الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حفريات قلم ( مدخل )

الياس ديلمي

2016 / 6 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هو مجرّد قلم يحتوي على مداد ليقوم بالخـطّ على الورق ..
هي مجرّد كتابات ، حروف منقوطة و مشكولة ، تبحث عن من يقوم بقراءتها ..
القلم سلاح ضعيف من أوّل وهلة ، لكن الحرف الذي يخطّه قـويّ البنية ، عظيم الهمّة ، شجاعٌ مقدامٌ ثاقب الرؤيــة ، يصلح للمهمات الصّـعبة ، و أيضا لاسـتغفال العامّة ، دون أن ننسى أنّـه أيضا يُستخدم لزعزعة عروش الخاصّـة ..
هو للظلام نـور ، يقوم بانارة الكهوف و الأغوار ، كذلك يقوم بتسطير الأخبار ، بين العلم و الجهل يختار ، و امام المعرفة يحتار ، لكنّه امام العلم يستلّ سيفه الـبتّار ..
هو للعقل نـار ، يقوم بتعذيب الألباب ، كذلك يحرق الجهل بتقديم الأسباب ، لأن حجته دامغة ، و خربشاته لاذعة ، اما تحرّكاته فهي زوبعـة ..
سألني أحدهم : ما بيمينك ؟ فقلت : هو قلمي ، أكتب به و أُدافع عن نفسي ، و كذلك أحفر به ..
قال : و ما تحفر به ؟ قلت : الأصنام . تعجب مني السائل فقال : علمت أنك من المنادين بكسرها ، فهل تغير الحال ؟ قلت : بل تغير المقال ، ما انا بناحتٍ للصنم و لا بناقشٍ له ، بل مجرد حافـرٍ …
القارئ لهذه الأسطر سيتساءل قائلا : لماذا كلّ هذه الأهميّـة و الاهتمـام بالقلـم ؟
القلـم له علاقة بالانسان ، لان ربّـه علّمه بـه ما لم يعلم ..
لما تقوم بتقليم أظافرك فانّك تقوم بالتخلّص من الجزيئات التي لا نفع منها ، و ذلك بعد أن تقوم بتجزيئ الأظـافر الى جزيئات صغيرة فنقلِّم الزوائـد و نرميها و نترك الاصول التي نحتاجهـا ، و هكذا يكـون التقليم بالقلم ..
منذ أن وعى الانسان و هو يستقبل معلومات لا تُعدّ و لا تُحصى و لكي لا تتراكم عليه و لا تتكدّس وجد طريقة عقليّـة تساعده في عملية الفرز و الغربلة ، فتعلّم المعلومات التي لم يكن يعلمها و كذلك علم الأسماء كلها و تعلّم خصائصها ، و هذا كلّه بفضل القلم الذي تعلّم و علِِم به ..
لولا القلم لمات الانسان غرقا في بحر المعرفة ، و لتكدّست المعلومات حوله ، فتتحوّل الى أصـنام و أوثـان تُعبد و تُقدّس فلا يكون بمقدورنا التخلّص منها ..
بعد ان تمّ تعليم الانسان بالقلم كلّ الأسماء التي ستساعده في مهمة الاستخلاف في الارض ، تنقّل و انتشر مع اقرانه في كامل انحاء الارض ، فبدأت حياته تتطـوّر بشكل منتظم الى ان تم بناء المعابد و صناعة الأكفان التي بها تمّ تحنيط المعرفة ، و تغليف عملية التفكير بثوب المقدّسات ..
من هنا ظهرت الأصـنام ، و تم ابتكار الفن الذي يقوم بنحتها ، و ظهر الكهنة الذين تصدُّوا لمهمة نحت الأسمـاء و اطـلاقها على الأصنام بأنـواعها ..
مع مرور السنين ، عاد بالانسان الحنين ، لكن الى ماذا ؟
الى حب الاغتراف من بحر المعرفة ، بعد أن شاخ و هو قابع في بحيرة راكدة ، مُوحشة و مُظلمة ..
لكنّه اصطدم بتحديات كبرى ، فهاله صلابة الأصنام العظمى ، التي أعاقت وصوله الى بحار المعرفة ، فقـرّر تحطيمها و كسرها بالأدوات المتاحة لديه ..
كان تحطيم الأصنام للانسان حلا ناجعا ، و للكاهن خبرا فاجعا ، فكانت الضريبة باهضة جدا تتراوح بين القتل و النفي و الحجر ، و لهذا فان أول ضريبة هي ضريبة فكريّة و ليست نقديّة ..
توالت الضربات الموجعة للأصنام ، و تواترت الأخبار المفجعة للكهنة ، فتسارعت وتيرة صناعة الأصنام ، و سُنّت قوانين تمنع ازدراء الاوثان ، و تم بناء المعابد على انقاض المساجد ..
ازداد عطش الانسان و حُبّـه للشرب من بحار الحكمة ، فاحتاط الكاهن و قرر زيادة انتاج أكفان تحنيط المعرفة ..
قُرعت طبول الحرب ، و تم اعلان موت الحب ، مُنع الكلام ، و سُفّهت الأحلام ، و سُجن الانسان في الظلام ..
تطوّرت أسلحة القتال ، و اخترعت أدوات الجدال ، سِهام و نِبال ، سلالم و حِبال ، و الصراع قائم الى يومنا هذا لا يزال ..
تغيرت استراتيجيات الانسان القابع في الكهوف ، فهو يريد الخروج الى حيث النور هروباً من جحيم الظلمات ، بوابة الكهف مصنوعة من أعتى الأصنام و أشدّها بأسا محنطة بقوانين المعبد و دساتيره الصارمة و محاطة باسلاك كهربائية قاتلة …
مِعول الهدم لا يُجدي ، فأس التحطيم لا ينفع ، لم نستطع له نقبا ، ظاهريا القضية ميؤوس منها ، و عقليا الظلمات لا مفر منها ..
سيستعين الانسان بسلاحه القديم ، و الذي به سيجيد عملية التهديم ، هذه المرة سيتجاوز الاصنام ، و سيجد ثغرات في قوانين المعبد الصارمة ، و سيقوم بقطع الكهرباء عن الأسلاك القاتلة ، و يقوم بخرق و حرق اكفان تحنيط المعرفة ..
سيستعين بالمداد لزعزعة عرش فرعون ذي الأوتاد ، و ان انتهت الكمية سينقش بالقلم في الصخور ، حتى وان حاول الكهنة خنقه بروائح البخور ..
سيقوم بحفريات بالقلم ، و لن يستعين بعبارة ( افتح يا سمسم ) ، سيحفر و يحفر ثمّ يحفر حتى يزيل بوابة الكهف فيدخل النور او يخرج هو اليه ..
هي حفريات طفيفة ، بالنسبة للكاهن هي سخيفة ، و لصبيتهم هي طريفة ، و لذوي العقول هي رصينة ..
نحفر النُّصوص بجملها و الفاظها و كلماتها و حروفها لعلنا نستخرج منها ما ندك به بوابة الكهف دكّاً ، فنخرج الى النور افواجاً ..
لا تُخيفنا قدسيّة النصوصْ ، فلسنا لصوصْ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و