الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 9 – ما قبل المسيحية – 4.

نضال الربضي

2016 / 6 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 9 – ما قبل المسيحية – 4.

وقفنا في المقال السابق عند استعراض ِ النص ِّ الأبوكاليبتي المُصاغ على شكل نبوءة مُتضمّــَـنة في سفر دانيال: الفصل التاسع الأيات 20 حتى 27، بعدما بيـّــَـنا اعتمادها الرئيسي على النصين الموجودين في إرميا الفصل 25 الأيات 8 حتى 14 و إرميا الفصل 29 الآيات 8 حتى 10 لتستخلص منهما مدَّة السبعين عاما ً المذكورة صراحة ً فتعيد تفسيرها و تضيف َ إليها بُعدا ً جديداً هو: البُعد الرمزي، فتـَـتَـحوَّل الـ 70 عاما ً إلى 70 أُسبوعا ً من الأعوام، إي إلى 70 (الأصلية) مضروبة ً في 7 (حيث أصبح كل عام سبعة أعوام أي أسبوعا ً من الأعوام)، فتكون َ النتيجة 490 عاما ً.

-----------------
مدخل لفهم النبوءة
-----------------
إن المدخل الوحيد لفهم ِ هذه النبوءة فهما ً صحيحا ً هو استذكار ُ ما سبق َ و أوضحتُه ُ في الجزء السابع من هذه السلسلة (أنظر رابطّه ُ أسفل المقال) و أُلخِّصُه في ما يلي:

- كُتب َ سفر دانيال في فترة الحكم المكابي الحشموني.

- بطل ُ هذ السفر شخصية ٌ غير حقيقية يُراد لها أن تحمل عقيدة َ الكشف الأبوكاليبتي بأن تُوضع َ في سياق ٍ تاريخي سابق لوقت ِ تأليف السفر يتنبَّـؤ ُ عن أحداث ٍ مُعاصرة لفترة ِ ظهوره، أي فترة الحكم المكابي الحشموني.

كاتب هذا السفر أبوكاليبتي ُ الإيمان، راسخ ٌ في أبوكاليبتيته، يعتقد ُ حقا أن زمنَه ُ هو الزمن النهائي الفاصل بين تاريخ ماض ٍ و واقع ٍ مُعاصر و بين مستقبل ٍ قادم:

- أمَّا التاريخ ُ الماضي و الواقع المُعاصر فهما ما شكَّل الوقت منذ ُ بدء الخليقة حتى زمنه، و فيه شهدت البشرية سيطرة ً للشر على الخير، لكن بسماح ٍ من الإله و لحكمة ٍ إلهية.

- و أمَّا المستقبل ُ القادم فهو: إلهيٌّ لا أرضي، و سيتحقـّــَــق ُ على الأرض بعد إتمام ِ النبوءة. في هذا المستقبل ظهور و انكشاف (معنى كلمة أبوكاليبس) للحكمة الإلهية من وجود الشر و سيطرته، و ظهور و انكشاف للإله نفسه مع حضرتِه الإلهية، و ظهور و انكشاف ٍو تحقيق للمملكة الابراهيمية الداودية السليمانية التي سيحكُمها المشيح اليهودي لتعيد َ إلى الشعب مجده الموعود و تُصبح َ: مُهيمنة ً و حُجَّة ً على، و محجَّا ً، للأمم الوثنية.

بالضرورة مما سبق تنبـَّـه قارئي الكريم أن واضع َ سفر دانيال كان يهدف ُ بشكل ٍ مُباشر إلى تبيان ِ تلك َ الأحداث ِ النهائيَّة ٍ التي ستتمُّ في عصره، و لم يكن يتحدَّث ُ عن أي ِّ مُستقبل ٍ بمفهومنا المُعاصر، فبالنسبة ِ له كان مفهوم الزمن و التاريخ - كما نعرفه نحن - سيتوقَّف ُ بعد تمام النبوءات المُسجَّلة، و ستزول الممالك و الدول و الأنظمة ُ كاملة ً. و كان المستقبل ُ يعني زمنا ً إلهيا ً جديداً، يبدأ ُ التأريخ ُ منه جابـّــَــا ً لما قبله، و لهذا فإن َّ أي َّ مُحاولة ٍ لإسقاط ِ فهم ٍ للسفر على أيِّ حقبة ٍ تعقُب ُ حقبة المكابين الحشمونين سيبوء ُ بفشل ٍ تام، حتى لو نتج َ عن عقول ٌ مُتمرِّسة في الرمزية و إنشاء ِ العلاقات بين النصوص غير ِ المُرتبطة، و مهما بدا ذلك َ التفسير ُ منطقيا ً.


--------------
نص النبوءة
--------------
سفر دانيال: الفصل التاسع الآيات 20 حتى 27:

20 وبينما أنا أتكلم وأصلي وأعترف بخطيتي وخطية شعبي إسرائيل، وأطرح تضرعي أمام الرب إلهي عن جبل قدس إلهي

21 وأنا متكلم بعد بالصلاة، إذا بالرجل جبرائيل الذي رأيته في الرؤيا في الابتداء مُطارا واغفا (أي: طائراً بسرعة) لمسني عند وقت تقدمة المساء

22 وفهمني وتكلم معي وقال: يا دانيال، إني خرجت الآن لأعلمك الفهم

23 في ابتداء تضرعاتك خرج الأمر، وأنا جئت لأخبرك لأنك أنت محبوب. فتأمل الكلام وافهم الرؤيا

24 سبعون أسبوعا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا، ولكفارة الإثم، وليؤتى بالبر الأبدي، ولختم الرؤيا والنبوة، ولمسح قدوس القدوسين

25 فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعا، يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة

26 وبعد اثنين وستين أسبوعا يقطع المسيح وليس له، وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس، وانتهاؤه بغمارة، وإلى النهاية حرب وخرب قضي بها

27 ويثبت عهدا مع كثيرين في أسبوع واحد، وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة، وعلى جناح الأرجاس مخرب حتى يتم ويصب المقضي على المخرب


---------------
عناصر النبوءة
---------------
أ‌. عنصر زمني:

زمن أول: 490 عاما ً (70 أسبوعاً من الأعوام)
زمن ثاني: 483 عاما ً (69 أسبوعأً من الأعوام)
زمن ثالث: 434 عاماً (62 أسبوعاً من الأعوام)
زمن رابع: 7 أعوام (أسبوع ٌ واحد من الأعوام)


ب‌. عنصر بشري:

شخص أول: قدوس القدوسين.
شخص ثاني: المسيح الرئيس.
شخص ثالث: المسيح.
لاحظ عزيزي القارئ أنني أفرق هنا بين هؤلاء الثلاثة حيث أرى أن المقصود بكل واحد ٍ منهم إنمَّا هو شخص ٌ مُختلف ٌ عن الاثنين الباقين، و لا يمثلون أبدا ً شخصا ً واحدا ً، فلم يستقم معي فهم النص و فك ُّ اللغز بعد مشقة عظيمة إلا بإنشائي هذه الفرضية ثم اختبارها ثم بعد ذلك العودة إلى مقالات منشورة على النت أكَّدت ما توصلت ُ إليه.
شخص رابع: مُخرِّب.


ج. عنصر حدثي:
سأذكر الأحداث بحسب سردها في نص النبوءة، لافتا ً انتباهك َ قارئ الكريم أنها تُظهر الخط الزمني معكوساً، أي أن أول الأحداث ذكرا ً هو آخرها حدوثا ً:

حدث أول:الانكشاف (الظهور) الأبوكاليبتي التام (لتكميل المعصية وتتميم الخطايا، ولكفارة الإثم، وليؤتى بالبر الأبدي، ولختم الرؤيا والنبوة، ولمسح قدوس القدوسين: آيه 24).

حدث ثاني: ظهور المسيح الرئيس (أية 25).

حدث ثالث: مسيحٌ ما يُقطع و ليس له شعب.

حدث رابع: إبطال الذبيحة و التقدمة في الهيكل، و هو أول حدث في الأحداث الأربع.

--------------
تفسير ُ النبوءة
--------------
الإطار العام:

- يحكم ُ إله ُ إسرائيل على الشعب اليهودي بدمار مملكتهم و سبيهم إلى بابل و تدمير أوراشليم و الهيكل.

- ثم يصدر ُ الأمر الإلهي بعودتهم إلى أوراشليم و إعادة بنائها.

- و ستكون هذه المقدمة لإتمام الوعد الإلهي لهم بإقامة المملكة الإبراهيمية الداودية السليمانية.

- منذ صدور هذا الأمر و حتى ظهور قدوس القدوسين (أي المشيح الموعود الذي سيقيم المملكة) ستمر ُّ 490 عاماً.

- قبل َ أن يظهر المشيح الموعود ستمر ُّ 483 عاماً على صدور الأمر الإلهي، و في نهايتها، سيتعرض رئيس ٌ كبير لمحنة هي الأخيرة قبل إتمام الوعد و ظهور الانكشاف الأبوكاليبتي الأخير. هذا الرئيس الكبير يوصف بأنه مسيح رئيس (لكنه ليس قدوس القدوسين). لاحظ عزيزي القارئ أن كلمة مسيح كانت تُستخدم لكل قائد أو كاهن أو ملك يُمسح بالزيت و يحل عليه روح الإله و يقيم خلاصا ً ما لإسرائيل، فالمُسحاء كثيرون.

- و قبل هذا محنة ٌ أُخرى سيتعرض لها مسيح آخر إثر خيانة ٍ من شعبه (يُقطع و ليس له شعب: آية 26)، و ستكون ُ بعد 434 عاما ً من صدور الأمر الإلهي.

- و قبل كل ِّ هذا سيظهر ُ مُخرِّب ٌ كبير يمنع ذبيحة الهيكل و يُبطل التقدمة.

يمثِّل ُ هذا الإطار ُ العام إرهاصاتِ (علاماتِ، دلالاتِ، الأحداث َ السابقة َ لـ ) تحقيق الكشف الأبوكاليبتي الأخير، و سأتناول في المقال القادم التفسير المُفصَّل للنبوءة، مُعتذرا ً منك عزيزي القارئ عن اضطراري للخوض في جُزئيَّات ٍ و تفاصيل َ قد تبدو لك مُملَّة ً، لكن لا مناص عندي منها إذا ما أردنا أن نفهم التفكير الأبوكاليبتي و رؤيته للوجود و لشبكة ِ التفاعلات الإنسانية، ثمَّ تأثيره على نشوء الديانة المسيحية و تطوُّرها اللاحق.



----------------------
قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 7 – ما قبل المسيحية –ج2.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=514374








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخ نضال الربضي المحترم
وليد يوسف عطو ( 2016 / 6 / 1 - 14:19 )
اثمن جهودكم في تحليل النصوص والطرح الاكاديمي في عرض وترقيم الايات وشرح مضمونها ..

اتفق معك بان سفر دانيال كتب في القرن الثاني قبل الميلاد..

تحليل العنصر البشري جميل جدا ..

اعتقد ان هنالك ثلاث نسخ من سفر دانيال : الاولى سفر دانيال اليوناني وتضمنته الترجمة السبعينية للكتاب المقدس.. الثانية دانيال ارامي والثالثة دانيال عبراني والمصادر ليست بين يدي الان ..

كل النبؤات سواء في اسفار العهد القديم - تنخ - ام في اسفار العهد الجديد كتبت بعد وقوع احداثها بفترة زمنية طويلةجدا .. مثل سقوط اسوار اريحا كما نقبت عنه عالمة الاثار البريطانية كاثلين كينون ..

اتمنى دخولكم سريعا في اسفار وفكر الرؤية- الابوكاليبسي في المسيحية حيث انني لااستسيغ اسفار العهد القديم وربطها بالانجيل على طريقة : قطع - لصق..

وانا متلهف دخولكم في الفكر الابوكاليبسي المسيحي في الاناجيل والرسائل وسفر الرؤية..

وسيكون لي تعليقات ومداخلات كثيرة حول الموضوع..

دمت اخا عزيزا في قدس اقداس الفكر والثقافة ..


2 - الأبوكاليبتية 1
نضال الربضي ( 2016 / 6 / 2 - 08:50 )
نهارا ً طيبا ً أتمنَّاه لكم أخي العزيز وليد،

بالنسبة لسفر دانيال كمُمثِّل عن الأسفار الأبوكاليبتية كنوع، نستطيع أن نقول أننا ننظر إلى أدب ديني يستفيد من مُشاركة جمعية لأعضاء يحملون نفس الفكر بدرجة تزداد أو تقلِّ من عضو لآخر، و تمتد على فترات طويلة،،،

،،، لذلك لا يصلح توقُّع خضوعها لنفس معاير نجاح النصوص العلمية من جهة الدقة و الخلو من التناقض و الوضوح.

على سبيل التوضيح: تمتاز هذه الأسفار برمزية تستعصي على القارئ غير المنتمي للجماعة الأبوكاليبتية، و على العضو المُبتدئ، فهي تقول كل شئ حين تصف الأحداث، و لا تقول أي شئ حين تجعل هذا الوصف غامضا ً يحتمل التفاسير و التآويل و الإسقاطات،،،

،،، هذه الإسقاطات نراها بوضوح في عالمنا الحاضر حين ينبري مفسرون جدد يرون في سفر دانيال و سفر الرؤيا وصفاً لملحمة آخر الأيام، أو نبوءة ً عن أسلحة حديثة أو حتى عن الحربين العالميتين الأولى و الثانية، و منهم من يتنبَّأ بحرب ٍ نووية ٍ ثالثة،،،

،،، استنادا ً على نص كان يتحدث عن وقته و عن وقته فقط.

يتبع


3 - الأبوكاليبتية 2
نضال الربضي ( 2016 / 6 / 2 - 08:57 )
تابع

من السابق أعتقد ُ أننا بحاجة لفهم شمولي للفكر الأبوكاليبتي، ينبع من دراسة جزئياته و بواعثه و أُصوله و تطوره عبر الزمن، و علينا أن نُعطي كل فترة حقَّها من التقديم للقارئ الكريم حتى يُدرك ارتباطات هذا الفكر و تأثيره على العالم المُعاصر، طبعا ً فيما تسمح به شروط المقالات من ضرورة التبسيط و التوضيح و الاختصار أو الإطناب المُفيد غير الثقيل،،،

،،، و حتى نصل َ إلى الأبوكاليبتية ِ المسيحية لا بُدَّ أن نفهم ما سبقها من أبوكاليبتيَّة ٍ يهودية (بشقَّيها: الأبوكاليبتي و الأوَّلي ما قبل الأبوكاليبتي)، و من هنا اضطراري إلى تقسيم هذه الفترة على أجزاء،،،

،،، أنجزنا الكثير سويَّا ً و بقي القليل عن الشق ِّ اليهودي، و بعدها سننتقل ُ للحديث عن الأبوكاليبتية ِ المسيحية، و أتطلَّع ُ لتبادل ٍ مُثمر ٍ جميل للأفكار و المعلومات، كشأننا دائما ً!

أرحِّب ُ بكم دوما ً أخي وليد و أستزيد ُ من خبرتكم ُ و سعة ِ اضطلاعِكم و شغفكم العلمي المُتدفِّق بسخاء ٍ كبير!

اخر الافلام

.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة


.. #shorts - 49- Baqarah




.. #shorts - 50-Baqarah


.. تابعونا في برنامج معالم مع سلطان المرواني واكتشفوا الجوانب ا




.. #shorts -21- Baqarah