الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورة النّجم: قراءة سريانيّة-آراميّة جديدة (1)

ناصر بن رجب

2016 / 7 / 5
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


سورة النّجم: قراءة سريانيّة-آراميّة جديدة (1)

 

تأليف:

كريستوف لوسنبيرغ

 

ترجمة وإعداد: ناصر بن رجب

 

 

مقدّمة

لقد أظهر التحليل الفيلولوجي أنّ الألفاظ الثلاثة التي تُكوِّن هيكل كتاب الإسلام المُقدَّس لها جذر سرياني: 1. قرآن (وهي صيغة مُحرّفة من "قِرْيانا"= كتاب طقوس) (1)؛ 2. سورة (من السريانيّة "سورة كْتَابْ"، تعني حرفيّا: نصّ الكتاب = كتاب [مقدّس])؛ 3. آية (قراءة خاطئة للّفظة السريانيّة "آثَا" = علامة [من بين معاني أخرى]: أ. علامة سماويّة = مُعجِزة؛ ب. كلّ علامة من العلامات التي تتكوّن منها الكتابة، أي كلّ حرف من حروف الأبجديّة). وهكذا يبدو واضحا وبشكل مطّرد أنّ نصّ القرآن، وهو أوّل كتاب تأسيسي في لغة الأدب العربي، لا يمكن فهمه ضمن محيطه التّاريخي إلاّ إذا أخذنا بعين الاعتبار اللّغة الأدبيّة المُهيْمِنة في تلك الفترة وفي ذلك الوسط. لقد وصف آرثر جيفري، في كتابه (The Foreign Vocabulary of the Qur’an) المكانة الرئيسية التي تحتلّها اللغة السريانيّة في مجمل المفردات القرآنية الأجنبيّة التي يحتوي عليها القرآن، على النّحو التالي:

 

"السّريانيّة: ذاك هو بدون أدنى شكّ المنبع الغزير الذي نهل منه القرآن. فاللّغة السريانية، التي لا تزال حيّة إلى اليوم كلغة ليتورجيّة وكذلك كلهجة تتكلّم بها أقليّة من المسيحيّين الشرقيّين في سوريا وبلاد ما بين النهرين وفارس، كانت في تلك الفترة [ظهور الإسلام] لغةَ التَخاطُب لتلك الجماعات المسيحيّة التي كانت معروفة معرفة جيّدة لدى العرب. [وكتب جيفري في الهامش: بالنّسبة لهذه الدراسة فإنّ لفظ سريانيّة = الآراميّة المسيحيّة، وهذا يشمل اللّهجة المسيحيّة الفلسطينيّة واللّهجة الآراميّة للمسيحيّين القاطنين شمالي سوريا بالإضافة إلى لهجة الرُّها (أورهاي بالآراميّة) السريانيّة الكلاسيكيّة التي نعرفها جيّدا من خلال الأدب والتي من المعروف أنّها استولت بغير حقّ على لقب "سرانيّة"].

 

إنّه من الصّعب تحديد مدى انتشار استعمال اللّغة السّريانيّة في زمن محمّد في المنطقة التي تُعرف اليوم بسوريا، ولكن يبدو من المؤكّد إلى حدٍّ ما أنّه عندما كانت اللّغة الإغريقيّة هي اللّغة الأدبيّة المهيمِنة في المنطقة في تلك الفترة، فإنّ السكّان العاديّين الأصليّين كانوا يتكلّمون عامّةً السريانيّة".

 

على ضوء هذا، فإنّ الجدالات التي أثارها كتابي (The Syro-Aramaic Reading of the Qur’an)، في بعض الأوساط العلميّة كانت مثيرة للاستغراب. ويمكن تفسيرها انطلاقا من واقع أنّ كثيرا من الاختصاصيين في العربيّة لا يعرفون الآراميّة. فهم غير قادرين على تقييم مثل هذا العمل التاريخي-الفيلولوجي تقييما موضوعيّا بحكم أنّهم وضوعوا كلّ ثقتهم في لغة عربيّة ما بعد-قرآنيّة، العربيّة الكلاسيكيّة المزعومة. فحتّى لغة القرآن فهي ليست مطابقة للغة عربيّة قديمة مُختَلَقة، أو للغة الشّعر العربي الجاهلي المزعوم، ولا حتّى للّغة العربيّة المُسمّاة لغة كلاسيكيّة بُنِيت على قواعد نحويّة ما بعد-قرآنيّة صنعها الفارسي سبويه (تـ 180 هـ/796 م). من الظاهر أنّ هؤلاء الاختصاصيّين الذين يجزمون بأنّ المقاربة السريانيّة الآراميّة لتأويل لغة القرآن هي لا شيء سوى أطروحة مشكوك فيها، هم غير قادرين على التّنصّل ممّا يمكن تسميّته حقًّا بالألسنيّة الأيديولوجيّة.

 

إنّ المنهج التاريخي النقدي المُقتَرَح وقع شحذه ليكون قبل كلّ شيء منهجًا تجريبيّا لأنّه مُؤسَّس على حالات ملموسة لسياقات قرآنيّة مُعيّنَة. وفي نفس الوقت فهو مُوجَّه لترميم النصّ القرآني بناءً على مرجعيّات لغويّة يمكن التثبُّت منها. وهذا الترميم للنّص القرآني يجب أن يتضمّن، كنتيجة غير مباشرة، إعادة النّظر في التفسير القرآني التقليدي الذي يبدو لنا مغلوطا في بُعدَيْه اللّغوي والتاريخي.

 

وحتّى نضع هذه القضايا من جديد على محكّ الدرس فإنّنا سنحاول في هذا المقال أن نُعطي إجابة معقولة للأسئلة التي طرحها بعض المساهمين في وقائع المحاضرة الأولى في جامعة نوتر دام سنة 2005. ولهذا الغرض سنقدّم قراءة سريانيّة آراميّة جديدة للآيات 1 إلى 18 من سورة النجم (السورة 53) التي تشكِّل فيما بينها وِحْدة متماسكة. فمن خلال تحليل فيلولوجي لهذه الآيات نرجو أن نُقيم الدليل على صحّة ما نصبو إليه: 1. أنّ المقطع القرآني يحتوي فعليًّا على تعابير أو ألفاظ سريانيّة آراميّة؛ ثمّ، 2.

 

القراءة التقليديّة لسورة النّجم (الآيات 1-18)

كمقدّمة لتناول هذه السورة بالبحث، نودّ تقديم ترجمة ريتشارد بل (Richard Bell) الإنجليزيّة التي تحتوي على الفهم الأصلي للمفسِّرين العرب التقليديّين الذين يرتكز عليهم الطبري (1).

 

1. By the star when it falls,

2. Your comrade [n.1: Muhammad] has not gone astray, nor has he erred;

3. Nor does he speak of (his own) inclination.

4. It [n.2: The prophet s speaking, or message] is nothing but a suggestion suggested,

5. Taught (him) by One strong in power,

6. Forceful [n.3: Either in body or in intellect, according to two accepted explanations. This is usually taken to be Gabriel, but cf. li. 58 where similar epithets are applied to Allah]; he stood straight,

7. Upon the high horizon,

8. Then he drew near, and let himself down,

9. Till he was two bow-lengths off or nearer [n.4: Or two bow-lengths or nearly," referring to the apparent height of the figure seen against the sky],

10. And suggested to his servant [n.5: Muhammad, who was Allah s servant] what he suggested.

11. The heart did not falsify what he saw.

12. Do ye debate with it as to what he sees?

13. He saw him, too, at a second descent,

14. By the sidra-tree at the boundary,

15. Near which is the garden of the abode [n.6: This must refer to some dwelling near Mecca, unless the verse be a later insertion, and refer to heavenly places. The whole vision is often to taken, but this robs it of force],

16. When the sidra-tree was strangely enveloped.

17. The eye turned not aside, nor passed its limits.

18. Verily, he saw one of the greatest signs of his Lord [n.7: Or, he saw of the signs of his Lord, the greatest]

 

أنّ التّعابير، والجُمل التي تحتها سطر في ترجمة ريتشارد بل والتي تمثّل الفهم العربي لهذه السورة سوف ستقع مناقشتها وإعادة تفسيرها حسب الفهم السّرياني الآرامي.

 

ملاحظات أوّليّة

إنّ التحليل الفيلولوجي لسورة النّجم سيقيم الدليل على أنّ موضوعها الرّئيسي هو الجدل الشائع في محيط الرّسول (لم يُذكَر اسمه في السورة)، الذي رُمْيَ بالجنون. ففي الآية 25 من "المؤمنون" (إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ)، وفي الآية 8 من "سبأ" (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ...) اتُّهِم محمّد بأنّه ركِبه "جِنٌّ"، وفي خمس آيات أخرى وُصِف بأنّه "مَجْنُون" (ليس بالمعنى الحديث للكلمة ولكن بمعنى "استحوذ عليه جنّ"، "ركبه جنّ"). يدحض القرآن التُهمة الأولى في ثلاث مناسبات: ("أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ..." [الأعراف: 184]، "أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ..." [المؤمنون: 70]، "مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم..." [سبأ: 46)؛ ويدحض كذلك التهمة الثّانية في آيات ثلاث: ("فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ" [الطور: 29]، "مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ" [القلم: 2]، "وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ" [التكوير: 22]). إنّ سورة النّجم تتناول سبب بعض العوارض التي تنتاب النّبي والتي لاحظها خصومه. والسؤال يتمثّل في معرفة ما إذا كانت هذه العوارض نتيجةَ وَسْوَسة شيطانيّة أم وَحْيٍ إلهي.

 

القرآن، بطبيعة الحال، يتمسّك بالحالة الثانية، وينسب أيضا نفس "المرض المقدّس" إلى رُسُل آخرين كانوا قد سبقوا رسول القرآن. ولهذا السبب صرّح القرآن في سورة الذاريات، 51: 52 "كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ". وقد اتُّهِم نوح بنفس التُهمة في سورة القمر، 54: 9 "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ".

 

بعد أن وضّحنا السياق الذي يجب أن نتناول فيه سورة النّجم، يمكننا عندئذ الشروع في تحليل النّص تحليلا دقيقا، آخذين بعين الاعتبار وفي نفس الوقت اللّغة العربيّة واللّغة السريانيّة الآراميّة.

 

تحليل فيلولوجي لكلّ آية على حده:

  1. وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى

    يستعمل القرآن القَسَم تماما كأداة إقناع. وقد يذهب الظنّ ببعضهم أنّ القرآن من خلال هذا التعبير لا يقوم إلاّ باستعمال مجرّد صيغة بلاغيّة. صحيح أنّ الآيتين 75 و76 من سورة الواقعة "فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ"، تشدِّد على أهميّة هذا القسم ولكن المفسّرين العرب، والمترجمين الغربيّين، يعتقدون هنا، عن حطأ، أنّ "النّجم" هو فاعل وفعله "هوى". يورد الطبري رأيين متضاربين منسوبين لمجاهد: 1. "عُنِيَ بالنَّجْم الثُّريَّا، وعُني بقوله (إِذَا هَوَى): إذا سقط؛ 2. التعبير يعني "القُرآنُ إِذَا نَزَلَ" (من السّماء). ولكنّ الطبري يُفضِّل الرأي الأوّل القائل بأنّ ما عُنِي به هنا هو الثّريّا: "والصواب من القول في ذلك عندي ما قاله مجاهد"، مُتجاهِلا، مع ذلك، معنى الفعل "هَوَى" الذي هو محوري هنا لفهم ما سيأتي في الآيات اللاّحقة. ونتيجة لذلك فإنّ كلاًّ من بلاشير (Blachère) وبل (Bell) وباريت (Paret) [وهذا الأخير يترجم هذه الجملة على أنّخا شِهاب) يقدِّمون الترجمات التّالية:

     

    Blachère: Par l’étoile quand elle s’abîme!

    Bell: By the star when it falls

    Paret: Beim Stern, wenn er (als Sternschnuppe vom Himmel?) fällt!

     

    إنّه من المناسب، خصّيصا إكرامًا للمختصّين في العربيّة، أن نذكِّر هنا بملاحظة نولدكه في كتابه حول النّحو السرياني بشأن موقع الكلمات في اللّغة السّريانيّة:

    "إنّ موقع كلّ كلمات الأجزاء الأساسيّة في الجملة يتميّز بهامش كبير من الحرّية. في الجملة الفعليّة أو الإسميّة يمكن أن يأتي الفاعل في بداية الجملة أو في نهايتها. كما يمكن لوحدة ترتيب الكلمات أن ينقطع بواسطة عناصر الخبر أو العكس. [في الهامش]: إنّ درجة حريّة التركيب اللّغوي السرياني يمكن أن معاينها أفضل من خلال مقارنة مقاطع سريانيّة مع ترجماتها العربيّة. فالمترجِم العربي يكون مضطرًّا مرارا وتكرارا أن يُغيّر موقع الكلمات، في حين أنّ المؤلِّف السرياني يتمتّع بحريّة الاختيار في كلّ الحالات تقريبا لترتيب الكلمات مع ما يتماشى مع النّحو العربي".

     

    هناك مثال في القرآن يُوضِّح الوصف الذي قدّمه نولدكه ونجد فيه أنّ الفاعل في الجملة الفعليّة لم يُذكر قبل الجملة الإضافيّة الثّانية. ففي سورة "الانشقاق" (84: 14-15)، يقع الحديث عن الكافر يوم الحِساب:

     

    14. إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ

    15. بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا

     

    نقل المترجمون الغربيون تفسير الطبري الاعتباطي الذي يشرح فعل "يَحُورُ" بمعنى "يَعُودُ" (إلى الله يوم الحساب)، فترجم مثلا بلاشير وبل الآيتين على النحو التّالي:

     

    Blachère :

    14. il aura pensé qu il ne reviendrait pas.

    15. Mais son Seigneur était clairvoyant à son sujet.

     

    Bell:

    14. And [he] thought that he would not be set back [n. 2: I.e. that his prosperity would continue the phrase is usually interpreted to mean would not be brought back to Allah".].

    15. Yea, but his Lord was of him observant.

     

    ومن المُدهش أنّ مُترجِمَيْنا المرموقيْن لم يُلاحظا أنّ الفعل السّرياني في الآية 14 "يَحُورَ"، هو مُرادف للّفظة العربيّة "بَصِيرَا" الواردة في الآية 15. بالتّأكيد كان بإمكانهما التّعرف على أنّ فاعل الكلمة السريانيّة ليس هو الكافر ولكن الفاعل هنا هو رَبُّه الذي ينظر إليه (مدّة وجوده في هذه الدّنيا). ولذلك فإنّ الآيتين يجب أن يُفهما هكذا:

     

    14. إنّه يظنّ أنّ (الله) لا يُبْصِره؛

    15. بلى إنّ ربّه يَراه (رؤيا العين)

     

    إنّ ما يصفه نولدكه بخصوص النّحو السرياني، والذي كثيرا ما يُحيِّر المختصّين في العربيّة، نجده أيضا جليّا في الجملة التي تأتي في مقدّمة السورة التي نحن بصددها. فوحدة الجملة، التي انكسرت بفعل ادخال الفاصلة الخاطئة (بعد "هَوَى")، لم يهْتدِ إليها المفسِّرون والمترجمون. في الحقيقة، تحتوي الآيتان الافتتاحيتان على جملة مركَّبة من شرط (آية 1) وجواب شرط (آية 2). وهكذا فإنّ التركيب النحوي للجملة يكون كالتّالي:

     

  1. الكلمة الأولى (والنَّجْمِ) ليست الفاعل في الآية 1 بل هي قَسَمٌ لا دور آخر له سوى تقديم الجملة التي تأتي لاحقا. وبناء على هذا، فإنّ الجملة [الآية] كلّها تكون "وَالنَّجْمِ" وليس "وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى". وترجمتها إلى الإنجليزيّة تكون: («By the star!» and not «By the star when it falls»)

  2. زمن الجملة التي تأتي بعدها "إِذَا هَوَى" زمن شرطي، والفاعل هو الشخص المذكور في جواب الشرط في الآية 2: "صَاحْبُكُمْ". يجب إذن أن نفهم الجملة النحو التالي: "إِذَا هُوَ (= صَاحِبُكُم) هَوَى".

  3. جواب الشّرط [جواب القسم] يأتي منطِقيًّا في الآية 2:

 

  1. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى

    عندما يُترجِم بل (Bell) هذه الآية هكذا «Your comrade has not gone astray, nor has he erred »، فهو لا يرى بوضوحٍ كافٍ ما تشير إليه، أي المَسُّ الشيطاني الذي يُعتَقد أنّ الذي يُصاب به يخرج عن الطريق المستقيم وينتابه الهذيان. فلهذا السّبب إذن يؤكِّد القرآن أنّ النَّبي (صَاحِبُكُمْ) لم يَحِدْ عن الحقّ ولا زال عنه ولم يُصَب بالهذيان. فتصبح ترجمة الآية، الأقرب إلى الصواب، كالتّالي: «Your companion has not gone astray, nor has he become delirious».

     

  2. وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى

    إنّ لفظ "هَوَى" لا يعني هنا "اتَّبع هواه، ابتدع" (2) [أي ليس نُطْقُه صادرا عن هوى نفسه، كما يقول المفسّرون]، بل يجب أن نرى فيه، بالتّوازي مع الفعل "هَوَى"، الذي ورد في الآية الأولى، صيغةً إسميّة. وبناء على هذا، فإنّ كلمة "هَوَى" يجب أن تُؤْخَذ كمرادف للفظ "وُقُوع=صَرْع". وفيما يتعلّق بحرف "عَنْ"، فإنّه يجب فهمه بمعنى "تًحْتَ تَأْثِير كذا"، إذ نجد ما يوازي هذا المعنى في سورة الواقعة (56: 19) عندما يتحدّث القرآن، بخصوص شرب الخمر في الجّنة، أنّ "المُقرَّبون" لا يُصيبهم الصُّداع من تأثيرها (عَنْهَا)، "لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يَتَرَفُّوْنَ"(3).

     

    (يتبع)

     

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    الهوامش:

    صدر هذا المقال في كتاب:

    New Perspectives on the Qur an

    The Qur an in its Historical Context 2

    Edited by Gabriel Said Reynolds

    First published 20ll

    by Routledge

     

    تحت عنوان:

    Christoph Luxenberg

    Al-Najm (Q 53), Chapter of the Star

    A new Syro-Aramaic reading of Verses 1 to 18

    Pages : 279-297

     

    (1) الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمود محمّد شاكر، القاهرة، دار المعارف، 1968، 27:40-57.

    (2) أنظر:

    C. Luxenberg, The Syro-Aramaic Reading of the Koran: A Contribution to the Decoding of the language of the Koran, Berlin: Schiller, 2007, 70-74.

    (3) من السريانيّة "هْوَا" ("كان، وُجِد")، "أَهْوِي" ("خَلَقَ، اخْتَرَعَ")، الذي جاء منه الاسم العربي "هَوَى" (كلّ ما يبتدعه المرء: "تَوَهُّم"، "تَخَيُّل"). أنظر:

    J.E. Manna, Vocabulaire Chaldéen-Arabe, Mossoul, n.p., 1900.

    وقد أُعيد طبعه في بيروت سنة 1975.

    (4) القراءة التقليديّة "يُنزِفُونَ" قراءة خاطئة. والتعديل المُقتَرَح هنا يُبرِّره الفعل السّرياني "اتْرَفِّي" ("استرخى")، وما الصيغة القرآنيّة إلاّ ترجمة له. أنظر:

    R. Smith, Thesaurus Syriacus, vol. I, Oxford 1879, vol. 2, 1901.

    مثلا: "رَفِّيُوتا" و "م-رَفِّيُوتا" وما يقابلهما بالعربيّة، حسب بار علي وبار بهلول: "رَخَاوَة"، "ارْتِخَاء"، اسْتِرْخَاء". أن يكون الجذر السرياني "رْ فَ ا" هو نفسه صيغة مُشتقَّة من "رْ/فَ/ح" بحذف الحاء، فذلك ما تبرهن عليه دلالة هذا اللّفظ الذي يقابِله منّا (Manna) في العربيّة بكلمة "رَخَفَ" (وهو تبادل صوتمي لكلمة "رَفَحَ"، فالحرف العربي "خَ" هو صوتم آرامي منبثق عن حرف "حَ"، ويؤكّد هذا عديد اللّهجات الآراميّة البابليّة بما فيها اللّهجات الآراميّة الجديدة التي تُعْرَف بالآشوريّة في بلاد ما بين النهرين) ثمّ "اسْتَرْخى" بالمعنى المادّي للكلمة (مثل العجين بالنّظر إلى طبيعته غير المتماسكة).

    إنّ هذا الاستشهاد الأخير يُظهر لنا أنّ الجذر العربي "رَ/خَ/ا" هو اشتقاق تطوّر من حذف حرف النهاية "ف" للفظة "رَخَفَ" (مثلا في اللّهجة الحلبيّة المعاصرة فإنّ لفظة "ب-أَعْرِفْ" تُتنْطَق "ب-أَعْرَا). وهذه الأخيرة هي بدورها نطق مشتق من الجذر السرياني الآرامي "ر ح ي ف" الذي يُنطَق بدوره من خلال تخفيف الحرف الوسطي "ح"، والفعل العربي المشتق "رَأَفَ/رَؤُفَ"، ومنه اللّفظ السرياني "رَاحُوفَا" الذي يعطي اللّفظ العربي "رَئِيف". وهذا يمكن مقارنته بالجذر "رْ/حِ/يـ/مْ"، بالعربيّة "رَ/حِ/ي/مْ". أخيرا، نلاحظ أنّ لسان العرب يستشهد عند تعرّضه للجذر "رَ/فَ/حَ" بحديث بحديث عمر لمّا تزوّج أمّ كلثوم بنت علي إذ قال: "رَفِّحُونِي؛ أي قولوا لي ما يُقال للمُتزوِّج"، بمعنى "تَفْرَحُ" (وهذه العبارة ما زالت تُقال إلى يومنا هذا قبل أو عند الزّواج)، (وكذلك فإنّ عبارة "فَرَحْ" تُطلق على حفلة الزفاف في مصر مثلا، [وكذلك في تونس]). وهذا يُفسِّر لنا أن الصيغة المشتقّة من الفعل العربي "فَرِحَ" هي تبادل صوتمي للجذر السرياني الآرامي "ر/ف/ح" (أمّا الصيغة العربية الأخرى "رَ/قَ/حَ" التي ذكرها لسان العرب على أنّها تؤدّي نفس المعنى هي بوضوح نتيجة للتّنقيط الخاطئ الذي أفرز "ق" عوضا عن "ف"). نودّ أيضا أن نجلب الانتباه إلى صيغة أخرى للإشتقاق العربي لنفس الجذر التي هي نتيجة لقلب "الحاء" إلى "هاء" لكي تعطي: "رَفَهَ/رَفُهَ"، تَرَفَّهَ والأسماء المشتقّة مثل "رَفَاهَة" و "رَفَاهِيَّة"، إلخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات