الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كارل ماركس في العراق/ الجزء الحادي عشر

فرات المحسن

2016 / 5 / 20
الادب والفن





كارل ماركس في العراق/ الجزء الحادي عشر


قبل أن يهطل المساء ويرخي الليل سدوله، ولم تغب بعد حمرة الشمس من فوق تيجان النخيل، دفع الباب الحديدي بقوة وظهر أبو بشير ومجموعة من رجاله ليتوسط الغرفة صارخًا.
ــ قشمر حقير عميل، والله لأريك اليوم أنجوم الظهر.. تجذب على أبو بشير.. انته تعرف منو أبو بشير.. أني خبلت الأمريكان ودورياتهم وما خليتهم يكدرون يوصلون للمنطقة.. تويتهم توي، وهسه الحكومة تتوسل بيه.. آنه أبو بشير ما يتحرك نفر بالديرة إذا ما أعرف وين رايح ومنين جاي ..شدو بالحبال زين لهذا الاطكع العميل.
ــ ما الذي حدث.. أليس من حقي أن أعرف..
ــ قشمر شنو حقك ليش أنته كاعد بالبرلمان لو بالكهوة.. شوف حقير.. اتصلت بالسفارة الألمانية جاوبني على التلفون واحد كلمته عنك وعن العرض إلي أخبرناهم بيه لمبادلتك، فراح يضحك ويستهزئ مني وأغلق التلفون بوجهي.. اتصلت مرة أخرى فرد علي نفس الشخص وحين سألته عن موضوعتك ضحك مرة أخرى وقال بالحرف الواحد صحيح هذا صاحب الصورة ألماني الجنسية، ولكن هذا الذي تحتجزوه يضحك عليكم وربما زور الجواز الذي بحوزته أو سرقه.. فالرجل الحقيقي صاحب الجواز هذا مات بلندن عام 1883 ودفن هناك.
أفتهمت شنو صار؟ إنته مو نفس الموجود بالجواز، جاي تريد تلعب على العراقيين والحكومة، وهسه إنته هل مره جاي تلعب علينا بحجة عالم آثار.. وبهاي السنة راح تكشف للعالم شلون السومريين فتحو شط الناصرية وسوو بالشطرة مراجيح..وآشور بانيبال جان ياكل تبسي دجاج لو ثريد باكله بالدهن.. اليوم راح أراويك شلون تتعرف على نفسك وأطلعك صحيح طالع من الآثار، جنك نبوخذ نصر لو آورنمو مزوهر ومشعوط، اليوم راح أعرفك صدق على هذا صاحبك ماركس الميت والي إنته منتحل شخصيته.
ــ جيبو الخيزرانه ومكص جز الصوف ومكينة الحلاقة... بسرعة يله.. شاكر أنته وقاسم اربطوا هذا بالحبال زين وشدو ويه الهايشه الجبيرة.. يله..
تقدم المسلحان وأخذا الحبل وقيدا ماركس ثم أحاطا وسطه بالحبال أيضًا، وسحباه بالقرب من البقرات ثم ربطا الحبل الملتف على جسده بلجام أحدى البقرات. وقف أبو بشير وبيده عصا خيزران وراح يضرب بها ماركس بكل ما أوتي من قوة، تلوى ماركس أثرها من الألم،ثم أشار أبو بشير لأحد المسلحين وناوله العصا، فانهال هذا بعصاه بضربات سريعة وقوية جعلت جسد ماركس يتلوى ويلتف على نفسه ثم ينتفض من شدة الألم. تقدم أبو بشير وأخذ العصا من فتاه وراح يضرب بشدة ظهر وعجيزة البقرة فاندفعت راكضة نحو الزاوية الأخرى يلاحقها أبو بشير بعصاه. أخذت تدور في الغرفة وتسحب وراءها جسد ماركس ممرغة إياه بالروث والتراب. كان أبو بشير يمعن في إيجاعها بضرباته فتهرب وتخور في مساحة الغرفة الضيقة ليصطدم جسد ماركس بالجدران .تفجر الغضب عند كارل ماركس فراح في موجة من شتائم تختلط بها العربية والانكليزية والألمانية وبكل ما استطاع من تعابير كي يوصلها لأسماع هؤلاء. ولكن أبو بشير كان يوغل في تعذيبه، يضرب البقرة لتهرب منه ثم يوجه ضربات سريعة ومتتالية لماركس.
رغم هذا الألم المضني دار في خلد ماركس لحظتها ما يحاول به تفسير ما يجري له. لم يكن يحمل من الذنوب الكثير ليغسلها على طريقة السيد المسيح بتحمل هذا العذاب والألم. ها هو بعد أن أمضى 47 عامًا مناضلاً لأجل الطبقات المسحوقة والفقراء تراه يرزح اليوم لتعذيب همجي من قبل شذاذ الآفاق دون أن يعرف سبب مقنع أو ما يبرر فعلهم هذا عدا كونهم هواة جرائم وقتل وسرقات. ما نوع الحقد الذي يحمله هؤلاء، كيف ارتقى عقلهم لمثل تلك البشاعة، ما العمق الروحي لهؤلاء؟ لماذا يمارسون الإذلال لغيرهم من البشر؟ لا شيء لهم في هذا العالم غير الشقاء وعبودية الجريمة. هذه العقوبة التي يتلظى بها الآن تجعله يصر على أن الدافع المادي والمنافع المادية هي عقدة البشر المستحكمة في خيرها وشرها وهي بالذات من يستعبدهم ويتحكم في صيرورتهم.
حين توقفت البقرة شعر ماركس وكأن جميع عظامه قد هرست وتفكك جسده ولم يكن ليشعر بالقدرة على تحريك أعضاءه وانتابته حالة من الغثيان وأحس بالحاجة للتقيؤ، كتم أنفاسه ولكنه لم يحتمل كل ذلك الوجع والغثيان، فاندفع فجأة سائل اصفر من فمه وأنفه.
ــ شنو هذا أتكول شارب عرك ومطوخ فد نوب.
ــ هذا بشكل خلقتك ذاك اليوم.. لعبت نفسنا وكل ما جنت شاربه بيكين.
ــ غير جنت ضايج وماكل تمن.
ــ وروحه الخالك هذولة يشربون بطلين وما يبين عليهم .. الله حلله عليهم وحرمه علينه .. هم هاي قسمة وعدالة..ليش ربي ليش؟
ــ أي مو تريده تصير سفرتح حتى النسوان والرياجيل بالعراق يكومون يلعبون شناو بالشوارع .. متخليه مستوره وجوه رحمة ربك.
ــ عمي هذا أبو أشتعل.. أنخضت مصارين معدته وتريده ما يزوع.
صرخ أبو بشير بوجه الجميع موبخا
ــ كافي عاد.. كافي لغوة ..جيبوه... جيبوه يمي.. آني أعرف دواه لهذا الجاسوس القذر.
سحب جسد ماركس وقد تلطخت ملابسه ووجهه بالقيء والتراب وتمزق قميصه وما عاد هناك لون لملابسه غير لون التراب المخلوط بروث البقر. كان جسده مطوقًا بالكامل بالحبل الذي التف حول يديه وخصره فلم يعد يستطيع تحريكهما. أجلسوه أمام أبو بشير وكان يشعر بدوار يلف رأسه، ولم يعد يقوى على رؤية ما حوله بوضوح فكان يترنح إلى الخلف ثم الأمام. قبض أبو بشير على خصلة شعر من رأس ماركس الكثيف وراح يجزها بالمقص، انتزع كومة الشعر من الخلف وصولا إلى باقي الأماكن فظهرت خارطة مشوهة من بقع للشعر مبثوثة بعشوائية في رأسه. ثم استخدم أبو بشير ماكينة حلاقة صغيرة ليكمل الشوط ويقضي كليًا على شعر الرأس فظهر رأس ماركس خاليًا من الشعر سوى بقع تتناثر هنا وهناك. نادى أبو بشير على أحد مساعديه وطلب منه حلاقة لحية ماركس. قفز الشاب من مكانه فرح ثم بدأ يمارس عمله في غاية الخفة ولكن بمحاولات خبيثة لإيذاء ماركس فبدء وجه ماركس ينز دما من بعض الأماكن. استمر الشاب في عمله دون مبالاة لتوجع ماركس وصراخه، وحين انتهى قفز وكأنه نال جائزة على عمله وراح في موجة ضحك هستيري وهو يومي على ماركس، شاركه الآخرون الضحك. طلب أبو بشير أن يأتي أحدهم بجردل ماء ويسكبه على رأس ماركس فجيء بجردل الماء من الساقية القريبة. بدأ أحدهم يصب الماء ببطء شديد فأخذ ماركس يهز رأسه محاولة منه لتلقي جميع أماكن رأسه بعض ما يسكب، ورغم أوجاعه شعر ببعض من الراحة.
بطلب من أبو بشير تقدم أحد الرجال ليرخي الحبال عن جسد ماركس. لم يكن ماركس بقادر على تحريك جسده رغم تحرره من القيود فمال عفويًا وتمدد على الأرض محاول أن يسيطر على أعصابه ويأخذ حالة من الاسترخاء. نظر إلى سقف الغرفة وأغمض عينيه من شدة الإجهاد الذي أنهكه.
ــ عمي أبو بشير هذا شلونه .. طلع جنه عتوي مهلوس.
ــ كَبل جان أحله.. جان أيبين رجال أكابر وهيبة، هسه صار أبرص أحمر جنه ديج هراتي، الأجانب ولد المداس تكول أبد ما شايفين شمس.
ــ لا يابه هذا أيبين عليه ترف أبن نعمه.. أمه ما جانت أتخلي يشتغل..قابل بشكل حظي، عمري ثمن أسنين وأبويه سوالي جمبر جكاير وعلج.. ويوميه قبل لا أطلع عيطه وكفخة ومن ارجع مثلهن.
ــ شعبالكم..هذولة الأجانب عدهم سبع أشكال مثل البزازين بسبع أرواح..
ــ ها شلونك عمي ماركس.. هذا التمرين الأول.. بعد كل يوم راح تأخذ تمرينين، واحد الصبح والثاني بالليل إلى أن تستوي.
ــ دفكو ياخة من هذا هسه، خلصونه، وخلي نشوف دربنه ويه ذيج السالفة مال الليل. خوب ما نسيتو؟
ــ لا عمي أبو بشير.. شلون ننسه.. يله بينه، يله.

لم يجب ماركس وفضل الصمت رغم ما كان يختزن صدره من شتائم ممكن أن يوجها لهؤلاء الحقراء، ولكنه فكر بقدرة هؤلاء على الإيذاء وطبيعتهم الوحشية. أحس بتعب شديد سلب منه كامل قواه، وما عاد يشعر بالقدرة على الجلوس، وبعض من أعضاءه ما عادت تقوى على الحركة. سمع السلسلة الحديدية وهي تسحب لتغلق الباب خلف هؤلاء ذوو السحنات القميئة. فكر في صورته الجديدة وكيف يكون مظهره بعدها، ليته يقف الآن أمام المرآة ليشاهد ما فعله هؤلاء السفلة بتلك اللحية والشعر اللذان حافظ عليهما منذ أكثر من أربعين عاما ،معهما كان يحلو له أن يكون متميزًا، معروفًا أمام الناس، محبيه، مناصريه، السائرين في طريق أفكاره، ليس سوى تلك اللحية والشعر غير علامة فارقة تجعلهم يعرفون أي طريق يختاروه ويواظبون السير عليه، تذكر ذلك البرجوازي المعتوه الذي عرض عليه مبلغ كبيرا لغرض حلاقتهما وكان يسميه رجل الغابة المتوحش، ترى ما مقدار الفرح والغبطة التي يصاب بها حين يراه على هذه الحالة.
راح في تفكير عميق وكأنه في غيبوبة أو يمارس ضربًا من الطقس الصوفي، فقد بدت عيناه تدوران بسرعة في مآقيهما وكور جسده. حاول أن يلملم دقائق ما حدث وما يترقب حدوثه، يا ترى هل يتحمل جسده التعذيب مرة أخرى، ليتهم يتعجلون في قراراتهم ويأخذونه جهة النهر وتنتهي هناك تلك المشاهد، لتختم الرصاصة القاتلة حياته ومعها الرغبات السادية لهؤلاء. هل أن وحشيتهم متأتية من بدائية نفسية؟ هل تتلبسهم في الكثير من الأوقات روح رجل الغاب البدائي، أم ترى أن ممارساتهم وليدة وضع مأزقي سببه بنية القهر التي يعيشونها، لذا فهم عدوانيون متوترون يفتقرون للعقلانية ولا يرغبون في الحوار المنطقي. ليس لهم رغبة بحوار إن لم يجعلهم وفي جميع الاحتمالات منتصرين، فهم دائمًا يشعرون بالإحباط والإهمال، يصنعون لهم عالمًا متفردًا غير قابل للتهشيم حسب ما يعتقدون، وفي هذا الجو الملتبس تنشأ المصالح المشتركة بين أفراد يجدون في الاحتيال والعنف ما يضمن لهم حقهم أمام الآخرين، عالمهم أشبه ما يكون عالم حيوانات وسط الغابة. الآخر عندهم مهما كانت طبيعته هو الخصم الذي يهدد المصير ويريد الاستيلاء على الحقوق حتى وإن لم يبدر منه شيء.
أحس ماركس بعد جولة التعذيب وهذا الجهد والتعب الجسدي والفكري، بالنعاس يتسلل لعينيه فراح في نوم عميق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع