الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سرت بعد انتصار البنيان المرصوص على داعش

فتحي سالم أبوزخار

2016 / 6 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


كما أسلفت في مقالتي : "ما بعد هزيمة داعش" الحفاظ على النصر ومكتسبات الانتصار أصعب من المعركة ضد داعش.. أحرار ليبيا من جيش وقوات مساندة تتبع المجلس الرئاسي في التشطيبات الأخيرة لعملية اقتحام سرت .. ندعو لجميع الشهداء بالرحمة والجرحى بالشفاء العاجل.. سيطرت داعش قرابة سنتين على سرت وما حولها تجربة جديرة بالتوثيق والدراسة، وفعلا نحتاج في ليبيا إلى مركز بحثي لدراسة دكتاتورية معمر القذافي وداعش والحرص على عدم تكرار أي مشاريع قمعية من هذا النوع.

علينا أن نعترف بأن أحرار ليبيا، ومن بعد انتصار 17 فبراير، ارتكبوا عدة أخطاء نتيجة لغياب ثقافة المواطنة والعمل المدني والحقوقي .. فكل ما حرص عليه النظام السابق هو تعميق ثقافة الانتهازية والكراهية بين الجميع بتشريعاته الجماهرية: البيت لساكنه، والسيارة لمن يقودها، والأرض ليست ملكا لأحد، والتجارة ظاهرة استغلالية، الأجراء مما تحسنت أجورهم هم عبيد، وبالتصعيد الشعبي سلمت الإدارات الصناعية والخدمية لمن لا يستحقها أو بالأحرى لسراقها ومخربيها ..نعم ثقافة الكراهية أورثت سلوكيات غير مرضي عنها من بعض المشاركين في انتفاضة 17 فبراير وخاصة ممن ركبوا الموجهة بعد التحرير..

المشككين في انتصارات البنيان المرصوص:
العالم منبهر بانتصارات البينان المرصوص وقد أشرنا في مقالات سابقة لتصريحات العديد من رؤساء الدولة ووزراء خارجيتها بالانتصارات التي حققتها عملية البنيان المرصوص على الأرض في زمن قياسي. فمن الخطوة الأولى كان التقدم السريع لحوالي 100 كيلومتر من الغرب والوصول إلى هروارة في الشرق لينتهي لمحاصرته في مساحة لا تتعدى 15 كيلومتر مربع. ثم كانت الخطوة الثانية الحصار ، الذي لم يدم طويلا، من ثلاثة محاور: شرق وجنوب سرت ومن ساحل البحر إضافة إلى تمركز حرس المنشآت النفطية في الشرق .. وتتم بفضل الله وبعزيمة أحرار ليبيا الشجعان الخطوة الثالثة والأخيرة الاقتحام والذي بات يضيق الخناق على الدواعش ويحشرهم في مساحة ضيقة جدا ومحدودة. والإعلان عن تحرير سرت بات قريبا وأقرب مما يتصور.
هناك من الليبيين/ات من يحاول الاستنقاص من انتصارات البنيان المرصوص بإدعاء وجود قوات اجنبية مساندة وتتناقل هذه الأكاذيب إذاعات تدعي أنها وطنية. كذلك تتناقل نفس الإدعاءات الباطلة وسائل إعلام من دول عربية وغربية منزعجة من هذا التقدم وخاصة الداعمة للسيد خليفه حفتر الذي بالرغم من الدعم الذي يتلقاه منهم،استشارات عسكرية، وسلاح ودخيره وحتى مقاتلين، إلا أنه فشل في تحقيق أي مكاسب ترقى إلى 10% مما يحققه أحرار البنيان المرصوص في معركتهم ضد داعش الحقيقية، وليس ما يدعيه السيد حفتر من محاربة الإرهاب وداعش،في زمن قياسي وليس سنتين.. بل أنه بقصد أو بدون قصد تعتبر محاولات فتح جبهة على مدينة أجدابيا قد يشغل قوات حفتر وقد يشوش على انتصارات البنيان المرصوص ضد داعش في سرت..

سرت بعد 17 فبراير:
بعد الانتصار على الدكتاتور معمر القذافي ما حصل في سرت لا يفرق كثيرا عما حصل في معظم المدن الليبية. فلا نستغرب أن الممارسات التي حصلت بعد تحرير سرت في 2011 كانت بعيدة عن روح المواطنة وحقوق الإنسان. بل ونتيجة لتجدر ثقافة القبيلة المتناحرة على السلطة في التصعيد الشعبي والتي حرص القذافي على زرعها ورعايتها لتنمو وتترعرع مورست بعض الأعمال الانتقامية وبدون وجه حق.. لتذكير أهلي من سرت ..في سباق همجي محموم للوصول للسلطة عايشت تصعيدا شعبيا خلال شهر رمضان في سرت فكانت النتيجة موت أحدهم بتحطيم جمجمته حتى الموت تحت ضربات الحجارة خلال عملية التصعيد الشعبي وغيرها من مثل هذه الحوادث المأساوية في مختلف المدن الليبية .. للأسف ثقافة القذافي "المنتصر له الحق أن ينتقم" .. فمشهد الانتقام المرعب في رمضان 1984 مازال يشوه الذاكرة الليبية وربما حرك أو أستفز رغبة البعض في الانتقام أيضا بعد فبراير 2011. علينا أن نعترف بأخطائنا بعد التحرير في سرت وفي ليبيا بعد 2011. لكن سؤلنا اليوم .. ما الذي يجب أن نحرص على القيام به اليوم في سرت بعد اندحار الدواعش بعيدا عن الانتقام؟

سرت بعد التحرير من الدواعش:
الذاكرة الليبية عانت الكثير من التشوهات المؤذية نفسيا ووجدانيا قبل وبعد 17 فبراير .. وتشويه الذاكرة يحتاج إلى معالجة وترميم .. الحرب تترك آلام عميقة وتشوهات نفسية لكل من يفقد عزيز له في الحرب. لذلك يجب ألأخذ في الاعتبارات جملة من التحوطات التي يجب مراعاتها بعد إعلان غرفة البنيان المرصوص عن التحرير النهائي لسرت من الدواعش ..سرطان العصر.. هذه التحوطات تتلخص في جملة من الاجراءات نسوقها على النحو التالي:
• تنظيم عملية التمشيط الأخيرة بحيث يتابع خطواتها مكتب التوثيق والإعلام بالغرفة والحرص على حماية الممتلكات العامة والخاصة.
• الحرص على المعاملة الإنسانية مع جميع الأسرى والاستفادة إلى أقصى حد من الأسرى للوقوف وراء الدوافع التي كانت وراء انضمامهم لداعش، وتكليف وحده بالخصوص.
• التعامل مع الأسرى من قيادات الدواعش بتحوطات أكثر والحرص على تأمين سلامتهم وخاصة الأجانب منهم فقد يكونوا عرضة للاغتيالات. مع أننا نشك في بقاء أي قيادات مهمة!!! فداعش مشروع استخباراتي منشور على مناطق واسعة من الدول المتخلفة والقيادات المهمة لن يجازف بها وسيتم تأمين خروجها مبكرا.
• مع ضرورة الحرص على تأمين رجوع الأسر إلى سرت بسرعة إلا أن التأكد من خلو الجميع بدون أي استثناء من حيازة أي أسلحة مهم جدا لاستتباب الأمن وستكون مهمة استتباب الأمن صعبة. ولكن بالحرص على عدم وجود أي تشكيلات مسلحة، ولو لأيام معدودة، باستثناء شرطة نظامية وجيش تابع للمجلس الرئاسي.
• ليعلو صوت التسامح مع جميع الأسر والتركيبات الاجتماعية والقبلية ولو ثبت تعاون بعض أفرادها مع داعش أو حتى قاتلوا مع داعش. وعلى أئمة المساجد ودار الأوقاف لعب هذا الدور المهم .
• لضمان وصول الخدمات بيسر وبسرعة للجميع على المجلس المحلي سرت انتداب بعض المدراء من خارج سرت لضمان التعامل بحياديه مع الجميع وعدم الوقوع في شرك وساطة القبيلة أو التقسيم الجائر الذي حدث بعد 2011 لسكان سرت بين مؤيد ومعارض.
• على المجتمع المدني الليبي أن ينشط في سرت من خلال التوعية والتثقيف بالمواطنة وتدعيم السلم الاجتماعي.
• دحض الدروس والسموم التي كان يبثها داعش عبر إذاعة سرت المحلية وينفث سمومه من خلالها. وهذا يتطلب برامج توعوية وتهذيبية ثقافية ودينية تدحض كل أكاذيبه وادعاءاته.
• عدم ترك أي فراغ اجتماعي مفكك. فقد يتم استغلاله في سرت لعودة الكراهية أو أعطاء فرصة لنفث سموم التفرقة بين سكانها بمختلف قبائلهم وتركيباتهم الاجتماعية.
• جميع سكان سرت الذين عاشوا في ظل إرهاب الدواعش من ذبح وشنق يجب إخضاعهم إلى تأهيل نفسي. فعلى مكاتب الرعاية الاجتماعية أن تنشط في هذا المجال، والاستعانة بالإذاعة المحلية والمساجد لهذا الغرض.
• على جامعة سرت لعب دورا في التوعية والتثقيف ونشر معاني المواطنة وحقوق الإنسان من خلال أنشطة طلابية وندوات وحلقات فكرية.
• لضمان سلطة القانون يجب أن تشرف على مديرية الأمن بسرت خبرات من خارج سرت لضمان العدالة وعدم أعطاء فرصة للمحاباة القبلية أو تكرار ممارسة المنتصر والمغلوب.

صحيح أن العالم يحارب داعش بالرغم من أنها صناعة استخباراتية عالمية توظف بشأن التمهيد لإعادة صياغة أدوار لتغيرات جيواقتصادية وجيوبلوتيكية وربما تحويل مسؤوليات الهجرة غير الشرعية من الدول الأوربية المطلة على البحر المتوسط ورميها على دول جنوب المتوسط!!! لكن ما يهمنا في ليبيا هو نقطتين مهمتين:

أولاُ: تحصين أبنائنا وبناتنا ضد الغزو الديني المتطرف وتجنيبهم أن يكونوا وقودا لحرب الدواعش والتطرف الديني أو أن تصبح أرضنا ساحة معركة لمحاربة التطرف.
ثانيا: العمل على إفشال المخططات التي قد تضر بمصالحنا ليبين وليبيات ووحدة وطننا ليبيا. فلا ندري هل جاءت داعش لتنفيذ مشروع تقسيم ليبيا أو وطنت لتكون عامل مساعد على انفصال الشرق لينتهي التقسيم برقعة جغرافية يسهل تحويلها مكب للهجرة غير الشرعية.
لقد كلفت حرب تحرير سرت من داعش ليبيا الكثير من شبابها، ومدينة مصراته بحكم موقعها شاركت بأعداد كبيرة، فرحمت الله عليهم جميعا، ونسأل الله الشفاء لجرحانا .. درس داعش مكلف ولكن علينا الاستفادة منه والحرص على ألا يتكرر التطرف في ليبيا أو أن تعطى أي فرص للتقسيم بسبب التعنت السياسي.. فقد تظهر في ليبيا أشكال أخرى من التطرف يجب التعاطي بسرعة ويلونه ومنعها من الانتشار. فأي نوع من التطرف: ديني، سياسي، مذهبي، عرقي، أو حتى فكري سيعيق مسيرة التحول والانتقال الديمقراطي في ليبيا.. وعلى المجلس الرئاسي تأسيس مبدأ الحوار السلمي لحل كل الاشكاليات التي قد تواجه ليبيا .. فالعالم يتربص ولن يرحم من يغفل عن مصالحة ووحدة وطنه!!! تدر ليبيا تادرفت.
أ.د. فتحي سالم أبوزخار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف