الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القامشلي تحيي السيفو و تحمي بطريركها

عادل أسعد

2016 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


بالرغم من أن عيد العنصرة عند الطوائف المسيحية لم يعد يملك ذات الصيت و لا حجم الاحتفالات التي لعيدي الميلاد و الفصح إلا أن ذلك لا ينفي حجم القيمة اللاهوتية التي يتمتع بها ولا يقتص من أهميته في المفهوم الديني المسيحي . فعيد العنصرة هو الاحتفال بمناسبة حلول روح الرجاء و مصدر العزاء على البشرية و ذلك بعدما حل في البداية على رسل و تلاميذ المسيح و مريم العذراء بعد خمسين يوماً على الفصح الذي أصبح عيد القيامة عند المسيحيين .
و بحلول المعزي (الروح القدس) يمتلك الانسان الحكمة و القوة المناسبة لمجابهة الخوف و الشر بتجلياته المتنوعة بدءً من السلوك الفردي الشرير حتى مواجهة الدولة الشريرة كما حصل عندما واجه المسيحيون الأوائل الامبراطورية الرومانية التي كانت تمجد العنف و الدماء فجعلت من مسارحها و مدرجاتها منابراً للقتل و التنكيل لتسقط وثنيتها الدموية صريعة تحت ضربات الصلوات و التضرع إلى الخالق . كما و يستمد الفرد من (الحلول) الكثير من المواهب الروحية السامية ، منها قوة الصبر الايجابي التي تأتي من الرجاء الذي يعني الثقة برحمة الخالق و الايمان بالأفضل الذي سوف يأتي . و بكلمات اخرى فان الاحتفال بعيد العنصرة هو احتفال بحلول السلام على الخليقة و برحمة الله و ببركاته .
يتفرد الشعب السورياني السوري في منطقة الجزيرة السورية بطقس خاص في الاحتفال بالعنصرة و هو تبادل رش الماء في البيوت و الشوارع كرمز للولادة الجديدة النقية من الماء الذي جُعل منه كل شيء حي . وفي هذا اليوم المميز اختارت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية أن تفتتح في مدينة القامشلي النصب التذكاري الذي طال انتظاره لضحايا السيفو أو مايعرف بالفرمان التركي أو الابادة العثمانية بحق الشعوب الأرمنية و السريانية و الرومية الأرثوذكسية منذ مائة عام و عام مضوا . تلك الابادة التي راح ضحيتها ما يقارب الثلاثة ملايين مدني في ضربة واحدة أبادت تقريبا كامل الوجود التاريخي لهذه الشعوب في تركيا .
ضرب الارهاب مجدداً حي الوسطى في القامشلي ذو الغالبية السوريانية ، و لكننا نرى في سلسلة التفجيرات التي بدأت باستهداف الحي منذ نهاية العام القادم أن العملية الأخيرة لها ما يميزها عن الأخريات ، فهي قد تمت بانتحاري يحمل حزاماً ناسفاً و ليس عن طريق عبوة مزروعة . يضاف عليها أن الهدف هذه المرة ليس عشوائياً بل المقصود هو رأس الكنيسة السريانية البطريرك مار أفرام كريم الثاني مع لفيف من المطارنة و رجال الدين السريان . و قد جاء التوقيت في يوم افتتاح نصب ضحايا السيفو و هي مناسبة لها رمزية سياسية و اجتماعية قوية حيث يكثر الازدحام و تزداد امكانية اسقاط عدد كبير من الضحايا . و هذا ما كان سيقع لولا العناية الالهية و يقظة عناصر الحماية (السوتورو) الذين اشتبهوا في الفاعل فحالوا دونه و دون الحشد ليفجر الفتى الانتحاري ذو السادسة عشر ربيعاً في النهاية نفسه في الدورية موقعاً عدداً من الشهداء و الجرحى .
فيما يخص بالجهة الفاعلة أعتقد أن غالبيتنا باتت متأكدة من هويتها و خاصة بعد ارسالها لانتحاري في العملية الأخيرة . فداعش التي جعلت من مدينة الرقة عاصمة لها تتمتع بوجود قوي في مجمل الجزيرة السورية و مابعد الجزيرة وصولاً إلى مسرح تدمرقبل تحريره . و بالرغم من تجنب الاعلام و الاعلام المضاد التطرق إلى البيئة الحاضنة التي تنمو فيها فلا يخفى على أحد أن قسماً كبيراً من العشائر العربية هي من شكلت العامود الفقري للبيئة الحاضنة التي بنت داعش عليها دولة الشر الخاصة بها .
أما فيما يخص السبب من استهداف بطريرك السريان بالذات و من زيادة تركيز العمليات على رعيته في القامشلي فهذا أمر ليس من السهولة الجزم فيه بسبب فوضى الحرب في سوريا . لكننا نستطيع الاعتماد على بعض الحقائق التي تنير رؤيتنا لمعرفة لماذا يجتهد الشر في اقناع شاب مراهق أن يفجر نفسه في حشد من المدنيين و رجال الدين المسالمين .. الحقائق تقول أن تفجيرات القامشلي لم تبدأ إلا بعدما قام الجيش السوري و القوات الحليفة له و بمساعدة الطيران الروسي باجتياح مناطق واسعة كانت تسيطر عليها قوات المعارضة بتشكيلاتها المختلفة . تقول الحقائق أيضاً أن بطريرك السريان الأرثوذكس قد استهدف اعلامياً من قبل المعارضة السورية بسبب زياراته إلى بلدات سورية كانت محاصرة من قبل داعش و النصرة و قيامه بالتضرع و الصلاة في كنائسها لأجل السلام لشعبه ولكل السوريين . و مثال على ذلك مقال المعارض باسل العودات و الذي نشر في موقع العرب و موقع كلنا لأجل سوريا ، و كذلك الحملة الاعلامية الضخمة على وسائل الاتصال الاجتماعي التي روجت لأكاذيب و تلفيقات عن نشاطات البطريرك الانسانية و الاجتماعية و التي وقع في فخها الكثيرون و منهم أنا عندما واجهت في مقال سابق لي اعلام المعارضة الذي هاجم البطريرك و المفتي حسون لتواجدهم في حفل انتخاب ملكة جمال اللاذقية ليتبين لي لاحقاً و من خلال توضيح أرسلته لي البطريركية السريانية ان البطريرك لم يتواجد أصلاً في هكذا احتفال بل هو قد ذهب إلى الساحل السوري لافتتاح أول كنيسة للسريان هناك فقط لا غير .
و هناك حقيقة لا تغفل عن أحد تقول أن داعش مازالت تبيع نفطها إلى تركيا و أنها مازالت تستقبل مقاتلين يصلون اليها عبر الأراضي التركية ، مقاتلون يذهب القسم الأكبر منهم إلى جبهة النصرة و جيش الفتح و باقي التشكيلات في الشمال السوري و لكن هناك قسم آخر ليس بالقليل ينتهي عند داعش . و تركيا ليست مسرورة أبداً من قضية السيفو أو الابادة التي بدأت بالبروز في المجتمع الدولي و صوت لها مؤخراً برلمان الدولة الألمانيا التي تتبوأ مكانة الأم الجامعة للدول الاوروبية .
و أيضاً هنا توجد حقيقة أخرى و هي أن المعارضة السورية و من خلفها الدول الداعمة لها مستاءة من تقدم الجيش السوري في محافظة الرقة مما يعني أن الشريط الشمالي الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أميركا قد بات مهدداً بعدما كان يتمدد بأريحية على حساب داعش . و هذا الشريط الشمالي هو مخترق في الأصل من بيئة سورية واسعة ترى في مؤسسات الدولة و في الجيش السوري الضمان الوحيد و الأمكانية الأوفر حظاً لبقاء البلاد متماسكة و لعودة السلم و الأمان إلى كل سوريا . و حي الوسطى ذو الغالبية السوريانية في القامشلي هو جزء من تلك البيئة الموالية . و دعونا فوق كل ذلك ألا ننسى أنه عندما يجد الجد و يحتدم القتال فأن غالبية قوات المعارضة تتلاقى مع بعضها البعض و مع داعش في خندق واحد و يحملون جميعاً ذات البندقية و الشواهد على ذلك كثيرة و تم ذكرها مراراً .
ان بطريرك السريان الذي آمن بسوريا الدولة و بسوريا المؤسسات ليس باستثناء بين رجال الدين السوريين سواء المسيحيين منهم أو المسلمين ، و لكنه يتعرض للهجوم بشكل استثنائي و من أكثر من جهة . و ربما سبب ذلك هو نشاطه الغير معتاد و عدم بقاءه في مكتبه فنراه كثير السفر إلى البلدات و المحافظات السورية التي مازالت تحوي عائلات من أبناء رعيته بصرف النظر ان كانت تلك المناطق آمنة أو هي مناطق حرب و اقتتال . و هذا الفعل يجب أن يؤخذ له و ليس عليه فحيثما يحل البطريرك و بحكم مكانته الروحية هو يواسي رعيته و يجمع التبرعات لأجل المعوزين و المخطوفين ، و عدا ذلك هو لا يمارس نشاطاً فعلياً خارج نطاق الصلاة لأجل المقهورين و المصابين و المأسورين كي يمنحهم الرب العزاء و تحل عليهم بركة الصبر و يتعزز ايمانهم بأن الأفضل قادم . و صلاة البطريرك هذه تتوج دائماً بالتضرع لأجل (كل) أبناء سوريا و العالم .
و من خلال هذا الدعاء نفهم لماذا ضمر هذا و ذاك من رجال الدين موقفاً مؤيداً للدولة السورية و لمؤسساتها في الحرب الدائرة . فهذا و ذاك قد أيقنوا أن حمل السلاح للإطاحة برئيس البلاد كما تحاول أن تفعل المعارضة لن يشكل أبداً حلاً للمشاكل و إلا لانحلت مشاكل العراق بعد ذهاب صدام و مشاكل ليبيا بعد القذافي و اليمن بعد علي عبد الله صالح و قس على ذلك أزمات الصومال و أفغانستان و غيرهم . و هذه النظرة القياسية الواضحة للأحداث السياسية تدل على تفكير هادئ يقيس الأمور بطريقة علمية على مبدأ التجربة و المخبر و ليس على طريقة (عليهم يا رجال) و (كمشة عرب) كما يقول المثل الشعبي السوري . و المختبر هنا هو دول شبيهة و مجاورة لسوريا مثل العراق و ليبيا و اليمن ، و التجربة هي ازاحة الرئيس بالقوة ، أما نتيجة التجربة فهي حال هذه البلدان اليوم .
و بالنسبة لرجال الدين فان أي اقتتال أو صراع هو في جوهره صراع بين قطبي الخير و الشر ولا يوجد مكان للوسط بينهما أو للون الرمادي لأن حلول سلام الله و بركاته مثل بركة البصيرة أو الحكمة هي لهدف واحد و هو التعرف على الشر و تفاديه و الحماية منه ... أما الشر فله تجليات كثيرة و وجوه متنوعة فهو قد يكون سلوك فردي يلبس ربطة عنق أو تنظيم لا يلهو إلا بالدماء و يلعب بعقول المراهقين أو ربما هو امبراطورية بقبعة لا ترى في البشر إلا تجربة مجانية و في الدول مختبرات رخيصة .




















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة