الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نتنياهو يغمز يساراً ويتجه إلى اليمين

يعقوب بن افرات

2016 / 6 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


كان الاتفاق بين رئيس الحكومة نتنياهو ورئيس المعارضة هرتسوغ على وشك الإتمام، وحسب هذا الاتفاق كان حزب العمل سيحظى بثمن الحقائب الوزارية وهرتسوغ في وزارة الخارجية. إلا أنه وفي اللحظة الأخيرة تحول نتانياهو 180 درجة وبين ليلة وضحاها أصبح ليبرمان، الذي بقى في المعارضة، وزيراً للدفاع وحل مكان الجنرال يعالون الذي كان حتى فترة ليست بعيدة الذراع اليُمنى لنتانياهو. وكان دخول حزب العمل إلى الإئتلاف الحكومي خطوة منطقية نظراً للقاعدة البرلمانية الضيقة التي استندت عليها الحكومة وهي 61 مقعد من مجمل 120، والوضع الدقيق الذي وجدت الحكومة نفسها فيه منذ اندلاع انتفاضة السكاكين في أكتوبر الماضي. وبالفعل استغرقت المفاوضات بين الحزبين سبعة شهور وبدأت بعد أن قام الشباب الفلسطينيون بعمليات طعن بالسكاكين ضد الجنود والمواطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية وداخل المدن الإسرائيلية.
وقد مهد هرتسوغ طريقه إلى الحكومة اليمينية من خلال التراجع عن الموقف التقليدي لحزب العمل حول الحل للقضية الفلسطينية الذي نص على دولتين للشعبين ففي مؤتمر خاص لحزب العمل في شهر شباط الماضي تم إقرار الوثيقة التي تتبنى ولأول مرة فكرة الانسحاب من جانب واحد من القدس والضفة الغربية وذلك حسب حزب العمل خطوة ضرورية نظراً لعدم وجود شريك فلسطيني للسلام وعدم إمكانية الوصول إلى حل من خلال المفاوضات. وقد مر هذا الموقف الخطير مرور الكرام داخل حزب العمل ولم يكتف هرتسوغ بالابتعاد عن الموقف التقليدي لحزب العمل بل أضاف في مناسبة ثانية تصريحه الغريب الذي قال فيه: "يجب أن يفهم الجمهور الإسرائيلي أن حزب العمل لا يحب العرب دائماً" وكان يقصد أنه إذا كان عليه أن يختار بين شركائه العرب في المعارضة وبين اليمين في الحكومة فخياره واضح – هو مع اليمين ولا يتحالف مع العرب ضد الحكومة.
من ناحية نتانياهو فكان التوجه نحو هرتسوغ حاجة موضوعية وليس سياسية بحتة. فبعد اندلاع الإنتفاضة الأخيرة قدمت المؤسسة العسكرية، المسؤولة المباشرة على الأمن والاستقرار في المناطق المحتلة، إقتراحات عدة هدفها لجم العمليات الفردية ومنع تحولها إلى حالة جماهيرية. وقد أصبح الجيش رقماً صعباً في المعادلة السياسية بعد أن طلب من الحكومة أن تقوم بمبادرات عملية لتسهيل حياة المواطن الفلسطيني من أجل عزل الإعتداءات الفردية عن الحاضنة الشعبية الفلسطينية. وحسب منطق الجيش، على نتنياهو أن يعوض موقفه الرافض لأي حل سياسي وسد الأفق أمام احتمال إقامة دولة فلسطينية بخطوات عملية ذات طابع اقتصادي مثل زيادة عدد التصاريح للعمال الفلسطينيين للعمل داخل إسرائيل، إزالة حواجز عسكرية، تسهيل الحركة على المعابر وحتى تقليص عمليات التمشيط الليلية في المدن الفلسطينية.
هذا هو الموقف الذي مثله الوزير يعالون داخل الحكومة والذي أثار حفيظة اليمين المتطرف الذي استمر بالتحريض ضد الفلسطينيين بل طالب بممارسة سياسة القبضة الحديدية، الاستمرار بالإستيطان، السماح لليهود بالصلاة في الحرم الشريف، وقمع الإنتفاضة بالحديد والنار. وقد دخلت المؤسسة الأمنية من جيش ومخابرات في مواجهة مباشرة مع المجموعات الإرهابية اليهودية التي أرادت أن تحبط مخططات الجيش من خلال أعمال إرهابية مثل حرق عائلة الدوابشة، الاعتداء على المواطنين الفلسطينيين العزل، اقتحام الحرم الشريف، حرق كروم الزيتون وغيرها من الأعمال التي هدفها استفزاز مشاعر المواطن الفلسطيني وحثه على المواجهة المباشرة مع الجيش.
ولكن هذا المناخ المتطرف العام لم يبق محصوراً على المستوطنين بل تسرب أيضا إلى صفوف الجيش حتى اضطر رئيس الاركان نفسه بأن يصرح "يجب أن لا يفرغ الجندي مخزن رصاص على طفلة تحمل مقصاً" الأمر الذي جلب عليه انتقادات لاذعة من قبل اليمين الإسرائيلي. أما وبعد أن أطلق الجندي الإسرائيلي النار على المواطن الفلسطيني عبد الفتاح الشريف وهو ملقى على الأرض، مصاباً ولا يهدد أحداً، أدان رئيس الأركان وبشدة الخطوة التي قام به الجندي وحذر من أن يتحول الجنود إلى وحوش. وقد دعم وزير الدفاع يعالون موقف رئيس الأركان ودخل في مواجهة مباشرة مع وزراء يمثلون اليمين الأكثر تطرفاً والذين دافعوا عن الجندي، حتى أن نتنياهو أبعد نفسه عن وزير دفاعه آنذاك ورئيس الأركان بعد أن اتصل بوالد الجندي الجاني ليتضامن معه. أما وزير الدفاع الجديد ليبرمان الذي كان من أشد منتقدي نتنياهو فقد نظّم مظاهرة أمام المحكمة العسكرية أثناء محاكمة الجندي بتهمة القتل مطالباً بالإفراج الفوري عنه.
ولم يكتف الجيش بالتعبير عن استيائه من مواقف اليمين المتطرف بل زاد من انتقاداته وفي ذكرى الهولوكوست نفسه، إذ جاء تصريح نائب رئيس الأركان، يائير غولان الذي حذر المجتمع الإسرائيلي من الإنزلاق نحو مظاهر شبيهة بما كان في أوروبا في الثلاثينيات من القرن الماضي ملمحاً إلى ظهور الفاشية في إيطاليا وألمانية النازية. وقد انتقد نتنياهو تصريح نائب رئيس الاركان وبشدة بحجة أنه لا مجال للمقارنة بين إسرائيل وألمانية النازية وبأنه لا يحق لضابط أن يتدخل في شؤون سياسية في الوقت الذي شجع وزير الدفاع يعالون الضباط على أن يعبروا عن موقفهم دون حوف. وأمام هذه المواجهة المفتوحة وعندما كان على نتنياهو أن يختار بين هرتسوغ "العقلاني" وليبرمان الإستفزازي فاختار التطرف على الإعتدال وأطاح بيعالون من منصبه.
وكانت استقالة يعالون من الحكومة وتخليه من مقعده في الكنيست بمثابة زلزال سياسي كبير في الساحة السياسية الإسرائيلية، نظراً لماضيه العسكري وهيبته الأمنية من ناحية ومن ناحية ثانية سمعة ليبرمان السيئة ليس فقط بسبب مواقفه الفاشية بل كونه هو وأعضاء حزبه متورطون بقضايا فساد. وقد كرر يعالون في تصريح استقالته ما حذر منه نائب رئيس الأركان بأن المجتمع الإسرائيلي يعاني من مظاهر العنصرية، العنف المتزايد الذي يتسرب داخل الجيش وبهذا قد أعلن الطلاق على نتنياهو والجناح اليميني المتطرف الذي استولى حسب كلامه على حزب الليكود.
من الجدير ذكره أن يعالون ليس يساريا ولم يتحول إلى اليسار، إذ أنه قد كان أحد وزراء الليكود الذي شطب فكرة الدولة الفلسطينية وأصر على أن الحل الوحيد للفلسطينيين هو الحكم الذاتي. وقد وصف يعالون وزير الخارجية الامريكي جون كيري بالهذيان لأنه يعمل من أجل حل على أساس دولتين لشعبين، وقد قال عن حركة "السلام الآن" بأنها جروثمة بسبب معارضتها للإستيطان واتّهم حركة "كسر الصمت" بالخيانة كونها تجمع شهادات من جنود إسرائيليين كانوا شاركوا في عمليات حربية قد تعتبر جرائم حرب. أما وفي يوم استقالته فقد كشف أخيراً بأن الخطر على المجتمع الإسرائيلي هو ليس ما يسمى اليسار بل اليمين المتطرف الذي اعتمد عليه للصعود داخل صفوف الليكود واليوم أصبح عدواً له.
إن المجتمع الإسرائيلي مثله مثل المجتمعات في الدول الغربية يمر بأزمة سياسية، اجتماعية وأخلاقية حادة جداً. فلا فرق كبير بين ظاهرة نتنياهو وظاهرة دونالد ترامب في أمريكا، أو بين ليبرمان وبين الرئيس الروسي بوتين، أو بين اليمين الاسرائيلي المتطرف ومثيله في النمسا، اليونان وفرنسا. لكن إسرائيل وبخلاف الدول الأخرى تحمل على أكتافها حمل الاحتلال، إذ انها تسيطر على حياة خمسة ملايين فلسطيني لا تعرف كيف ستتصرف معهم. هل ستتحول إسرائيل إلى دولة أبرتهايد عنصرية مثل ما يحذر جزء مهم من النخب الإسرائيلية أم ستحافظ على وجهها الليبرالي الديمقراطي مثل ما أراد مؤسسوها؟ وقد أثبتت استقالة يعالون أنه من الصعب بل المستحيل منع العنصرية والفاشية وفي نفس الوقت الإستمرار في الاحتلال ومنع الفلسطينيين من أبسط حقوقهم الإنسانية. وإن دلت استقالة يعالون على شيء فهي تدل على أن نتنياهو واليمين يقتربون من الطريق المسدود الذي يؤدي لا محالة إلى انفجار فلسطيني شعبي كبير من ناحية وتعميق الإنشقاق الداخلي في المجتمع الإسرائيلي نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في معرض البندقية


.. الهجوم على رفح أم الرد على إيران.. ماذا ستفعل إسرائيل؟




.. قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس


.. إسرائيل تواصل قصف غزة -المدمرة- وتوقع المزيد من الضحايا




.. شريحة في دماغ مصاب بالشلل تمكّنه من التحكّم بهاتفه من خلال أ