الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من شبه الدولة إلى الدولة الراسخة - 2

محمد السعدنى

2016 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


فى المسافة الزمنية مابين مقالى للأخبار الأربعاء الماضى "من شبه الدولة إلى الدولة الراسخة" حتى يومنا هذا، مرت فى النهر مياه كثيرة. فقد أحدث المقال حراكاً ثقافياً واسعاً حول المفاهيم والمصطلحات ومدى إمكان تنزيلها على الواقع السياسى فى بلادنا وقبولها كرؤية رئاسية، إذ تلقيت العديد من المكالمات وغيرها من التعليقات على البريد الإلكترونى من مفكرين وكتاب وسياسيين ومثقفين يجمعهم الهم العام، تراوحت مابين النقد والاستحسان والتساؤل، ومابين شد وجذب وحوار عشت الأسبوع الذى تصادف أن تلقيت فيه المغلف الأنيق الذى أنتظره كل شهر من إصدارات "المركز الإقليمى للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة" كما عودنا المفكر الكبير أستاذ العلوم السياسية د. عبد المنعم سعيد مدير المركز بمطبوعاته ودراساته العلمية رفيعة المستوى عن حالة مصر والإقليم والعالم، وموضوعاته التى تعد إضافة علمية لا غنى عنها لكل الكتاب والدارسين والباحثين فى عالمنا العربى، وهى كما يقول د. عبدالمنعم سعيد فى تصدير خطابه المصاحب، دوريات أكاديمية تهدف إلى تحليل التحولات الرئيسية ذات الطابع الاستراتيجى فى النطاقات المشار إليها: مصر والإقليم والعالم. وقد تأسس المركز الإقليمى للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة فى نوفمبر 2012، بهدف رصد وتحليل وتقدير التحولات الكبرى التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط فى مرحلة مابعد الثورات العربية فى إطار تقديم خدمة أكاديمية واستشارية لجمهور واسع من مؤسسات صنع القرار وقادة الرأى العام ووسائل الإعلام والسياسيين والباحثين والدارسين. وهو جهد ضخم ومقدر لعله يسد عجزاً فى آلياتنا العلمية ومؤسساتنا السياسية والعامة، لتواكب مثيلاتها فى الدول المتقدمة فى عالم يموج بالتحولات والتغيرات المتسارعة. ولقد وجدت فى مطبوعات "حالة مصر" موضوعين جديرين بالتوقف أمامهما، كما وقعت فيهما على ضالتى التى يمكن أن أعزز بها دفوعى أمام أطروحات المفكر السياسى المناضل أ. حمدى مرسى أحد رجالات الحرس الوطنى القديم، الذى هو وهم على النقيض تماماً ممن عالجنا مواقفهم فى مقال سابق وأسميناهم "كلاب الحراسة الجدد" المقال الذى جر علينا كثيراً من المتاعب مع الإعلام حيث لم يُفهم عنوان المقال باعتباره الإصطلاحى ربما لضعف البنية الفكرية والمهنية لكثيرين ممن يتصدرون واجهات الشاشة الفضية. الموضوعان هما: "المجتمع المدنى الإفتراضى فى مصر- الخريطة والدور" دراسة للباحثة د. هدى جمال الدين، أما الموضوع الثانى: "الدور التنموى للمؤسسة العسكرية فى مصر- تسييس متعمد" للباحث د. محمد عبدالله يونس.
ولعل نقاشنا لأطروحات أ. حمدى مرسى تغطى وتشمل كثيراً مما قيل أو كتب حول مقالى الأسبوع الماضى، ذلك أنه فى رؤيته كما آخرين، يتوقف كثيراً عند مدى علمية ودقة مقولة "شبه الدولة" إذ فى تصوره الفارق كبير بين مقومات وجود الدولة وبين أداء مؤسساتها من كفاءة أو ضعف وسياساتها من نجاح أو فشل. فالدولة المصرية حافظت على مقومات وجودها لم تهتز أو تتغير منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا، حيث احتفظت بحدودها ووحدة إقليمها وشعبها ومركزية نظامها الإدارى وبيروقراطيتها ومحورية دورها عبر التاريخ دونما انقطاع رغم مامرت به من تجارب مد وجزر واحتلال واستعمار. أما ان تكون السياسات العامة للدولة فى مرحلة تاريخية ناجحة أو فاشلة، فهذا أمر آخر، لايمس وجودها ولايصمها بمقولة شبه الدولة التى يصعب أن تمر علينا دون أن تمس قناعاتنا وانتماءاتنا الوطنية وضميرنا الجمعى العام. وقد تعرض سيادته كما آخرين غيره لمفهوم الدولة الحديثة فى القانون وعلوم السياسة، وأخذنا الحوار إلى منحى أراه حاكماً فيما ذهبت إليه فى مقالى، وهو ربما لب الخطاب فى الفلسفة المادية التاريخية حيث البناء الفوقى للدولة هو انعكاس وناتج للبناء التحتى للمجتمع. البناء الفوقى يمثل مؤسسات الدولة والقوانين ومنظومة القيم والأخلاق والسياسات العامة وتوجهاتها نحو المصالح الطبقية والإجتماعية لفئات المجتمع، بينما البناء التحتى هو انعكاس لمجموع علاقات المجتمع الإقتصادية وعلاقات الإنتاج. وفى تقديرى أن علاقات الإنتاج فى المجتمع ربما أشمل مما عنته الفلسفة المادية فى توجهاتها ورؤيتها الماركسية، التى حصرتها فى الإقتصاد والصراع الطبقى، بينما أميل أكثر إلى رؤية الفلسفة المثالية فى هذه النقطة تحديداً وربما الليبرالية التى أراها من منظور يعتبر كل مناشط وتفاعلات الناس فى الدولة هى علاقات إنتاج بشكل أو آخر، فالحب والزواج والإبداع والثقافة والتعليم والبحث العلمى والصناعة والزراعة وحتى السياسة علاقات إنتاج. من هنا رأيت وكتبت منذ سنوات عن تحلل الفوارق المصطنعة مابين التوجهات الإشتراكية والليبرالية، وكتبت عن الطريق الثالث، ليس بمفهوم أستاذ العلوم السياسية الأمريكية "أنتونى جيدنز" ولا رؤية تونى بلير الذى طغت فى عهده على حزب العمال البريطانى مسحة رأسمالية، وناقشت فى مقالاتى التى حاورت فيها أفكار فرانسيس فوكوياما بعد أزمة الرأسمالية فى "ليمان براذرز" 2008 وإضطرار الرأسمالية لإتخاذ تدابير دولة لإقالة عثرة الإقتصاد تتسم بمسحة إشتراكية سمحت بتدخل البنوك المركزية والفيدرالية فى الدول الغربية الرأسمالية فى شئون الإقتصاد والشركات والبورصات، الأمر الذى ماكانت تسمح به قواعدها الإقتصادية من قبل.
وفى تصورى أن سيولة البناء التحتى فى الدولة المصرية ربما هو ماجعلنى أقول بما قال به الرئيس السيسى عن "شبه الدولة"، التى قصدنا بها وظيفية المؤسسات -function-ALISM أكثر مما قصد بها حمدى مرسى بنية الدولة وهياكل مؤسساتها STRUCTURALISM. بالفعل لدينا هياكل دولة تبدو مؤسسية فى الشكل والتكوين، لكنها أيضاً تبدو سائلة رخوة فى الأداء والكفاءة، وهو نفسه سبب التناقض الحاكم لعلاقات الناس بحكوماتنا المتعاقبة وتدنى مستوى الخدمات وعدم وضوح الإنحيازات والخيارات فى بلادنا، بما يدفع الناس للإحباط والنظام للأزمة والرئيس لمر الشكوى.
ولمن كتبوا لى أو ناقشونى عن تاريخ مصر الدولة والحضارة، أتفق معهم وأزيد أننا دولة ليس منذ أن وحد مينا القطرين ولكن قبلها عندما كنا مملكة الشمال ومملكة الجنوب قبل الميلاد بعدة قرون طويلة، وأقرأوا معى كتاب "وصف مصر" للحملة الفرنسية 1802، و"المسألة المصرية" لصبحى وحيدة 1950، و"شخصية مصر" لجمال حمدان 1967، و"موسوعة مصر القديمة" لسليم حسن فى السبعينيات، و"فجر الضمير" لجيمس هنرى برستيد فى ثلاثينيات القرن العشرين. ولعل الدراستين القيمتين للمركز الإقليمى للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة عن "حالة مصر" يشيران إلى أن ضعف بنية وكفاءة الفاعلين الأساسيين فى السياسة المصرية ومجالنا العام من أحزاب ونخب وإعلام ومؤسسات دولة وشخصيات إعتبارية وعامة دفعت بظاهرتين لتصدر المشهد العام فى الدولة، هما المجتمع المدنى البديل أوالإفتراضى الذى يسكن فضائنا الإلكترونى، ثم دخول مؤسستنا العسكرية إلى مجال التنمية فى مصر لابقصد التدخل فى الحكم والسياسة، بل لتعويض نواقص القدرة والكفاءة فى مؤسسات الدولة والمجتمع. وفى النهاية هى مهمة الرئيس ومسئوليته بأن يعيد للدولة كفاءتها وللمجتمع المدنى إحترامه واعتباره، ليأخذه من حالة "الفنتازيا" وعالم الأشباه والمجتمع البديل إلى عالم الواقع والمجال العام الفاعل الناشط، لنتحول من شبه الدولة إلى الدولة الراسخة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب