الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام المشهدي

عبد اللطيف بن سالم

2016 / 6 / 15
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


الإعلام المشهدي

هل حتى الإعلام الورقي قد أصبح يعتمد على المشهد ويتخذ الصورة طريقا له إلى القارئ ؟ أليس هذا تلاعبا بالعقل البشري وهبوطا به إلى حاسة البصر وحدها المعروفة بكثرة الخدع وإيقاع العقل في الشٌبه ؟ أليس مثل هذا الإعلام يفتقد إلى الكثير من الحرارة البشرية ، حرارة الروح العميقة ؟ فكيف سيكون له بالتالي المطلوبُ من التأثير الإيجابي على الفرد أو على المجتمع ؟ إنه إذن بمثابة زبد البحر الذي يذهب جُفاء في لمح البصر ويترك البحر غائضا غامرا لكل أسراره ولكل ما يحتوي .
عندما كانت الكلمة تلقائية ،نظيفة ونقية سالمة من الزينة والبهرج كانت (مثلها مثل المرأة العادية الجميلة) تنفذُ إلى النفس بسهولة وتلتقي بالروح في أقرب وقت ممكن ، أما اليوم وبتأثير هذه التكنولوجيات المتطورة لم يعد للكلمة من الحرمة التي كانت لها في السابق ولم يعد لها من طريق إلى القارئ إلا عبر هذا المستنقع الذي تخرج منه هذه التكنولوجيات إلى كل بلد باسم المعاصرة دون وعي من الناس أو تدبٌر حتى أصبحت ثقافتنا مشوٌهة بأدران تلك المصانع ونفاياتها الملوثة للبيئة ، ومهمٌشة عن المقاصد والأهداف الرئيسية المطلوبة عادة من المجتمع حتى أن عقلياتنا – في الجملة – قد صارت مريضة ومشتتة في كل منهج ، ويبدو لي أن كثرة المشاهدة للصور سواء هي على الصحف الورقية أو على شاشة التلفاز متعبة للمدارك العقلية المختلفة وبالأخص منها ملكة التذكر إذ قد يكون للصٌور العديدة المشاهدة على الورق أو على شاشة التلفاز أو على شاشة الكومبيوتر فعل المخدر أو المشوش على هذه الملكة .
الإعلام المشهدي المعتمدُ على الصٌور (التوضيحية ) الساكنة منها أو المتحركة وعلى الألوان الزاهية كما هو الماكياج المبالغُ فيه والذي يكاد يغطي عنا وجه المرأة الحقيقي ، كما هو التمثيل في المسرح الذي يتعمٌد أحيانا مسخ الشخصية الحقيقية ليحقق أهدافا ثقافية معينة ، كلها تدفع بالمرء إلى الحصول على معرفة وهمية أكثر منها معرفة حقيقية بما يقع في العالم وهذا ما من شأنه أن يهمٌشه ويروغ به عن اتخاذ الموقف الصحيح اللازم والمناسب من نفسه ومن المجتمع الذي إليه ينتمي . ويتنزل كل هذا في إطار إرادة العولمة تحويل وجهة إنسان اليوم عن ضرورة التفكير في نفسه وعن ضرورة الوعي بواقعه كما ينبغي حتى يتسنى لها تسخيره دائما لتلبية حاجاتها المتزايدة مع مرور الزمن وتحقيق أهدافها الإستراتيجية العديدة .
لو نقوم بتجربة فنطالع كتابا بلا صور (إلا ما كان منها ضروريا ) ونطالع بعده كتابا في نفس الموضوع جلٌه صورُ ونرى بعد ذلك ما كان للكتابين في نفوسنا من الأثر ، سنتأكد وبدون أي شك من أن للكتاب الأول الأثر الأكبر لأن العقل في حاجة إلى أن يعوٌل على نفسه ويستعمل ملكة خياله ليحصُل على ما يحتاجه من الصٌور ويختزنها بسهولة في الذاكرة ويعمل بها لاحقا عند الحاجة ( كما يخبرنا بذلك علم النفس المعاصر ) أمٌا ما يُعرض عليه من الصٌور من الخارج ( والتي هي ليست من صنعه ) فإنه لا يُوليها نفس العناية ولا يتأثر بها كما ينبغي ولا تكون لها بالتالي الجدوى المطلوبة في التفاعل مع الواقع .

هذا النوع من الإعلام المعتمد على الصورة هو البعض من نتاج هذه الحضارة المعاصرة ، حضارة العولمة ، هذه التي لم نشارك فيها جميعا باختيارنا الشخصي أبدا بل هي داخلة علينا بقوة دونما استئذان غالبا ومهمٌتها الأساسية والأولية راهنا هي القضاءُ على كل خصوصية بفعل التهميش والشكلية في كل ثقافة محلية لتهيمن هي ببهرجها الثقافي على العالم كله ومن بهرجها هذا ( المختلفة أشكاله ) صناعةُ الصورة (في مختلف وسائل الإعلام والدعاية ) لتلهية الشعوب عن واقعها الحقيقي والرسمي المهدٌد اليوم بكل المخاطر وهي لا تدري .
ألم نعد اليوم نبحث عن التغذية البيولوجية السالمة من التحويل الجيني فلنبحث أيضا عن ثقافة نظيفة وسالمة من النوايا السيئة إذا بقي لنا منها شيء على هذه البسيطة ؟
لم يعد الناس اليوم في ما يبدو يطالعون الصحف والمجلات (الورقية أو الالكترونية ) إلا بواسطة المشاهدة أكثر منها بواسطة القراءة المركزة لأن القراءة المركزة هذه تتطلب مجهودا إضافيا لم يعد اليوم متوفرا لدى جميع الناس بالقدر الكافي إذ أن أغلبهم قد صار مصابا بالكسل الذهني منذ انتشار هذه الثقافة العالمية المبهرجة ، ثقافة العولمة . أمٌا الإعلام الموجٌه عادة إلى الداخل ، إلى المقاهي والمؤسسات والمنازل وغيرها من الأماكن الشبيهة والمعتمد عادة على الصوت أو على الصوت والصورة فإن ضرره قد صار أكثر من نفعه في أحيان كثيرة إذ يكاد يُحدث القطيعة بين الزوج والزوجة و بين الآباء والأبناء و حتى بين الإخوة بالخصوص منه تلك المسلسلات المتناسلة بعضها من بعض كخيوط العنكبوت الهزيلة المتداخلة في بعضها أحيانا ككبة منحلة ،هذه من الأرجنتين وهذه من المكسيك وتلك من تركيا وأخرى من الشرق العربي ولم نعد ندرك بسهولة ما هو الأنسب لنا في الجملة وإننا في خضم هذه العروض المتوافدة علينا من كل جهة نصاب أحيانا بالحيرة ونقع في كثير من وهم المعرفة و نكاد نفقد الوسيلة الفضلى للتواصل ولم نعد بالأحرى قادرين على استرجاع تلك العلاقات الحميمة التي كانت لنا في السابق وأُُصبنا في علاقاتنا بالبرودة حتى إذا ما مات منا واحد لم نعد نبالي بموته كما كنا نفعل في السابق فهل هذا هو ما نحتاجه من الثقافة المعاصرة أم أن هذه الدنيا اليوم تنحدر بنا في الهاوية من حيث ندري و من حيث لا ندري ؟...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف