الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعبة الدين و السياسة في الجزائر- دهاء النظام و سذاجة المثقف

تركي لحسن

2016 / 6 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يخفى على أحد أن النظام الجزائري الحاكم استمدّ مبادئه و أسسه، بعد الاستقلال مباشرة، من الأيديولوجية الماركسية بانتسابه للمعسكر الشرقي، إلا أنه ألبسها حلة عربية إسلامية أو ما سمي آن ذاك بـ " الاشتراكية العربية " المبنية على الدين و الثقافة، و المخالفة للاشتراكية العلمانية لدول أوروبا الشرقية، ليستولي على مشاعر الشعب الجزائري المسلم في غالبيته.
نظام الحكم في مضمونه كان عسكريا شموليا يحمي الدين و العروبة في الظاهر لكن في الحقيقة لم يكن يحمي إلا مصالح النخبة الحاكمة. و لم يكن ليواجه أية معارضة لولا تمرد مثقفي بلاد القبائل ( الأمازيغ )، فما دام النظام الحاكم قد تحصّن بالقومية العربية و الإسلام و اتخذ من الدين ذِرعا واقيا له فقد أصبحت معارضته بمثابة معارضة للدين و للعروبة. إذن وظّف النظام الدين ليكبح أي رغبة في التغيير و ليدّجن غالبية المثقفين و يُنتج نمطا مستلًبا يدافع عن الفساد و الرداءة و لا ينفعل للظلم و عدم المساواة ولا لانتهاك حقوق الأفراد و الجماعات، نمطا يشبه الانتحاريين في أفكاره مستعد للتضحية بإنسانيته في مقابل إرضاء النظام الحاكم.
بهذا الشكل استطاع النظام الحاكم في الجزائر أن يحافظ على الوضع ما يقارب الثلاثة عقود. بعد الانتفاضة الشعبية في أكتوبر 1988 التي عبرّ من خلالها الشعب الجزائري عما يعانيه من ظلم و قهر و تدهور في المستوى المعيشي، و بعد سقوط المعسكر الشرقي و تنازٌل النظام عن نموذج الحزب الواحد، و فتح المجال للتعددية الحزبية، وقع النظام الجزائري في مأزق تمثل في محاولة استحواذ الإسلاميين على الحكم، فعاد ثانية ليجّند النخبة المثقفة ضد ما سماه بالإسلام السياسي أو مكافحة الإرهاب. فتحالف النظام الحاكم مع الأحزاب الشيوعية و العلمانية ليصدَ الباب في وجه الإسلاميين.
فبعدما استخدم النظام الحاكم في الجزائر، الدين و جنّد المثقفين المدجنين لمحاربة التيارات الشيوعية و العلمانية، عاد فاستخدم مثقفي الطرف المعارض في محاربة الإسلام السياسي و الإرهاب الديني. كانت تلك هي لعبة النظام التي لم يجد لها بديلا حتى الآن و المتمثلة في تسييس الدين و" تديين " السياسة.
لقد وظف النظام الجزائري الدين من خلال ترسيخه للفكر الديني الساذج و السطحي و دعمه للزوايا و للطرق الصوفية التي ينتظر مريدوها الفرج من كرامات الأولياء بدلا من أفكار و حلول القادة السياسيين. و احتضن الفكر الدعوي و السلفي الذي يجعل من شروط الإيمان الولاء للحاكم. و حارب في المقابل الإسلام السياسي الذي أيقن أنه يطمع في أن يقاسمه الحكم أو يسلبه إياه.
فكان يٌسِن القوانين التي تمنع من تسييس المساجد و في المقابل كان يٌملي على أئمة المساجد توصياته المدسوسة في الخطب الدينية و الهادفة إلى فرض برامجه السياسية.
قد يكون هذا دهاء و حنكة من طرف النظام الحاكم، أو سذاجة و قلة وعي من قبل النخبة المثقفة. أعتقد أن النظام الحاكم كان بارعا في انتقاء المرتزقة من المثقفين المصابين بجرثوم الازدواجية. و لا يمكن أن نسميه مثقفا ذلك الشخص الذي يظهر فجأة كمعارض للنظام، و يجرؤ على الخوض في بعض الطابوهات و كشف ألاعيب النظام و الجهر عما كان يٌتداول خِفية. هذا النوع من الأشخاص عادة ما يتم تصنيفه في اللاوعي الجمعي على أنه مثقف جريء، لكن ما إن يظهر على الساحة حتى يتم استيعابه و استلاب فكره من قبل النظام، لكن لسنا ندري بعد هل هو أسلوب أصبح ينتهجه هؤلاء المرتزقة لتحقيق مآربهم، أم أنها آلية من آليات الاغتراب التي يوظفها النظام للمحافظة على بقائه و ديمومته.
لقد افرز هذا النظام العديد من أشكال المثقفين الذين تتذبذب مواقفهم تجاهه، فمنهم الإسلاموي الراديكالي الذي يتخذ شكل السلفي، و الإسلاموي المحافظ الذي يمثله الأخواني، اليساري أو العلماني الذي أوقعه النظام في فخ محاربة الإسلام السياسي ليتخلص من مضايقاته، الديمقراطي الذي أغرته الأحزاب التقليدية أو الحديثة بالتربع على رؤوس القوائم و الارتقاء إلى مكانه اجتماعية أفضل، و أخيرا الحيادي
الذي فضل الانكفاء على ذاته و الابتعاد عن اللغط السياسي لكنه نسي أنه مؤيد لهذه الأوضاع بصمته.

لم يكن النظام الجزائري شيوعيا أو علمانيا في يوم من الأيام لكنه كسب مودة هؤلاء و أولئك باستدراج مثقفيهم الطامعين في المناصب القيادية. كما أنه لم يكن إسلاميا في فترة من الفترات إلا أنه تملّك عواطف و مشاعر الشعب بتقمصه عباءة الدين و دعمه للزوايا و شراءه لذمم بعض الرموز الذين استخدموا الدين مطية لبلوغ مآربهم السياسية.
هذا النوع من المثقفين المزيفين الذين ارتموا في أحضان النظام بكل ما أوتوا من قوة و أعلنوا ولاءهم التام و الأعمى له، وأصبحوا يغازلون رموزه بعبارات و أوصاف تفوق وصف المتيم لمحبوبته، وفضّلوا أن يكونوا قشّة في دواليب النظام على أن يكونوا أشخاصا أحرار في وسط المجتمع، هؤلاء هم تروس النظام و ذروعه، هم من ساهموا في بقائه و ديمومته، هم من يفرون له شروط البقاء و الحياة.
الأمثلة عن هؤلاء الأشخاص كثيرة و كثيرة جدا في الجزائر كما في كافة المجتمعات العربية و الغربية، و إن كنت أجتنب تسمية الأشخاص ذلك لأن هدفي ليس تصفية الحسابات و إنما معالجة هذه الظاهرة بكل موضوعية.
المثقفون الجزائريون الحقيقيون غالبيتهم يمارسون الحياد، ينتقدون من بعيد أو يؤيدون الظلم بصمتهم. و إن كانت انتقاداتهم، الصائبة و اللاذعة أحيانا، و المبعثرة هنا و هناك، لا تجدي نفعا فذلك لأنه عادة ما يسقطون في فخ التوجهات الإيديولوجية و التحّيزات العرقية و الطائفية .
يتحدد تصنيف المثقف في خانة الملتزم، المزيف، المرتزق، الوصولي، الأصولي، الجبان...من خلال موقفه من القضايا الراهنة التي تثير جدلا محتدما في الوسط السياسي و الاجتماعي و أول هذه القضايا هو شرعية النظام الحاكم. فكل مثقف لم يجرؤ على اتخاذ موقف من هذه القضية هو مثقف متواطئ إما بصمته أو بدعمه .
المثقف الجزائري الصادق و الحقيقي و البريء من كل الأوصاف السلبية لم يعد أمامه سوى حلان لا ثالثة لهما، إما إخلاء المكان و الهجرة إلى بلاد الغرب أو الحياد الصامت الذي أفقده الإحساس بحيث أصبح لا ينفعل تجاه الظلم و عدم المساواة و الخروق المتزايدة لحقوق الإنسان و لحريات التعبير.
و هذا عادة ما يكون بذريعة الاستسلام الفاشل لقهر القضاء و القدر و انتظار الفرج الإلهي، هذان الذريعتان هما عادة الملاذ الأخير للمثقف المتشبع بأساليب التدين المغلوطة و المتمسك بالمرجعيات الدينية التي لم تعد تمت بأية صلة إلى مجريات الواقع.
المثقف الحقيقي في نظري، هو المثقف الذي يمتلك القدرة على التحرر من مغريات المدنية الزائفة، هو الشخص الذي يمتلك قناعات فكرية عقلانية تغنيه عن الرغبة في السلطة أو في الجاه و المال و المكانة الاجتماعية المتميزة، كما تحّصنه من الوقوع في فخ الفكر الغيبي و الخرافي، وتحثه على النزول من برجه العاجي، و الكّف عن التأمل الميتافيزيقي المجرد، و الخوض في معارك الحياة المجتمعية دون الوقوع في مزالق الغوغاء . المثقف الحقيقي هو الذي يواجه بنقده العقلاني و الموضوعي كل أنواع السلطات، الدينية منها و العرفية السياسية و الاجتماعية.
لماذا لا نتساءل عن عدم نجاعة المشروع الديني في الجزائر، فعدد المساجد يقارب الـ 20 ألف مسجد أما عدد الأئمة فسيكون بالبداهة أكثر من ضعف عدد المساجد. عدد الزوايا و أضرحة الأولياء يكاد يفوق عدد المدارس و الجامعات. ألا يحق لنا أن نتساءل عن كل هذه الإمكانات و الوسائل و الآليات التي عجزت عن تنوير المواطن و ضبط سلوكه و الرقي بأخلاقه و الرفع من مستواه الحضاري، ما سبب كل هذه الإخفاقات ؟ و ما السبيل إلى علاجها ؟.
أليست هذه الآليات هي من شلّ الفكر و عطّل العقل إلى الدرجة التي تحولت فيها إلى آلية للضبط تستخدمها الأنظمة الحاكمة، العربية على وجه الخصوص، للمحافظة على بقائها...؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المعجزة لا غير
نور الحرية ( 2016 / 6 / 7 - 00:15 )
الحكومات في كل العالم هي محصلة نخبة مجتمعاتها والحال كذلك في الجزائر الشعب الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها من اجل لعبة كرة قدم ولا يهزه ولا يكترث لما الت اليه جامعاته ومدارسه من نتائج اقل ما يقال عنها انها كارثية ويوضع على هرم وزارة التربية من لا تفقه حتى لغة شعبها ومثقفوه الحقيقيون محاصرون من رجال الدين والعسكر و كذلك الغاشي علينا اذن ان ننتظر معجزة من السماء

اخر الافلام

.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن