الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النضال ضد الانتهازية ، شرط لانتصار قضية البروليتاريا

مرتضى العبيدي

2016 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


تلازمت نشأة النظرية الماركسية وتطوّرها بالنضال ضد مختلف التيارات الانتهازية التي كانت ملازمة لتطوّر الحركة العمالية العالمية، وبالأخصّ منها الأوروبية.
ففي نصّ كتبه لينين ونشر سنة 1908، ذكّر بعجالة بالنضال الذي خاضه كل من ماركس وإنجلس منذ السنوات الأربعين للقرن التاسع عشر وحتى نهايته، ضد مختلف التيارات والنظريات الانتهازية التي كانت تسعى إلى احتلال مواقع في صلب الحركة العمالية الناشئة: نذكر على سبيل المثال نضالهما ضد الشباب الهيجلي الرادكالي الذين كانوا يمجدون المثالية الفلسفية، وكذلك ضد أنصار برودون وباكونين، ضد وضعية دوهريغ...وهو ما أدّى إلى انتصار الأفكار الشيوعية مع نهاية القرن.
إلا أن النضال ضد الانتهازية والتحريفية لم يكن ليتوقف أو ينتهي نظرا لتسرب أشكال جديدة، ترتكز على قواعد مختلفة في صلب الحركة العمالية.. وبالفعل، فمنذ 1890، اتخذت معاداة الماركسية مكانا لها في ظل النظرية الماركسية نفسها. فقد كان برنشتاين أول من اقترح مراجعة النظرية الماركسية فأعطي لهذا التوجه الفكري اسم التحريفية، هذا التيار الذي سيتخذ فيما بعد أوجها متعدّدة مع تطور الحركة الشيوعية العالمية. ستتخذ التحريفية مسميات مختلفة حسب البلد الذي تظهر فيه، وسيكون لها ممثلون داخل المنظمات العمالية ينسبون أنفسهم إليها.
يهاجم التحريفيون في المجال الفلسفي المادية الجدلية، ويدافعون على نظريات مثالية صريحة، وكانوا يبحثون لها عن ركائز عند الفلاسفة القدامى أو المحدثين مثل " كانت".
أما في مجال الاقتصاد السياسي، فإن التحريفيين يعارضون الطرح القائل بمركزة الإنتاج، والتي حسب ادعائهم لم يشاهدوها في الواقع، كما يرفضون نظرية الأزمات الدورية ، والتي حسب زعمهم أصبحت لا تحصل إلا لماما، ويذهبون إلى حد الادعاء بأن التناقضات الطبقية نفسها ذاهبة نحو الخفوت إلى حدّ الزوال.
أما في المجال السياسي، يعارض التحريفيون نظرية الصراع الطبقي ونظرية الدولة، ويدعون أن الحريات الديمقراطية والاقتراع العام يقلصان من حدّة الصراع الطبقي الذي يصبح خارجا عن التاريخ. كما يدافعون على النظرية القائلة بأن الدولة ليست جهاز سيطرة طبقي، بل إنه يعبر على رأي الأغلبية.
وباعتباره الوريث الشرعي لماركس وإنجلس، تولى لينين الردّ على هؤلاء ودحض نظرياتهم. وفي هذا الإطار، يندرج الكتاب الذي يكتسي أهمية قصوى، والمنشور سنة 1909 والمعنون " الماركسية والمذهب التجريبي النقدي" الذي عرى فيه ادعاءاتهم في المجال الفلسفي ، معتمدا في حجاجه على التطور الحاصل، منذ وفاة إنجلس، في المجالات العلمية، وخاصة في مجال الطبيعة. وأما فيما يتعلق بادعائهم تقلص وابتعاد الأزمات الاقتصادية للنظام الرأسمالي، فقد كان الواقع أبلغ لدحض نظراتهم.
وكما أكد لينين، فالتحريفية أمر لا بدّ منها لأنها تنبع من المجتمع المعاصر. وهي وليدة بلترة بعض من فئات البورجوازية الصغيرة بفعل تطور رأس المال. يلتحق هؤلاء ( منتجون صغار وغيرهم) بصفوف الطبقة العاملة إلا أنهم يحافظون على إيديولوجيات الطبقات التي ينحدرون منها التي تدفعهم إلى محاولة التأسيس لماركسية على القياس تتلاءم ومصالحهم الطبقية. من هنا ينشأ الفكر التحريفي.
وينهي لينين مقاله بهذه النبرة: " إن النضال الإيديولوجي للماركسية الثورية، في نهاية القرن التاسع عشر، ليس سوى مقدمة لنضالات ثورية كبرى التي على البروليتاريا أن تخوضها من أجل انتصار قضيتها، وذاك رغم تردّد وضعف العناصر البورجوازية الصغيرة".
كما توجب على لينين في نفس الوقت، خوض معركة لا هوادة فيها، ضد التيارات الانتهازية داخل حزبه " الحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي بروسيا". فقد كانت هذه التيارات تجد أكبر تعبيرة لها لدى المناشفة. وبدون هذا الصراع ما كان لأوّل ثورة بروليتارية في العالم أن تنتصر.
وقد كان تاريخ الحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي بروسيا، الذي أصبح منذ 1912 "الحزب البلشفي" حافلا بالصراع ضد التيارات الانتهازية والتحريفية. وبالفعل، فإن ظهور الحزب نفسه في نهاية القرن التاسع ما كان ممكنا لولا الصراع الذي خاضه الماركسيون، من بينهم بليخانوف ضد الشعبويين الروس الذين كانوا يشكّلون أرقى تعبيرة للانتهازية الروسية.
عندما أسس بليخانوف " اتحاد النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة" وضع نصب عينيه هدفين: نشر الماركسية في صفوف الطبقة العاملة ومقاومة الشعبويين المسيطرين في صفوفها. ولم يعتبر المؤتمر الأول الذي كرس ولادة الحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي انتصارا. فقد عجز المندوبون التسعة على تبني برنامج ثوري، وما استطاعوا وضع الركائز الحقيقية لبناء حزب قادر على أن يكون الطليعة.
لم يحضر لينين المؤتمر لأنه كان منفيا في سيبيريا، إلا أنه سعى منذ الوهلة الأولى إلى تغطية ثغراته، وأطلق جريدة "الإيسكرا" التي ستواصل النضال الذي بدأه بليخانوف ضد الشعبوية وكذلك من أجل فضح "الاقتصادوية" و"الماركسية الشرعية"، وكلاهما تياران انتهازيان ولدا في أوروبا، وسرعان ما وجدا في روسيا مدافعين عنهما. كما ساهمت "الإيسكرا" في ضمان وحدة الماركسيين حول برنامج، والإعداد لمؤتمر جدير بحزب الطبقة العاملة، مؤتمر شرح لينين أهدافه في مؤلفه "ما العمل؟". انعقد المؤتمر الثاني سنة 1903 وتبنى البرنامج الثوري الذي تواصل اعتماده حتى افتكاك السلطة. ولم يتغير برنامج الحزب إلا خلال المؤتمر الثامن الذي انعقد سنة 1919. وفي هذا المؤتمر بالذات تم خوض نقاشات عميقة حول المبادئ التنظيمية، وقد حصلت خلافات حول الفصل الأول للنظام الداخلي، الخلاف الذي وضع وجهتا نظر مارتوف ولينين وجها لوجه، ونتج عنه فيما بعد ميلاد تياري المناشفة والبلاشفة داخل الحزب.
وتمحور الخلاف حول هذين التيارين الإيديولوجيين والسياسيين داخل الحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي لروسيا. وبرزت هذه الخلافات بالخصوص إبان انعقاد مؤتمرات الحزب التي جرت في فترة أولى بنسق متسارع حيث انعقد المؤتمر الثالث سنة 1905، والرابع سنة 1906، والخامس سنة 1907 قبل أن يُعيق المناشفة انعقادها بأعمال تخريبية وتكريس الانشقاق. وقد ندّد لينين بتلك الممارسات في مؤلفه: " خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء" خاصة وأن المؤتمر السادس لم يتسنّ له الانعقاد إلا في أفريل 1917، عشية ثورة أكتوبر الكبرى.
ولكن ، وأمام تخريب المناشفة، لم يتردّد لينين، فدعى إلى ندوة حزبية انعقدت في مدينة "براغ" سنة 1912 قرر خلالها البلاشفة تأسيس حزب ماركسي.
وسيتخذ هذا الصراع طابعا أكثر ضراوة بعد غياب لينين. وكان على ستالين أن يخوض حربا ضروسا ومتواصلة ضدّ كلّ التيارات البورجوازية التي برزت داخل الحزب. وقد مثّل ثلاثة منها خطرا حقيقيا واجه الاشتراكية السوفييتية الناشئة:
- التروتسكية التي كانت تتخفى وراء مقولات "يسارية"، والتي طورت نهجا معاد للسوفياتية والشيوعية، وكان نهجا منسجما تماما مع حاجات الامبريالية الألمانية والأمريكية
- البوخارينية والتي اعتبرت طبعة ثانية للخط الاشتراكي الديمقراطي الذي ينادي بامتداد الصراع الطبقي في ظروف الاشتراكية، وينادي بضرورة الاستفادة من بعض العناصر الرأسمالية في البناء الاشتراكي، بالإضافة إلى ضرورة التصالح مع المناشفة.
- النزعة القومية البورجوازية التي تدفع بجماهير بعض القوميات، تحت واعز القومية البورجوازية، ضد الاشتراكية وذلك عبر رفع شعار "الاستقلال الوطني".
إلا أن ستالين لم يكتف بالنضال داخل الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي. ومنذ 1948 وجه النقد لتيتو، ثمّ ندّد بسياسته. لقد كانت التيتوية خليطا من التيارات البورجوازية الثلاثة التي تمّ دحرها منذ السنوات العشرين والثلاثين والأربعين. ففي تلك الفترة "نددت" البورجوازية الدولية بما أسمته "مراقبة" أو "سيطرة" ستالين على يوغسلافيا، وساندت "سياسة الاستقلال" التي دافع عنها تيتو.
والحقيقة أن هذا الصراع لم يقابل بين السيطرة والاستقلال، بل إنه قابل بين الخط الماركسي اللينيني والخط البورجوازي. لم يكن النضال ضد التيتاوية مسألة عابرة أو بسيطة: بل إنها كانت اختزالا للصراعات التي خاضها ستالين والحزب الشيوعي السوفياتي ضد أعداء البلشفية. وقد برهن ستالين إبان انطلاق الصراع ضدّ تحريفية تيتو، على وضوح الرؤيا وصرامة في التمسك بالمبادئ. وقد أكد التاريخ، خمسا وأربعين سنة فيما بعد، صحّة تكهناته.
بعد وفاة ستالين، وغداة انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، ستصبح التحريفية الخط السائد للحزب، وكان ذلك أكبر خيانة للماركسية اللينينية، والسبب الأساسي لانقسام وإضعاف الحركة الشيوعية العالمية. إن التقرير الذي قدّمه خروتشوف في المؤتمر العشرين، والتقرير السرّي حول ستالين، والتقرير الذي كتبه في نفس تلك الفترة والذي قدّمه للمؤتمر الثاني والعشرين سنة 1962، كلها تقارير تقدم عرضا متكاملا للخط التحريفي البورجوازي داخل الحركة الشيوعية العالمية.
وقد كان لكل من الحزب الشيوعي الصيني وحزب العمل الألباني شرف الدفاع التاريخي عن الخط الماركسي الينيني ضد التحريفية الخروتشوفية.

كيف ولماذا تعيق النظريات الانتهازية والتحريفية انتصار الثورة؟
بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي، ستنجر الحركة الشيوعية العالمية وراء التحريفية، وذلك عبر الدفاع عن النظرية الشهيرة القائلة بالانتقال السلمي نحو الاشتراكية. إن الأحزاب الشيوعية التي تبنت هذه النظريات تحولت من أحزاب ثورية إلى اشتراكية ديمقراطية تناضل من أجل تحسين النظام الرأسمالي. هكذا إذن نشأت النظريات التالية التي تعتبر"البرلمانية" و"الانتخابات" على أنّها الوسائل الوحيدة المتوفرة لدى الطبقة العاملة. لم تعد السلطة ومسألة افتكاكها من طرف البروليتاريا بالعنف الثوري مطروحتان من طرف الأحزاب. وستغيب نظرية الصراع الطبقي نفسها، لتترك المكان للتحالف الطبقي، وقد أدى كل هذا إلى انخرام الأحزاب. وقد تحول اليوم جزء كبير منها إلى مجرد أحزاب بورجوازية تكتفي بأن تكون ملاحق للنظام القائم، وفي خدمة رأس المال العالمي.
إن إرث الحركة الشيوعية العالمية، ونظرية الثورة البروليتارية التي هي عصارة نظرية الصراعات التي خاضتها الطبقة العاملة طيلة قرنين، والتي وضعت على الرفّ ليتمّ تعويضها بالنظريّة البورجوازية التي لا تختلف في شيء عن نظريات الأحزاب البورجوازية. ولهذا بالذات، ومنذ تلك الآونة، أصبحت التحريفية أحد أكبر المخاطر التي تهدّ طريق الثورة.
لماذا تعتبر التحرفية خطرا أساسيا؟
لقد أصبحت التحريفية تعبيرة مخاتلة، والأكثر مكرا في الإيديولوجيا البورجوازية. وبالفعل تبدو هذه النظرية ماركسية، مستعملة ألفاظا ثورية، إلاّ أنه كلام أجوف لا هدف له سوى مغالطة الجماهير. وتصبح التحريفية جزءا لا يتجزأ من النظرية البورجوازية، إيديولوجية الطغاة، التي تهدف إلى تدمير يقظة الطبقة العاملة واستعدادها للنضال من أجل تحرّرها.
وتحتاج الأحزاب التحريفية من أجل الوصول إلى غاياتها إلى الجماهير، وتسعى إلى الحفاظ على سيطرتها على جزء هام منها. ويواصلون استغلال نضالاتها ذات الأبعاد المحدودة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي. وتشحذ التحريفية يقظتها من أجل منع تجذّر الجماهير، والتحاقها بالسياسات الثورية. تظل التحريفية دائما في خشية من ارتفاع المستوى الإيديولوجي للجماهير.
ومهما كانت التسمية التي يتخذون، ماركسيون لينينيون، أو ماركسيون لينينيون ماويون، فالتحريفيون لا يتوانون عن كشف إيديولوجياتهم البورجوازية، ومصالحهم الطبقية الضيقة من خلال ممارستهم السياسة.
فهم يحولون الفلسفة الماركسية إلى فلسفة بورجوازية، ويحولون الجدلية الثورية إلى مجرّد نظرية تطورية مبتذلة، كما يحولون الماركسية في الاقتصاد إلى الاقتصاد البورجوازي والاشتراكية العلمية إلى اشتراكية بورجوازية.
وفي هذا الصدد، شرح إنجلس أنه، ولفترات طويلة، تراكم الحركة العمالية " قدرا كبيرا من الفضلات" التي يجب أن تتخلّص منها. وهي مهمة يجب خوضها باستمرار داخل الأحزاب الماركسية اللينينية، وكذلك في صلب الطبقات الشعبية لتخليصها من تأثير كل تلوّنات الإيديولوجيا. وهذه أحد المهام التي يتعيّن على الشيوعيين القيام بها لضمان شروط انتصار الثورة.
إن عملية الكشف المتواصل للتحريفية غير كافية من أجل التخلص من المشرفين عليها من قيادات الحركة العمالية والشعبية، مهمة تتحملها الأحزاب الماركسية اللينينية، ويجب من أجل إنجازها، تشريك الطلائع العمالية في النقابات وفي غيرها من المنظمات الجماهيرية. ومن أجل تحقيق الهدف، يجب الانغراس داخل الجماهير، وتنظيمها وتعبئتها؛ يجب تسييسها وتشريكها في بناء المنظمات اللازمة لخوض النّضالات والإعداد للثورة. عمليات الشرح والتربية والتعلم والنضال بلا هوادة، كلها مهام نخوضها مع الجماهير دون أن نغفل على أن هذه المهام هي جزء من الاستعداد اللازم لإنجاز الثورة البروليتارية.
وفي الختام، نؤكد على أن تاريخ الحركة العمالية قد تميّز، وخلال كامل مسيرته، بالنظرية والممارسة النابعين من الاشتراكية العلمية، الماركسية في مرحلة أولى، ثم الماركسية اللينينية، من أجل توجيه نضال الطبقة العاملة، والجماهير الكادحة. إن هذه المهمة الأساسية من أجل انتصار الثورة، لا يمكن أن تتمّ إلا من خلال نضال لا هوادة فيه ضد كل النظريات غير البروليتارية، من أجل فضح وعزل التصورات والأفكار التي تنشرها البورجوازية بمساعدة أعوانها عن وعي أو عن غير وعي، من الأعداء الطبقيين، داخل صفوف الطبقة العاملة وحلفائها. ويتسع النضال ضد هذه الأفكار إلى كل المجالات الإيديولوجية والسياسية والثقافية والتنظيمية.
ويحصل هذا الصراع داخل الحزب الشيوعي نفسه. فمن أوكد واجبات المناضلين الاطلاع على التجارب التاريخية للحركة العمالية، المنظمات والأحزاب البروتالية من أجل استخلاص الدروس التي قدّمها لنا منظرو الاشتراكية العلمية. ولهذا بالذات علينا بالدرس، وبمزيد الدرس لكل ما استخلصه منظرو الماركسية من أجل التعرّف الأمثل على العدوّ الطبقي، ومقاومته اليوم ومستقبلا.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان