الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقدتُ أخْتي

فوزي بن يونس بن حديد

2016 / 5 / 20
سيرة ذاتية


اسمها حياة، غير أنّها لم تنعم بالحياة إلا قليلا، قذف بها الموت سريعا إلى بحر الآخرة، لم يمهلها إلا قليلا، أبى إلا أن يحاصرها وهي في عمر الشباب الوقّاد، وقبله كان المرض ينهش جسدها من كل جانب، قاومت المرض بكل قوّة وعزيمة إلا أن قدر الله كان أقوى، فامتثل الجسد لأمر الله عز وجل، وبقي خاويا على عروشه مدة من الزمن، إلى أن فاضت روحها إلى بارئها مستسلمة راضية مرضيّة، "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".
وقبل موتها، دعوت الله عز وجل ليلا ونهارا، سرّا وجهارا، أن يشفيها من مرضها، لطفا بابنها الذي يحتاج إلى رعايتها، ولطفا بأمها التي فقدت أصغر أبنائها قبلها، ولطفا بأخيها الذي صار وحيدا بين أختيه، ولطفا بأختيها اللتين تألمتا لفراقها، نذرت المولى إن هي شفيت أو ظهرت عليها بوادر شفاء، غير أن هذا كله لم يشفع لأختي أن تبقى، لأنه الأجل الذي لا يتأخّر مهما قدّم الإنسان من قربان، الأجل الذي إذا جاء لا يتأخر مهما تقرّب الإنسان للرحمان، ويبقى الإنسان ضعيفا مقهورا وهو يرى عزيزا أمامه يموت ويفقده.
إنها الأخت التي إذا احتجتُ إليها تساعدني، وإذا مرضتُ تسأل عنّي، وإذا ضاقت بي الأمور تواسيني، وإذا لم أحادثها هاتفيّا بادرت بمحادثتي، وإذا زرتُها رحّبت بي وبعائلتي، وإذا سافرت إلى عمان كانت آخر مودّعيّ، وإذا اشتهيتُ شيئا طبختهُ لي، كانت السّند الكبير والدبلوماسيّة المحنكة في العائلة تطفئ لهيب الخلافات، وتتصرّف كما لو أنها العقل المدبر في الحكايات، تعاظَم دورها في الحياة وهي المسمّاة حياة، اشتق اسمها من الحياة نفسها، ولم يبق اليوم إلا هو، عظيمة هي الأخت بهذه المواصفات.
إنها الأمّ التي تعتني بأولادها، تُربّيهم، تُنشئهم على الأخلاق الفاضلة ، توجّههم إلى احترام الآخر مهما كان كبيرا أم صغيرا، تعتني بأدقّ تفاصيلهم، كان أصغرهم أقربهم إليها لأنه يحتاج بشدة إليها، وهي لا تقول كلمة أفّ على لسانها، تقوم بجميع أعمالها وتستمتع بذلك، وكأنها خلقت لها، ورغم مرضها وألمها وأحزانها ظلت صامدة في وجه كل العقبات من أجل الآخرين، تقدّم كل ما لديها وتعتبر ذلك واجبا عليها، تحنو على أطفالها وتعلّمهم العزيمة والإصرار على التحمّل من أجل الحياة ومن أجل غد أفضل.
إنها الزوجة المطيعة المخلصة التي أثنى عليها زوجها في حياتها وازداد ثناؤه بعد مماتها، بعد أن شعر أنه خسر زوجة رائعة بكل المقاييس وهو الذي يرجع متعبا من العمل إلى بيته ويجد الراحة بأتمّ معانيها، من طعام شهيّ وذي تصنيف بديع، وملابس نظيفة ومهيّأة، وغرفة مريحة للاستلقاء، حكى لي زوجها أنه يفتقدها بشدّة، وأنه لا يدري كيف سيواصل حياته دون حياة، واسيتُه وهو يبكي حرقة على فراقها، وهي التي كانت تكفيه مؤونة البيت من الدقيق إلى الثقيل.
هي رحلة الموت التي لا تنتهي إلا بانتهاء الدنيا، رحل أخي قبلها بأربع سنوات وشهرين وأربعة أيام، وهاهي اليوم تفترش الموت وترحل عنّا، وكأن الموت بات يحاصرني ويدعوني للاستعداد للرحيل، ومع يقيني أنه آت لا محالة فإني أدعوكم جميعا لتسامحوني على ما بدر مني من أفعال قد لا تليق، ولكنه الحق الذي أراده المولى سبحانه وتعالى أن يكون بعيدا عن محاباة أي إنسان أو مجاملة أي مخلوق، إنه الموت الذي إذا جثم لا يعرف للقربى صلة، وهو عظة لمن لا يتعظ، إنه الحقيقة التي غفل ويغفل عنها كثير من الناس.
رحم الله أختي وقبلها أخي رحمة واسعة وأسكنهما فراديس جنانه وأسبغ عليهما من رحمته ونعمه، وجعل قبرهما روضة من رياض الجنة، إنا لله وإنا إليه راجعون، وأبعد الله عنكم كل مكروه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرحمة للسيدة حياة
ماجدة منصور ( 2016 / 5 / 21 - 17:39 )
الرحمة لروحها الطاهرة.0
أشارككم آلام فقدانها0
احترامي


2 - شكرا
فوزي بن يونس بن حديد ( 2016 / 5 / 22 - 20:03 )
شكرا لك الأستاذة ماجدة ورحم الله أختي رحمة واسعة

اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن