الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد نقض في دعوى إثبات النسب

الحايل عبد الفتاح

2016 / 6 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقد النقض في دعوى إثبات النسب
لقد سبق لنا وأكدنا في مقال سابق أن العلوم التجريبة أصبحت تطعم العلوم الإنسانية. وأن العلوم القانونية ( التي هي من العلوم الإنسانية) أصبحت قابلة للتجربة والتحليل العلمي المفضي إلى نتائج لا يمكن أن يحوم حولها الشك. وفي نفس المقال أدرجنا عدة أمثلة تبين التأثير الواضح للعلوم التجريبية على العلوم الإنسانية ومن ضمنها القضاء...
وما كان لنا أن نستهل هذا المقال القانوني النقدي بهذه المقدمة لولا قراءتنا لأحد اجتهادات المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا). فعلا، فالقرار عدد 485 الصادر بتاريخ 21 دجنبر 2010 في الملف الشرعي عدد 680 / 2 / 1 / 2009 ( مجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 73 الفحة 157 ) في موضوع النسب يرجع بنا إلى مدى فاعلية فقه إسلامي تقليدي متجاوز وغير صالح لزماننا. كما أنه اجتهاد قضائي لا يقيم وزنا للعلوم التجريبية ولا يعترف للعلم الحالي بقيمته الثبوتية القطعية في مجال القانون والقضاء.
وتتلخص وقائع نازلة الحال في كون السيدة الغالية م. كانت مخطوبة للسيد أحمد. وأن علاقتها به نتج عنها حمل وازدياد طفل ( حسام) حسب ادعاء السيدة الغالية. فتقدمت لدى المحكمة الإبتدائية بطلب يرمي إلى النفقة. لكن السيد أحمد، الذي أكد واقعة الخطبة، أنكر أن يكون الطفل المزداد من صلبه. فقضت محكمة الدرجة الأولى بنسب الطفل لأبيه أحمد مع فرض النفقة. فاستأنف الطرفان مع إضافة السيدة الغالية بأن علاقتها بالرجل المعني " كانت مبنية على الخطبة تماشيا مع العرف والعادة. ونظرا لظروف هذا الأخير الإجتماعية لم تتمكن من إنجاز عقد الزواج، والتمست إجراء خبرة جينة لإثبات النسب طبقا للمادة 156 من مدونة الأسرة".
فأصدرت المحكمة ( محكمة الإستئناف) قرارا تمهيديا أمرت فيه بإجراء خبرة على الحمض النووي للطفل ( حسام) بواسطة المختبر الوطني للشرطة العلمية الذي أفاد في تقريره بأن السيد أحمد رفض المثول أمام الخبير لإجراء الخبرة المأمور بها..." فأصدرت محكمة الإستئناف قراررها القاضي بتأييد الحكم الإبتدائي في موضوع ثبوت نسب الطفل إلى والده أحمد مع تعديل في مبالغ النفقة.
هذا القرار الإستئنافي كان موضوع طعن بالنقض من طرف السيد أحمد مدعيا بأنه " كان يجب على المحكمة قبل الإلتجاء إلى الخبرة الجينة أن تتحقق من شروط انطباق المادتين 84 و 85 من مدونة الأحوال الشخصية الملغات والمادة 154 من مدونة الأسرة، وذلك لأن النسب يثبت بالفراش إذا ازداد الولد لأكثر من ستة أشهر من تاريخ العقد أو لأقل من سنة من تاريخ الطلاق، وأن كلا الحالتين لا تنطبقان على الواقعة لأن الولد حسام ازداد قبل العقد بأكثر من سن، وأن اعتماد المحكمة على الخطبة التي استمرت فترة أقل من 15 يوما على إبرام العقد غير سليم لأن هذه المدة غير كافية للقول بلحوق النسب طبقا للمادة 154 المذكورة، ونفس الشيء ينطبق على الشهادة الصادرة عن مؤسسة المناهل التي اعتمدتها المحكمة دون أن ترد على هده الدفوع فجاء قرارها غير سليم".
فصرح المجلس الأعلى بأنه " لئن كانت الخطبة من أسباب لحوق النسب للشبهة فإنه يجب أن تتحقق فيها الشروط المنصوص عليها بالمادة 156 من مدونة الأسرة." وأضاف قرار المجلس الأعلى بأن " المحكمة لما اعتبرت الخطبة ثابتة وصرحت تبعا لذلك بلحوق نسب الولد حسام المزداد قبل إبرام عقد الزواج بدون أن تتحقق من توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 156 ومنها أن الحمل حصل أثناء الخطبة وفق ما تقتضيه المادة المذكورة تكون قد أساءت تطبيق هذه المادة وعرضت قرارها للنقض".
ومن تم قرر المجلس الأعلى نقض القرار الإستئنافي.
والجدير بالذكر أن هذه النازلة ، (بطبيعة الحال، ليست هي النازلة الوحيدة في بطولة طول التقاضي)، دامت في مراحلها الإبتدائية والإستئنافية والنقضية طيلة 5 سنوات. يا له من قضاء. سنوات وشخصين يتقاضيان لينتهي الخلاف بينهما بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في بداية النزاع.
أعتقد أن هذا القرار منعدم الأساس القانوني والأساس الواقعي لعدة أسباب نذكر منها ما يلي :
هل الفقهاء الذين أفتوا بمقولة " الولد للفراش..." " أو مقولة " النسب يثبت بالفراش" وما تلاها من شروحات ومن تطبيقات قضائية متجاوزون زمنيا واجتماعيا وفكريا تصوريا ؟
الجواب هو أن هذه القاعدة الفقهية ليست مطلقة ولا مقيدة بل هي وسيلة من وسائل الإثبات ولا يمكن أن ترقى لمستوى القاعدة في زماننا هذا. وهي فوق ذلك لم تعد صالحة للإستعمال من قبل قضاتنا.
والسبب في هذا التأكيد هو أن الولد قد يكون للفراش وقد لا يكون للفراش، والنسب قد يثبت بالفراش وقد لا يثبت بالفراش.
فالفقهاء الذين أفتوا في أزمة غابرة وقديمة ورثة كانت لهم في غالب الأحيان، بحسب رأينا، تصوراتهم المحدودة للظروف الإجتماعية والفكرية التصورية التي عاشوها وعايشوها. أنهم كانوا يجهلون ما آلت له العلاقات بين الناس في زماننا هذا. فهم كانوا يجهلون بأن شباب القرن 21 الحالي (والزمان الذي نعيش فيه) لهم علاقات مغايرة لشبان وأزواج عصرهم هم. فالشباب الحالي تحرر من قيود اجتماعية ودينية كثيرة أكل الدهر عليها وشرب. فالشبان الحاليون أصبحوا يبرمون علاقات صداقة ومعاشرة حميمية ( وزد على ذلك ما شئت من التصورات) بشهور أو حتى بسنوات قبل إبرام عقد الزواج...وقد تفضي هذه العلاقة بين الشاب والشابة إلى إبرام عقد زواج أو قد تنتهي العلاقة بينهم بدون زواج مع وجود مسيس بل يكون هناك إيلاج مفض لحمل بدون إبرام عقد زواج...وهذا ما لم يكن يتصوره فقهاء الأزمة الغابرة...لأن المسيس والإيلاج حسبهم لا يكون (كقاعدة) إلا بعد إبرام عقد الزواج...ومن تم فهم أفتوا بأن " الولد للفراش"...وأن مؤسسة الزواج تطورت إلى درجة أن عقد الزواج المكتوب لم يعد شرطا للزواج الصحيح. وكمثال على ذلك وجود شبان مغاربة أقحاح يعيشون كأزواج داخل ما يعرف ب مؤسسة "العشرة" سواء بالمغرب أو خارجه في الدول الغربية...
النتيجة الحتمية لقاعدة "الولد للفراش" أو " النسب يثبت بالفراش" ليست سوى تخمينا بسيطا لإثبات النسب قابلا للضحض بطرق متعددة ومختلفة وبوسائل علمية يثاق بنتائجها الحاسمة. وهي قاعدة لم تعد تفيذ في إثبات النسب سواء من الناحية الواقعية أو المنطقية أو العلمية...
فحين اقتنع المجلس الأعلى بصحة ما دفع به الطالب السيد أحمد بقوله " النسب يثبت بالفراش إذا ازداد الولد لأكثر من ستة أشهر من تاريخ العقد أو لأقل من سنة من تاريخ الطلاق، وكلا الحالتين لا تنطبقان على الواقعة لأن الولد حسام ازداد قبل العقد بأكثر من سنة..."، فالمجلس الأعلى لم يوسع فكره التصوري بل طبق قاعدة فقهية حيص بايص متجاوزة...لماذا ؟
وحتى مع أخدنا بما يفيد أن " النسب يثبت بالفراش إذا ازداد الولد لأكثر من ستة أشهر من تاريخ العقد أو لأقل من سنة من تاريخ الطلاق" من يمكنه أن يجزم أن السيد أحمد لم تكن له علاقة جنسية بالسيدة الغالية قبل عقد الزواج بسنة أو عدة سنوات ؟
المجلس الأعلى أبان عن ضعف تصوره ولم يربط الحق بالنصوص الواردة في مدونة الأسرة...
والطامة الكبرى هي أن السيدة الغالية تقدمت بطلب يرمي إلى إجراء خبرة جينة لإثبات النسب واستجابت لها محكمة الدرجة الثانية لكن السيد أحمد رفض الخضوع لها. ألم تكن المحكمة في غنا عن كل هذه التعقيدات الفقهية الملتوية والبائدة وذلك بترتيب نتائج رفض الخضوع لخبرة جينة أو خبرة على الحمض النووي ؟
فلو خضع السيد أحمد لقرار الخبرة لقضي الأمر وحل المشكل نهائيا وكفى المتقاضيين تعقيدات مسطرية طويلة عريضة ومكلفة وغير مجدية. فالسيد أحمد برفضه الخضوع للخبرة الطبية الجينية أبان عن سوء نيته وأبان عن صدق ما ادعته السيدة الغالية من نسب لابنها.
لا ندري لماذا رفض السيد أحمد الخضوع للخبرة ؟ ولا ندري لماذا لم يثر المجلس الأعلى هذه النقطة الحاسمة في نازلة الحال ؟
وكأن المجلس الأعلى في هذه النازلة غض النظر والفهم عما هو علمي ورجح ما هو فقهي ماضوي خزعبلي. أبان عن عدم فهمه في هذه النازلة للهدف الذي من أجله يلتجئ الناس للقضاء. فهو بقراره هذا عبر أيضا عن رفضه للعلم وكرس عدم رغبة في دعوة الناس للإيمان بالعلم كقياس ومعيار جيدي يقاس به ويعير به الحق ويلف ضبه النكران والظلم. إنه قرار يبين مدى تشبث القضاء المغربي بالنص الظاهر المغلوط والمغلط.
وفي اعتقادنا فإن دعاوى إثبات النسب أصبحت عامة من المسائل التي يسهل حلها بطريقة الحمض النووي. والقضاء في نوازلها أصبح لا يحتاج للتفكير العميق والتطويل العقيم بل الأخذ بالخبرة الطبية الجينة، التي يشرف عليها السلطات العمومية، أصبح هو الحل الحاسم والقطعي.
فيا حبذا لو أن القضاء المغربي العربي والإسلامي وعي وفهم الحيز الفسيح والشاسع الواسع من السلطة التقديرية ومن الإستقلال الذاتي الذي يتوفر عليه في شتى المجالات القضائية. ويا حبذا لو أبان قضائنا المحترم عن إيمانه بأن القضاء أصبح يستمد أحكامه وقراراته من قياسات ووسائل العلم التجريبي الحقيقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد


.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو




.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي