصادمت العبارات، لنجتمع على ألم بكى لأجه القلم، وسكنت روح الورق إصغاءا لتلك الجراح، لم أكن أنا أفضل منها حالا، ولكن على الأقل كنت أعلم من البداية أن أصحاب الأقلام لا يسعدون، مهما بلغ بهم الحال، كما أنهم لا يتكلمون لأنهم وضعوا القلم لسانا لهم، وجعلوا منه طريقا للإبداع، هذا هو واقعهم، وهذا تحديهم، فهم لا يعرفون عنوانا لليأس بل يعرفون متى يعلنون حرب الأمل.

دخلت غرفتي وأنا مرهق من التعب بعد ساعات من التفكير، دخلتها وأنا في أمس الحاجة إلى من يمسك بيدي شوقاً إليّ ليخبرني ماذا فعلت اليوم؟ وكيف فعلت ذلك؟ هل إهتديتم إلى طريقة لتنفيذ مشروعكم؟ هل وجدتم من يساندكم؟...، إلا أن ذلك لا يحدث كعادة كل يوم، بعد ذلك التعب أمسك القلم بين أصابعي، وأتناول الورق من خزانتي وأجلس على كرسي عمره أكبر من عمري بكثير، نظرا لقدمه، وأظل أكتب وأكتب إلى أن أشعر بأن الدمع قد جف من القلم، وأن جراحي قد ضمدت وسكنت ألمها بكلمات تملأ خاطري، وبأسرار تقتلني كل يوم ألف مرة.
لكم تنميت لو إرتميت بين أحضان الفراش باكيا بعد كل يوم عصيب، واشكوا للورق شقاء الحياة التي صبّت عسيرها عليّ، مبتعدا عن الناس الذين لم يحترموا كرامة أنفسهم ولا كرامتي ولا كرامة أي إنسان كان، عسى أن يشفي هذا غليلي ويطفئ لهيب النار التي تأكلني من الداخل، كحطب جاف، لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم مخطئا حين يأتي إلى السيدة خديجة بعد ساعات من الوحي الرباني، ليرجع إليها مسرعا ويرتمي بين أحضانها، لأنه كان يدرك أن هذا الحضن يشفي جراحه، كان يعلم يقينا بذلك، هذا هو الدواء لكل من عرف قيمة المرأة، ذلك هو الدواء الذي ظل الجميع يتهرب منه بجهالة، وليس هناك إختلاف بين المثلين: " وراء كل رجل عظيم إمرأة" أو " وراء كل مجتمع عظيم إمرأة ".
كنت أهذي وكأنها أمامي أتكلم معها، قائلا لها: " لتعلني تحديكِ، ولتنظمّي لطاقمنا، فبناء الأحلام ليس مستحيلا، ولكن بناء الآمال يحتاج العمل، وتحقيقها يحتاج العزم، أعلني حربك يا عائشة، فلا مكان للضعفاء في مجتمع من الذئاب، فأنت حرة، والحرة بفكرها وعلمها، وليس بما تملك من مال، ولا بما تلبس وتشتري، والجمال ليس بالعري، بل هو أصالة من دين وخلق وعلم وعمل...لنرفع الأقلام، ونعلن حرباً من الأمل، يكون فيه مبدءا ننهض به في أمة قد غابت الرعاة فيها، لن نترك المجال للذئاب تنشب أنيابها في من شاءت... لنصنع عالمنا الخاص، عالم يحفه الدين بروحه، ويغمره السلام بنوره، ولتكن لنا حديقة من الشعر ننثر فيها تعابيرنا، فبدلا من النواح على ما فات أعلني البدء في بناء حديقة جديدة من الحياة؛... فالحياة يا صديقتي كتاب نتصفحه متى نشاء، لنرى عيوبنا وأخطاءنا حتى يتسنى لنا تصحيحها، لنبدأ الآن، ولنتفق على نهضة جيل جديد معنا، لنغير العالم على أهوائنا، بحق وليس بالهوى، سأظل أنتظر الإجابات، وأناضل لأجل بناء هذا الجيل، لن أتنازل عن هذا الهدف، فهل ستكونين يدا يمنى وقلما آخر يدون معي أمراضاً أصابت المجتمع، فهل ستكونين ممرضة أو طبيبة مثلي تشخص الداء لمعالجته أم أنك ستكونين إحدى مرضاي الذين سأعالجهم؟...
سأظل أنتظر تحقيق هذا الهدف....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في


.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/




.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي