الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل انتهى الإفلات من العقاب في جرائم التعذيب والجرائم ضد الإنسانية في إفريقيا؟

مرتضى العبيدي

2016 / 6 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


يمثل هذه الأيام أمام محاكم إفريقية مسؤولون سياسيون سابقون متهمون بارتكاب جرائم التعذيب والقتل الجماعي وجرائم ضد الإنسانية إبان تحمّلهم لمسؤوليات في أعلى هرم السلطة في بلدانهم، وهو أمر غير معتاد في البلدان الإفريقية رغم كثرة الجرائم وبشاعتها.

سيمون غباغبو أمام المحاكم الإيفوارية

ففي كوت ديفوار تمثل منذ الحادي والثلاثين من ماي الفارط "سيمون غباغبو" زوجة الرئيس الإيفواري السابق "لوران غباغبو" أمام محاكم العاصمة أبيدجان للإجابة على التهم الموجهة لها والمتعلقة بارتكابها لـ "جرائم ضد الإنسانية" و "جرائم ضدّ أسرى الحرب" و "جرائم ضدّ سكان مدنيين" بين سنتي 2010 و2011 أي أثناء الحرب الأهلية التي عرفتها كوت ديفوار إثر هزيمة "لوران غباغبو" في الانتخابات الرئاسية ورفضه ـ بمساندة فرنسا الديمقراطية جدّا – الاعتراف بنتائج الاقتراع والتخلي عن كرسي الرئاسة لخصمه "الحسن واتارا". وقد وجهت لها المحكمة تحديدا مشاركتها في "خلية الأزمة" التي شكلها زوجها وحزبه الحاكم من بعض وزرائه المقرّبين والتي تسببت في اندلاع حرب أهلية بين أنصار المرشحين للرئاسية ذهب ضحيتها آلاف المواطنين بين قتلى وجرى ومشرّدين. هذا وقد كانت "سيمون غباغبو" مثلت منذ سنتين أمام نفس المحاكم في قضايا مماثلة وصدر ضدّها حكما بعشرين سنة سجنا.
والمؤسف في الأمر أنّ هذه المحاكمة تدور في جوّ من اللامبلاة من قبل الشعب الإيفواري بل وحتى من الضحايا أنفسهم. فلا الصحافة تولي لها الأهمية التي تستحق ولا غيرها من المؤسسات، ويعود ذلك إلى عدم ثقة المواطنين بالجهاز القضائي الذي لم يتحسّن أداؤه حتى بعد وصول "الحسن واتارا" إلى أعلى هرم السلطة وهو الذي كان ينتقد أسلافه بخصوص هذه النقطة بالذات أي وضع أيديهم على الجهاز القضائي وتوظيفه لخدمة مصالحهم الحزبية والشخصية. فلم يبق سوى المنظمات الحقوقية التي تُتابع مثل هذه المحاكمة للتنديد بخرق الإجراءات التي ترافقها ومن بينها حرمانها من القيام بدورها كممثل للحق الشخصي لعديد الضحايا. فقد نددت كل من منظمة العفو الدولية والرابطة الدولية لحقوق الإنسان والرابطة الإيفوارية لحقوق الإنسان والحركة الإيفوارية لحقوق الإنسان بالخروقات التي تشهدها المحاكمة وبعدم تمكين محاميها من النفاذ إلى المعلومة والاطلاع على الملفات ومتابعة مختلف أطوار القضية. وهو ما من شأنه أن يُفرغ هذه المحاكمات من مغزاها الحقيقي وهو بالأساس توجيه رسائل في اتجاهات متعددة، الأولى منها إلى الطغاة من الحكام الحاليين تذكّرهم بأنّ الجرائم التي هم بصدد ارتكابها في حق شعوبهم لن تسقط بالتقادم، والثانية إلى الشعوب المقموعة والمضطهدة لتحفيزهم على عدم الاستسلام والتمسك بحقهم في تتبع الجناة مهما طال الزمان.

حسين حبري أمام المحاكم الإفريقية

وفي نفس الوقت أي في الثلاثين من شهر ماي الماضي، أصدرت المحكمة الإفريقية الاستثنائية ـ وهو جهاز قضائي استثنائي تشكّل تحت أنظار منظمة الوحدة الإفريقية ـ حكما بالسجن مدى الحياة في حقّ حسين حبري، ديكتاتور تشاد السابق الذي حكم البلاد بالحديد والنار بين سنتي 1982 و 1990. وكانت المحاكم المحلية بتشاد أصدرت ضدّه في وقت سابق حكما بالإعدام إلا أنّه تمكّن من الفرار نحو السينيغال حيث وجد الحماية والرعاية. إلا أن ضغوطات دولية فرضت على السينغال إمّا إبعاده نحو بلجيكا لمحاكمته من قبل القضاء الدولي أو القبول بمحاكمته على أرضها من قبل "المحكمة الإفريقية الاستثنائية"، وهو ما تمّ مؤخرا. وقد اعتبرت المحكمة أن التهم الموجهة إليه وهي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية هي ثابتة عليه. وهي المرّة الأولى التي يُحاكم فيه رئيس إفريقي سابق في بلد غير بلده في قضايا تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان إبّان حكمه. كما وُجهت له تهمة اغتصاب عديد النساء بعدما اقتنعت المحكمة بشهادة مواطنته خديجة حسن زيدان التي صرحت أمام المحكمة أنها تعرضت إلى الاغتصاب من قبله لمرات عديدة. وقد مثلت مثابرة الضحايا وعدم استسلامهم وتمسّكهم بحقهم في التتبع العنصر الحاسم في تقديم حسين حبري إلى المحاكمة، 22 سنة بعد خروجه من الحكم وبعد فراره إلى السينيغال وحصوله فيه على حق اللجوء السياسي.
ومعلوم أن نظام حسين حبري كان من أكثر الأنظمة قمعا ودموية، إذ أثبتت لجنة التحقيق حول الجرائم المرتكبة في عهده من قبل البوليس السياسي المنتظم في جهاز يُدعى "إدارة التوثيق والسلامة" ـ والتي تفيد كل الشهادات أنّه كان يديرها بنفسه ويساهم شخصيا في كل ما تقوم به من تجاوزات كالتعذيب حتى القتل والاغتصاب ـ أن عدد الضحايا قد بلغ 40 ألف قتيل وأكثر من 200 ألف تعرضوا إلى التعذيب. وقد شهدت الدورة الأخيرة لمهرجان "كان" السينمائي بفرنسا تقديم شريط وثائقي بعنوان "حسين حبري، المأساة التشادية"، أعطيت فيه الكلمة للعديد من ضحاياه. ولم يكن تتبعه ممكنا لولا إصرار ما يزيد عن أربعة آلاف من ضحاياه على ذلك ممّن لم يستسلموا بل طرقوا جميع الأبواب الممكنة بما فيها باب القضاء الدولي الذي فرض على السينغال هذا الإجراء. وعلى إثر هذه المحاكمة أصدرت الرابطة الدولية لحقوق الإنسان بيانا حيّت فيه الأحياء من الضحايا الذين لولا إصرارهم لما أمكن محاكمة الطاغية، كما نوهت بالدول الإفريقية التي قبلت بالانتماء إلى هذه المحكمة الاستثنائية، وأبرزت أن المغزى العميق من هذه المحاكمة هو التأكيد بأن لا أحد بعد اليوم في إفريقيا قادر من الإفلات من العقاب مهما علا شأنه. وأن الأنظمة التي تحاول حماية المجرمين ستواجه إصرار الضحايا والمواطنين عموما والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية.
وخلاصة القول أن إنشاء المؤسسات الدستورية وحدها لا يكفي، إذ أن الفساد المستشري في جميع أجهزة الدولة بما فيها الجهاز القضائي قادر على إبطال مفعول التحولات الديمقراطية في البلدان التي عانت طويلا من الأنظمة الديكتاتورية، فوصول "الحسن واتارا" إلى أعلى هرم السلطة في كوت ديفوار لم يحسّن من أداء الجهاز القضائي ولم يصالح بينه وبين الشعب الإيفواري، وهو ما ترجمته لامبلاة المواطن الإيفواري إزاء محاكمة "سيمون غباغبو". كما أن رئاسة المحامي "عبدولاي واد" للسينيغال لم تحسّن الأوضاع القضائية في بلاده بل إنّه عمل بكل ما أوتي من نفوذ لحماية ديكتاتور تشاد حسين حبري، بمنحه اللجوء السياسي وعدم تنفيذ الأحكام الصادرة ضدّه حتى من قبل المحاكم السينيغالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل دعا نتنياهو إلى إعادة استيطان غزة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تكثف الضغط على الجبهات الأوكرانية | #غرفة_الأخبار




.. إيران تهدد.. سنمحو إسرائيل إذا هاجمت أراضينا | #غرفة_الأخبار


.. 200 يوم من الحرب.. حربٌ استغلَّها الاحتلالِ للتصعيدِ بالضفةِ




.. الرئيس أردوغان يشارك في تشييع زعيم طائفة إسماعيل آغا بإسطنبو