الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثلث المقدس: نتانياهو، اردوغان وبوتين

يعقوب بن افرات

2016 / 6 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


في يوم واحد شاهدنا كيف تم إبرام صفقة مستديرة بين المثلث المقدس الذي يجمع إسرائيل، تركيا وروسيا. نتانياهو اعتذر من أردوغان الذي اعتذر بدوره من بوتين، نتانياهو دفع تعويضات بقيمة 21 مليون دولار لتركيا التي ستحولها مباشرة إلى الصندوق الروسي كتعويضات تركية مقابل إسقاط الطائرة الحربية الروسية. الموضوع الظاهر والذي جلب الكثير من التعليقات والاهتمام هو الغاز. فتركيا تستورد نصف حاجتها من روسيا، إسرائيل اكتشفت آباراً كبيرة للغاز في قاع البحر المتوسط ومن أجل استخراجه عليها أن تضمن لنفسها الأسواق وتركيا بلا شك هي زبون مفضل. ولكن من ينظر إلى الامور بشكل أعمق سيكشف أن الغاز هو بمثابة القنبلة الدخانية التي تستر على الموضوع الأهم الذي يجمع بين اسرائيل، روسيا وتركيا وهو مستقبل سوريا وفلسطين.
صحيح أنه ليس لروسيا دور في قضية فلسطين ولكن لها دور محوري في سوريا وأصبح دوراً مقرراً بعد بدء التدخل العسكري المباشر في سبتمبر- أيلول المنصرم. أما أردوغان فيحارب ما يسميه الإرهاب الكردي على أراضيه بينما إسرائيل تحارب ما تسميه هي الإرهاب الفلسطيني في جوارها. إسرائيل لا تعتبر الPKK (حزب العمال الكردستاني المعارض في تركيا) منظمة إرهابية وفي المقابل فإن أردوغان لا يعتبر حماس تنظيماً إرهابيا وهذا ما يشكل نوعاً من التعادل في العلاقات بين البلدين. وبينما تنظر تركيا بارتعاب إلى إنشاء منطقة الحكم الذاتي الكردي "روج افا" في شمال سوريا فإسرائيل قلقة مما يحدث في غزة من كارثة إنسانية مستفحلة قد تقود إلى حرب جديدة هي في غنى عنها. ومع كل الاحترام للغاز والاقتصاد فمن يتابع الموضوع في إسرائيل يعرف أن هنالك معارضة داخلية قوية لمنح الامتياز للشركات الخاصة بإستخراج الغاز للقيام بذلك دون أن تستفيد الدولة من أرباحه. كما يتضح أن مد أنابيب الغاز من إسرائيل إلى تركيا من المفترض أن يستغرق سنوات طويلة بينما الأزمتين في سوريا وغزة هما آنيتين، عميقتين وخطيرتين بالنسبة لكلا البلدين.
الأزمة في سوريا لا تهدد الأمن القومي التركي فقط بل الإسرائيلي أيضاً، وذلك بعد أن تحولت إيران من مشكلة إسرائيلية إلى مشكلة إقليمية، وفي الوقت ذاته تريد تركيا أن تضمن أمنها في شمال سوريا، تريد إسرائيل أيضا إبعاد أي خطر عن هضبة الجولان في جنوب سوريا. وكون بوتين يتحكم في كل كبيرة وصغيرة في سوريا فمن الطبيعي أن يلجأ نتانياهو إلى المساعدة الروسية ويقوم بزيارات متكررة لبحث التنسيق مع الروس بهدف ضمان إبقاء الجولان السوري منطقة عازلة وحزاماً أمنياً يمنع حزب الله من الاقتراب من الحدود مع إسرائيل ضمن أي تسوية مستقبلية للنزاع السوري. أما تركيا فتريد أن تهادن موسكو لكي تخفف من الدعم الروسي للأكراد من خلال إعادة العلاقة إلى ما كانت عليه قبل التدخل العسكري الروسي في سوريا. وقد استخدم نتانياهو العلاقة الحميمية مع بوتين كرافعة للضغط على أردوغان الذي اضطر إلى إعادة حساباته الاستراتيجية بعد أن فقد الدعم الأمريكي وبقى في عزلة مطلقة أمام الجبروت الروسي.
ومن الجدير بالذكر أنه في السنوات الستة التي دامت فيها الأزمة بين تركيا وإسرائيل فإن قيمة التبادل التجاري بين البلدين ارتفعت باستمرار مما سهّل على رأب الصدع بينهما، الأمر الذي يدل على أن التطبيع التجاري أهم من المقاطعة السياسية.
إذا كانت سوريا مشكلة فمن الممكن التعامل معها من خلال الروس، فغزة هي مشكلة "إسرائيلية" بامتياز وعلى إسرائيل أن تأخذ بالحسبان جارتها المصرية في الجنوب ومصلحة شريكها الفلسطيني في رام الله الذي تقيم معه تنسيقاً أمنياً "مقدساً". وعندما نتحدث عن غزة فإننا نتحدث عن حركة حماس، وإذا كان العدو المعلن لحماس هو "الكيان الصهيوني" فإن الأعداء الأكثر تشدداً -في الواقع المؤلم- هما "الكيانين" المصري والفلسطيني الأمر الذي يمنح لإسرائيل هامشاً واسعاً جداً للمناورة. وقد راهنت إسرائيل منذ الحرب الأخيرة على غزة ("الجرف الصامد") على الدور المصري ورفضت في حينه اقتراحات أمريكية للرهان على المحور القطري التركي. وقد حظي انقلاب عبد الفتاح السيسي على الإخوان المسلمين بكل الدعم الإسرائيلي. ويتخيل الإسرائيليون اليوم إمكانية تشكيل شرق أوسط جديد دون حل القضية الفلسطينية من خلال تحالف "سني" يشمل اضافة الى مصر، السعودية، والاردن. وبفعل الانقلاب في مصر تم سد كل الأنفاق من سيناء إلى غزة وأحكمت مصر الحصار على حماس بهدف إسقاطها.
مع مرور الوقت اتضح أن النظام المصري يدخل في أزمة داخلية خطيرة جداً نظراً لأساليبه القمعية تجاه كل من يعارض سياساته. السعودية بدورها تورطت بحرب في اليمن وتمر في صراع داخلي على السلطة. السلطة الفلسطينية فقدت مصداقيتها الأمر الذي أدى إلى ما يسمى انتفاضة السكاكين. ومع تلاشي المحور "السني" الفاسد والهش، بقيت غزة غارقة في الفقر، الجوع، العطش، الظلام والبطالة المستفحلة مما أجبر إسرائيل على توفير الحد الأدنى من احتياجاتها التموينية عبر المعابر الوحيدة التي تربط غزة مع العالم الخارجي. أما في كل ما يتعلق بمستقبل غزة السياسي يختلف موقف إسرائيل عن موقف أبو مازن والجنرال السيسي. نعم حماس هي منظمة متطرفة في نظر إسرائيل ولكن إسرائيل لا ترى في الظروف الحالية بديلاً واقعياً عنها. السلطة الفلسطينية فقدت السيطرة في غزة قبل 9 سنوات وهي بالكاد تسيطر على الضفة الغربية رغم التنسيق الأمني الوثيق مع اسرائيل. ولو لم تكن إسرائيل حريصة على علاقاتها مع النظام المصري لكان الاتفاق مع تركيا أبرم منذ زمن طويل بعد أن تم الاتفاق على أهم بنوده. القرار باللجوء إلى تركيا هو قرار استراتيجي يثير حفيظة المصريين والفلسطينيين في آن وهو بمثابة صفعة في وجهيهما.
الإستراتيجية الإسرائيلية مبنية على قيام كيانين فلسطينيين منفردين حتى يبقى الفلسطينيون في نزاع دائم يمنع قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة. وإذ تسعى مصر والسلطة الفلسطينية للإبقاء على الربط بين غزة والضفة الغربية فتركيا لا تمانع -بل تشجع- "حكم" حماس حتى أصبحت غزة بالنسبة لهم أهم من القضية الفلسطينية برمتها كون حماس حليفا لحزب العدالة والتنمية التركي. وإذا ساهمت تركيا في تحسين الوضع الإنساني في غزة وعملت على لجم حركة حماس فهذا سيخدم دون شك الهدف الإسرائيلي أيضا خاصة إذا تم حل مشكلة الكهرباء والماء. الهدوء على الحدود مع غزة كان دائما مصلحة إسرائيلية واليوم تشاركها تركيا التي استطاعت من خلال الاتفاق مع إسرائيل حسب أقوالها فك الحصار عن غزة.
رغم أهمية الاتفاق بين تركيا وإسرائيل والدور الروسي في المنطقة إلّا أن انعكاساته على مصير المنطقة تبقى محدودة جداً، ففي الحقيقة ليس في يد إسرائيل، ولا تركيا أو روسيا أن تتحكم بمصير سوريا التي أصبحت ساحة مفتوحة أمام كل من له باع في أمور المنطقة. أما محاولة تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية "إنسانية" ومقايضة التسهيلات الاقتصادية الضئيلة بقبول الحصار على غزة والاحتلال العسكري في ضفة الغربية فهي محاولة فاشلة لا فرصة لها للنجاح في المستقبل المنظور. إن الحصار المستمر على غزة والتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية والمواجهة بين النظام المصري والثوار الشباب في مصر تدفع نحو تحرك شعبي كبير قد يبعث كلاً من أبو مازن، حماس وعبد الفتاح السيسي إلى مزبلة التاريخ.
إن الاتفاق مع أردوغان ليس سوى خطوة مؤقتة لكسب الوقت فقط، والوقت مثلما أثبت الربيع العربي لا يلعب لصالح الأنظمة القمعية الفاسدة فالطموح الفلسطيني إلى الحياة بكرامة لا يمكن أن يُشترى بمحطة كهرباء وجهاز لتحلية المياه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح