الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل مسيرة نضالية ثورية جديدة للطبقة العاملة المغربية

الشرارة

2016 / 5 / 29
ملف 1 ايار - ماي يوم العمال العالمي 2016 - التطور والتغييرات في بنية الطبقة العاملة وأساليب النضال في ظل النظام الرأسمالي والعولمة


فاتح ماي، اليوم الأممي للطبقة العاملة العالمية، يقام سنويا تخليدا لنضال الطبقة العاملة ضد الاستغلال والاضطهاد عبر العالم، وفي مثل هذا اليوم يضرب ملايين العمال والعاملات في العالم عن العمل.
وفاتح ماي كما يراه لينين "يوم احتفال عمال كافة البلدان باستقطابهم إلى حياة واعية، وباتحادهم ضد كل عنف وكل اضطهاد للإنسان من قبل الإنسان، النضال الذي سيحرر ملايين الشغالين من الجوع والبؤس والإذلال، يتجابه في هذا النضال عالمان: عالم الرأسمال وعالم العمل، عالم الاستغلال والاستعباد، وعالم الأخوة والحرية... يناضل عمال كافة البلدان من أجل تحرير العمل من عبودية العمل المأجور، ومن الفاقة ومن البؤس، إنهم يناضلون من أجل تنظيم المجتمع على نحو يجعل الثروات الناتجة عن كدهم المشترك تنفع كل من يعملون وليس حفنة أغنياء ... يريدون ألا يبقى ثمة فقراء وأغنياء، وأن تؤول ثمار العمل إلى اللذين يجهدون، وأن تؤدي كل فتوحات العقل البشري، وكل ما لحق العمل من إتقان، إلى تحسين حياة من يعمل، بدل أن تكون أداة لاضطهاده"( ـ مؤلفات لينين الكاملة بالفرنسية المجلد السابع، 207 – 210، دار التقدم، موسكو.).
إذاكان هذا هو المغزى الحقيقي للاحتفال بفاتح ماي عيدا للطبقة العاملة، فإنه في جميع البلدان بما في ذلك المغرب، أخذت الحكومات البورجوازية تحول احتفال فاتح ماي، من يوم احتجاج وصراع طبقي إلى يوم احتواء وتعاون طبقي، فقد تنبهت الحكومات البورجوازية لخطورة هذا الاحتفال العمالي، ولما لم يكن من الممكن مواجهة فاتح ماي بالقمع والمنع، بدأت تلجأ إلى سياسة الاحتواء، حيث بدأت الحكومات تعتبر فاتح ماي عطلة رسمية، وبدأت في الاحتفال به بشكل رسمي.

فماهو أصل الاحتفال بفاتح ماي؟
في 1 ماي من عام 1868 انطلقت تظاهرة عمالية في مدينة شيكاغو الأمريكية للمطالبة ب 8 ساعات عمل في اليوم، وقد تعرضت المسيرة السلمية لعملية قمع بوليسي أجبرتها على الانسحاب، ثم ما لبث أن وقع انفجار ناتج عن قنبلة سقط فيها 15 ضحية، وألقي القبض على القيادة النقابية التي اعتبرتها السلطات المحلية المسؤولة عن هذا العمل الإجرامي، فتم الحكم على ثلاثة نقابيين بالسجن المؤبد، وتم إعدام خمسة منهم بالرغم من وجود أدلة تبرؤهم، وقد اعترف لاحقا بعد عدة سنوات أحد رجال السلطة – في إحدى لحظات صحو الضمير!- أنه من فجر القنبلة امتثالا لأمر رئيسه.
إذن فإن ظروف عيد العمال انطلقت من أمريكا ليصبح فاتح ماي يوما لكل عمال العالم، وبالتالي عندما أضرب عمال شيكاغو يوم فاتح ماي من سنة 1868 لم يدر في خلد الذين أصدروا الأوامر لشرطة المدينة بإطلاق النار عليهم، أنها بذلك الفعل ستدشن إرهاصات التضامن الأممي، ويتحول فاتح ماي إلى عيد للطبقة العاملة.
وهكذا في القرن 19، قرر عمال جميع البلدان تخليد هذا اليوم من كل عام، وهو اليوم الأول من شهر ماي، وكان ذلك في سنة 1889، خلال مؤتمر الاشتراكيين العالمي، المنعقد في باريس.
وهكذا دخل فاتح ماي تاريخ الحركة العمالية والثورية العالمية من بابه الواسع في سياق تراكم نضالات الطبقة العاملة والكادحين والجماهير الواسعة التي شهدتها المجتمعات الأوروبية منذ ذلك الحين.
وقد اكتسب فاتح ماي بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا سنة 1917 دفقا جديدا، ساهم في التحام الحركة الثورية العالمية للطبقة العاملة من أجل الاشتراكية، مع حركة نضال الشعوب من أجل الاستقلال الوطني.

2) السياق التاريخي لفاتح ماي في المغرب:
بالنسبة للمغرب، فمن أجل التعرف على السياق التاريخي لميلاد فاتح ماي كيوم نضالي للطبقة العاملة، فلا بد من الوقوف عند التطور التاريخي للحركة النقابية في المغرب.
لقد نشأت الحركة النقابية أول مرة في المغرب بواسطة العمال الأجانب، خاصة الفرنسيون منهم، في إطار اتحاد النقابات الفرنسية (س. ج. ت)، إذ تأسس في المغرب سنة 1930 فرع بالمغرب لهذه المنظمة العمالية، ضمت في بدايته ثماني نقابات ينتمي أغلبها إلى قطاع الوظيفة العمومية، لكن هذه الحركة النقابية لم تكن مجرد استمرار جغرافي وتنظيمي ل س. ج. ت الفرنسية، بل كانت تختلف عنها من ناحية القاعدة الاجتماعية التي تنظمها.
كانت سلطات الحماية وأرباب المعامل يرفضون العمل النقابي المطلق للمغاربة، أي إنشاء منظمات نقابية مغربية صرفة، بل في سنة 1938 بعد الإضراب المشهور الذي قام به الفوسفاطيون المغاربة في مدينة اليوسفية، أصدرت هذه السلطات قوانين تقضي بمعاقبة أي عامل أجنبي ساعد أو حرض عاملا مغربيا على الدخول إلى منظمة نقابية.
وقد عمل الاستعمار الفرنسي على منع نشوء يد عاملة مستقرة، أي مرتبطة بالمؤسسات والمصانع والورشات والمزارع الأوربية، لأن هذا الاستقرار سيؤدي حتما إلى نشوء ونمو عقلية البروليتاري، زيادة على ما يحمله ذلك من "مخاطر" مطلبية، وأشدها خطورة هي المخاطر التنظيمية، خاصة وأن هذا البروليتاري خرج لتوه من صفوف الفلاحين.
لم تتأسس أول نقابة مغربية إلا في أواسط الخمسينات، وقد كان الاتحاد المغربي للشغل أول نقابة تأسست في المغرب في 20 مارس 1955، واحتفلت الطبقة العاملة بأول عيد للشغل في نفس سنة التأسيس، وقد ولد هذا التنظيم النقابي، نتيجة كفاح الجماهير المغربية داخل حركة التحرر الوطني من أجل الاستقلال والانعتاق السياسي. وقد تكونت النواة الأولى للطبقة العاملة المغربية من أبناء البوادي المبلترين، الذين هاجروا إلى المدن بسبب استيلاء المعمرين على أخصب الأراضي، ومن صغار الحرفيين الذين قضت عليهم منافسة السلع الأجنبية، والذين شكلوا يدا عاملة رخيصة لقطاع الصناعات والخدمات التي يحتاجها الرأسمال الاحتكاري الاستعماري، لنهب خيرات البلاد مثل الصناعات الاستخراجية والقطاع الزراعي الكلونيالي العصري الرأسمالي.
إذن، فظروف نشأة الطبقة العاملة ارتبط بالدخول الاستعماري وترسيخ الرأسمالية الكولونيالية في بلادنا بقوة السلاح، وعبر تدمير البنى الاجتماعية القبلية كوحدات إنتاجية، عبر انتزاع أراضي القبائل وتحويل الفلاحين إلى عمال زراعيين فوق أراضيهم، أو إلزامهم بالهجرة إلى المدن كيد عاملة تعمل في القطاعات الصناعية الاستخراجية (المناجم، الوحدات الصناعية ...) أو عن طريق الاستغلال في الأوراش (بناء الطرق، القناطر ...) وكذلك بالقضاء أو بالتضييق أو المحاصرة لقطاع الإنتاج التقليدي (الحرف) عبر منافسة البضائع المستوردة.
هكذا بدأت بعض المدن المغربية تعرف نشوء طبقة عاملة مغربية (الدار البيضاء، الرباط، القنيطرة، فاس، خريبكة، اليوسفية ...) منذ العشرينات من القرن الماضي، طبقة عاملة أغلب أعضائها قادم من البوادي المغربية، بدأ يتجمع في أحياء عمالية وشعبية كدوار الدوم، دوار الكرعة دوار رجا ف الله... في مدينة الرباط، وكاريان سانترال، ابن مسيك، كاريان الكلوطي ... بالدار البيضاء.
وفي غياب أي حقوق نقابية وسياسية، وباحتكاك مع مناضلين شيوعيين واشتراكيين أجانب (فرنسيون بالأساس، وإسبان فارون من الهمجية الفاشية للدكتاتور فرانكو)، تشكلت بدايات الوعي النقابي من خلال التمرس على العمل النقابي من داخل النقابات التابعة للمركزية النقابية الفرنسية (س. ج. ت)، وقد ساهم الشيوعيون المغاربة الأوائل، في لعب دور هام في هذا الاتجاه، من خلال احتكاكهم بالطبقة العاملة والفلاحين (تجارب الدار البيضاء وتادلة... ). ورغم أن المنحى السائد داخل تلك النقابات، المتأثر بالجو السائد بفرنسا، كان بطبعه نوعا من الاقتصادوية، فإن الطبقة العاملة المغربية، بحكم الخصوصية الوطنية، وجدت نفسها تحت تأثير نضالي مزدوج: من جهة، النضال ضد الاستغلال الاقتصادي والاضطهاد الاجتماعي، ومن جهة أخرى النضال ضد الاستعمار وسياساته الاضطهادية للشعب المغربي.
إن دخول الطبقة العاملة المغربية معمعان النضال الوطني، هو الذي سيساهم في تجذير ذلك النضال (انتفاضة وادي زم 1948، انتفاضة كاريان سانطرال 1952)، إضافة إلى عشرات المعارك التي كانت تخوضها الطبقة العاملة المغربية في كثير من الأماكن، إن هذا النضال كان له انعكاس على العديد من قواعد حزب الاستقلال وخلاياه التي ستتشكل منها أولى أنوية المقاومة المسلحة، وهذه هي الأرضية الموضوعية المشتركة، التي جمعت بين نضال الطبقة العاملة وبين المقاومة المسلحة في المدن، فلم يكن مستغربا أن يشكل هذان الجناحان، قاعدة مهمة، ساهمت في تأجيج التناقضات داخل حزب البورجوازية الوطنية المغربية، أي حزب الاستقلال، لينشأ فيما بعد "الاتحاد المغربي للشغل" أولا كنقابة مستقلة، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية كحزب سياسي تقدمي.
لقداتجهت الحركة النقابية المغربية منذ نشأتها، نحو العمل في إطار الحركة الوطنية، فبدأ التوجه نحو مغربة الحركة النقابية لتجمع بين النضال الطبقي المباشر والطابع الوطني المعادي للاستعمار. وقد وضعت الحركة النقابية لنفسها أهدافا سياسية منذ ولادتها، وهو أمر سيطبع مسيرتها في السنوات الأولى من الاستقلال، وقد خاضت المركزية النقابية "الاتحاد المغربي للشغل" منذ نشأتها إضرابات سياسية من أجل تحقيق تلك الأهداف مثل إضرابات أكتوبر 1956 وفبراير 1957 للتضامن مع الثورة الجزائرية والمطالبة بسحب القواعد العسكرية الأجنبية من البلاد. وبالرغم من أن تأسيس الاتحاد المغربي للشغل، كان بمبادرة من الجناح اليساري لحزب الاستقلال، فإن ولادة هذه المنظمة النقابية جاء نتيجة تحالف بين الحركة العمالية وحركة المقاومة المسلحة ، وقد كانت مطالب المقاومة المسلحة والحركة العمالية تلتقي حول برنامج حد أدنى.
وأمام هذا الإشعاع وهذا التواجد، عمد النظام الكمبرادوري، إلى نهج خطتين للقضاء على هذا الإشعاع، ويتمثل ذلك في:
1) تقسيم الحركة النقابية، بتشجيع تكوين نقابات مضادة للاتحاد المغربي للشغل منذ 1956، أي في وقت قصير من تأسيس هذه المنظمة، وفي سنة 1960، تكون الاتحاد العام للشغالين بالمغرب.
2) فك الارتباط بين حركة التحرر الوطني والحركة النقابية، والضغط على الاتحاد المغربي للشغل للاقتصار على العمل النقابي، وكان هذا الضغط يأخذ في أغلب الأحيان شكل تهديد الحركة النقابية بانتزاع بعض الحقوق التي اكتسبتها بعد الاستقلال، مما يبين أن النظام منذ الاستقلال الشكلي، لم يكن ينظر إلى العمل النقابي بعين من الرضى، فمارس مختلف التهديدات عند التلويح بأي إضراب، منها التراجع عن تقديم المنح، والتسهيلات التي كانت تعطى للنقابات. ومنذ 1961، دخلت الحركة النقابية فيما يسمى ب "سياسة الخبز"، وهي سياسة ترمي الفصل بين النضال السياسي والنضال النقابي، وذلك على يد البيروقراطية النقابية بزعامة المحجوب بن الصديق، وبالتالي منذ هذا التاريخ، ستكون مرحلة الجمود وتقلص النفوذ النقابي، وأصبح العمل النقابي يعتمد على إضرابات محدودة، وعلى الحركات الخالية من المطالب السياسية الأساسية، وهي سياسة تقوم على تحييد الطبقة العاملة وتهميشها سياسيا، وهي طبعا سياسة تخدم النفوذ الامبريالي والرجعي.
لقد أدت هذه السياسة إلى تخريب التنظيمات النقابية وتفكيكها، وهكذا انتهت التنظيمات التي تسعى إلى التنسيق والتضامن وتوسيع النضالات، ولم يتبق في النهاية إلا التنظيمات الصغيرة الضيقة على صعيد المعامل، والتي لا تقوم إلا بإضرابات محدودة دون برنامج نضالي محكم، وانتهت الحركة النقابية المغربية، إلى بيروقراطية ثقيلة، تقوم سياستها على ضرب الديموقراطية الداخلية، داخل التنظيمات، مما أدى إلى إضعافها ودفعها إلى تقديم تنازلات تلو التنازلات للنظام الكمبرادوري والقوى السياسية الرجعية في بلادنا. وكان من نتائج ذلك، تقلص عدد المنخرطين داخل الاتحاد المغربي للشغل، وتقلص حاد في قاعدتها، ففي سنة 1957، كان عدد المنخرطين يصل إلى 600 ألف عضو، تقلص إلى 200 ألف عضو سنة 1975.
إذا كان سياق الاحتفال بفاتح ماي كيوم نضالي، ارتبط تاريخيا على الصعيد العالمي والوطني، بما سبقت الإشارة إليه، فما هو سياق هذا الاحتفال اليوم على الصعيدين المذكورين؟

3) سياق الاحتفال بفاتح ماي راهنا على الصعيد العالمي والوطني:
- على الصعيد العالمي:
يعرف النظام الرأسمالي العالمي تعميقا حادا لأزمته البنيوية، وقصد تدبير أزمته، يسعى الاقتصاد السياسي البورجوازي، إلى دفع الطبقة العاملة لسد فاتورة الأزمة، كما تتعرض المكتسبات التي حققتها الطبقة العاملة في الدول الرأسمالية خلال فترة ما سمي ب"دولة الرفاه" إلى هجمات جديدة عبر مصادرة هذه المكتسبات، وتصاعدت حدة الهجوم كإحدى النتائج المترتبة عن الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة لسنة 2007، حيث هجوم الرأسمال العالمي على الطبقات الكادحة، ففي كل مكان في العالم تتسع الهوة بين أقلية طبقية تتميز بالغنى الفاحش، والجماهير المستغلة التي تغوص أكثر فأكثر في الفقر المدقع. وفي إطار حل أزمتها المستحكمة، تنهج الدول الرأسمالية سياسة اقتصادية تقشفية تحمل عبئها للجماهير الكادحة، أوربا مثال على ذلك، واليونان أحسن نموذج عن ذلك.
فبعد سقوط "الاشتراكية الامبريالية" والمنظومة التابعة لها، والتي لم تكن سوى سقوطا لنظام رأسمالية الدولة لحساب رأسمالية مخوصصة، تعتمد نظام السوق الحرة، هذا السقوط الذي سمي زورا وكذبا سقوطا للاشتراكية، قد تم في سياق أزمة عميقة للنظام الرأسمالي الامبريالي العالمي، وفي تنافس بين أطرافه المختلفة، ضمن قانون التطور اللامتكافئ للرأسمالية، وقد أدى هذا السقوط إلى انفراد الامبريالية الأمريكية، ومن ورائها الامبريالية العالمية بالهيمنة والسيطرة على العالم (نظام القطبية الواحدة، بدل نظام القطبية الثنائية، وهو ما أطلق عليه النظام العالمي الجديد، وما صاحبه من مسميات، مثل العولمة و"النيولبرالية" ومشتقاتهما).
وفي سياق تغير موازين القوى على الصعيد العالمي لصالح الامبريالية العالمية، لجأت الرأسمالية العالمية إلى سياسات أدت إلى القضاء على العديد من المكتسبات الاجتماعية للطبقة العاملة والفئات الشعبية، وبعد سنوات من العجرفة والادعاءات الزائفة حول انتصار الرأسمالية، سرعان ما سقطت الأوهام، وانكشفت كعملاق بأرجل طينية، وبدأت تهتز أركانه تحت ضربات الأزمات المتتالية، وهكذا انفتح التطور الاقتصادي العالمي على سلسلة جديدة من الأزمات، فقد تسببت الأزمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي لسنة 2008 بتباطؤ واضح في معدلات النمو العالمية وجمودها، وارتفاع معدلات البطالة، وتدهور أوضاع الطبقة العاملة وعموم الكادحين، ولا تملك الرأسمالية في طورها "المعولم" حلولا "جذرية" لأزماتها، لذلك تلجأ إلى حلول ظرفية مؤقتة تعيد إنتاج الأزمة على نحو أكثر تطورا، ويمكن تقديم عدة نماذج عن تأثير السياسة الاقتصادية للرأسمالية العالمية الامبريالية، كذلك الذي يقدمه الاتحاد الأوربي ، فانفجار الأزمة المالية العالمية والأمريكية خاصة، انعكس على العديد من دول الاتحاد الأوربي منها إسبانيا، إيطاليا و خاصة تلك التي توجد في أدنى سلم التنمية داخل الاتحاد الأوربي، مثل النموذج اليوناني الذي يعد أحسن مثال عن تلك السياسة، فقد زادت الأزمة من صعوبات الاقتصاد اليوناني، فسياسة التقشف التي فرضها الدائنون، أدت إلى تصاعد الاحتجاجات، وشهدت البلاد تحركات جماهيرية شارك فيها العمال وعموم الكادحين، فقد تراكمت الديون على اليونان ورأت الطغمة المالية الحل في فرض التقشف على الشعب، لتستمر في مراكمة الأرباح، فاتسعت عملية الخوصصة، بل وجدت الحل في الضغط على الطبقات الشعبية من خلال تراجع الأجور وزيادة الضرائب، وتسريح الموظفين وغيرهم، وكان أن رفض الشعب اليوناني سياسة التقشف ورفض شروط الدائنين، بل كاد الأمر ان يتطور إلى وقف تسديد فوائد الديون، والانسحاب من الاتحاد الأوربي، وهذا معناه انهيار الأبناك الفرنسية والألمانية الأساسية، الشيء الذي سينعكس على الاقتصاد العالمي، وخاصة الأمريكي.
وفي غياب قوى ثورية حقيقية، وجدت القوى الإصلاحية الشعبوية الفرص سانحة لركوب المد النضالي الجماهيري، وادعاء الدفاع عنه أمام الغطرسة الامبريالية الألمانية والفرنسية، لكن سرعان ما انكشفت هذه القوى وأبانت عن حقيقتها كقوى إصلاحية غير معادية للرأسمالية.
إن اليونان ليست إلا مثالا واحدا عن امتهان الشعوب، وما تمثله ردود فعل الجماهير كتبعات لهذه السياسات في دول أخرى من أوربا (اسبانيا، البرتغال، إيطاليا ... دون الحديث عن محميات أوربا الشرقية). وفي إطار دخول سيرورة التراكم الرأسمالي الامبريالي فترة جديدة من تطوره، تراجع العمل النقابي وتقلص حجم الطبقة العاملة تحت عدة مسميات. ففي ظل الأوضاع التي تعانيها الطبقة العاملة في الدول الرأسمالية، تتخلى النقابات عن دورها التاريخي في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة، بحكم تضافر عدة عوامل موضوعية وذاتية، منها ما يتعلق بضعف الحركة اليسارية التي ظلت دائما تغذي العمل النقابي، وانهيار الأحزاب الشيوعية التحريفية، التي تحولت إلى أحزاب ليبرالية.
- على الصعيد الوطني:
تحتفل الطبقة العاملة في بلادنا بفاتح ماي، في سياق ينهل من الوضع الامبريالي العالمي، وهو بذلك يشترك معه في الوضع المزري للطبقة العاملة في ظل نظام العولمة الامبريالية، القائم على عولمة الاستغلال والفقر والجوع والأمية وتأنيث الفقر، والهجوم على دور الدولة الاجتماعي في المجالات التي تساهم في إعادة إنتاج قوة العمل، عبر هجومه على الخدمات الاجتماعية. إن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي ينهجها النظام الكمبرادوري، والتي تطبق التوجيهات اللاشعبية المرتبطة بمصالح الرأسمال الامبريالي ومؤسساته المالية (صندوق النقد الدولي ، البنك الدولي ...) يزيد من التأثير على أوضاع الطبقة العاملة، خاصة مدونة الشغل، الأداة "القانونية" في خدمة الرأسمال الامبريالي الكمبرادوري، ومع هذه السياسة الاقتصادية والاجتماعية، التي ينهجها النظام الكمبرادوري، تتزايد حدة النهب والتفقير وتدهور الخدمات العمومية، والزيادة الصاروخية في الأسعار ونهج سياسات تفقيرية لا شعبية تجهز على القوت اليومي للجماهير الشعبية، تراجع دور الدولة الاجتماعي والتنموي، وتحولها إلى أشكال "نيوليبرالية" على درجة عالية من التخلف والتبعية والارتهان إلى المؤسسات الامبريالية، وما حكومات الدمى إلا أداة طيعة للتنفيذ.
وفي إطار الهجوم على مكتسبات الطبقة العاملة، يتم سن قوانين رجعية ضد حقوق الطبقة العاملة في جل الدول التابعة للرأسمالية الامبريالية، والمغرب مثال ساطع ونموذج حي، وتنص تلك القوانين على مضامين رجعية وتراجعية تعج بها مختلف مدونات الشغل عبر العالم، وسياسة تشرعن طرد العمال، والتمييع وضرب العمل النقابي... وتلويك وتنميق المصطلحات لخدمة ما يسمى بالتصالح الطبقي والسلم الاجتماعي.
تقوم طبيعة النظام الكمبرادوري الرأسمالي التبعي في المغرب، على مراكمة الأرباح والثروات وتفشي اقتصاد الريع، على حساب الطبقة العاملة وعموم الكادحين، وينعكس كل ذلك على وضعية العمال والجماهير الواسعة، والتي أصبحت تعاني من وضعية كارثية في ظل قانون شغل رجعي لا يحترم حقوق العمال، وسياسات اقتصادية تقوم على النهب الممنهج، وعلى تحميل الجماهير تبعات أزمة النظام الاقتصادي، هكذا يتم إغلاق العديد من الشركات وتسريح آلاف العمال، فيتسع حجم جيش العاطلين، ويؤدي الغلاء الفاحش إلى تدهور كبير في القدرة الشرائية للكادحين، وتتوسع رقعة الفقر.
وفي إطار مواجهة الأوضاع الاقتصادية والمالية التي تعيشها البلاد، يتجه النظام الكمبرادوري إلى تصفية منشآت الدولة الاقتصادية ومعاملها وإلقاء تبعات الأزمة المالية على الفقراء والكادحين.
في ظل ما تعانيه الطبقة العاملة، بما فصلنا فيه أعلاه، فإن هذه الأخيرة تعيش قدرا كبيرا من الضغط والتشتت، وهو واقع يعزى إلى تراجع العمل النقابي، في ظل الهجوم الرأسمالي الامبريالي على الطبقة العاملة، وانعكاسات ذلك على وعيها الذاتي، خاصة بعد ان انكشف الوجه الحقيقي للعديد من الأحزاب التحريفية، التي انتقلت إلى أحزاب ليبرالية ديموقراطية، أو أحزاب اشتراكية إصلاحية، وبالتالي فإن الأحزاب الإصلاحية والتحريفية، والنقابات التي أصبحت مقاولات نقابية، لها الدور الكبير في تراجع العمل النقابي.
وفي المغرب، إذا كانت أزمة العمل النقابي قد تطورت منذ السنوات الأولى لنشأتها، بعد تأسيس "الاتحاد المغربي للشغل" ورغم كل محاولات التصحيح من الداخل (الصراعات الداخلية التي عرفها الاتحاد المغربي للشغل) أو من الخارج (تجربة الكنفدرالية الديموقراطية للشغل) وفشلهما، وظهور بيروقراطيات نقابية أكثر تبقرطا من سابقاتها، وبعد المحاولات النضالية التي قامت بها هاتان المركزيتان في سنوات سابقة، فإن العمل النقابي قد تولد عن أزمة عميقة تفشت إلى درجة غير مسبوقة، وقد أدى هذا إلى أن تفقد النقابة تدريجيا دورها كأداة للنضال الطبقي.
إذن فالعمل النقابي في بلادنا يعيش أزمة بنيوية، بسبب تفشي البيروقراطية، وبسبب تخليه عن مجموعة من القيم والمبادئ التي انبنى عليها، وتشتت الطبقة العاملة بفعل التفريخ الذي تتعرض له النقابات، وبالتالي فإن واقع العمل النقابي يتمثل في انهيار القيم والمبادئ النقابية وتفشي البيروقراطية والانتهازية في جميع النقابات وتحول النقابات إلى مقاولات نقابية. إن أزمة العمل النقابي متعددة، فبالإضافة إلى الأسباب سابقة الذكر، هناك ضعف نسبة التنقيب، بسبب العزوف عن العمل النقابي، بدعوى لا جدواه ومحدودية نتائجه، زد عليها طبيعة النظام الكمبرادوري الرافض لأي عمل نقابي لأنه يهدد سلطته، ويخاف منه نظرا لأن العمل النقابي يعد شكلا من اشكال الصراع الطبقي، والنقابة العمالية كإطار جماهيري للبروليتاريا، لذلك شجع التعددية لإضعاف العمل النقابي، وأسس لذلك بظهير 1960، كما تم إدماج بعض القيادات النقابية داخل الطبقات المستغلة (بكسر الغين)، ويضاف إلى ذلك عداء الباطرونا للعمل النقابي، وانحسار البرامج النقابية، حيث غياب البعد السياسي وحضور النزعة الاقتصادوية، بالإضافة إلى هشاشة النسيج الاقتصادي، وضعف الحركة اليسارية التي ظلت دائما تغذي العمل النقابي، كما لا يجب إغفال دور الأحزاب السياسية الإصلاحية والتحريفية والرجعية في تقسيم الطبقة العاملة، حيث أصبحت الأحزاب البورجوازية والبورجوازية الصغيرة كل واحدة لها جناحها النقابي، يضاف إلى ذلك الفهم المغلوط للعمل النقابي، زد على ذلك وضع النقابات لسقف سياسي لا يجب تجاوزه (النقابات في علاقاتها بحركة 20 فبراير نموذجا).
لقد تراجع العمل النقابي بفعل تزايد سيرورة التراكم الرأسمالي الكمبرادوري، فأدى ذلك إلى التقليص من حجم الطبقة العاملة تحت عدة مسميات، والرمي بجزء منها في ما يسمى المناطق الحرة التي لا تخضع إلى أي قانون.
وإذا كانت هناك عوامل موضوعية وراء هذا التراجع في العمل النقابي، فإن العامل الذاتي، والمرتبط بالأحزاب السياسية الإصلاحية والتحريفية وضعف اليسار الماركسي – اللينيني الثوري، انعكس على الوعي الذاتي للطبقة العاملة، بالإضافة إلى العجز عن بناء التصورات النقابية الثورية، الكفيلة بالدفع بتقدم العمل النقابي للخروج من مأزقه.
في ظل هذه الشروط ، تبقى مهمة الماركسيين – اللينينيين المغاربة مهمة أساسية تجاه الطبقة العاملة، تقوم على النضال من أجل بناء أدواتها النضالية، ومن أجل بناء حزبها الطبقي المستقل، إذ لا يمكن قلب نظام الاستغلال بدون حزب ثوري، وكما يقول لينين "والبروليتاريا تنتظم وتتربى في غمرة نضالها الطبقي وتتحرر من أوهام المجتمع البورجوازي، وتزداد تلاحما على الدوام، وتتعلم كيف تقدر نجاحاتها حق قدرها وتوطد قواها وتنمو بشكل لا مراد له".
في عالمنا اليوم، فقد دخلت البروليتاريا العالمية، وقواها الثورية المناضلة مرحلة جديدة من إعادة بناء أدواتها الطبقية الثورية، وفي مقدمتها بناء أحزابها الماركسية – اللينينية الثورية، الشيء الذي يتطلب خوض صراع سياسي وإديولوجي مرير، ضد التيارات الإصلاحية والتحريفية ، استعدادا لمعارك القرن 21 الحاسمة، من أجل التحرر الوطني والاشتراكية والشيوعية، ومناضلو الحركة الماركسية – اللينينية المغربية عليهم الاستفادة من تجارب التاريخ: تجربة الحزب الشيوعي المغربي، والحركة الماركسية – اللينينية المغربية ، واستلهامها من أجل النهوض بالنضال الطبقي الثوري، فالملاحظ أن الجيل الحالي هو الجيل الأضعف في التوجه نحو الطبقة العاملة ، وهذا ما يجب أن يكون مركز اهتمام الحركة الماركسية – اللينينية المغربية، وعلى الماركسيين – اللينينيين المغاربة أن يعطوا أهمية قصوى للعمل الفكري والسياسي والتنظيمي، من أجل بناء المنظمة الماركسية اللينينية الثورية المغربية، على طريق بناء حزب الطبقة العاملة الماركسي – اللينيني المغربي.
إن السياق العام الدولي والوطني لفاتح ماي، يظهرالأوضاع المزرية للطبقة العاملة في ظل نظام العولمة، وعلى غرار8 مارس اليوم الأممي لنضال المرأة الذي أضحى يوما احتفاليا توزع فيه الهدايا والتهاني والذي تحاول البورجوازية تمييع دلالته، فإن فاتح ماي يتعرض لتمييع مضمون هذا اليوم والاحتفال به، أما الماركسيون – اللينينيون في المغرب والعالم وانطلاقا من المبادئ الماركسية – اللينينية لتحرر الطبقة العاملة، فعليهم أن يعيدوا لهذا اليوم الأممي ألقه النضالي وتوهجه الثوري.
عاشت كفاحات الطبقة العاملة طليعة نضال الشعب المغربي!
عاشت نضالات الطبقة العاملة العالمية ضد الاستغلال ومن أجل الاشتراكية!

فاتح ماي 2016

عن الشرارة ــ جميلة صابر

https://www.facebook.com/profile.php?id=100011496159496

http://www.acharara.info








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة