الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يجري في جمهوريات يوغسلافيا السابقة؟

مرتضى العبيدي

2016 / 6 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


ما زالت مخلفات الحرب التي أدّت إلى تفكيك جمهورية يوغسلافيا الفيدرالية الاشتراكية مع مطلع تسعينيات القرن الماضي تلقي بظلالها على كل الكيانات التي أعلنت استقلالها وأقامت دويلات على أساس عرقي. ففي أحيان كثيرة، تستعر النعرات العرقية وتضع مواطني البلد الواحد في صراع ضدّ بعضهم البعض، خاصة بمناسبة الانتخابات، أيّ انتخابات. كما أنّ مطمح حكّام هذه البلدان ومعظمهم من أحزاب قومية يمينية هو الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي (التي لم تحصل عليها إلى حدّ اللحظة سوى جمهوريتي كرواتيا وسلوفينيا من جملة جمهوريات يوغسلافيا السابقة السبعة)، إلا أنهم يجدون أنفسهم غير قادرين على الاستجابة لشروط الانتساب. وهذا حال جمهورية مقدونيا اليوم التي تعيش دون برلمان منذ أكثر من سنة وتجد نفسها عاجزة على تنظيم انتخابات عامة حسب المواصفات الدولية.

مقدونيا: إرجاء الانتخابات العامّة لم يخفف من حدّة الاحتقان

منذ الثاني عشر من أفريل الماضي، لم تهدأ المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في مدن وقرى في مقدونيا التي كانت تستعدّ لإجراء انتخابات عامة سابقة لأوانها حدّد البرلمان المقدوني قبل أن يحلّ نفسه بنفسه تاريخ 24 أفريل 2016 لإجرائها. إلا أن موجة الاحتجاجات العارمة جعلت السلطة تؤجلها مجدّدا إلى تاريخ 5 جوان. لكن قرار رئيس الجمهورية منح العفو لكبار المسؤولين المورّطين في تزييف الانتخابات السابقة وفي المراحل الإعدادية للانتخابات الجديدة، جعل المواطنين يخرجون تلقائيا إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لإجراء الانتخابات في مثل هذه الظروف. فرابطوا في الشوارع ونظموا الاعتصامات أمام المباني الحكومية التي كانوا يطلونها بالألوان في ما يعرف اليوم عندهم بـ "ثورة الألوان".
والحقيقة، فإن موجة الاحتجاجات الراهنة تتعدّى الاستحقاق الانتخابي، رغم أهميته إذ كان يعتبر أحد الشروط الضرورية لإثبات جدارة مقدونيا بالالتحاق بالاتحاد الأوروبي. بل هي تعبّر خاصّة عن رفض الجماهير لنظام سياسي واقتصادي فرض على الشعب المقدوني منذ تفكك الدولة اليوغسلافية وإعلان مقدونيا نفسها دولة مستقلة سنة 1991 وقبولها بهذه الصفة كعضو في المنتظم الأممي سنة 1993. فالمراقبون الغربيون يعتبرون النظام القائم نظاما ديكتاتوريا، إذ هو يحرص على وضع يده على جميع مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والأهلية. فزيادة على الفوز الدائم للحزب القومي الحاكم بالأغلبية في البرلمان في انتخابات مشكوك في نزاهتها، فإن نفس هذا الحزب عمل على تدجين جميع الجمعيات القائمة ومن بينها المنظمة النقابية الوحيدة وكذلك وسائل الإعلام، ومنع تأسيس الجمعيات المستقلة أو بعث الصحف وقنوات الاتصال الخارجة عن سيطرته. كما أنّه ينظم القمع الممنهج ضدّ معارضيه الذين يقدّمون أمام المحاكم الخاصة التي تصدر ضدّهم الأحكام القاسية لمجرّد المشاركة في مظاهرة سلمية. كما يتفنّن في سياسة قطع الأرزاق والطرد من العمل لمجرّد الشبهة بالانتماء إلى "المعارضة" غير الموجودة أصلا. فمنذ تفكيك الدولة اليوغسلافية والحروب العرقية التي رافقته، شهدت البلاد هجوما شرسا على الفكر اليساري وعلى كل ما من شأنه أن يحيل عليه لتترك المجال إلى تغوّل الفكر القومي اليميني الرجعي وتنظيماته التي وجدت كل الترحاب من القوى الامبريالية التي وعدت بالمساعدة على إعادة بناء الكيانات المستحدثة ولم تف بوعدها. لذلك فإن ما يحدث اليوم لا يعدو أن يكون حراك مواطني لا تقوده تنظيمات بعينها، بل هو تعبير شعبي على عدم القبول بالأمر الواقع وبحالة القمع والتفقير والتهميش الذي تجاوز كل الحدود.
أمّا الوضع الاقتصادي فيوصف بالكارثي، إذ غادر البلاد خلال العشر سنوات الأخيرة ما لا يقل عن 230 ألف مواطن من جملة مليونين هو التعداد الجملي للسكان. كما أن نسبة البطالة تقارب الـ 32% من السكان النشيطين، ويعيش 20% من المواطنين تحت عتبة الفقر، ولا يتجاوز الأجر الأدنى 150 يورو شهريا بالنسبة للعمّال المحظوظين الذين يحصلون على شغل. إذ أن المحسوبية والفساد والرشوة تفعل فعلها في هذا المجال كذلك. وقد نددت النقابات باستمرار بتدهور ظروف العمل وبالتراجع على عديد المكاسب المحقّقة في العهد اليوغسلافي خاصة خلال السنوات العشر الأخيرة التي تربع فيها الحزب القومي اليميني على سدّة الحكم. كما لاحظت النقابات الاختفاء شبه النهائي لسلك متفقدي الشغل الذين أغرقتهم الرشوة والفساد. حتّى أن التسريح من العمل تحوّل إلى شأن يومي، وهو ما يفسّر، حسب المراقبين، عدم وجود الموظفين العموميين ضمن صفوف المتظاهرين إذ هم يخافون فقدان مواطن رزقهم إن هم شاركوا في الاحتجاجات. بل إن النظام القائم يُجبرهم ـ كغيره من الأنظمة الديكتاتورية ـ على الانخراط قسريا في الحزب الحاكم ويجنّدهم عند تنظيمه للمظاهرات المضادّة بعد أن تكون الحافلات قد نقلتهم من مدنهم وقراهم إلى العاصمة "سكوبيي".
لكن رغم هذه الحالة المزرية، أو لعله بسببها، يبقى الأمل قائما في أن تفرض الجماهير المنتفضة تغييرا لهذا الوضع وهي التي ترفع اليوم مطلب إسقاط الحكومة الحالية وتعويضها بحكومة انتقالية تسهر على تنظيم انتخابات ديمقراطية وشفافة بضمانات دولية قصد الخروج من حالة الأزمة الخانقة التي تسببت فيها السياسات الرجعية للأحزاب اليمينية الحاكمة منذ أكثر من عقدين.

كرواتيا: مظاهرات عارمة للمطالبة بفصل الدولة عن الكنيسة

تشهد كبرى المدن الكرواتية وخاصة العاصمة زغرب منذ بداية الشهر الجاري مظاهرات عارمة للمطالبة بفصل الدولة عن الكنيسة. وكانت هذه الاحتجاجات انطلقت لمّا أعلنت الحكومة اليمينية الحالية التراجع عن برنامج الإصلاح التربوي الذي وضعته الحكومة السابقة وشرعت في تنفيذه، وهو يهدف بالأساس إلى وضع حدّ لتدخل الكنيسة في إعداد وصياغة البرامج المدرسية وفرض تدريس علم اللاهوت في جميع مستويات التعليم ومنع تدريس بعض المواد العلمية التي يعتبرونها مخالفة لتعاليم المسيح. وهو ما حدا بعديد الجمعيات المدنية التي كانت ساندت الإصلاح إلى الدعوة للتظاهر، فالتحقت بها عديد المنظمات الاجتماعية والثقافية والنسائية التقدمية. ولم تقتصر مطالب المتظاهرين على وقف زحف الكنيسة على المدرسة العمومية بل وكذلك على منع تأثيرها المتزايد على دوائر القرار في البلاد بعد أن كانت ساندت الائتلاف الرجعي الحاكم اليوم في الوصول إلى السلطة. كما رفعت في المظاهرات شعارات مناهضة للرأسمالية المتوحشة وللنزعات القومية الرجعية. وقد رفعت لافتات عديدة في المظاهرات هذه بعض شعاراتها:
ـ لا لتدريس علم اللاهوت داخل المدرسة
ـ الكنيسة / الدولة: ضرورة الفصل
ـ لا للعقائد الدينية والعقائد القومية داخل المدرسة
ـ إن تعليما حرّا غير ممكن في ظل الرأسمالية.
وقد علق بعض الصحافيين على هذه المظاهرات بالقول: "إن كرواتيا لم تنجز بعد ثورتها الفرنسية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح