الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-أبناء الأيام- لإدواردو غاليانو: متحف الذاكرة الإنسانية

منير ابراهيم تايه

2016 / 6 / 13
الادب والفن


هو أحد أكثر كتاب أمريكا اللاتينية تميزا، هو الضمير الحي الذي يمثل جميع المغلوبين والمنسيين في هذه الحياة، هذا الكاتب الأوروغياني الرائع، المثير للجدل، العنيد والمشاكس، "صديق المنسيين"، حاول دائما أن "ينظر إلى العالم من خلال البرك الصغيرة في الشوارع"، انه "المهووس بالتذكر" حيث أخافه أن يصبح أعمى كالأخرين لأن "المسار المحتمل في أن نصبح عميان ليس هو فقدان البصر بل الذاكرة"، صاحب اسلوب فريد في الكتابة، بل قل اسلوب جديد، فبدلا من التحليل المسهب والمقاطع المطولة يكتب بأسلوب الشذرات أو أسلوب المقاطع القصيرة المركزة ويمزج بين وسائط سردية وتعبيرية متنوعة. أسلوب يمنحه حرية أكبر ومرونة أوسع في الكتابه ويساعده أن يوهم قراءه بأنهم لا يتفرجون على أحداث وقعت في الماضي بل يعايشون أحداثا تقع أمامهم في التو واللحظة. وربما كان كتاب "شرايين أمريكا اللاتينية المفتوحة" الذي أهداه تشافيز للرئيس أوباما من أسباب شهرة غاليانو في عالمنا العربي...
وفي رواية "أبناء الأيام"، يختار غاليانو أحداثا مفصلية لتوثيق الذاكرة الكونية، موزعا إياها على أيام السنة. يهدي اليوم الأول في السنة إلى شعب المايا الذي يؤمن بأن الزمن فضاء، حيث الأيام هي التي تصنع أو تشكّل الأشخاص، ومن هؤلاء تتولد القصص والحكايات، لأن الإنسان هو إبن تاريخه أو حكاياته، وبالتالي فنحن ، "أبناء الأيام". حكايات مكثفة ومفارِقة في التقاط مشاهد لأشخاص ووقائع غيروا مصير العالم. فيرصد بعدسته وجوها وأحداثا واعترافات عن الحياة والموت والحب والموسيقى، والمجازر، والديكتاتوريات… عالم يتأرجح من عصر الكهوف إلى عصر الحضارة اليوم، كما لو أنه شاشة سينما تبث أرشيفا سريّا عن محاولات "سرقة الذاكرة". فيخوض مغامرة الاحاسيس والمشاعر من خلال الكلمة، يستخدم الكلمة ليوقظ هذا العالم الغارق في اللامبالاة، الكلمة التي تنساب كأغنية عذبة، تؤثث العالم بالجمال والحبور، لتحيي فيه غبطة الوجود، وتعلمنا كيف تزهر اللغة الجميلة في النفوس المتعطشة للأمل والحرية والعدالة... انه رحلة يومية من الماضي إلى الحاضر على امتداد 365 يوما من ايام السنة، كل حكاية أو قصة تتضمن رسائل ناقدة نقدا لاذعا للمجتمع الذي نعيشه، رسائل تسافر عبر الزمن حتى تصل إلى الحاضر

عن 15 أيار دَيْنُ الآخر
في هذا اليوم من عام 1948، ولدت دولة إسرائيل.
وبعد أيام قليلة من ذلك، طُرد أكثر من ثمانمئة ألف فلسطيني، ودُمر أكثر من خمسمئة قرية.
هذه القرى، حيث كانت تنمو أشجار الزيتون والتين واللوز وغيرها من الأشجار المثمرة، تقبع مدفونة تحت الطرق السريعة، والمراكز التجارية، وحدائق الملاهي. إنها موتى بلا أسماء. فلجنة الأسماء لدى السلطة الجديدة أعادت تعميد الخارطة.
لم يبق إلا قليل من فلسطين. ومن أجل التهام الخريطة المتمادي تستحضر صكوك ملكية، ممنوحة من التوراة بسخاء، وتُبرر بمعاناة الشعب اليهودي طوال ألفي عام من الملاحقة.
ملاحقة اليهود كانت، على الدوام، عادة أوروبية، ولكن الفلسطينيين هم من يدفعون ديون الآخرين.
7 آب: تجسس عليّ
في 1876 ولدت ماتا هاري.
أسِرَّةٌ وثيرة كانت ميادين معاركها في الحرب العالمية الأولى. وقادةٌ عسكريون وسياسيون كبار استسلموا لفتنة أسلحتها، واعترفوا لها بأسرارٍ كانت تبيعها لفرنسا، أو ألمانيا أو من يدفع أكثر.
في 1917، حُكم عليها بالإعدام. أكثر جاسوسة مشتهاة في العالم أرسلت قُبلات وداع لفصيلة الإعدام رميا بالرصاص. ثمانية من الجنود الأحد عشر أخطأوا في اصابة الهدف.

13 تموز: هدف القرن
في هذا اليوم من عام 2002 أعلنت الهيئة الأعلى لكرة القدم نتيجة استفتاء عالمي أجرته: اختر هدف القرن العشرين.
وقد كسب، بأغلبية ساحقة، هدف دييغو مارادونا في مونديال 1986، حين كان يرقص والكرة ملتصقة بقدمه مخلفا وراءه ستة لاعبين إنكليز ضائعين على الطريق.
كانت تلك هي الصورة الأخيرة التي رآها مانويل ألبا أوليفاريس من الدنيا.
كان عمره أحد عشر عاما، وفي تلك اللحظة الساحرة انطفأت عيناه إلى الأبد. لقد حفظ الهدف سليما في ذاكرته، وهو يصفه أفضل من أفضل المعلقين الرياضيين.
منذ ذلك الحين، ومن أجل أن يرى كرة القدم وأشياء أخرى ليست بأهميتها، يطلب مانويل من أصدقائه أن يعيروه أعينهم.
وبفضلهم، أسس هذا الضرير الكولومبي وترأس ناديا لكرة القدم، فكان ومازال المدير الفني للفريق، يعلق على المباريات في برنامجه الإذاعي، ويغني كي يسلي المستمعين، وفي ساعات فراغه يعمل محاميا.
وكعادته في كل كتبه يترك صاحب "كرة القدم في الشمس والظل" مساحة للاحتفاء بالجمال، إلى جوار عملية النقد الجذرية التي يجريها. فيحتفي بموزارت، وأنطون تشيخوف، وكارل ماركس، وفيلم "ذهب مع الريح"، وفرقة الـ"بيتلز"، ومحمد البوعزيزي حيث يكتب: "النار الصغيرة التي لا تتجاوز طول قامة بائع جوّال، صارت خلال أيامٍ قليلة بحجم العالم العربي بأسره، المشتعل بأناس ملّوا من كونهم لا شيء".
تجتمع في شخص غاليانو ذاكرة الجنوب، لا أمريكا الجنوبية كونه احد ابنائها، الجنوب بالمعنى الذي يجسده كنقيض للشمال، المستعمر الغازي، وبهذا الانتماء المعلن إلى هذه البقعة من العالم، يتماهى مع المستضعفين والمغلوبين والمعذبين في الأرض، يستحضر ذاكرتهم، ويتبنى أحلامهم بالحياة، ورغباتهم في السلام، انتصارا للضمير وضدّ كل أشكال التعسف والهيمنة التي تدبرها قوى الاستعمار والامبريالية...
ان ما يفعله صاحب "أفواه الزمن" هو تشريح واقع مثقل بالظلمات والعار، وتعرية الغزاة والأباطرة والقوى المهيمنة على العالم .. و ما يمثله نص غاليانو ليس الا "هوية ثقافية" تتغذى من ثراء التجارب الأخرى، على خلاف جذري مع تصدير نمط واحد، وتحويل العالم إلى سوق، والبشر إلى مجرد مستهلكين فصيّاد الكلام هذا يدرك الغاية التي يمضي نحوها، فهو وان مات لم تمت أشياؤه، ترك بيننا ذاكرته حية طالما بقي الظلم والاستبداد في هذا العالم، سيظل الناس بحاجة لقراءة هذا النوع من الأدب الذي ينتصر لهم ويقف إلى جوارهم... فهو يريد للتاريخ أن يكون حرا يتنفس من خلال كلماته. يتحدث عن الأمم المستباحة والناس الضعفاء. لا يريده أن يكون مشوها كما يريدون له أن يكون. بل أن يكون حيا لأنه لا ينبغي أن يموت مخنوقا كالوردة في ماء المزهرية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و