الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البدء كان انفجارا

عبد اللطيف بن سالم

2016 / 6 / 17
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


الانفجار
20 février 2011, 14:19

البدء كان انفجارا ...


عبد الطيف بن سالم


البدء كان انفجارا وكان منه العالم كما يقول علماء الفلك ,كان ذلك نتيجة لانضغاط في الطاقة كما يقولون لكن لابد من وجود مادة تحمل طاقة فمن أين جاءت تلك المادة ولماذا وقع ذ لك الانضغاط في هذه الطاقة ؟ أم هل ستبقى هذه الأسئلة مطروحة إلى الأبد؟ أما الذي وقع في تونس والذي لا يزال يقع في غيرها من البلدان العربية فقد كان بالفعل انفجارا لانضغاط في الطاقة نتيجة حتمية للضغوطات النفسية والاجتماعية الكبيرة المعيشة في اليومي التونسي واليومي ا لعربي ولم يكن ما حدث ثورة بالمعنى الصحيح للكلمة لأن الثورة في العادة تقوم على نظرية ثورية وبرنامج للمستقبل .


لكن أليست روح اليومي هي من روحنا فلماذا تُرى لا نرتاح لها ولا نقتنع بها وأحيانا نتنكر لها أو نناصبها العداء ؟ لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال إلا متى اتفقنا على ما يعنيه هذا " اليومي "عندنا . فما هو اليومي ؟ أليس هو هذا المألوف من العادات و التقاليد و الأعراف الجارية و السائد في المحيط من النظم الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و ما ينتج عنها كلها من فكر و ثقافة و علم و تكنولوجيا نحن صنعناها لنا بأنفسنا ؟ فلماذا لا نشعر بأننا مرتاحين لها ؟ لأن المجتمع – في ما يبدو – مختلف عن الطبيعة التي قال عنها أرسطو بأنها تأنف الفراغ ، إنه بالعكس منها يأنف الامتلاء لأن الامتلاء يعيقه عن الحركة و يسد في وجهه الطريق إلى غايته ، إنه يحتاج إلى فضاآت يتحرك فيها و يعمل و ينشط فيها و يتجدد و إلا فما الذي يميزه عن الطبيعة الجامدة أو السا كنة التي لا تتحرك إلا بمحرك من خارجها ؟ إن الطبيعة و إن تحركت فبدون إرادتها تتحرك و بالتالي فلا يُنسب لها ذاك التحرك ، إن حركتها أو توما تيكية آلية أما المجتمع فإنه يريد ما يفعله و يستشرف آفاقه و يقيمه و إن في تحركه هذا حياته كلها و إلا فإنما الموت هو مآله . و لهذا السبب فإن " اليومي " بما هو معهود و سائد و متكرر يصير متناقضا إذن مع ما يتطلبه المجتمع من حركية متجددة . أما إذا صار هذا اليومي بحكم ثباته و تكراريته متحكما في عادات الناس و سلوكا تهم فذلك هو الأمر الخطر إذ العادات – مع الأيام – تصير طبيعة ثانية أو هي شبيهة بها و عندئذ يصعب التحرر منها أو تغييرها حتى و إن كانت غير صالحة لنا . و بالتالي يصير المجتمع كالطبيعة متحركا بدون إرادته أي مسلوب الإرادة متشيئا و مغتربا .


و هذا ما يجعلنا نفهم لماذا أننا نتنكر لروح" اليومي " رغم أنها – في الأصل – من روحنا لأنها تكتسب – مع الأيام – سلطة تمارسها علينا و تحرمنا بها من أعز ما نملك في حياتنا ,إكسير ذواتنا و ينبوع تقدمنا " حريتنا " التي تتكون بها شخصيتنا و إذا ما فقد المرء ما به تنمو شخصيته فقد نفسه و ثقافته و اجتماعيته التي بها – عادة – يتميز و يتحدد و سقط بالتالي في الدهماء التي هي عن الحيوان لا تختلف وٌتساق في أي طريق – سوق البعير – و لا ُتمانع ...


لهذا السبب الرئيسي ولغيره من الأسباب السياسية والاجتماعية المعروفة والعالقة به قام الشعب التونسي بانتفاضته العارمة على الطاغية واهتدى بحسه الثاقب وبتلقائيته وبروحه الاستشرافية إلى ضرورة فك الحصار على نفسه وحل ذاك الامتلاء الذي كان منغلقا به وحبذا لوكان امتلاء ا بالخير والسعادة لكل التونسيين لكنه كان امتلاء بالزيف والمغالطات والكذب ,امتلاء بالخداع والنفاق والجريمة المنظمة والرغبة في الاستيلاء على أموال التونسيين وممتلكاتهم في كل موقع ,يقول بعض التونسيين : نحن نرحب بالامتلاء حتى لا نختلف مع طبيعة الأشياء لكننا نريده امتلاء كما نشاء وكما يحلو لنا ويناسبنا, امتلاء بخصوصياتنا المتميزة التي تمثل هويتنا هذه التي لا نريد التفريط فيها أبدا لأي أحد مهما كان طاغية متجبرا ولا لأية جهة مهما كانت قوية ومهما كانت نواياها سيئة أو حسنة, هويتنا هذه هي كرامتنا وحريتنا وصدقنا مع أنفسنا وصدقنا مع غيرنا واحترامنا للآخر مهما كان مخالفا لنا وطالما هو بالمثل يحترمنا ويقدرنا, هكذا هو سلوكنا المفضل عندنا في هذه الآونة من تاريخنا لكن الفئة الضالة التي كنا منحناها بالأمس ثقتنا لتحكم فينا وتسير أمرنا ,قد استغلت طيبتنا وكرم أصلنا وتسامحنا لمصلحتها فقط دونما اعتبار لنا وما كانت تدري بأن الشعوب أيضا تُمهل ولا تُهمل وإرادتها من إرادة الله جل وعلا وأنه إذا كان للباطل جولة فللحق جولات وجولات : يقول الشاعر أبو البقاء الرندي :


هي الدنيا كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان


وهذه الدار لا تبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شان


فجائع الدهر أنواع منوعة وللزمان مسرات وأحزان



كنت قي ذلك اليوم الرابع عشر من جانفي – يناير – من هذه السنة الجديدة 2011 واقفا على شاطئ البحر بمدينة سوسة أتأمل الأفق البعيد وكأنه يشعرني بشيء ما ,كان الوقت مساء وكان هناك قي السماء احمرار يتلوه احمرار, شفق ممتد يكاد يغطي المدينة بأكملها , إنه لمنظر عجيب , سُحب حمراء تغطي السماء , حتى رمال الشاطئ من حولي وماء البحر أمامي يعكس كل منهما هذا الاحمرار وبعد برهة من الزمن أخذت الشمس تغيب ويغيب معها ذلك الشفق العجيب وينتشر الظلام خفيفا ,خفيفا ,شفافا كنفوس التونسيين الأبرياء وهم يستقبلون هذا الليل الأخير من العناء الذي ستنتهي الأرض فيه من دورتها ويطلع نهارٌ أفضل مما كان , وبالفعل لقد أكملت الأرض أخيرا دورتها وطلع النهار .


نعم لقد كان النظام السابق قيد ا في أعناقنا ,شرطيا أمامنا وشرطيا من خلفنا كي يتسنى له أن يبتزنا ويسرق أموالنا وممتلكاتنا ويستهين بنا كما يشاء ,ومع الأيام على هذه الحالة صرنا نعيش برقابة ذاتية في داخلنا, صارت فينا مع الزمن كما لو كانت ألغاما مزروعة في أبداننا يعيش بها كل واحد منا دون رضا وهو ينتظر اليوم الذي سيتمكن فيه من التخلص منها وإلا فإنه سينفجر بها لامحالة حتى كانت الشرارة الأولى وحرق البوعزيزي نفسه فاحترقت المنطقة بكاملها ...


و للإشارة فإن (اليومي) هذا كما يتناوله البعض في الفلسفة ليس هو هذا " الموضوع في ذاته " الذي نتناوله من حيث كيفية تعريفه و من حيث طريقة بحثنا فيه و من حيث تبيان مدى حاجتنا إليه و وضع المفهوم في موضعه إلى غير ذلك من الحيثيات التي قد تحيط به ، بل إن "اليومي " المطلوب التفكير فيه أساسا هو هذه الأحداث التي تقع في العالم لأنها هي في ذاتها "اليوميٌ المعيش " الذي يجب أن يستقطب اهتمامنا و يدعونا إلى التفكير فيه لما له من تأثير مباشر في حياتنا – إيجابا أو سلبا – و لما يطرحه على الفكر من قضايا ملحة راهنة ذات علاقة هامة بحاضر الإنسان و مستقبله في كل مكان من هذا العالم ، العالم الأرضي ، كقضية الشرق الأوسط ، و قضية غزو أمريكا للعراق و أفغانستان و تهديداتها المتكررة لإيران ، و قضية الانتشار المتزايد للأسلحة النووية في العالم وقضية العولمة و إرادة الهيمنة ، و الأغنياء الذين يزدادون غنى على حساب الفقراء الذين يزدادون فقرا وتعاسة ( كما كان يقع في تونس وفي غيرها من البلدان العربية )، وقضية تلوث المحيط بالغازات السامة و غيرها من النفايات الصناعية الضارة التي صارت تهدد الأرض بكاملها بالخراب و الدمار الشامل, هذا بالإضافة إلى استفحال نزعة الشر في الكثير من شعوب العالم في مقابل رغبة الإنسانيين والحقوقيين الملحة في استتباب الأمن فيه و انتشار روح المحبة و التآخي بين البشر, وليس ما حدث في تونس ومصر أخيرا إلا تعبيرا عن استنكار الناس لما يحدث في العالم من مظالم ووقوفا في وجه طغاة العالم الذين نصبتهم الامبريالية-العولمة ورعتهم لخدمة مصالحها فيه وإنه لبهذا النوع من التفكير في اليومي المباشر أو غير المباشر لا يكون المرء خارج الدوائر أو منفعلا فقط ومنغلقا على نفسه كما يريدونه بل يصير مشاركا في الفعل و ربما أيضا فعالا فيه أو لنقل بلغة العصر : " متبادلا الكرة مع الآخرين في هذا الملعب الكبير و ليس فقط جالسا على البنك أو مُهمٌشا طول حياته " .


لكن المتطارحين لموضوع " اليومي " هذا في الفلسفة قد يهتمون في العادة بما يشغل الإنسان مباشرة في يومه وما يعتريه فيه من البداهات الزائفة وما يتحكم فيه أحيانا من المغالطات أكثر من اهتمامهم بالكشف عن أسباب الزيف أو المغالطة لأنه كما ورد في مقدمة لهم لموضوع "مقتضيات التفكير " في كتاب الفلسفة :(إن الإنسان الذي وعى بما ُيمارس عليه و ما يمارسه من مغالطات لا يمكنه إلا أن يُدرك أنه لا يتحرر حقا من أشكال الاستعباد المحايثة له و المحيطة به إلا إذا فكر بنفسه و عمل بمعية الآخرين على تشييد استقلاليته) و عندها قد يستطيع أن يُدرك الأسباب حتى و إن كانت كثيرة و يشارك بنفسه في صنع هذا اليومي كما يجب أن يكون وهذا ما يقع الآن بالفعل في تونس وفي بقية العالم العربي وإن كان بكثير من الاضطراب والحيرة وذلك شأن كل من كان في حالة انتقال للديمقراطية .


و من " اليومي " أيضا:


_ هذه الميزانيات الضخمة المهدورة في السباق نحو التسلح و شن الحروب ظلما وعدوانا على البشر في حين يموت الملايين في العالم جوعا و عطشا و يموت الملايين في العالم جهلا و غباء لعدم حصولهم على تربية صحية سليمة ولعدم تمكنهم من حقهم في التعلم والأخذ بأسباب الحياة المعاصرة .


_ و من اليومي أيضا ظاهرة البطالة التي لا تزال تتضاعف نسبُها يوما بعد يوم في كل بلد و في كل أرجاء العالم بسبب غزو الآلة لجميع مجالات نشاطاتنا و عجز أغلب الأنظمة عن معالجتها ....


_ ومن اليومي أيضا موقع " الإنسان "المعاصر في خضم هذه الإشكاليات العديدة وما تكتنفه من ضغوطات سياسية و اقتصادية و نفسية إذا لم نجد لها الحلول العاجلة المناسبة قد تكون قريبا سببا لفنائه و انقراضه ، لأن الانضغاط في الطاقة يولد الانفجار ،ألم نر بعد أن الانفجارات قد بدأت ؟... ألم يكن الانفجار الأول في الدنيا نتيجة لانضغاط الطاقة في هذا الوجود فلعل الانضغاط الذي يعانيه إنسان اليوم شبيه به و إلا فكيف يُلقي إنسان بنفسه إلى التهلكة بالحزام الناسف وهو يرى و يسمع و يعي ما يفعل ما لم يكن خاضعا لضغط شديد في طاقته بفعل ما يتعرّض له من المظالم؟ وكيف تُعرٌض شعوب كاملة نفسها إلى طلق الرصاص وهي تدري وتعلم مثلما يقع الآن في العالم العربي ؟


- إن اليومي الرتيب هذا أو (الروتيني )الذي يتكرر معنا في كل حين من مأكل و ملبس و غدو و رواح و أعمال منوعة، ليس هو اليومي الذي نحتاج إلى التفكير فيه ضرورة بقدر ما هو ذلك الذي يكون خلفه من العوامل المساعدة على أن يكون هذا اليومي – ذاته – مقبولا و مناسبا للعيش فيه أو يكون بالعكس من ذلك منكورا و مرفوضا و ربما حتى مزعجا و محبطا للعزائم لمواصلة العيش فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا