الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
السّماح يا «بوتشي»..!
ضيا اسكندر
2016 / 7 / 3كتابات ساخرة
أصرّت زوجتي على أن أكلة المحشي لا يمكن طبخها من دون لحمة. وأننا بالنادر أصلاً أن نطبخها. ولهذا يجب أن نغنّجها ونعطيها حقّها من الاهتمام. وبعد نقاشٍ طويل وحساباتٍ دقيقة، اتفقنا على أن ميزانيتنا تسمح بشراء نصف أوقية على أن نجزّئها إلى طبختين للتطعيم..
توجّهت على مضض إلى لحّام الحيّ للشراء بعد طول غياب، ولدى وصولي سمعتُ صوتاً حزيناً لرجلٍ كهل يسأل اللحام بمناشدة رحيمة:
- «أخي! الله رزقنا بنصف أوقية لحمة من جماعة عاملين نذر – الله يقبله منهم – إذا بتعمل معروف، بتشتريها؟» وأضاف موضّحاً وقد اكتشفتُ أنه ألثغ يقرط بحرف الراء في كلامه: «الله وكيلك طريّة شغل اليوم.. حرمنا منها الأولاد حتى نشتري لهم بحقّها خبز».
أجابه اللحّام وهو يسنّ السكّين مبتسماً: «الله يسامحك يا عمّ، جيت تبيع ميّ بحارة السقّايين! أي أنا يا دوب بيع اللي عندي.. لاتواخذني والله بعتذر».
لفحني ضرامٌ داخلي، وشعرت بالغيظ يتفشّى في جسمي وأعصابي. وقبل أن تتشكل الكلمات في فمي قرّرتُ شراءها. وعلى الحارك تدخّلت قائلاً: «أخي أنا أشتريها.. بعد إذن جارنا اللحّام.. كم تريد سعرها؟»
أجاب الكهل دون مساومة: «كما يبيعها جارنا اللحّام.. هات (300) ليرة والرزق على الله».
سارعتُ بدفع ما طلبه واستلمت منه كيس اللحمة، وانكفأ عائداً يدعو لي كبائعٍ متمرّسٍ بأكلها بالهناء وبتعويض ما دفعته أضعافاً.
رمقني اللحام بنظرة ساخطة، إلا أنه سرعان ما عدّل نظرته مبدياً تعاطفاً كاذباً مع الفقراء قائلاً:
- «الله يعين هالشعب، شو بدّو يتحمّل ليتحمّل..»
وافقته بكلماتٍ مقتضبة وتركته عائداً إلى البيت وفي نفسي كومة من الضيق.
فور وصولي حاملاً الغنيمة، استقبلني كلبنا «بوتشي» بحفاوة غير مسبوقة. وبدأ يقفز راقصاً ملوّحاً ذيله بسعادة. وبين لحظة وأخرى يقرّب رأسه من كيس اللحمة مستطلعاً. فقد عرف بغريزته وبحاسّة الشمّ القوية لديه بأن ثمة كنزاً ثميناً أحمله معي.
رمقتُ زوجتي بنظرة متسائلة "ما العمل؟" ابتسمتْ وأسبلتْ جفنيها تاركةً لي الخيار في اتخاذ القرار.
"بوتشي" مضى على وجوده معنا ما يقارب السبع سنوات. حتى غدا أحد أفراد أسرتنا الصغيرة. له ذات الحقوق التي يتمتّع بها كلٌّ منّا. لم نبخل عليه يوماً بالطعام أو التنزّه أو اللعب.. وهو بالمقابل كان وما زال كريماً معنا بمحبّته وإخلاصه ومرحه.. وهذه المزايا يعبّر عنها في كل لحظة وفي كل الأمكنة حيثما تواجد فيها.
صحيح أنه تحوّل قسراً إلى كائن نباتي بسبب الضائقة المعيشية التي نتخبّط فيها، إلا أنه عندما نتمكّن من تأمين أيّة مادّة لها علاقة باللحوم يجنّ من فرحه. فهو في نهاية المطاف مخلوق لاحم.
قلت لزوجتي: «لن أستهنئ بأكلة المحشي يا عزيزتي ونظرات «بوتشي» توخزني كالإبر.. اسلقي له ما أحضرت، وعوضنا على الله كما هو حال 90% من شعبنا الطيب الصبور..».
قفز بوتشي وبدأ يشرئبّ متسلّقاً رجليّ يحثّني على استنهاضه ورفعه ليضمّني شاكراً وكأنه فهم ما رميت إليه. لبّيتُ رغبته وحملته وبدأت أحادثه عن الأزمة السورية التي ألمّت بنا جميعاً. وهو ينظر صوبي مراقباً متأمّلاً وقد أدرك حالة الحزن التي تنساب من كلماتي. كانت عيناه تنطقان بالضراعة والتوسّل بألاّ أُكمل؛ لأن الحجر بات يئنّ من هول المأساة، فما بالك الكائنات الحيّة!
ختمتُ محادثتي: «يا بوتشي الحبيب، من ساواك لنفسه ما ظلمك. نحن مثلك نحبّ اللحمة، ولكن ظروفنا كما ترى لا تسمح. عليك التحلّي بالصبر، لقد هانت المصيبة وبتنا قاب قوسين أو أدنى من الحلّ السياسي. لذلك سنأكل المحشي سويّةً باللحمة التي أحضرتها. (موجّها كلامي لزوجتي التي ما برحت مكانها تصغي لهذري كما تسمّيه) هيّا عزيزتي، أسرعي بإعداد الطبخة لنا جميعاً. وأنا على يقين تام من أن «بوتشي» لن يزعل منّا أبداً.
ردّت زوجتي بتهكّمها المعهود: قلت لي (قاب قوسين أو أدنى!).
واستدارت بجسمها متجهة إلى المطبخ وهي تبربر لاعنةً الحكومة والفقر والفاسدين ومن أوصلنا إلى هذه النكبة..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. هذا ما قالته الممثلة مي سحاب عن سبب عدم لعبها أدواراً رئيسية
.. -مساء العربية- يفتح صندوق أسرار النجم سعيد العويران.. وقصة ح
.. بيع -الباب الطافي- الذي حدد نهاية فيلم تيتانيك بسعر خيالي
.. الفنان #محمد_عطية ضيف #قبل_وبعد Podcast مع الاعلامي دومينيك
.. الفنان عبد الرحمان معمري من فرقة Raïm ضيف مونت كارلو الدولية