الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأقتصاد المالي الدولي والسياسة النقدية: كتاب في سياق الحوار

أحمد إبريهي علي

2016 / 6 / 24
الادارة و الاقتصاد


مقدمة: يتناول هذا العرض كتاب أُعِدّت ابحاثه بين عامي 2008 و2011 ونشر مطلع عام 2012. وكان الهدف الرئيس من تلك الأبحاث تناول العمليات النقدية وعلاقتها بالمالية العامة، منهجيا، وتقديم اساس تحليلي يساعد على فهم الأقتصاد العراقي وفي نفس الوقت يختبر الفرضيات النظرية بالتجربة العراقية قدرالأمكان. وذلك لتحرير مفهوم السياسة النقدية من التهويل والأبهام، واماطة اللثام عن لغز النقود، وتكوين الأحتياطيات الدولية للسلطة النقدية كما هي في اقتصاد نفطي عموما وفي العراق بالذات. وايضا مراجعة لمجريات الأزمة المالية الدولية كما تبدو في منظومة اليورو، وفي العلاقة بين دول الفائض ( الصين مثلا) ودول العجز ( الولايات المتحدة من ابرزها) والتلازم بين فوائض وعجوزات موازين المدفوعات وصلته بتعميق الأزمة. وان المعالجات التحليلية التي كونت فصول الكتاب لها صلة مباشرة بمجريات الوض الحالي لأنها جرت في ضوء انهيار سعر النفط في النصف الثاني لعام 2008 ، وكان الأمل بالمجتمع المهني والدوائر المختصة تشجيع االبحث المتخصص كي لا نخضع، مضطرين، لأملاءآت الأمر الواقع في حين كانت حينها فرصة سانحة للتعاون والتواصل والحوار لأدماج الأطر النظرية والتحليل العملياتي في البناء المؤسسي لأدارة الأقتصاد والمالية العامة وهو الأمل الذي من اجله بذلت هذه الجهود المتواضعة وسواها.
الأقتصاد المالي الدولي والسياسة النقدية
الدكتور احمد ابريهي علي
الناشر: مركز حمورابي للدراسات الستراتيجية ( بغداد وبيروت)
الموزع:بيسان للنشر والتوزيع والأعلام ( بيروت)
أولا: لقد توزعت ابحاث الكتاب على ستة فصول:
الأول: التضخم والسياسة النقدية وسوق الصرف، وتناول تفسير التضخم ؛ و هيمنة الموازنة المالية العامة على تكوين الأساس النقدي؛ والسياسة النقدية لأستهداف التضم في التجربة الدولية، بما في ذلك ما يسمى قاعدة تايلور والتي تركز على سعرفائدة البنك المركزي وتعديلها في ضوء الفجوة بين المستوين الفعلي والممكن للنشاط الأقتصادي منجهة والفرق بين التضخم الفعلي والمستهدف من جهة اخرى وتجمع الفرقين في معادلة واحدة تجميعا موزونا؛ ومن ثم دراسة سوق الصرف وتجربة البنك المركزي العراقي في توفير العملة الأجنبية للقطاع الخاص للحفاظ على سعر الصرف بصفته مثبتا نقديا، واجرءآت البنك المركزي العراقي لسحب السيولة الفائضة من المصارف وسعر الفائدة؛ واستقلال البنك المركزي في السياسة النقدية؛ والتحليل الكمي للكشف عن مدى تاثير العوامل النقدية في التضخم.
الفصل الثاني: الموازنة العامة في العراق ومضمونها النقدي، دون اغفال نمط التنمية في البلدان الغنية بالموارد الطبيعية لمناقشة اسباب ضآلة الأنجاز التنموي، مرورا بفرضيتي المرض الهولندي ونقمة الموارد، وهنا راجع البحث مفهوم الأعتماد على النفط وميز بين التنمية بالفهم الدارج في مقابل زيادة مجموع الثروة الوطنية، وفي هذه الحالة يمثل استخراج النفط استنزافا للثروة وعند عدم تعويض الأستنزاف لا يمكن الحديث عن تنمية في البلدان النفطية بهذا المعنى؛ وناقش الدور الحكومي في الحياة الأقتصادية؛ وقدم اطارا لوظائف الموازنة العامة واجمالياتها، وكيفية زيادة الأيرادات؛ واقترح إجرءآت لخفض النفقات استجابة لهبوط عنيف في ايرادات النفط؛ وميز بين التمويل الداخلي للأنفاق وتمويل المدفوعات الخارجية؛ وقدم اطارا تحليليا لبيان استيعاب الأنفاق الحكومي قبل انطلاق موجات التضخم؛ وعند استعراض الموازين المالية الرئيسية ربط بين الأحتياطيات الدولية للبنك المركزي والحد الأقصى للالنفاق الحكومي حسب الشرط المبين آنفا والعجز القابل للتمويل بالأقتراض الداخلي.
الفصل الثالث: التضخم بين متغيرات الأقتصاد الحقيقي والتحليل النقدي، وهو استمرار وتوسيع في مباحث الفصل الأول ، واهتم بالتنظير النقودي للتضخم والمقاربات الأخرى، وراجع الأبحاث التجريبية وماذا يستنتج منها ؛والنماذج الآنية للتضخم والبطالة؛ والسيولة والتضخم في العراق، وتجريب طرق تحليل اخرى لفهم العلاقة بين التضخم ومحدداته ؛ وفي سياق تحليل الوقائع كان يقارن بين مختلف الأطروحات النظرية.
الفصل الرابع:متطلبات ألاستقرار المالي الدولي: التحوط الكلي وموازين المدفوعات ما بعد الأزمة، وينتقل البحث، في هذه المرحلة، من النطاق النقدي – المصرفي إلى الأقتصاد الكلي والدولي، لتقييم مختلف التدابير التي اتخذت في العالم او من المحتمل الأخذ بها ، ومنها المؤسسات المستحدثة للتحوط، في محاولة تجنب تكرار ازمات ماليشاملة وعميقة مثل الأخيرة، او على الأقل حصر الأضرار في اضيق نطاق؛ و بحث في الطابع الدولي للأزمة وصعوبة تجنب عبورها للحدود الوطنية مع الدرجة التي وصلتها الأسواق المالية الدولية في الأتصال والأنفتاح المتبادل؛ واهتم الفصل بمضامين تفاوت الميل للأدخار وموازين المدفوعات والأحتياطيات الدولية بين الدول، لأن الفائض والعجز في موازين المدفوعات الخارجية يعكس الفجوة بين ألادخار والأستثمار في الداخل ، كما ان الأحتياطيات الدولية بصفةعامة ومنها اموال صناديق الأستقرار والأجيال القادمة تمثل جزءا من تراكم الفوائض الخارجية، والمديونية الخارجية تأتي محصلة لتراكم العجز في الموازين الخارجية الجارية، والولايات المتحدة مثال على هذا العجز المزمن؛ وارتباطا بالمباحث الأساسية السابقة تناول التحليل الأستثمار المالي والتمويل الدولي للعجز والذي افصحت عن بعضه ازمة المديونية السيادية لاحقا، وقد خصص الفصل مبحثا للديون السيادية في اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية؛ واستكمالا للتحليل جرت دراسة للسيولة واسعار الفائدة وكيف اغرت وفرة السيولة الحكومات لخفض اسعار الفائدة والتوسع بالأئتمان منخفض الجدارة؛ ثم افرد الفصل مبحثا لنهوض الصين ودول اخرى وقارن بين البنى الأنتاجية للدول الأكثر تقدما والصين ودول ناهضة ونامية ومنها تركيا وايران والسعودية وبين العلاقة بين الحيوية التنموية للصين، ودول اخرى، وعدم توسعها في القطاعات خارج النتاج السلعي.
الفصل الخامس: الأضطراب المالي والسياسة النقدية في منطقة اليورو، وهنا جرت محاولات تحليلية للتعرف على النمط الدوري للمتغيرات النقدية والتضخم والأداء الأقتصادي الكلي؛ وتحليل للأرتباط بين بين متغيرات التجارة الخارجية والأستثمار العابر للحدود الوطنية والديون المصرفية؛ وايضا ملاحظة التغيرات النسبية في التجارة الداخلية واسعار المنتج والأجور لبلدان رئيسية في منظومة اليورو واجمالي المنظومة وبلدان متقدمىة اخرى؛ وركز التحليل على النقود وسعر الفائدة لمناقشة الأسس النظرية للسياسة النقدية للبنك المركزي الأوربي، والقدرة التفسيرية الواطئة لمتغير النفود وضعف فاعليته لتحقيق اهداف السياسة النقدية المعلنة هناك؛ وكشف البحث عن خاصية التعديل الذاتي لأسعار الأسهم عبر ارتباط السعر بمستوياته السابقة وتابع التحليل هذا الأرتباط وامكن تفسير 99 بالمائة من حركة سعر السهم بالمستويات السالفة للأسعار رجوعا إلى 12 شهرقبل المشاهدة الأخيرة ليورو ستوك وداوجونز؛ وافرد مبحثا لتغيرات اسعار البفائدة قصيرة الأجل؛ والتحليل الكلي المقارن للأزمات المالية الدولية بين عامي 1985 و 2008 مبينا الأنخفاض المتراكم للناتج في الأزمات ومتوسط مدة الأزمة وتغير الأسعار ( الأنكماش)، ثم الروابط الأقليمية وعدوى الأزمات في التجربة الأوربية.
الفصل السادس: سلوك سعر الصرف الحقيقي وشروط التوازن وأهداف سياسة الأقتصاد الكلي، وتوسع الفصل في تحليل حركة سعر الصرف الحقيقي تبعا لمبدأ تعادل القوة الشرائية، اي مدى انحراف سعر الصرف عن المستوى الذي يقتضيه بقاء قانون السعر الواحد فاعلا او إلى اي حد تعكس تغيرات اسعار الصرف الفروقات في معدلات التضخم بين الداخل والخارج؛ واختبر مبدأ تعادل اسعار الفائدة ومضمونه وهو ان التغير في سعر الصرف يعوض فروقات اسعار الفائدة بين البلد المعني والعالم في ظل الأنفتاح المالي؛ وتناول مفهوم ضغوطات سوق الصرف، وسعر الصرف والتنافسية الدولية، ومفهوم الصلابة السعرية...؛ واعد حسابا شهريا بسعر الصرف الحقيقي للدينار العراقي تجاه اليورو والدولار، وبين التحليل ان سعر الصرف الحقيقي للدينار العراقي ارتفع كثيرا، ما يفيد المغالاة في تقييم الدينار بالمقياس الأقتصادي رغم وفرة العملة الأجنبية، وكشف التناقض الصارخ في الأقتصاد النفطي حيث كان عرض العملة الأجنبية يسمح برفع سعر صرف الدينار تجاه العملات الأجنبية، بينما يتطلب الشرط الأقتصادي، للحفاظ على التنافسية الدولية لتنمية القاعدة الأنتاجية، خفض سعر صرف الدينار العراقي، وكانت هذه الحقيقة الكبيرة مهملة. ويمثل رفع سعر الفائدة، آنذاك، مع سعر صرف ثابت او متزايد للدينار تجاه الدولار، ابتعادا عن مبدا تعادل اسعار الفائدة آنف الذكر، وكانت تلك السياسة مطلوبة من صندوق النقد الدولي وجهات التي جاراها العراق لتخفيف عبء الدين الخارجي، ومعروف ان تلك المهمة الصعبة تستوجب الأتفاق مع الصندوق على إجراءآت تتخذها الحكومة والبنك المركزي.
ثانيا: ويجد القارئ اهتماما كبيرا بالتضخم ، فصلين من فصول الكتاب الستة، وانصب الجهد الأساسي للتحليل ا على تفسير التضخم ودور المتغيرات النقدية وخاصة النقود وسعر الفائدة في صعوده ونزوله. وقد بين البحث التأثير الضئيل للعوامل النقدية في مسار المستوى العام للأسعار، ولذلك لم يكن لرفع سعر الفائدة آنذاك، وهي توصية صندوق النقد الدولي لكبح التضخم ، الدور الذي كان متوقعا لدى البعض. ومن جهة اخرى ولأن النقود، بمعناها الواسع والضيق، لم تسهم في تفسير حركة المستوى العام للأسعار فإن الهبوط الحاد في معدل التضخم لا يعزى لاستيعاب جزء من سيولة المصارف لدى البنك المركزي ، ودائع في التسهيلات القائمة وشراء حوالات البنك. ان تلك السياسة التزمها البنك المركزي في مقابل تبني صندوق النقد الدولي مطالب العراق لخفض عبء المديونية الخارجية، ولهذا يتعذرموضوعيا تقييمها بمعزل عن برنامج العراق لمعالجة الدين الخارجي.
وصادف ان معدل التضخم في العراق بقي منخفضا فلم تظهر حاجة موضوعية تستدعي من اروقة القرار الأقتصادي والمالي التفكير جديا بالسياسات الفعالة لمواجهة ضغوط التضخم. ولقد ارتبطت موجة التضخم، آنذاك، بتعديل اسعار المنتجات النفطية ، وشحة المنتجات بحيث تجاوزت اسعار السوق الموازية مستوياتها الرسمية والتي تعادل عشرة امثال ما كانت عليه قبل التعديل. ولأن المنتجات النفطية من السلع الأساسية التي تدخل، مباشرة او بصورة غير مباشرة، في تكوين اسعار جميع السلع والخدمات الأخرى لذا تصاعدت الأسعار في موجات تتابعية. والعامل الثاني صعود الأنفاق الحكومي ( جانب الطلب) ونظرا لمحدودية الطاقة الأنتاجية للسلع والخدمات المحلية التي ينصب عليها جزء من الطالب الكلي المتزايد ، محفزا بالأنفاق الحكومي فلابد ان ترتفع الأسعار لحين الأنسجام مع المستويات الجديدة للطلب في علاقته بالعرض على المستوى الكلي. وهنا لا نغفل ان الأنفتاح التجاري مع سعر صرف منخفض للعملة الأجنبية ساعدا على كبح التضخم جزئيا ، لكن الحقيقة الكبيرة والتي طالما تغافلت عنها النقاشات ان سعر الصرف يقود حركة المستوى العام للأسعار مع شحة العملة الأجنبية كما في زمن الحصار، اما عندما تصبح العملة الأجنبية وفيرة تكون قيادة التضخم للسلع والخدمات المحلية والتي تسمى غير المتاجر بها دوليا.
ان الداعي لاعادة عرض ابحاث الكتاب في هذا الزمن هو استمرار تناول مسائل الأقتصاد المالي والنقدي بالأنطباع والأفكار التلقائية، والتضخم من امثلتها، بينما يتضمن مفهوم السياسة الأنطلاق من العلاقة المثبتة موضوعيا بين المتغيرات. فالسياسة تعني وجود متغير اومتغيرات نسميها ادوات ومتغير اومتغيرات نسميها اهداف، الأولى تحت سيطرة السلطة تتصرف بها للتحكم بالأهداف. فاذا كانت المتغيرات التي تحت تصرف السلطة النقدية لا تؤثر في التضخم فكيف يمكن القول ان البنك المركزي مسؤول عن التضخم. واذا بين التحليل ان التضخم تابع للأنفاق الحكومي واوضاع العرض لماذا لا تكلف وزارة المالية والتخطيط بهذه المسؤولية. اما ما تداوله بعض الزملاء من ان التضخم تصنعه الحكومة ويعالجه البنك المركزي، فالمقدمة صحيحة لكن الأشكال في الشطر الثاني، لأن العوامل التي تتحكم بفجوة الطلب هي ذاتها التي تعالج التضخم، وهذه ليست بيد البنك المركزي.
ان قطاع السلع والخدمات غير المتاجر بها في العراق، وبلدان نفطية اخرى، يفسر التضخم اكثر من الغذاء ونقص العملة الأجنبية، ومن جملة ما يلاحظ في هذا الشأن خدمات البناء التحتي للمدن ، ونقص الطاقة الكهربائية ، والقدرة المحدودة لقطاع البناء والتشييد ، وعدم كفاية خزين المساكن ، ونحو ذلك من كل مايتطلبه الانتاج والاستثمار والاستهلاك ومما لايمكن استيراده بالمطلق او بصعوبة تنعكس في التكاليف. وعلى سبيل المثال في الفصل الأول تبين ان سعر البنزين كان الأكثر تاثيرا من كل المتغيرات النفدية في تفسير التضخم في تحليل الأرتباطو الأنحدار وعبر تجارب تحليلية مختلفة. وايضا يمكن ان تقدم حركة الاجور النقدية تفسيراً بنيويا للتضخم . وبعض البلدان التي تستخدم مقايسة الاجور اي ربطها بالتضخم ، وعندما يراد للسياسة النقدية ان تتكيف مع هذا ألالتزام فان الزيادة الابتدائية في الاسعار سوف تؤدي الى زيادة في الاجور وتغذي تضخم الكلفة من جديد.
ويتضح من ابحاث الكتاب ضآلة مصداقية تفسير التضخم بكمية النقود في التجربة العالمية، ولذلك تزايد اعتماد البنوك المركزية لسعر الفائدة هدفا" وسيطا" للتأثير في التضخم وملائمة تدخلها في السيولة اقراضا" وافتراضا" بما ينسجم مع المستوى المرغوب لسعر الفائدة . ولم تتخذ البنوك المركزية ، حاليا" حجم السيولة او نمو عرض النقد هدفا" وسيطا" او نهائيا" لها . لكن التجربة العراقية تفيد عدم فاعلية سعر الفائدة ايضا لأن العراق يفتقر إلى العمق المالي اي ان مجموع الأصول المالية المرتبطة بسعر الفائدة نسبتها منخفضة إلى الناتج المحلي الأجمالي، بل وحتى القرارات المالية المتعلقة بتلك الموجودات ليس لسعر الفائدة الدور الحاسم فيها بل ثمة عوامل اخرى.
ثالثا: لقد اتضحت ضرورة التفريق بين الانفاق الداخلي والمدفوعات الخارجية للدولة. ولا بد من مراجعة مفهوم العجز على اساس ذلك التفريق . والهدف من هذا التحليل معالجة العجز لعمليتي التمويل والنظر الى المحتوى النقدي لكل منهما وفي اطار اقتصادي كلي . وليس القصد من هذه المقاربة اقتصار الاهتمام على شروط الاستقرار الكلي دون العناية بوظائف الموازنة في التنمية، والعدالة التوزيعية، واداء الوظائف السيادية، ومهامها في قطاعات الخدمات . بل تحاول ابحاث الكتابة التمهيد لجهود اوسع نطاقا" تنتهي الى احكام العلاقة بين السياسة الاقتصادية الشاملة وحقيبة ادواتها المتمثلة بالموازنة المالية العامة .
لقد دلت تجربة السنوات الماضية على ضرورة المراجعة الدقيقة للانفاق، بالتوازي مع اصلاح الادارة الحكومية، بما يضمن حسن التصرف بالموارد المحدودة، بطبيعة الحال، والتي تتنافس عليها احتياجات تزداد تنوعا" واتساعا الى جانب مهمات التنمية التي طال اجل انتظارها في العراق .
ان عدم كفاية الايرادات غير النفطية للانفاق الحكومي الداخلي هو عجز في الموازنة المالية العامة وان تغطية هذا العجز بموارد نفطية ليس له معنى اقتصادي الا بقدر مبيعات العملة الاجنبية إلى القطاع الخاص وفيما عدا ذلك هو عجز بالمعنى الدقيق للكلمة ممول بتوسع نقدي . ولاا فرق من الناحية الاقتصادية بين تمويل عجز الايرادات غير النفطية بمبيعات عملة اجنبية او بالاقتراض من البنك المركزي طالما توجد احتياطيات لدى البنك تستجيب لطلب القطاع الخاص من العملة الاجنبية ، ويظهر الفرق بعد نفاد احتياطيات البنك المركزي .
وعند استنفاد الحكومة لرصيدها السابق من العملة الاجنبية يمكن ادامة الوضع المالي للعراق في المدة القريبة القادمة بشرطين هما كفاية الايرادات النفطية لتغطية المدفوعات الخارجية للحكومة، و
ان الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي بحجم يسمح بتغطية طلب القطاع الخاص على العملة الاجنبية
ومن الضروري تجاوز المنهج الحالي لادارة الموازنة والذي يعتمد المتطابقات الحسابية دون النظر في محتواها الاقتصادي الفعلي . وكذلك لا بد من وضع المالية العامة ومضامينها النقدية في اطار كلي اوسع وعبر افق زمني ابعد. وان تبدأ ان تبدأ الادارة الاقتصادية من البنية الانتاجية للاقتصاد العراقي وشروط تغيرها في سياق التنمية التي تنطلق من قطاع الطاقة وتستهدف نقل العراق الى دولة مصنعة بموازاة تطوير سريع ومتكامل، انتاجا وتنظيما وتقنيات، لقطاع البناء والتشييد لان هذا القطاع هو المحدد للجهد الاستثماري .
رابعا: لقد غيرت الازمة الاخيرة الفهم المتداول حول وظيفة وادوات الرقابة على المصارف، والرقابة الكلية وذلك بأتجاه تأكيد اهمية استهداف الاستقرار المالي بأدوات اكثر فاعلية ومباشرة ، اي التحرك نحو النظر الى الاستقرار من زاوية القطاع المالي. وكشفت الازمة المالية الدولية الاخيرة عن دور الحقائق الجديدة في اقتصاد العالم، وضرورة التعامل معها لتحسين اداء الاقتصاد وتفادي الاضطرابات المدمرة ما أمكن . وتزامنت النجاحات الاقتصادية التي حققتها الصين وبلدان ناهضة اخرى مع ميل مرتفع للادخار وفائض في الحساب الجاري وخصائص اخرى يبدو ان علاقتها السببية بذلك النجاح اصبحت بحكم المتفق عليها. وانسجم العجز في الولايات المتحدة الامريكية مع استثمار الفوائض ماليا" بكيفية اثرت في بنية اسعار الفائدة حسب الآماد والسلوك الائتماني. ومن الملاحظ ان المحاور التقليدية للسياسة النقدية وادواتها لم تعد كافية للاستقرار الاقتصادي الكلي الذي اصبح اداء القطاع المالي من اهم محدداته. وفي ذات الوقت تزايد تأثير السياسة المالية وآليات تمويل العجز في معدلات الفائدة لكافة الآماد. وأثارت جميع تلك الخصائص الجديدة في سياق العولمة التساؤل جديا" حول مصداقية الاسس التي تقوم عليها سياسات الاقتصاد الكلي لحد الآن، وفيما اذا يمكن تعديل مناهج السياسة النقدية ام الانتقال الى طراز جديد من التحليل يتخذ من القطاع المالي اساسا" له ويتوجه بالسياسات اليه .
ولقد وصلت المديونية السيادية لعدد من دول منظومة اليورو الى الحرج الشديد، في وقت لم تنته بعد مشكلات الافلاس والخسائر التي اصابت مصارف كبيرة ومؤسسات مالية اخرى. وايضا" ، لايزال الانتعاش الاقتصادي يتعثر في اغلب دول المنطقة مع ارتفاع اسعار المنتج عام 2011 الى مستويات لاتكشف عنها معدلات التضخم، وهي مجاورة للشرق الاوسط وتلاحظ حكوماتها وشركاتها اوضاعه السياسية وارتفاع اسعار النفط والتنافس الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة الامريكية. و ظهرت بقوة تبعات تفاوت التطور بين الدول المتقدمة، وهي محور النظام، وبلدان محيطه الناهضة و لقد درس الكتاب تلك المسائل الحرجة في سياق مراجعة ناقدة لاسس التحليل الاقتصادي الكلي والنقدي والتي تشكل المرجعية النظرية والتبريرية للسياسة النقدية .
وان الوقائع والمعالجة، غير المتحيزة للبيانات، تشير الى رجحان التوجه التجريبي في المعرفة الاقتصادية والذي قد يساعد ، في نهاية المطاف، الى اكتشاف انماط من العلاقات السببية، او الانتظام ، أصدق دلالة على الواقع واكثر فاعلية في التأثير على مجراه .
و اكدت تجربة السنوات الماضية ان الانفتاح المالي يقيد مدى استخدام سعر الفائدة لأهداف الأستقرار في الدول المتقدمة والعميقة ماليا. لان سعر الفائدة الاعلى يرفع سعر صرف العملة وتزداد في ذات الوقت التدفقات الرأسمالية الداخلة وتغذي التوسع الائتماني وتكون النتيجة زيادة التضخم. بتعبير آخر ان رفع سعر الفائدة، على امل الانفتاح المالي والتدفقات الرأسمالية الطوعية الكبيرة، يعمل بأتجاهين متناقضين في محصلته النهائية .
ولا تكفي السياسة النقدية وحدها لضمان الاستقرار بأنسجام مع النمو والتشغيل ، قلا بد من دور للسياسة المالية بما لديها من ادوات للسيطرة على الطلب الكلي . و يقتضي التنسيق بين الانتاجية وسياسات الاجور التخلي عن ربط الاجور بالاسعار، لصالح احكام العلاقة بين متوسط الاجر ونمو الانتاجية. ويخدم المبدأ الاخير اهداف الاستقرار السعري والحفاظ على القدرة التنافسية الدولية وترصين الميزان الخارجي. وهو ما تتجه اليه الانظار الآن في المجموعة الاوربية، ولكن يراد له التدرج وشمول كافة الاعضاء . لان التفاوت بين اقطار المجموعة في هذا التوجه يعرض البلد الذي تقدم شوطا" ابعد الى خسائر لصالح البلدان الاخرى .
وتواجه السياسة النقدية في مجموعة اليورو اكبر التحديات عندما تريد خدمة الاهداف الاقتصادية مع تفاوت كبير في الخصائص الاقتصادية بين دول محور النظام والدول المحيطية . وايضا" مشكلة التنسيق بين متطلبات خفض عبء المديونية عن الدول المثقلة بها وشروط نجاح نظام النقد الموحد .
خامسا: يرتبط سعر الصرف الاسمي بسوق الصرف وهو محكوم بعرض العملة الاجنبية والطلب عليها لأن دور الاحتياطيات الدولية قصيرالامد عادة. فالنقص المزمن في العرض يستنزفها ، كما ان العرض الزائد في حالة استمراره يؤدي الى تراكمها الى مستويات تتجاوز نطاق العقلانية من زاوية الاقتصاد الكلي. لكن لسعر الصرف آثاراً لايستهان بها عند ثباته أو تغيره كما ان لسياسات التحكم به نتائج في حجم السيولة المحلية لابد أن تنعكس في اسعار الفائدة وسواها. ولمّا كان سلوك سعر الصرف الاسمي العائم متطايراً وقد يتقلب عنيفاً فان الحفاظ على سعر الصرف ثابتاً،بالمعنى الثنائي، قد تنجم عنه تقلبات واسعة في الاحتياطيات الدولية والسيولة المحلية، وهي الوجه المقابل لها، خاصة وان لسياسات التعقيم حدود فلا يمكن الغاء النتائج النقدية للتدخل في سوق الصرف بالكامل وبصفة مستديمة .
واذا كان من الصعب التنبوء بسلوك سعر الصرف الاسمي في ظل الانظمة المرنة فالصعوبة اشد في تفسير سعر الصرف الحقيقي والتنبؤ به فضلاًعن السيطرة عليه. ولأن الأخير هو الأكثر حسماً في تعيين القدرة التنافسية الدولية والتوازن الخارجي واعمق صلة واوسع تشابكاً مع الاقتصاد الحقيقي، والانتاجية والتكاليف، فقد كان محوراً لهذا البحث والذي بدء بمراجعة مبادئ تعادل القوة الشرائية واسعار الفائدة مروراً بالنموذج النقدي ثم العلاقة السعرية والاطار الاوسع . وفي امعان النظر في العلاقة بين تغيرات سعر الصرف وتوازن الحساب الجاري .
لقد راجعت ابحاث هذا الكتاب النماذج النظرية المتداولة لتفسير سلوك سعر الصرف العائم أو شروط الحفاظ على ثبات سعر الصرف الاسمي. واعادت إختبار مبادئ تعادل القوة الشرائية واسعار الفائدة . وكان المحور الرئيسي لها تقصي محددات سلوك سعر الصرف الحقيقي ومضامينه الاقتصادية الكلية وتعارضه وانسجامه مع أهداف السياسة النقدية. ولقد اتضح ان الواقع التجريبي لايؤيد مصداقية مبادئ تعادل القوة الشرائية واسعار الفائدة . كما ان الانحراف عن المسارات التي تفترضها تلك المبادئ كان واسعاً ولم يحسم تفسيره بالمعنى الكمي بعد. لقد حظيت العلاقة بين مرونة سعر الصرف واستقلال السياسة النقدية بالعناية. كما ان تأثير تغيرات اسعار الصرف على موازين المدفوعات قد تناولته هذه الأبحاث ارتباطاً بمفهوم الصلابة السعرية وبنية الانتاج والتجارة الخارجية وخاصية الاستمرارية المؤسسية. وركزت على تغيرات سعر الصرف الحقيقي للدينار وفرق العائد على الاستثمار به مقارنة بالمستويات الدولية والذي كان كبيراً جداً نتيجة لارتفاع اسعار الفائدة في العراق تزامنا مع التضخم . إن تسليط الضوء على عدم استقرار اسعار صرف اليورو بالدولار كان من اهداف هذه الدراسة . كما ان بيان حجم التزايد الكبير في سعر الصرف الحقيقي للدينار العراقي يلقي الضوء على تراجع القدرة التنافسية الدولية للقطاع غير النفطي ويفسح المجال لسياسات تصحيحية أو تعويضية . د. احمد ابريهي علي
الناشر: مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
[email protected]
التوزيع: بيسان للنشر والتوزيع والاعلام ( بيروت)
[email protected]
www.bissanbookshop.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صندوق النقد الدولي: تحرير سعر الصرف عزز تدفق رؤوس الأموال لل


.. عقوبات أميركية على شخصيات بارزة وشركات إنتاج الطائرات المسيّ




.. متحدث مجلس الوزراء لـ خالد أبو بكر: الأزمة الاقتصادية لها عد


.. متصل زوجتي بتاكل كتير والشهية بتعلي بدرجة رهيبة وبقت تخينه و




.. كل يوم - فيه فرق بين الأزمة الاقتصادية والأزمة النقدية .. خا