الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب حسين الرحيلي -الاقتصاد التونسي بين فشل الساسة وأحلام الفقراء-

مرتضى العبيدي

2016 / 6 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


"تونس أخرى أجمل وأفضل ممكنة"، ذلك هو الشعور الذي يستبدّ بالقارئ وهو يطوي الصفحة الأخيرة من هذا الكتاب بعد أن كان غرق في مختلف فصوله في معجم لا ينبئ البتّة بهذا الاستنتاج المتفائل. فالرشوة والفساد والمحسوبية والولاءات والتهرب الجبائي و الغنيمة والرعب والإرهاب والتهريب والتفاوت والظلم والتفقير والتهميش والبطالة ... ألفاظ يزخر بها الكتاب وتحيل جميعها إلى واقع سوداوي متأزّم. خاصّة لمّا نعلم أنّ الكتاب الذي بين أيدينا ليس موجّها إلى جمهور بعينه بل هو يستهدف طيفا واسعا من القرّاء لا يقتصر على المناضلين السياسيين فحسب بل يتعدّاهم إلى نشطاء المجتمع المدني خاصة العاملين منهم في الجمعيات المهتمّة بالقضايا التنموية التي تكاثر عددها في بلادنا منذ 2011 ، والمنظمات الشبابية، وجمعيات المعطلين، والنقابات وكل التونسيين المهووسين بالشأن العام.
فالأستاذ حسين الرحيلي الذي عرفناه خطيبا مقنعا على منابر الأحزاب التقدمية والجمعيات المدنية وفي الندوات العلمية، نكتشفه اليوم كاتبا على نفس الدرجة من الإقناع وقارئا رصينا ومحلّلا دقيقا للمعطيات الموضوعية التي يطرحها الواقع التونسي بكل تعقيداته. ورغم تطرّقه في كل فصل من فصول الكتاب إلى قضية مخصوصة إلا أنّه ينتهي دوما إلى إيجاد الخيط الناظم بين جميعها فتظهر لنا في سياقها الشامل حتى وكأنك بصدد قراءة لا فصول في كتاب علمي بل في رواية مشوّقة رغم غبن الأرقام، هي رواية تونس ما بعد الثورة.
ولأنّ هذا الكتاب لم يُكتب في المكاتب المغلقة بل كتب في وهج النضال، فإنّ كل فصل من فصوله يحيل إلى معركة من المعارك خاضتها هذه الشريحة الاجتماعية أو تلك وتحمّست لها لا لكونها معنية بها بصفة مباشرة أو لأنها قد تجني منها بعض المكاسب الجزئية، بل لشعورها بأنها بصدد خوض معركة كبرى هي معركة القطع مع الماضي باتجاه الإقلاع. فرغم سوداوية الأرقام والجداول التي استعان بها المؤلف للتدليل على ما يطرح من أفكار، فإنّه لم ينفك في جميع فصول الكتاب يبشر بالأجمل، ويوضّح أن واقع الغبن الذي تعيشه البلاد ليس قضاء وقدرا بل هو ناتج عن اختيارات من ساسوا البلاد لستّ عقود خلت، ويواصل حكام تونس الجدد/القدامى النهل منها وفرضها على مجتمع ثار وكله أمل في تغييرها.

ولتيسير قراءة الكتاب، ولأسباب منهجية، اختار المؤلف توزيع فصوله الخمسة عشر على أربعة أبواب أو محاور يشكل كل واحد منها وحدة متكاملة. فخصّص الباب الأول، وهو عبارة على مدخل توجيهي لتسهيل الغوص في باقي أبواب الكتاب وفصوله، إلى البعدين السياسي والاقتصادي ، وتساءل عن طبيعة العلاقة التي يمكن أن تربط بينهما في ظل المرحلة الانتقالية. وتفرّعت عن هذا السؤال الجوهري أسئلة عديدة منها ما يتعلق بموقع كل منهما من الآخر من حيث الأهمية: أيّ منهما له الأولوية عن الآخر؟ وهل هما في علاقة تكامل أم تنافر؟ أم هل هي مجرّد علاقة توظيف متبادل؟

أمّا الباب الثاني، فقد خصصه للجوانب الاقتصادية وخاصة منها تلك التي تعوق التنمية في البلاد مثل آفات الرشوة والفساد، والتهريب والتهرب الجبائي والمديونية. فتناول كل منها في فصل خاص لا فقط بعين المراقب اليقظ بل بحسّ المواطن الغيور على بلاده ومقدّراتها التي يراها تهدر دون حسيب أو رقيب. فتساءل عن أسباب التأجيل المستمرّ لمعركة مقاومة الفساد الذي يشمل جميع مفاصل الاقتصاد ودلّل على ذلك باستعراض الوضع في قطاع استراتيجي حساس ألا وهو قطاع الطاقة والمحروقات. وتحدث في الفصلين الباقين عن الجباية والمديونية مبرزا أنّ إصلاح الأولى يمكن أن يخفّف من أعباء الثانية.

أمّا الباب الثالث، فقد ضمّنه المؤلف تحليله للوضع الاجتماعي في البلاد والذي يتسم بالخصوص باستفحال البطالة واتساع رقعة الفقر الذي يشمل كل يوم أعدادا متزايدة من الشرائح "المتوسطة" التي راهن عليها النظام الدستوري حتى تكون ركيزته لضمان نوع من الاستقرار في البلاد. فخصّ البطالة في مختلف مظاهرها بأحد فصول هذا الباب، الظاهر منها والمقنّع وأشكال التشغيل الهش الذي تفننت الدوائر المسؤولة في استنباط "الآليات" لفرضه وتأبيده. كما تناول فصل آخر الموارد البشرية المتوفرة وتوزيعها اللامتوازن بين القطاعات والجهات والمؤسسات وسوء استعمالها ممّا يؤدّي إلى أشكال أخرى من البطالة "الشرعية" خاصة الأجر، ممّا أضر بمفهوم العمل كقيمة إنسانية. كما تناول المؤلف في هذا الباب معضلة الصناديق الاجتماعية وسبل إصلاحها والنهوض بها.

وفي الباب الرابع والأخير، تناول المؤلف البدائل الممكنة، لأنّ فهم الواقع وحده لا يكفي إذا لم يكن يُفضي إلى اقتراح الآليات والبرامج الكفيلة بتغييره لما فيه خير البلاد والعباد. لذلك نراه يتصدّى في هذا الباب إلى قضايا إستراتيجية تهمّ الثروات الطبيعية وحمايتها من النهب وتحسين استثمارها حتى يتمّ إدراجها في منوال تنموي جديد يخرجها من وضعها كمواد أولية تباع في الأسواق العالمية بأبخس الأثمان، بل تصبح عنصرا لخلق القيمة المضافة وما يترتب عنها من تحسين المردودية وخلق مواطن شغل إضافية الخ... كما تعرّض في هذا الباب كذلك إلى قضية مصيرية لا تستقيم بدونها سيادة الأوطان ألا وهي الاكتفاء الذاتي الغذائي، وأبرز أنّ تونس التي كانت في العهود القديمة مطمورا لروما لقادرة أن توفّر اليوم لأبنائها حاجياتهم من الغذاء وزيادة.

فما الذي يعطّل اليوم إذن تجاوز هذه المعوقات؟ ذلك ما حاول المؤلف الإجابة عليه في خاتمة الكتاب عندما تساءل عن الشروط التي من شأنها أن تجعل قوى اليسار الحاملة لقيم الحرية والعدالة الاجتماعية تشكّل بديلا فعليا للوضع السائد ومشروع حكم للبلاد في المرحلة القادمة.
وفي الختام، لا يسعني إلا أن أقول إن الكتاب الذي بين أيدينا ليس من تلك الكتب التي نقرأها مرّة وحيدة وانتهى الأمر، بل هو من نوع الكتاب/الأداة، أداة عمل للمناضلين الذين نذروا أنفسهم لخدمة تونس وشعبها والذين حلموا بغد أفضل وهم يبذلون اليوم الغالي والنفيس من أجل تحويل هذا الحلم إلى حقيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة