الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب (لمن يجرؤ على العقلانية)

محمد لفته محل

2016 / 5 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


صدر حديثا عن دار سطور للنشر والتوزيع كتاب (لمن يجرؤ على العقلانية، قراءة بديلة في الطريق نحو دين إنساني) للمؤلف (د.ميثم الحلو) وهو مجموعة مقالات يبحث ويطرح به قراءات جديدة للنص كبديل ونفي للقراءة السلفية للنص.
المؤلف هو دكتوراه في الطب وأستاذ جامعي مشرف على الدراسات العليا ويمتلك مواهب أخرى ككتابة الشعر والرواية وإلقاء الخطابة وهو يمتلك شخصية كاريزمية أهلته أن يقود تجمع معرفي بالقشلة ينشر الأفكار العلمانية والتسامح (لمن يجرؤ على العقلانية)، سريع البديهية بالحوار وذكي في توجيه الأسئلة، لكثرة مشاغله واهتماماته يتزاحم بين اهتماماته.
أما الكتاب فيحاكم المؤلف النص القرآني بأدق التفاصيل اللغوية والتعبيرية بتركيز ذكي عالي بحيث يدهشنا بتفسيراته واسئلته التي يوجهها للنص الذي يتغير معناه جذريا عن القراءة السريعة أو السائدة وكأننا أمام قرآن جديد علينا لم يكن الذي نعرفه بين أيدينا، ويوحي بإمكانية تفسير القرآن تفسيرا علمانيا شاملاً، ومن هذه القراءة التفصيلية ذاتها يهاجم المؤلف القراءات الأخرى التي يحتكرها الفقهاء لأغراض متحيزة سياسية أو مصلحية ويتهمهم بالانتقائية المغرضة والتدليس على النص.
ثم يحاول المؤلف إقناع القارئ أن النص القرآني ألهي ومقدس حتى لو كان به تناقض واضطراب في كثير من منه مثلما بين هذا في مقالاته! كونه نصاً تاريخياً وكونه كلام (محمد) كما يقول في أحد صفحات الكتاب (ص125)! فيثر لدى القارئ انطباع أن المؤلف يخفي نزعة الحادية مراوغة خلف نقد النصوص التي تبقى مع هذا التناقض والاضطراب مقدسة! كيف يمكن للقارئ أن يبقي القداسة على النص ثم يعامله كشيء عادي تاريخي؟ إن المقدس هو نقيض العادي والدنيوي في كل تعريفاته في العلوم الاجتماعية، بالتالي محاولة المؤلف للتوليف بين المقدس والعادي هي نفي للمقدس، وهذا محال عربيا وعراقيا في المستقبل القريب على الأقل، أن تزال القداسة عن النص القرآني حتى لو كان بحيلة انه تاريخي، لان التاريخ هو موضوع عادي.
إن دعوة المؤلف لقراءة النص القرآني قراءة عقلانية تحاكمه بالعقل والمنطق ولا تقبل التناقض والخارق والخرافة ورفض لكل التفسيرات الفقهية التي تفسر النص بحسب أغراضهم هي دعوة جيدة، لكن السؤال هل مجرد الدعوة إلى التغيير كافية؟ ألا يذكرنا هذا الكلام بقصة الفئران والجرس الرنان؟ وهل تختلف دعوة المؤلف عن الوعظ سوى أنها وعظ مضاد للمتدينين؟ بالتالي فالكتاب يبقى نخبوياً وربما سيكون في المستقبل جماهيريا حين تتغير الظروف؟ ونحن نعرف جهود الذين قبله المماثلة كيف أن التطرف زاد ويزداد؟. كيف يمكن للإنسان أن يحاكم المقدس، والعشيرة تبيح قتل الإنسان ثأراً ولو بذنب غيره؟ دون أن تلاقي ردعاً من الحكومة؟ كيف نحاكم النص والإنسان يُقتل باسم الأموات أو الأحياء المقدسين؟ والإنسان يهان ويُضرب ويُستغل إذا كان طفلا أو امرأة أو ضعيفاً؟ والإنسان مباح قتله باسم الشرف أو الخيانة؟ فكيف لهذا الإنسان المستلب الإنسانية أن يعطيها وهو يفقدها؟ وهل فاقد الشيء يعطيه؟ كيف لهذا الإنسان المنتهَك المستلب الخائف اللائذ بظل الجماعة أن ينتقد مقدسهم! أليست هذه الدعوة مثالية؟.
إن الذي يريد أن يغير قراءة الجمهور وأفكاره ليس القول له (غير أفكارك) لأنه أشبه بحل العصا السحرية التي بمجرد التأشير بها تتحقق الرغبة، إنما الحل هو بمعرفة أن قراءتنا الحالية للنص المتخلفة هي بنت التاريخ والواقع المتخلف والتراجع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والحضاري، وما لم نحقق التنمية الاقتصادية والكفائة السياسية ورفاهية المجتمع وتشريع الحقوق والقوانين التي تصون كرامة الفرد وإنسانيته في مثل هكذا أجواء ستزول أفكار تحقير الحياة، بل ستحب الناس الدنيا ويحترمون حياتهم وحياة الآخرين لأنها تشبع رغباتهم وتطلعاتهم الفردية وتصون كرامتهم قانونياً وتتهيأ عملياً الخطوة الأولى لمحاكمة النص إنسانياً، لان احترام الإنسان بذاته يقود إلى تقديسه لكن بعد أن تضعف هيمنة الجماعة على الفرد يتحقق تقديس الإنسان. وعندما يحقق المجتمع الرفاهية والاستقرار ينفتح تلقائيا على العالم لأنه سيكون محط سياحة أو استثمار من الخارج ولان دخل الفرد المستقر يؤهله للسفر أو استثمار ماله بالخارج وهذا يخلق حالة من التثاقف تساهم باتجاه تقديس الإنسان وأنسنة النص.
نماذج من مقالات الكتاب التي تحاكم النص عقلانياً باختصار شديد.
(عن الدعوة إلى الله) يقول أن القرآن ذكر أن الدعوة من مختصات الرسل ولم يذكر هذا الحق لرجال الدين الذين يلبسون لبوس النبوة فيجرون الآيات الموجهة للنبي لصالحهم فيمتلكون النص، فالدعاة لاوجود لهم بالنص، ويستشهد بنصوص قرآنية إثباتا لذلك.
(عن الطريق إلى الله) يقول المؤلف أن القرآن يفاجئنا أن الأنبياء لم يكن لديهم أكثر من الأيمان بالله والعقيدة! فكيف بالفرد العادي الذي لا يتصل بالوحي؟ بل أن الأنبياء كان لديهم شك بالله فعندما سأل إبراهيم الله كيف يحي الموتى كان الله يجيبه بدون غضب، فكيف يطالب رجال الدين منا الإيمان التام وهو متفاوت بين الأنبياء؟. ويستشهد بنصوص قرآنية إثباتا لذلك.
(عن المعجزات) يقول أن القرآن امتنع عن الإتيان بالمعجزات واكتفى بسرد السابق الذي وقع منها والسبب في الامتناع أن الأقوام السابقة لم تكترث لها (المعجزات) ولم تتغير، وكأن الله يحتكم بالتجارب السابقة!. ويستشهد بنصوص قرآنية إثباتا لذلك.
(عن آية السيف) في آيات التسامح يقول الفقهاء أنها نزلت حين كان الإسلام ضعيفا ولم يعد لها لزوم بعد أن قوي المسلمون، فيرد عليهم المؤلف أن المسلمون اليوم في قمة الضعف فلماذا يمنعنا الفقهاء من العودة للأحكام الأولى التي تدعوا للتسامح؟ أما القائلون بالنسخ فلا تنطبق عليها شروطه التي يجب أن تكون في نفس الموضوع وان تأتي بعدها زمنيا، ثم يختم بالقول إن حروب النبي كانت لضرورات آنية لا تشريعية إذ يجب التفريق بين النبي كمشرع إلهي وبين النبي حاكم الدولة.
(عن مناظرات إبراهيم) يقول إن المناظرات بالقرآن لا تستوفي شروط المناظرة السليمة لأنها أحادية بغياب المناظر الآخر الذي يختفي بالحوار بسرعة ويتخذ قصة النبي (إبراهيم) مع ما يعتقد انه (نمرود) مثالا له، فبعد أن يسأله إبراهيم عن عبادته يرد عليه (أنهم يعبدون أصناما) ثم يسأله إبراهيم (هل يسمعونكم إذ تدعون، أو ينفعونكم أو يضرون)؟ فيرد: أنها عادة ورثوها من آبائهم. وهو جواب غير شافي كما يقول المؤلف وكان بإمكانهم رد الحجة التي قذفها إبراهيم عليهم برد السؤال عليه، وهذا ما يعجز إبراهيم عن إثباته إن اجاب بنعم، ونفس الشيء عندما قال لنمرود أن يأتي الشمس من المغرب، وكان يستطيع أن يطلب من إبراهيم أن يأتي ربه بالشمس من المغرب.
(عن جحيم نساء الجنة ومظاهر اختلال النظرة إلى المرأة في النص المقدس) يقول أن خطاب القرآن ذكوري تجاه المرأة فهو يحدثها بصيغة الغائب أو يذكرها مع النجاسات، ثم يتعجب عن سؤال القرآن (وإذا المؤدة سئلت بأي ذنب قتلت) لان المؤدة دفنت حية لحضة ولادتها فما معنى السؤال؟ وهي خارج منطقة الوعي وما فكرتها عن الذنب والقتل؟ أما كان من الأولى سؤال القاتل؟ ثم ينتقل للعنصرية الجنسية والتشيء للمرأة بالجنة، فالنساء عربيات حصراً ولا توجد أي جنسية أخرى، والمرأة عبارة عن جائزة تهدى للمتعة، ثم يلاحظ أن النساء طفلات يسكن الخيام وهذا يدل على بيئة الخيال العربي وإصرار الإسلاميين على زواج الطفلات في الزواج.
(عن أرث المرأة) و(عن الحجاب...عقدة الإسلاميين المستحكمة) مقالان يفضل قراءتهما بدون تلخيص لأهميتهما.
وأخيرا الشكر إلى الأستاذ (د.ميثم الحلو) على جهده الجبار في تأليف الكتاب القيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار غزيرة تضرب منطقة الخليج وتغرق الإمارات والبحرين وعمان


.. حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر




.. لبنان يشير إلى تورط الموساد في قتل محمد سرور المعاقب أميركيا


.. تركيا تعلن موافقة حماس على حل جناحها العسكري حال إقامة دولة




.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس