الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية القلم الضال (5)...لن تدرك السلام دون حرب!

ساكري البشير

2016 / 5 / 23
الادب والفن


الأمس يوم مضى، وزمن قد ولّى، ولم يبقى منه سوى ما سطرته الذاكرة على حوافها، تلك هي اللحظات التي تسحرنا، في جزء من الثواني نصبح عنها غرباء، لأن الغربة موطن يسكنه المجانين، هكذا قد يُقال على ألسنة الذين لا يألفون الحياة الروتينية المجتمعية، أن لا تكون أحد القطيع من الأغنام التي تسري في طريق اللا طريق، لتسير تائها يوما على خُطى التائهين، وغافلا مرة أخرى في درب الجاهلين...
لم تكن الأيام لتسعفني دون خوض غماري في كسر القيود التي تأسرني، ولم تكن لتقتلني حين مخالفتي القانون الإجتماعي – قانون القطيع - فأنا معزوفة على شمس الغروب أتغنى بجنوني، أرمي بشباكي على عرض الفكر لأصطاد لنفسي قوتا أشبع به رمق جوعي، وأرقص على موسيقاي لا على موسيقى غيري، فليلي إن غابت عنه القمر، فالنجوم تعوضه، وليلك إن غاب عنه القمر فالنوم يأخذ مكانه، فشتان بين الثرى والثريا...
في يوم 16 – 05 – 2016 رنّ الهاتف على الساعة 9:08، ويا ليته لم يرن، فقد كانت من أقسى اللحظات التي قد تصيبنا نوباتها إن تكررت بإحباط كبير، حيث إتصلت صديقتي عائشة لتعتذر عن الإستمرار في المشروع، ذلك أن ظروفها لم تسمح لها بذلك...
قالت بصوت خافت وهادئ كنسيم السحر " ألو...صباح الخير"
" صباح الخير عائشة..كيف حالك؟"
" الحمد لله" ثم غاب صوتها لحظات كأنها كانت تمعن التفكير فيما ستقول، ورجعت للهاتف لتعيد التكلم مرة أخرى: " أود أن أخبرك أنني تراجعت عن كل قرار حول المشروع الذي تبنيناه، فأنا لا يمكنني الإستمرار فيه، فبعض الظروف لم تسمح لي بذلك"
" عائشة! هل كل شيء على ما يرام؟ هل هناك من يضغط عليكِ؟"
" لالا!..لا تفهمني خطأ...أنت تعلم أنني لازلت أدرس، لهذا رفضت عرضك"
بعد هذا الرد سمعت أصواتا تكاد لا تسمعها إن لم يكن جل تركيزك على سماع تلك الكلمات، فقد كانت دموعها تسري على خدها " لا أظن أنكِ بخير..أخبريني بما جرى...ثقي بي..يمكنني مساعدتك.."
لم أكمل حديثي حتى أجْهَشَتْ بالبكاء، لتصرخ مرة أخرى " إبتعد عن طريقي، أنت لا تعلم أنني صاحبة أتعس حظ.. سيكون الفشل حليفك لو كنت شريكتك في مشروعك..إبتعد دون أن تسأل.."
أغلقت الهاتف في وجهي، ورحلت دون رجعة، دون حتى أن أعلم السبب..
بقيت على تلك الحال من التفكير، وأتساءل ما الذي حدث لها؟ وما الذي تخفيه داخل ذلك القلب الصغير؟..
مرّ النهار ببطئ شديد، إلى أن تسترت الشمس وراء ظلمة الليل، وعم الأرجاء السكون، حتى الصراصير التي كانت تغني قد توقفت اليوم، لم ترفع قيثارها وكأنها تعلن الحداد، أو أنها تنتظر أن أروي لها قصة تطرب النفس بطيب الخاطر...
أمسكت قلمي ووضعت أمامي مجموعة من الأوراق البيضاء كعادتي، ثم أطلقت العنان للتفكير بحثا عن ظاهرة أغوص في أعماقها، وأجوب شوارعها، فلم تطرأ على بالي إلا تلك الليلة التي عزمت فيها الإستمرار، فلم يكن إلغاء المشروع عائقا عليّ، بل زادني تحفيزا للتوكل على الله، والبدء فيه لوحدي، عن أي شيء سأتكلم؟ وفي أي موضوع سأناقش؟ وأي مشكلة ستحلل اليوم؟..
هرعت الكلمات تتجمع من حولي، والحروف تتراقص، إلى أن بدأت أتذكر حوادث كثيرة، فأي منها سأختار، هل ستكون قضيتي اليوم حول سورية أم السودان؟ هل ستكون عن قوة الغرب أم ضعف الإسلام؟ هل ستكون عن الحرب أم السلام؟، إلا أنني إخترت بين هذه الأسئلة أن أتكلم عن ذات الإنسان... سأروي لصديقتي قصة ذات الإنسان، فوضعت القلم الورق وإنطلقت في الكتابة...
" منذ زمن بعيد، خلق الله الأرض بكلمة كن، فكان كل شيء قد خُلق أسرع ما بين حرفي الكاف والنون، فكانت الأرض، وسطرت الكواكب في مصفوفة واحدة، تتقارب أزمانها وتتباعد، إلا أنها كانت بمقدار، وخلق فيها كائنات كثيرة، ولم يكن منها إلا واحدا ذو خُلُق عظيم، وميزه بميزتين، السلطة والمعرفة، فكانت الأولى مرتبة حيوانية، والثانية مرتبة ملائكية، وكانت بجوار السلطة والمعرفة شيئين إثنين، حيث يكمنان في الحرب والسلام...
أن تجعل سلطتك على الطبيعة فهذا قمة الرقي، لكن أن تجعل منها العكس، فذلك قمة الدناءة، والمعرفة هي عامل الكبح لتلك السلطة، فنأخذ النفس كسبيل بيّن للبرهان..
النفس بعمقها كعمق طبقات الأرض، مُحِبَّة للصعود بها في مراتب ملائكية، وتهوى النزول لمراتب شيطانية، فأن تكون إنسانا حقا يجب أن تكبح نفسك من شهواتها، وأن تكبحها يجب أن تُكسبها المعرفة، وأن تُكسبها المعرفة، يجب أن تُعلمها معنى الوجود، ومعنى الخلق..
ففي كل زمن وجد فيه الإنسان، كانت الحرب والسلام جزءا منه، فالحرب هي الدرجة الحيوانية التي يصل بها الإنسان لفعل كل أهوائه من قتل وتشريد ونشر الفساد في أقطار المعمورة، والسلام هي الدرجة الملائكية التي تدفعه لإصلاح ما قد تم هدمه من الأعمدة التي كانت تقف عليها الإنسانية، وأنا على يقين أنه لو خيروك بين الهدم والبناء، أو بين قتل نفس وإحيائها، فسيكون ردك تلقائيا مبني على الثاني، فهل سيكون إختيارك لنفسك مبني على الإختيار الثاني علما بأنك قد إخترت مسبقا الخيار الأول؟، فقد قررت الإبتعاد عن كسب المعرفة، وعن نشرها بين شباب الجيل القادم، كنت أعلم أنّ لكِ أبنية خاطئة، فكل منا قد يُخطئ ويصيب في حق نفسه، ولكن الفرق أننا حين نعلم خطأنا نسرع في إصلاحه، بينما أنتِ لا أعلم، وسأكون في إنتظار جوابك...
الحرب والسلام يا صديقتي ليست فقط مع ما نشاهده اليوم على قنوات الجزيرة أو العربية، أو على الجرائد اليومية من حرب النظام السوري والمعارضة، أو هي حرب إسرائيل على فلسطين...، بل هناك حرب وسلام داخل كل نفس، هناك دمار يصيبنا من الداخل، فنظلُّ نبحث عن حلول سلمية لفض المنازعات بين دولتين أو بين شعبين، وننسى أننا نعيش الحرب في ذواتنا، أليس الأجدر بنا البحث عن السلام داخلنا؟ ألا يحق لنا أن نزرع بذوره في أعماقنا ثم نشرع في نشره؟ كيف سأكتب عن السلام العالمي وأنا وسط دوامة من الحروب تارة أرميها في شباك الظروف الدراسية، وأخرى في شباك الفقر؟ ومرة ثالثة أوحي بلمي على المُجتمع الذي منه كان وجودي؟
فالعوامل التي تعيقنا عن البناء من الداخل أعظم من العوامل التي تصيبنا من الخارج، ولا بد للراية البيضاء أن تصعد، فقبل أن نبحث عنها في أوساط البيئة نصنعها داخلنا، فتعلني السلام قبل أن تتفشى عوامل الهزيمة، فالسلام لا يأتي بمفرده، إن لم نمت ونحن نكافح لأجله كقضية ذاتية ووطنية وعالمية... الحرب والسلام مصيرنا الدائم فلا تلومي أي كان على هزيمتك، ولا تشكري أي كان على إنتصارك... فقط أنتِ من يقرر المصير بعد كل حرب: النصر أم الهزيمة، وإعلمي أنكِ لن تدركي السلام دون حرب"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في