الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لغة المستقبل: الانجليزية أم المندرينيّة (1)

أمين شمس الدين

2016 / 6 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



يعد العلماء نحو ستة آلاف لغة على سطح كرتنا الأرضية، ولكن ثلثها، وفقا لتوقعاتهم، سوف تختفي بحلول نهاية القرن. 21 شباط/ فبراير - عيد هام: يقوم فيه ممثلو كل الدول والجنسيات بالاحتفال رسميا بيوم اللغة الأم، الذي أعلنه المؤتمر العام لليونسكو في عام 1999. تبدي هذه المنظمة العتيدة قلقها بأن العديد من لغات اليوم على شفا الاندثار. ما هي يا ترى لغة المستقبل؟
يتضح أن أكثر لغة تتكلم بها البشرية في المرحلة الراهنة هي الصينية (و تسمى أيضا اللغة المَندرينية)- ويتحدث بها أكثر من 1 مليار و 200 مليون شخص، أي 20 % من سكان هذا الكوكب؛ وما يزيد عن 550 مليون شخص يتحدث الهندية (المعتمدة رسميا)؛ و510 مليون شخص ويزيد بالإنجليزية؛ ثم الإسبانية ويتحدث بها أكثر من 400 مليون؛ والروسية يتحدث بها حوالي 275 مليون شخص؛ ويتحدث بالعربية ما يقرب من 250 مليون شخص.. وهذه الأرقام للمتحدثين باللغة داخل وخارج بلدانهم. وهي تتباين من مصدر إلى آخر. وعموما هذه اللغات الست هي التي تتصدر اللغات كلها، إضافة إلى اللغات الشائعة البنغالية والبرتغالية والفرنسية والألمانية وغيرها..
هناك مبادئ تحدد بموجبها اللغات الرسمية في العالم. اللغات ذات الأهمية الدولية تعتبر الانجليزية والاسبانية والروسية والعربية والبرتغالية والفرنسية والألمانية. كما نرى، فهي بعيدة عن تلك المستخدمة من قبل أكبر عدد من الناس. ومع ذلك، هذا هو وضع لغات العالم التي اكتسبتها نتيجة انتشارها في مناطق مختلفة من العالم. على سبيل المثال، الصينية هي اللغة الرسمية لثلاثة بُلدان. في حين أن اللغة الإنجليزية هي لغة رسمية لـ 56 بلدا. أما اللغة الهندية فتنتشر في بلد واحد هو الهند. والإسبانية تنتشر في 23 بلدا. إضافة إلى ذلك، أُخذ بعين الاعتبار كم عدد الناس الذين يعتقدون بأن هذه اللغة أو تلك هي لغتهم الأم أم اللغة الثانية. فالإنجليزية والألمانية تتمتع بنسبة عالية جدا من الشعبية.
الدول التي لديها أكثر اللغات الرسمية بالدرجة الأولى هي الهند، التي اعترفت بـ 23 لغة رسمية في أراضيها؛ وفي جنوب أفريقيا 11 لغة رسمية؛ وفي أفغانستان 8 لغات. ولكن في بلد كبير و متعدد الأعراق مثل الولايات المتحدة، عموما لا يوجد مفهوم تحت مسمّى لغة الدولة. ونفس هذا الشيء أيضا في السويد.
يعرف الجميع أنه إذا لم يتم استخدام اللغة، فمصيرها الموت، كما هو حال اللغة اللاتينية. هل يا ترى لغات العصر العالي في طريقها إلى الاندثار؟ نعم، وبسرعة تنذر بكارثة. قبل عدة سنوات أُنشِأ مُتحف في جامعة كامبردج للحفاظ على اللغات المهددة بالانقراض. يتم أرشفتها في حافظات إلكترونية، و يمكن لأي شخص أن يأتي و يستمع إلى الملفات والاطلاع على عروضها النصية.
هنا، على سبيل المثال، توجد لغة بَرَسانه barasana، لا يتحدث بها سوى عشر قبائل كولومبية، ولغة بِكِيا bikiya ويعرفها شخص واحد فقط من سكان الكاميرون. وتنتمي إلى هنا كذلك اللغة البيلاروسية (روسيا البيضاء) واللغة القيرغيزية. بشكل عام، توقعات العلماء مثيرة للإعجاب: من حوالي 6000 لغة موجودة الآن على كوكب الأرض، يمكن لِثُلث هذا العدد أن يختفي قبل نهاية هذا القرن. ويعتقد العلماء بأن حوالي 135 لغة ستصبح في عداد الميتة قبل حلول عام 2020م.
ولماذا يحدث هذا؟ يعتقدون أنه إذا كانت اللغة يستخدمها أقل من 100 ألف شخص، فلن يبقَ لاستمرار حياتها سوى قرن من الزمان لا أكثر. ومع ذلك، يعتقد بعض اللغويين أن عدد الناطقين باللغة لا يشكل حدا فاصلا لحفظها. كل شيء يعتمد على اهتمام الشعب في المحافظة على لغته.
ما هي أكثر اللغات صعوبة لتعلمها؟ يُعطي كتاب "غينيس للأرقام القياسية" الأولوية في صعوبة التعلم للغة الأيوسكارا، لأنه لا يوجد لها أي وجه شبه مع أي لغة في العالم. كما تعتبر اللغات الصينية واليابانية و الكورية لغات معقدة للغاية - في المقام الأول بسبب أحرفها الهجائية. وصعبة جدا للأوروبيين والأجانب اللغات السويدية والنرويجية والهولندية والمجرية والفنلندية والروسية و الأوكرانية. وفي الوقت نفسه، جاءت اللغات الإسبانية والإيطالية والإنجليزية تحت بند أسهل اللغات تعلما واستيعابا.
ويتوقع قريبا أن تستلم الصين وسنغافورة زمام المبادرة في الاقتصاد العالمي. فهل هذا سيتطلب منا تعلم اللغة المندرينية؟ حتى لو أصبح الصينيون، رواد الاقتصاد العالمي، إلا أنه في موضوع اللغويات ستحتفظ بريطانيا بسيادة لغتها. فهذه الدولة تنفق 17 مليار -$- سنويا على برامج التدريب للأجانب، وترسل الكتب والمدرسين المتطوعين إلى الصين وإندونيسيا وأفريقيا.. أي أنها تفعل كل شيء للحفاظ على المركز الأول في ترتيب لغات التواصل والتفاهم الدولي. "النمور الآسيوية"، بالمناسبة، تعلم طلابها في الجامعات باللغة الإنجليزية، لأنها أكثر كفاءة للتعاون الدولي والأسهل على الناس في معظم البلدان.
لغة المستقبل لن تشبه أي لغة من لغات اليوم..
لقد بدأت اللغات الشرقية مع رسومات، ولكن قرونا من التطور أدّت إلى نظام الكتابة الهيروغليفية. حتى الناس الذين لا يعرفون كلمة واحدة من لغات بعضهم البعض، سرعان ما يجدون "لغة مشتركة" مع مساعدة من الرسوم التي تقوم "بإلغاء" الكلمة؟
اشتمل نظام الكتابة المصري في المرحله الوسطى لدولتهم على سبعمائة حرف هيروغليفي. واعتبر رمزا لسر المعرفة. وكهنة المعابد المصرية لم يستخدموا العلامات/ الصور الكتابية التقليدية مع الطلاب عند نقل المعرفة، وإنما رسموا لهم رموزا، احتوت على أشكال فكرية و صور ذهنية. عندما قام جان فرانسوا شامبليون، بكشف نظام الكتابة المصرية، وَجَد أن أساسه بني على مبدأ صوتي.
في العديد من أنظمة الكتابة القديمة: المصرية، العبرانية والفينيقية، - لا وجود لحروف العلة فيها، وإنما الساكنة فقط. حروف العلة هي صوت. إذا أعطيت مفردات الرسالة صوتا، فهذا بمثابة إعطاء المزيد من القوة، عندها تصبح الكلمات "حيوية أكثر". تقول أسطورة صينية قديمة: "في القرن الثاني الميلادي، دُعي الرسام العظيم لذلك الوقت، وو داوتسي Wu Daotsi، لعند المبراطور، من أجل أن يرسم تنينا بالكمال .
رسم الفنان تنينا من دون عيون. سأله الامبراطور، قائلا: "لماذا نسيت عينيه؟". أجاب داوتسي، قائلا: "لأنه، لو رسمتُ عينيه، سيطير التنين". أصر الإمبراطور على رأيه، ورسم الفنان عَينَي التنين. ووفقا للأسطورة التقليدية، طار التنين بعيدا.
منذ العصور القديمة، والناس يحاولون ابتكار لغة عالمية يفهمها سكان البلدان المختلفة. وكانت هذه اللغة بالنسبة لأوروبا العلمية- اللغة اللاتينية، وبالنسبة لنا دور مشابه تلعبه اللغة الإنجليزية. وكمثال حول نفس الغرض، محاولات خلق لغة اصطناعية - مثل الاسبرانتو. ومع ذلك، نعلم جميعا أن الاسبرانتو لم تعِش.. لماذا؟ يجب أن يكون السبب في أن اللغة المفهومة من قبل الجميع، كما أي لغة طبيعية، تنشأ وتتطور "بحد ذاتها".
إن اختيار اللغة يمكن أن يكون له أسباب موضوعية. كانت اللاتينية لغة القداس الكاثوليكي. ونتيجة لذلك، عرفها الرهبان في جميع أنحاء أوروبا، وفي الواقع أن الرهبان تحديدا هم الذين مارسوا العِلم في العصور المظلمة.. ولكن، حدث كل ذلك عضويا وبدون ضغط خارجي. لم يحاول أي شخص بشكل متعمَّد "لفرض" اللاتينية كلغة دولية.
تقدَّم العالم الأمريكي سايمون غارود باقتراح مفاده أن اللغة في المستقبل سوف تتطور من تلقاء نفسها، ولكن لن تكون مشابهة لأي من اللغات الوطنية، لأنها ستكون عبارة عن لغة صُور.. ولاحظ البروفيسور أن شخصين لا يعرفان كلمة واحدة من لغة بعضهما البعض، سريعا ما يجدان "لغة تفاهم" مع مساعدة من الرسومات. وبحلول نهاية "المحادثة" باستطاعتهما تطوير نظامهما الخاص من رموز التفاهم مفهومة لكليهما فقط.
وفقا لسايمون غارود، فإن لغة المستقبل الدولية ستتخذ تحديدا مظهر الرسم البحت. إن الكلمات كشيء منطوق تُلتَغى. وبتعبير أدق، بإمكان أي شخص أن " يُنطِّق" صورةً في لغته كما يشاء، لأنه لا معنى لذلك بالنسبة لعلاقة الاتصال بحد ذاته.
الاتجاهات نحو تكوين لغة بصرية واضحة منذ الآن. وهكذا، فإن كل علامة تجارية لديها شعار خاص بها. و بالطبع، لا يتم ذلك من أجل إضافة "الجمال"، ولكن، لأن الصورة أسهل للتذكر، وسرعان ما تنقل معنى الخبر. وبالمناسبة، لهذا السبب، وكوسيلة في السياسة الدعائية غالبا ما تستخدم الملصقات. وبشكل مماثل ينطبق هذا الحال على علامات الطرق: لم يفعلوا ذلك على شكل رسائل نصية، ولكن، على شكل رموز بسيطة ومفهومة.
يأخذ هذا التوجه شكلا متزايدا في العقود الأخيرة، مما يُعرّف على حاله. توضع في علبة أطقمالأجهزة والأدوات تعليمات مع الرسوم البيانية والأشكال. والرسومات لا جنسية لها.. وفي هوليوود وغيرها، يقومون برسم رسوم متحركة، يشاهدها الأطفال من جميع أنحاء العالم. ماذا، هل يحتاج الأمر إلى معرفة اللغة الإنجليزية لكي تجلس أمام التلفاز للاستمتاع لمشاهدة "توم و جيري"؟
أمر آخر: تذكروا كيف يعلمون الأطفال الصغار على التحدث. تماما، كما علّم المواطنون الأفارقة ليفينغستون لغتهم: عن طريق تعاريف مقصودة. أو كما يقول الروس، من خلال عبارات مثل "هذا - شجرة نخيل". في هذه الحالة يفترض الإشارة بالإصبع إلى شجرة النخيل أو إلى صورتها. إن الصور مفهومة للجميع.. ومن المثير للاهتمام أن ينظر إليها الآن على نحو متزايد كنص. حسنا، وهل شيء من هذا القبيل "=:0" - هو نص؟
قد يكون السيد غارود على حق، ربما. كلمة صغيرة "ولكن": بدأت اللغات الشرقية أيضا برسومات. ومع ذلك، فإنه خلال قرون من التطور– يتمثل أمامنا نظام معقد من الكتابة الهيروغليفية. ومع هذا لا تزال اللغة الطبيعية شيئا دقيقا، مفردات مختلفة المعاني وتحيطها ظلال كثيرة.. وفي لغة الصور من الصعب للغاية نقل مضامين القواعد والتصريفات المعهودة في اللغات. ومع ذلك، فتلك هي البذور، ولكن كيف يمكننا نقل التفاوتات الدقيقة إلى العقليات، أين مكان الإيماءات و التلميحات؟ أين مكان آداب اللغة؟
لذلك، على ما يبدو، في حال ظهور لغة جديدة، فستحمل طابعا تقنيا بحتا. وعلى الرغم من المعنى الدقيق للكلمة، في المستقبل البعيد قد تتطور اللغة إلى ذلك الحد، الذي من شأنه أن تصبح عنصرا طبيعيا لشاعر. عندها، وإذا صدق سايمون غارود، فمستقبل الكوكب– إلى الهيروغليفية.
المصدر
http://miresperanto.com/o_vseobscem_jazyke/jazyk_buduscego.htm
http://zhitanska.com/content/yazyk-buduschego
-----------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث