الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية القلم الضال (7)...الأحلام ..نور من المستقبل!

ساكري البشير

2016 / 6 / 2
الادب والفن


يتعاقب الليل والنهار يوما بعد يوم، وتسير أعمارنا بسرعة السحاب في السماء، وخلال تلك الأيام ذرفنا من الدموع الكثير، وإبتسمنا وتكاسلنا كثيرا.. ولكن أيام الحسم قد بدأت، وعلامات الحكمة قد فرضت نفسها على من يخوض التجارب بلا ملل ولا كلل..ذلك أن الحياة تُلزمنا بأن نكون وليس أن لا نكون، وقول الله يثبت ما نقول.. ففي كلامه عز وجل عبرة لمن أرادها وطلبها، وها نحن اليوم نسعى إلى تحقيقها: " تلك الأيام نداولها بين الناس" لا مجال للنقاش، ولا مجال للمحاورة، ويجب على دولتنا أن تأتي، وإن لم تفعل، فنجرُّها جراًّ...
فقد صدقت يا مالك حين أخبرتنا بأننا جيل مُحبطون، وأنّ أمتنا لم تمت، بل أعلنت نومها مع أيام الموحدين، فمنك أخذت دربي، وورثت روحك الأبية، لن نفترق بعد اليوم، ولكن سنختلف، ونخلتف حتى يظن الناس بأننا خصمين، بل عدوين...
الفرق بيني وبينك أنك تسير بخطوات ثابتة، غير مبالٍ.. أأنك تسير مع التيار أم عكس التيار؟، أما أنا فأسير بخطوات غير ثابته، تائهًا بين هذا وذاك ..وكل ما أعلمه أنني أسير دائما لأجد نفسي ضد التيار، فأحيانا أجد أنني بعيد عن هذا الكون.. بعيدا جدًا جدًا...
حين أبتعد.. أصاب بالوحدة، وتغمرني الكآبة، وضميري يقول: " أن لا مفر ولا مهرب بعد اليوم!"، لا مفر!.. حقا لا مفر؟.. " أنت الآن وحيد.. لا حوارات، ولا مناقشات، ولا حتى مناظرات...بعيد، هل تتصور أنني بعيد بالقدر الذي أفقد فيه تلك الأحضان التي كانت ذات يوم سُلّمًا أصعد به القمم؟.. بعيد بالقدر الذي لم يعد للقمر نورا يبزغ في أعماقي..هي الحياة ..أليس كذلك؟"
أبتسم أحيانا لأنني أتذكر أنني على هذه الحال منذ أن عرفت فيه نفسي.. منذ أن كان لي وجود على هذا الكويكب الصغير، ذلك أنّ الإبتسامة تخفف عنّي ألم الوحدة، وتُبعد عن تفكيري هاجس الخوف، فهي التي تبثُّ في عروقي الحياة..
فالفرق يا معلمي كبير..كبير جدًا، كبير حين أرى مقارنة الناس بيني وبينك، إنهم يرونك قدوة، فوق تلّة لن يصل إليها أيُّ شخص مهما بلغ من العلم، هكذا وصفوك، في حين أنني مجرد حثالة تزحف على أقمشتكم، بل مجرد بائس يطمح لأن يكون، فقد سَمِعَتْ أُذُنَاي مرات عديدة ذلك الكلام، وقد أذكر لك اليوم واحدة منها، حين وصفني أحدهم بأنني بدوي من قاع الصحراء، يكتب عن السياسة ويدعي أنه باحث، ويسألني تارة أخرى: "من سيقرأ ما تكتب؟ ومن أصلا سيلقي بالا لما تكتب؟ هل تريد نصيحة؟ لا تتعب نفسك البدوي..إهتم بالأغنام والإبل فقط" ..ما أروع هذا الكلام، بدلا من أن يكون صدمة تصيبني بالغيظ، فقد كانت عكس ذلك تماماً، حيث غمرتني هذه الكلمات بروحٍ كنت أفتقدها لزمن، وقد زادني وقود مثلما يزيد لهيب النار حين نغمرها بالحطب، ألم أقل بأنني أسير عكس التيار دائمًا؟..إهتممت بما يقول، أنصتُّ له حتى آخر كلمة وأنا أترقب شفتيه تسير ببطئ..وكظمت غيظي..ثم صافحته ببرودة أعصاب..وهمست في أذنه قائلا: " شكرا لنصيحتك...سأهتم بالغنم..وما كتبتُ يوما إلاّ لغير الغنم...فكيف للأغنام أمثالك أن تقرأ ما كتبت..هذا عجيب"
أما عما نتفق فذلك ما يروق لي: " نحن نتفق في شيء واحد لا ثاني له، حين يلتفت الجميع بعين اليقين، ننظر نحن بعين الريبة والشك..وحين يفرغ الناس أوقاتهم بين اللهو واللغو، فنحن نستغله في المطالعة والبحث، نعم! نبحث في شظايا المجتمع عن مشكلة قد استعصت على من قبلنا حلها... ليس هذا فقط! بل هناك المزيد...فالجميع تغريه تلك التي تمشي بخصرها المتمايل، ويتمتع بالنظر في عينيها التي ترمي سهامها بين يمين ويُسرة، ويتذوق شهوة الأنوثة التي تبعث في جسده عن رعشة الفراش، وتنبعث بينهما رسائل الحب والغرام، ويتأمل شفتيها ذات الحمرة، ويتأمل ثغرها، وينتظر بشوق هل ستلقي له بالا؟ ..أما نحن فلنا حياة تختلف عن تلك الحياة البائسة..لنا هدف رسمناه على جبيننا، ولنا أقلام عشقناها أيام الصِّبَى، ولنا أوراق نُفرغ فيها جُلّ مشاكلنا..أليس ذلك ما نتفق عليه؟"
قال أحدهم واصفا الكتابة بأنها " فن"، فقلت في نفسي: " والله لم يكن كاتبا، ولو كان كذلك، كيف لم يدرك بأنّ الكتابة هي الروح التي تسري في الجسد.." هي روحي، هي عشيقتي التي ليس لها ظل كي أعانقه على جدران غرفتي...ليس لها رسومات كي أرمي بها بين أحضاني لتنام على صدري..وليس لها وجود ..رغم ذلك عشقتها...رغم ذلك رأيتها في ذلك الخيال الليلي..رأيتها رغم الظلام.. رأيتها حزينة ترثي زماننا الذي تملؤه روح النفاق..رأيتها منكبة على نفسها..وحيدة..فإحتظنتها..
كانت لي أمنية غريبة حين بدأت الكتابة، فقد كانت أمنيتي أن " أُغير العالم.. أن أقلبه رأسًا على عقب..أن أنتزع ذلك الشَّجَن الذي أثقل كاهن العجائز...وأنْ أبعث بسمةً على شفة طفل يتيم..أن أرسم بيوتًا تُحيطها حدائق من الزهور..أن أجعل الكوكب يرقص على أنغامي كما رقص على سمفونيات بيتهوفن... أن أصنع أسلحة للسلام..مثلما لنا أسلحة للحروب...كيف لا..وأنا إبن البادية؟"
أنا بدوي .. أنا بدوي من الصحراء...لا أفقه لغة المكر والخداع..لا أفقه لغة الكذب...كل ما أعرفه أنني ولدت في صحراء تملؤها روح الإخاء والإنسانية...من أرض المؤرخ "بلقاسم سعد الله" و عالِم الرياضيات "محمد بوجلخة"...
حين رأيتك في منامي طلبت منك أن لا ترحل..أن لا تبتعد عني ...فأنا أخاف أن أظَلَّ وحيدًا في عالم متوحش.. أخاف أن أبقى بلا أنيس أروي له شفرات قلمي، وأقرأ له رسائل حبي.. أخاف من ظلمة القلوب..ومن جور العقول التي تسببت في مقتلنا واحدًا تلو الآخر.. ولكنك لم تُجبني..وظلّت عينيك ترمقني كما يرمق الصقر فريسته..حينها إستيقظت من نومي وأنا مدرك لرسالتك التي بعثتها بنظرتك الحادة...
كانت نظرات عينك تقول بهدوء الواثق من نفسه: " كيف لك أن تتمنى تغيير العالم وأنت تخاف من ظله؟"، كانت رسالة أيقظت نصفي الذي كنت أعتبره ميتا، وأيقظت قدراتي النائمة، وها أنا أسير وخلفي موكب من الشباب الذي يرغب بوضع أول الحروف السوداء على ذلك البياض الذي ظل فارغا لعقود من رحيلك...
أليس هذا إنتصار البدوي سيدي؟ أليست هذه دمعة المنتصر حين يُعلن الحكم إنتصاره؟ فشكرا يا إلهي! شكرا لأنك دللتني على ذلك الطريق الموحش..لكنه أفادني أننا بلطفنا سنجعل الوحوش أليفة...شكرا لأنك دللتني على الطريق الذي تعمه الأشواك..إلا أنني تعلمت أن من يدوس على الأشواك سيكسب نعمة الصبر...شكرا لأنك دللتني على الحق الذي أنار دربي بعدما كنت أغوص في ظلمة اليأس.. شكرا لأنك شرحت صدري..شكرا لأنك أعطيتني بلا حساب..
ها أنا أعد العدة للوقوف في المحطة التي توقف فيها قطارك يا مالك، وأستعد لرحلتي من حيث إنتهيت، فالعالم لا يزال بحاجة لأمثالك، لن يكف عن الطلب منك إن لم نوقفهم عند حدهم، سنلبي جميع الطلبات، كما كنت تفعل، دون مبالاة لمن يعترض طريقنا، لن نكون ذلك الثور الذي يتلاعب به صاحب الرداء الأحمر، بل سنكون على خطاك، وسأقف ذات يوم على قبرك منحني الظهر، كثير التجاعيد على الوجه، وقاسي اليدين، ومنهك الجسد، لأقول :" بالأمس زرعت بذورا على أرض قاحلة، ولم يحالفك الحظ لرؤية تلك البذور تنمو، وتشتد، وهاهي اليوم تؤتي ثمارها..."
سأكون تلك الثمرة التي يحبها الجميع، ستكون شاهداً على ذلك وروحك تترقب من بعيد، ولن تكون مصادفة حين أراك في منامي في المرة القادمة وأنت مبتسم، فخذ عني هذا الوعد: " سأغير العالم...سأغيره ليرقص على نغمات البدوي.."
كُن على يقين بأنني سأكون تلميذك الذي ستنتحر كل الأقلام المزيفة حين تعترضه، وستُعلن المحابر إستسلامها لهول ما يكتب قلمي، ستكون المفاجأة حين أُعلن جميع ما قد دونته على أوراقي، ستنتقلب السلطات، وتتآمر الحكومات، وتستعد الجيوش لهذه الحرب، نعم! ستعلن الحرب، لأنها تواجه عدوا شرس...عدو إسمه " إبراهيم"..وسلاحه " الوعي" ...ستنفجر القنابل، ويتطاير الرصاص هنا وهناك، وسيكون ضحايا كثيرون، لكن سينتصر الحق في وجه الباطل، ولن يبقى إلا ذلك الحلم الذي يراودني في منامي..وفي يقظتي..
ليس عيبا أن نحلم... ونطمح لتحقيق أشياء عظيمة .. ولكن العيب أن تتخلى عن ذلك الحلم في يوم ما...وحلمي كان.. ولا يزال..فكلما أغمضت تلك العينين السوداوين..رأيته واقفا في أعلى جبل ينتظر قدومي...ينتظر تسلقي لتلك القمة...حلمي الذي يراودني ليس كباقي الأحلام...والآن ينتابني شعور لرؤيته من جديد...في هذا الليل بالذات.. سأرى حلمي..فقط القليل من الصبر وستعرفون أن حلمي ليس كباقي الأحلام...
بعد ذلك أغمضت عيني لأتخيل العالم كيف سيكون؟..بهدوء أغمضها، وببطئ أتنفس، لأعبر ذلك الجسر الرابط بين الواقع والخيال، بهدوء...بهدوء...أستنشق نسيم السحر، خفيف البرودة، ومثقل بقطرات الندى، للحظة رأيت عالما جميل..عالم مغرور..أنظر الجميع يبتسم..الجميع يرقص على أنغامي...أنظر لذلك الإتجاه، هناك جيش بدون سلاح...أنظر في الإتجاه الآخر...أطفال ذو بشرة سمراء وكأنهم من بلاد إفريقيا القديمة يلعبون مع أطفال ذو بشرة صفراء وكأنهم أحفاد هتلر...أنظر لأعماق الناس تغمرهم روح التعاون...ليس هناك دول ولا أعلام تميزنا.. فكلنا أبناء آدم..وآدم من تراب.. ظللت أنظر وأتأمل ليس في الوجود فقر ولا حتى حروب..فقط عالم فيه شمس قد ملئت الأرض دفئ السلام...فظللت أنتفض وأرقص بفرحة عارمة في مكاني من أعلى ذلك الجسر .. وأصرخ بأعلى صوتي ها قد إنتصرت روح الإنسانية..ها قد إنتصرت..والدموع تنهمر على خدي...ولم أستفق إلا والمؤذن يعلو صوته درجة بدرجة " أشهد أن لا إله إلا الله..أشهد أن محمد رسول الله" - صلى الله عليه وسلم- فقلت في نفسي: " إرتفعي يا أصوات المآذن فإن لنا اليوم موعد..أيقظي النائمين من سباتهم فإن لنا اليوم حلم.. إرتفعي .. إرتفعي ودوّي فوق سماءنا..فاليوم سنحقق حلمنا..
م أرى في تلك الليلة نعاسا، ولم أتذوق طعم النوم، ذلك أن الأماني أحيانا تتطلب أن نسرق من الليل مهامه لكي ننجز نحن البشر مهامنا...
بدأ الفجر يرمي حبائله البرتقالية في سمائنا، فقد كانت فرصة جيدة للمطالعة أو الكتابة قبل أن أذهب للعمل الممل..
دخلت غرفتي متوجها نحو مكتبي، وحملت القلم والورق، ثم شرعت في الكتابة، دون تفكير مسبق، ودون بحث كاف، ودون مراجعة للكلمات، فأحيانا يجب أن لا نفعل كل ذلك، لأن ما سنكتبه هو صوت ضميرنا، أو هو رسالة شكر وإمتنان نابعة من داخل القلب، أو هي فكرة متهورة عابرة سبيل، وبين هذه الخيارات، كان ما سيخطه قلمي هو تقديم الشكر لروح المعلم الكبير مالك بن نبي الذي كان رمز الإلهام لروحي، فكانت الكلمات كالتالي:
" لا أعلم سبيلا للغلو، كما لم أعبر طريق الكذب، فكل ما سأقوله هو ما يمليه ضميري..ضميري فقط، وما سأكتبه ليس ضربا من الجنون، بل هو الجنون بعينه..أليس الجنون هو آخرة درجة من درجات الحب؟
لا أعلم من أين أبدأ..ولا من حيث أنتهي..ولكن لي كلمات يجب أن أقولها:
أشكرك من أعماق هذا القلب ..
لا تبحث.. لماذا شكرتك؟ فقط تقبله مني، وحين يأتي الآوان سأخبرك بكل شيء..
أما اليوم...فليس أوانه..
من تلميذك النجيب...( إبراهيم)"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في


.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/




.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي