الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما ترتوي تفجيرات الساحل من الأحلام

عادل أسعد

2016 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تقول ملكة الروايات البوليسية أجاثا كريستي في احدى قصصها المثيرة في خضم توضيحها للسبب الذي يجعل بطل الرواية يصطدم دائما مع الأحداث البوليسية حتى لو كان في المنزل أو في المستشفى أو في اجازة . تقول ، فعلياً في الواقع ان بعض الأشخاص يواجهون في حياتهم الكثير من المواقف الجنائية بشكل استثنائي عن غيرهم مما يضعهم دون استئذان في خضم الأحداث البوليسية . و علة ذلك بحسب الروائية الكبيرة ليس الصدفة وحدها و انما طبيعة أو شخصية البشر ، فكل فرد له صفات معينة في شخصيته تجذب إليها بكثافة نوعاً معيناً من المواقف و المفارقات . أي بما معناه هي جاذبية فردية انتقائية للأحداث ليس لها من تفسير واضح فنرى أحدهم يتعرض أكثر من غيره لصدف اجتماعية و آخر لحوادث صحية كما و نرى البعض يتعرض أكثر من غيره إلى مواقف سياسية استثنائية .
فعلى سبيل المثال أنا أذكر حادثة بسيطة عن صدفة جمعتني منذ حوالي الثلاث سنين في اوروبا برجل كان يجلس على رأس طاولة كبيرة تضم أكثر من عشرة رجال عرب جلهم من الأردن . و كان ذاك الرجل لا يكف عن الكلام بصوت مرتفع و كأنه يخطب في ضيوفه عن الحرب السورية محملاً الجيش السوري و الدولة مسؤولية التصعيد مكرراً قصة المعارضة عن (الطفل) الدرعاوي حمزة الخطيب . و بعدما غلبتني رغبتي في تصحيح الغلط ،أي ما معناه في العامية (غلبتني كثرة الغلبة) و حشرت نفسي في أحاديث المجموعة فأحرجت ذاك الرجل أمام حضوره بسؤالي عن معنى تسليم المخابرات السورية لجثة حمزة الخطيب إلى أهله و لماذا لم تقم بدفنها و اخفائها ان كانت قد شوهتها بهذا الشكل الفاضح من جراء التعذيب ، تبين لي بعدها ان ذاك "الخطيب" ليس إلا محمد العجلوني الذي كان قد افتتح قناة فضائية من مال قطر مخصصة للمعارضة السورية تدعى سوريا الشعب و التي أغلقت لاحقاً بسبب ايقاف التمويل . و هو نفسه من زوج ابنته إلى خالد أبو صلاح عندما تحول هذا الأخير إلى مراسل الغفلة و أصبح يصول و يجول بين السي ان ان و الجزيرة .
هناك الكثير من الصدف التي واجهتها منذ بدء الحرب السورية و هي أكثر جدية و أهمية من العجلوني و أبو صلاح . و على سبيل المثال لا الحصر الصدفة التي جمعتني بشاول ميناشي الصحفي الاسرائيلي العجوز و الذي كان يدير ما يعرف بالمنبر الحر في اذاعة صوت اسرائيل . و لكن التساؤل الذي يشغلني اليوم هو ليس عن الصدف و المواقف بل عن الأحلام التي تأتينا في الواقع و في المنام .
فهل هناك يا ترى أحلاماً مميزة ممكن أن تتكرر لأفراد دون سواهم ؟؟ أم هل هناك أفراداً يصنعون أحلاماً معينة دون سواها ؟؟ فمؤلفة الروايات البوليسية الأكبر قد تكلمت عن الوقوع في الأحداث فقط ، و كتاب علم النفس قد حصروا اهتمامهم بالخلفيات اللاشعورية للأحلام و لكنني لم أصادف أحداً خارج الخطاب الديني قد ربط يوماً بين الحلم و بين الأحداث السياسية و الأمنية مع ان ما يحدث في سوريا طوال سنين الأزمة هو كابوس بكل معنى الكلمة لأن المنطق في هذه الحرب العالمية المركزة قد اضمحل بالتدريج لمصلحة الخرافة و العقلانية قد سقطت في أول جولة بالضربة القاضية تحت أقدام الهلوسة الاعلامية ، و إلا فما هو تفسير أن يأخذ القصف في حلب فجأة ضجة اعلامية عالمية وصلت إلى حد ان هاشتاغ أنقذوا حلب قد احتل المرتبة الاولى في العالم دون أن يعرف أحد كيف تم ذلك و ما هو العدد الصحيح لضحايا القصف و ما هي هوياتهم و لماذا قال الهاشتاغ أنقذوا حلب مع أن القصف المتبادل بين طرفي المدينة المنكوبة هو ذاته لم يتغير من سنين بينما التفجيرات الارهابية الأخيرة التي ضربت مدينتي جبلة و طرطوس قد أسقطت أكبر عدد من الضحايا المدنيين منذ بداية الحرب في سوريا و لم تستأهل من أميركا و غير أميركا ابداء الأسف مع ان الفاعل هو ارهابي باعتراف و معرفة العالم أجمع !!
من هكذا مقاربة نرى ان الاهتمام بالأحلام قد أصبح ضرورة لأنها باتت تحمل من الواقعية أكثر من الواقع السوري ، بل ان التمحيص في الحلم قد يؤدي بنا إلى الوصول إلى الكثير من الأجوبة عن أسئلة كانت غامضة لنا بسبب كثرة الازدحام . بل هو قد يجنبنا مآسي ان نحن قد أخذناه على محمل الجد .
في الليلة التي سبقت التفجيرين الارهابيين في طرطوس و جبلة حلمت بأنني قد استقبلت على موبايلي رسالة من صديق لي مازال يعيش في سوريا في منطقة في الغوطة الشرقية مكتظة بمقاتلين تابعين لجيش الاسلام . تقول الرسالة و بالحرف الواحد انه في صباح الغد سوف يضرب (زلزالان) منطقتين واحدة مجاورة لمدينة حماة و الثانية هي لواء اسكندرونة . انتهى .. قرأت الرسالة في المنام و بحكم كثرة الأحداث و الكلام في الحرب السورية و غزارة الشد و الرخي لم أهتم كثيراً بها بالرغم من طبيعتي التي تهتم كثيراً بالتفاصيل ، فأسلمت رأسي إلى المخدة و لم أتوقع بأني سوف أصحو على كابوس مرعب في صباح اليوم التالي .
استيقظت متأخراً في الصباح و قبل أن أبدأ بمتابعة أخبار الوطن دخلت ثانية في المنام و حلمت بأنني استقبلت رسالة ثانية من صديقي يربط بها بين رسالته في الليلة السابقة و بين التفجيريين الارهابين في جبلة و طرطوس . و كأنني رأيته في المنام و هو يبتسم بهدوء من خلال رسالته و هو يسألني ان كان قد سقط لي معارف قتلى في أحد التفجيرين .
بعدما تلقيت الصدمة و فهمت الدرس القاسي صببت لنفسي كأساً كبيراً من القهوة و جلست خلف مكتبي متأملا في أحلامي الأخيرة في محاولة مني للوصول إلى بعض الحقائق من خلال قراءة تفصيلاتها و ماهو مكتوب بين سطورها . و بعد استرجاع كل ما كنت قد اطلعت عليه و قرأته عن تفسير الأحلام و ما سمعته من معارفي حول مواضيع الرؤى و المنامات توصلت إلى النقاط التالية :
أولا ، صديقي مرسل الرسالتين يعيش في منطقة محاصرة من الجيش السوري و تخضع لسيطرة جيش الاسلام الذي هو من المفروض فصيل عسكري منفصل و مستقل عن مقاتلي الشمال السوري من جبهة النصرة و من أحرار الشام .
ثانيا ، جيش الاسلام هذا قد عطلت أميركا منذ فترة قصيرة في مجلس الأمن الطلب الروسي لادراجه من ضمن التنظيمات الارهابية التي تعمل على الأرض السورية .
ثالثاً ، جيش الاسلام يمول و يوجه من قبل السعودية بالمطلق حيث يعتبر هو ذراعها الأقوى في سوريا .
رابعاً ، تعامل جيش الاسلام مع العملية و كأنه معني بها فوزع الحلويات في شوارع الغوطة احتفالاً بسقوط أكثر من مائة قتيل مدني عدا عن الجرحى .
بالنظر إلى العمليتين الارهابيتين نستطيع أن نرى عدة حقائق منها أن التفجير الذي ضرب جبلة هو عمل مخابراتي ضخم فهو مركب من خمسة تفجيرات مدروسة ضربت بنك أهداف مدروس بعناية . و بتزامن العملية مع تفجيرات طرطوس نفهم اننا أمام عمل ارهابي ضخم يتجاوز في تصميمه و التحضير له القدرات المجردة للميليشيات التي تحارب الجيش السوري في شمال اللاذقية . و لو نظرنا أيضاً إلى حقيقة ان تنظيم داعش الذي كان قبل ذلك بيومين قد نفذ هجوماً ارهابياً في حي الوسطى المسيحي في القامشلي قد تبنى تفجيرات الساحل بشكل ركيك مفضوح الأمر الذي تطرقت له قناة روسيا اليوم مما دفع التنظيم إلى الدفاع عن تبنيه للعملية بنشره لأسماء منفذي الهجوم ، نفهم أن هذا التبني قد جاء كخدمة مقدمة منه للمنفذ الحقيقي كون عباءة داعش تحتمل هكذا جريمة كبيرة خاصة لو تذكرنا أن أقرب تواجد لعناصره على الأرض يقع بعيدا جداً عن الساحل السوري .. نعم ، هي الهلوسة مع الخرافة في أقوى تجلي لهما .
بالجمع بين ماتقوله لي الأحلام عن ميليشا جيش الاسلام في غوطة دمشق و بين التأمل في الشكل العام لتفجيرات جبلة و طرطوس أرى حقيقة ساطعة كنور الشمس لم تتوقف أجهزة اعلام الدولة السورية عن ترديدها حتى بح صوتها و هي أن جميع ميليشيات المعارضة السورية هي في الجوهر واحد و في التنسيق واحد ، و عند اللزوم فأن من يقف وراء كل تنظيم هو واحد . و كل ميليشيا منهم تمد يد العون للأخرى من (معتدلي) أميركا و السعودية مثل جيش الاسلام الذي وزع الحلويات على أشلاء الأطفال وصولاً إلى زعيمة العصابة داعش . فأيادي الجميع عند الارهاب تتشابك و نقطة انتهى .
أما لو نظرنا إلى ضحايا تفجيرات طرطوس و جبلة و إلى كمية الدماء التي سقطت و إلى الأماكن التي استهدفها الاجرام مثل مدخل قسم اسعاف الجرحى في المستشفى . و لو نظرنا إلى التشفي الذي أبداه اعلام المعارضة فاننا نرى أمراً جديداً لم ننتبه له سابقاً ، أمراً يحمل رسائل مخيفة ليومنا و لغدنا و هو ذاك البعد العنفي المشحون الذي يبدر عن منفذي الاجرام أنفسهم . و أقصد هنا الأفراد و التنظيمات المنفذة للارهاب في سوريا كون المُخطِط هو أجهزة استخبارات نظامية تابعة لدول . فعلى ما يبدو أن تفجيرات جبلة و طرطوس لا يحملان فقط بصمات ذاك المُخطِط بل هناك أيضاً بصمات المنفذ و توقيع يديه و الذي يعتبر قيمة مضافة إلى الهدف المطلوب من قبل من يقف في خلفية المشهد .
فالقضية هنا قد تخطت التوصيف الروتيني الذي نردده عن طبيعة الصراع في سوريا ، فهناك بقعة مظلمة في جوهر هذه الحرب قد بدأت ارهاصاتها تظهر مع تقدم الزمن على الأحداث و لم يسلط عليها ضوء التحليل و الدراسة بعد . و هنا يحضرني المثل الشعبي الذي يقول ( القصة مو قصة رمانة , القصة قصة قلوب مليانة ) فالرمانة هنا هي الصراع على سوريا و هي أيضاً الخلاف العقائدي و السياسي الذي يدفع تلك الجماعات و الجحافل لقتال الدولة السورية ، و في المجمل فأن الرمانة هي حرب الغاز و النفوذ السياسي على المنطقة و الاقليم .
فلو تمعنا في منفذي العملية الارهابية قليلاً فسوف نرى أنه كان من الأسهل و الأجدى لهم تركيز الضرب على دائرة للدولة أو مكان له قيمة عسكرية حيث تصل الرسالة المطلوبة للجهة المعنية بنفس الفعالية و ربما أكثر و بكلفة أقل بدلاً من ارسال أكثر خمسة انتحاريين إلى أماكن محتشدة بالمدنيين . و هنا أود أن أقول رأي بصراحة و دون مواربة و هو أن جوهر الموضوع بالنسبة للمنفذين و أقرانهم لا نجده عند حوريات السماء كما يقال ، فالحوريات أبديات و يمكن لهن أن ينتظرن بضع سنوات اضافية لكن المسألة مرتبطة بمحرك ثقافي آخر ، عميق و غير مرئي و يدفع باتجاه نوع من الغضب الغريب يتجاوز الغضب الأعمى فيستطيع أن يجر كل معارض من آخر الأرض إلى سوريا من أجل اسقاط النظام و الدولة .
حقيقة أنه هناك محفز اعلامي ذكي و متطور قد استثار هذا الكره و الغضب و لكن هناك حقيقة اخرى أيضاً و هي الاستعداد الذاتي لهذا الغضب و فتح الصدور له . تلك الصدور التي لن تثلج أبداً لأن الغضب الذي يغلي فيها غبي و أعمى و لا يمكن له أن يساعد في قراءة الأحلام و لا في التمييز بين الحلم و الواقع مثلما حصل مع عبد الله المحيسني الزعيم السعودي الأبرز لقوات المعارضة السورية في الشمال عندما وقف أمام الأطفال السوريين ليخطب بهم و يدعوهم للانضمام إلى القتال ضد الجيش السوري على أمل النصر بعدما أعلنت روسيا عن سحب جزء من قواتها الجوية من سوريا فقال أنه قد حلم بتمساح يهرب من أمام وجه و هذا التمساح هو في الواقع روسيا . لينتهي حلم المحيسني هنا و لتبقى من بعده الهزائم التي تولد من الأحلام و تقتات على الأحلام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن