الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأسمالية بدون إنتاج بضاعي !!! حوار مع الرفيق حسقيل قوجمان.

سعيد زارا

2016 / 6 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


بداية كل الشكر الموصول للرفيق حسقيل قوجمان و هو يتفاعل مع تعليقاتي خلال نشره لسلسلة مقالاته في الحوار المتمدن التي عنونها ب"الرأسمالية حركة طبيعية اجتماعية" . في الحلقة الأولى من السلسلة أثار رفيقنا عدة نقط تستحق الوقوف و التأمل و النقاش العميق, لأنه لا زال معظم الرفاق يتعاطون معها بواقع قد أفل و لم يعد قائما دون استشعار التحولات العميقة التي لحقت بالبنى الاقتصادية العالمية التي نخرها ورم الخدمات الخبيث. أمل من خلال هذا الحوار الذي قد يمتد إلى حلقتين أو أكثر أن أتطرق فيه لأهم نقط الاختلاف.

لنبدأ بنقطة الإنتاج البضاعي التي يجانبها رفيقنا و هو يلتفت إلى منعطف انهيار الرأسمالية و للأسف لم يوليه حقه الكافي نظرا لأهميته في المرحلة .

لاعتبر نفسي من "ذلك البعض" الذي يعنيه رفيقنا في هذا المقام الذي قال عنهم : " ويظن البعض أن إنتاج السلع في البلدان المتخلفة غير الصناعية دليل على ضعف الامبريالية وحاجتها إلى إنتاج الدول المتخلفة لتزويدها بإنتاج السلع واستيرادها من تلك البلدان وان الدول الرأسمالية الامبريالية أصبحت بحاجة إلى خدمات البلدان المتخلفة." و عليه نتوصل كما ادعى رفيقنا إلى "أن الرأسمالية أو الامبريالية قد انتهت."

إن القول ب "إنتاج السلع في البلدان المتخلفة" في تشخيص إحدى مظاهر انهيار الرأسمالية لهو قول ناقص و غير كامل ما لم يتم التأكيد إلى جانب ذلك على إقلاع الرأسماليات السابقة عن الإنتاج البضاعي موضوع إنتاج فائض القيمة. إن حقيقة الإقلاع عن الإنتاج البضاعي حقيقة ماثلة أمامنا منذ أواخر الستينات و بداية سبعينات القرن الماضي حيث تراجع الإنتاج البضاعي إلى ما دون العشرين في المائة من الإنتاج الإجمالي المحلي في أمريكا اعتى الامبرياليات و هو كذلك متراجع أيضا أمام سرطان الخدمات التي لا تنتج الثروة في باقي الرأسماليات السابقة كانجلترا و فرنسا الخ... و لا يزال يستمر في التراجع رغم الصيحات الأخيرة لإعادته إلى موطنه, لكن هيهات.

يدعم الرفيق حسقيل "ظاهرة إنتاج السلع في البلدان المتخلفة" بمثال حي لاقاه رفيقنا شخصيا و هو شراؤه في إحدى محلات ببريطانيا لماكينة حلاقة ماركة فيليبس الهولندية التي اكتشف أنها مصنوعة في الصين حيث قال: " إن شركة فيليبس الامبريالية لا تنتج هذه المكائن في الصين لعجزها عن صناعتها في بلادها كما يظن البعض بل لان إنتاجها في الصين لا يكلف إلا جزءا ضئيلا من تكليفها لو أنتجتها في بلادها.".

لا نختلف بتاتا أيها الرفيق العزيز أن هدف الرأسمالي الأول و الأخير هو مراكمة النقود التي يجنيها من استيلائه على فائض القيمة سواء كان ذلك في بريطانيا أو في أمريكا أو في الصين, و لكننا هنا نتحدث عن إنتاج رأسمالي في شموليته الذي يقوم على سيادة الإنتاج البضاعي هجر حصونه و ليس شركة واحدة أو اثنتين. ما كنت لاعترض على مثال رفيقنا لو أتى به في ظروف فيه السيادة للإنتاج السلعي في مراكز الرأسمالية بل لما قلت بانهيار الرأسمالية. مثال رفيقنا إن تم ربطه بسياقه التاريخي بهجرة الرأسمالية من قلاعها منذ حوالي أربعين سنة سيتبين انه مثال يزيد من توضيح الرؤية للمنعطف الخطير الذي قضى على سيادة الإنتاج الرأسمالي في أبراجه العلياء.

بغير هذا السياق التاريخي الذي يتوجب على رفاقنا أن يساءلوه في هدف تشخيص علمي دقيق للمرحلة الراهنة, فانه سنضيع بوصلتنا الماركسية. لماذا إذن الإقلاع عن الإنتاج الرأسمالي في حصونه خلال سبعينات القرن الماضي و ليس من قبل؟؟؟ لماذا الإقلاع عن خصيصة لا يمكن للإنتاج الرأسمالي أن يكون إلا بها؟؟؟ و هل يمكن للإنتاج الرأسمالي أن يكون كذلك بدون تلك الخصيصة؟؟؟

الرفيق حسقيل في مثاله يرى أن عمالقة الإنتاج الرأسمالي ك"فيليبس" مثلا ليست بعاجزة للاستثمار في مراكزها السابقة لأنها تسعى دائما إلى الربح و في هذا جزء من الحقيقة بل هناك حاليا فروع للشركة فيليبس في عدد من الدول الرأسمالية الكلاسيكية, ولكن السياق التاريخي الذي نتحدث عنه الآن و هو هجرة الإنتاج الرأسمالي من مراكزه يوضح لنا الآن أن الشركات الصناعية بشكل عام عاجزة عن الرجوع إلى مواطنها رغم الإغراءات التي تقدمها لها دولها , إن لم نقل رجوعها أصبح من المستحيلات. في دراسة أمريكية خلال العام 2015 تبين أن من بين الشركات الصناعية الأمريكية في الخارج المستجوبة هناك ما يقارب 30 بالمائة فقط ترغب في العودة إلى الأراضي الأمريكية و قد حظيت بمساعدات من الدولة و رغم ذلك فعودتها لازالت جد متعثرة, أما الباقي فقد رفض العود لارتفاع تكلفة الخدمات.

يقول الرفيق قوجمان: " وجدت الرأسمالية المالية أن من الأفضل إنتاج المواد الصناعية في البلدان المستعمرة من إنتاجها في بلادها", هذا كلام خطير يفقد الرأسمالية أهم خصائصها و هي الإنتاج السلعي الذي بدونه لا تقوم للرأسمالية قائمة, ليس في هذا الكلام ما يدعمه على ارض الواقع فليرجع رفيقنا العزيز إلى إحصائيات تطور الإنتاج الصناعي في مراكز الامبريالية ليتأكد انه لم يتراجع إلا بعد سبعينات القرن الماضي و أن "الظاهرة" أي إنتاج السلع في البلدان المتخلفة ليست من مظاهر الامبريالية كما شرحها لينين.

يقول الرفيق قوجمان : "إن هذه الظاهرة، ظاهرة إنتاج السلع في البلدان المتخلفة والمستعمرة، هي في الحقيقة أهم مظاهر الرأسمالية الامبريالية" و يعزي ظاهرة إنتاج السلع في "البلدان المتأخرة" إلى "ظاهرة تصدير رأس المال" التي كتب عنها لينين في كتابه القيم "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" و كأن "ذلك البعض" الذي يقول بانتهاء الرأسمالية لم يطلع على كتاب لينين الذي يعتبر قراءة ماركسية أصيلة للرأسمالية في مرحلة الامبريالية حيث قال رفيقنا : "ومن لا يعرف معنى تصدير الرأسمال يحتاج إلى قراءة أو إعادة قراءة كتاب لينين الذي أعلن فيه أن الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية". لنرجع إلى فصل تصدير الرأسمال في الكتاب المذكور لمعلم البروليتاريا لينين لنرى ما إذا كان ذلك يشير إلى ما نحن عليه الآن أم أن الوضع يختلف تماما.

يبدأ لينين فصل تصدير رأس المال قائلا: " كان تصدير البضائع الحالة النموذجية في الرأسمالية القديمة، حيث كانت السيادة التامة للمزاحمة الحرة. وغدا تصدير الرأسمال الحالة النموذجية في الرأسمالية الحديثة التي تسودها الاحتكارات." و تتميز الامبريالية بخمس صفات من بينها حيث أصبح "تصدير الرأسمال، خلافا لتصدير البضائع، يكتسب أهمية في منتهى الخطورة" يضيف لينين, و لم يقل معلم البلاشفة إن الامبريالية أو الرأسمالية الاحتكارية أقلعت عن تصدير الإنتاج البضاعي لتختص في تصدير الرساميل فقط. فعلا قد طبع تصدير الرساميل مرحلة صعود الامبريالية لكنه لم يكن ذلك مصاحبا للإقلاع عن الإنتاج البضاعي بل على العكس تماما فالرأسمال و إنتاج البضائع بشكل خاص و الإنتاج المادي بشكل عام قرينان متلازمان, فذلك الفيض من الرساميل الذي لم تعرف الدول الراسمالية له مثيلا من قبل لم يكن ليصل لحد الفائض الذي توجب تصديره لولا الإنتاج البضاعي الكثيف و بالجملة و الذي يتعذر على الدول الرأسمالية استهلاكها في مراكزها. فهل تزايد تصدير رأس المال و تراجع إنتاج البضائع ليتقلص في عهد الرأسمالية الاحتكارية؟؟؟

لم يسجل التاريخ قبل سبعينات القرن العشرين إقلاع الدول الامبريالية عن الإنتاج البضاعي رغم الفائض من الرساميل الذي كانت تصدره تلك الدول, بل العكس تماما فان "ظاهرة" تصدير الرساميل التي ميزت الرأسمالية الاحتكارية كانت مشروطة بتشجيع الإنتاج البضاعي كما أكد لينين نفسه في فصل تصدير رأس المال من الكتاب المذكور حيث كتب : "لقد غدا تصدير الرساميل وسيلة لتشجيع تصدير البضائع إلى الخارج." و بدون ذلك التشجيع و التوسيع تشل قدرات الإنتاج الرأسمالي فينهار. و يذكر لينين أيضا على لسان قنصل النمسا في البرازيل بسان باولو الذي قال :"يجري مد السكك الحديدية بمعظمها بالرساميل الفرنسية و البلحيكية و البريطانية و الألمانية, و هذه البلدان تشترط أثناء العمليات المتصلة بمد السكك الحديدية أن يعهد إليها بتقديم مواد البناء لمد السكك الحديدية", فقد كان من المألوف جدا, يؤكد لينين :"أن يشترط عند منح القرض إنفاق قسم منه على شراء منتجات البلاد الدائنة...". الدول الامبريالية إذن, كانت حريصة جدا على أن يبقى الإنتاج البضاعي في نمو متزايد في مراكزها, فهو مصدر الثراء و مصدر تزايد فائض الرساميل أما و قد غادرها لتقلع عنه لصالح الخدمات التي ليست إنتاجا بضاعيا, فذلك تحول خطير في واقعها الاقتصادي أنهى سيادة الإنتاج البضاعي الرأسمالي الرحم الوحيد الذي يلد بفائض القيمة.

حلول إنتاج الخدمات محل الإنتاج البضاعي في الرأسماليات الكلاسيكية لا يمكن أن يفسر بظاهرة تصدير الرساميل التي طبعت عهد الامبريالية و لكأن الأخيرة دشنت دخولها في التاريخ بعد تعقبها مرحلة "المزاحمة القديمة" بالتخلي عن الإنتاج الكثيف للبضائع, بل العكس تماما فان :" نمو الصناعة الهائل, يقول لينين في فصل الاحتكارات من الكتاب المذكور, والسرعة الكبرى في سير تمركز الإنتاج في مشاريع تتضخم باستمرار هما خاصة من أخص خصائص الرأسمالية. وتعطي الإحصاءات الصناعية الحديثة عن هذا السير أكمل المعلومات وأضبطها. " . لكن لماذا يصر رفاقنا على تجاهل التحول الخطير الذي عرفه الاقتصاد العالمي بعد سبعينات القرن العشرين عندما أقلعت قلاع الرأسمالية عن الإنتاج البضاعي فأصبح الإنتاج السلعي في أمريكا مثلا لا يتعدى 20 بالمائة من إنتاجها الإجمالي فتخلت عن خاتمه و هو "صنع في أمريكا" أمام "صنع في الصين" أو "صنع في تايوان" الخ...لتصبح 80 في المائة من واردات أمريكا كلها سلع.

الإنتاج الرأسمالي رغم صيرورته إلى التمركز و التركيز كما تنبأ ماركس لا يمكن أن يقوم من دون سيادة الإنتاج البضاعي. لم يشرح احد الرأسمالية و الامبريالية كما شرحها أباء الشيوعية الكبار, فالعلامات التي ميزت الرأسمالية كما شرحها ماركس و انجلز لم تعد قائمة و العلامات التي ميزت الامبريالية كمرحلة عليا للرأسمالية لم تعد أيضا ماثلة في عالمنا اليوم وهو ما يعني أننا نعيش في مرحلة لا رأسمالية و لأنها كذلك فهي ليست امبريالية.






يتبع الحوار مع الرفيق قوجمان في:

!!!رأسمالية بدون رأسمال و بدون نقود مليئة
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مفاهيم عجيبة غريبة
اسو گرمياني ( 2016 / 6 / 11 - 14:09 )
مفاهيم عجيبة غريبة للسيد فوءاد النمري يسوقها هنا الاخ المحترم سعيد زارا حول اقتصاد اليوم. اقتصاد اليوم يوءكد صحة نظريات ماركس ولينين حول الراسمالية والامبريالية، بينما تدعي هذه المقالة عكس ذلك.

بانتظار الحلقة القادمة لتبيان ذلك.


2 - الماركسية كلية الصحة
سعيد زارا ( 2016 / 6 / 11 - 15:40 )
السيد اسو كرمياتي المحترم

يفرحني دائما انتقادك . اما صحة الماركسية فذلك لا اخالفك فيه بل هي كلية الصحة كما اشار لينين. الماركسية هي القراءة العلمية للواقع و العجيب الغريب هو ان نستمر في تشخيص واقعنا بالتشبث بتشخيص واقع افل و لم يعد قائما.

تحياتي

اخر الافلام

.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح


.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز