الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطيتهم قتلت إنسانيتهم

عبدالقادربشيربيرداود

2016 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


جريمة الاغتيال النكراء؛ التي طالت النائبة البريطانية (جو كوكس)، أتت في أوج انقسامٍ سياسي وشعبي حاد، عشية الاستفتاء على بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوربي، التي تعد انقلاباً على الفكر الديمقراطي، وأنصاره، وجميع المؤمنين به، وعلامة تحول سلبي في تاريخ البرلمان البريطاني، والقيم التي جسّدها، وما تملكه بريطانيا كي تبقى في مأمن من الهمجية التي اجتاحت أوربا في أزمنة مضت. كيف لا؟ وكوكس كانت تؤدي واجبها العام في قلب ديمقراطيتهم، وتستمع إلى الذين انتخبوها لخدمتهم وتمثيلهم.
اغتيال جو كوكس انتكاسة لرايات الإنسانية والمثالية والديمقراطية، وجريمة سوف تُلوث مفهوم المجتمع نحو ما آمنوا به من قيم، وناضلوا من أجلها عقوداً وعقوداً، فالإهانة أعمق بكثير من غيرها من الجرائم؛ ما يقود إلى خلاف وتباين سلبي في الآراء مستقبلاً.
هذا المشهد المأساوي عكس هوية الإرهابي البريطاني (توماس ماير)، الذي هتف أمام كوكس قبل قتلها (بريطانيا أولاً)، وكشف تاريخه الطويل مع التيار القومي الذي يرفع شعار (الأبيض أولاً)، وأفكاره المريضة التي اتسمت بنزعة نازية سادية معادية للأعراف والأديان المختلفة، ومن ذلك المنطلق أقدَم على فعلته الجبانة وهي اغتيال الإنسانية، بينما قيمُ الديمقراطية دينُ قومه، والتي تمثلت في شخص المغدورة جو كوكس لأنها وبشجاعة الفرسان أعلنت موقفها ببقاء بريطانيا في الاتحاد الأوربي، في وقت كانت إسرائيل تخوض حملة ضغط قوية على بريطانيا للانسحاب من الاتحاد الاوربي، وصمموا موقعاً إلكترونياً على مواقع التواصل الاجتماعي موجّه إلى الرأي العام البريطاني، تحت شعار (ادعموا إسرائيل واتركوا الاتحاد الأوربي).
كانت كوكس من مناصري القضية الفلسطينية، والمدافعين عن حقوق الطبقات الفقيرة والأقليات، وعن اللاجئين، وكانت قلقة لتفشي مشاعر العداء ضد المسلمين، وازدياد الانتهاكات بشكل غير مسبوق، ووثـّـقت تلك الخروقات في تقرير ضد القوميين المتطرفين؛ ملاذ الإرهابي القاتل (ماير)، وبينت أساليب الاعتداءات والمضايقات التي يتعرض لها المسلمون، خصوصاً النساء المحجبات. فكان نضال كوكس من أجل عالم أفضل، وصارت حياتها درساً في الخدمة العامة، وصوتها صوتاً للمحرومين.
يمثـّل سياق مقتل جو كوكس مزاجاً شعبياً جديداً، ضاراً بالخطاب العام في بريطانيا؛ لأن موقف كوكس كان إنسانياً نبيلاً، وصرخة بوجه الطغيان وجبروت الإرهاب؛ أينما كان، ومهما كان لونه وبعده. وقد ذكّرني هذا العمل الإنساني بموقف (النجاشي) ملك الحبشة المسيحي، من المسلمين المهاجرين من ظلم وبطش قريش، والذي أثنى عليه نبي الرحمة (محمد بن عبد الله) صلى الله عليه وسلم، ووصفه بأنه "ملك لا يُظلَم عنده أحد"، فما أشبه اليوم بالبارحة؟!
في خضم تلك المأساة التي حلت بالإنسانية في بريطانيا، انتكست راية العدالة فيها أيضاً، حين أمر المدعي العام بإخضاع القاتل الإرهابي (ماير) إلى فحوصات نفسية؛ للتأكد من سلامته العقلية. وكأن الغرب هي المدينة الفاضلة التي يستحيل أن يكون فيها إرهابي، فكشفوا بذلك أن رائحة الكراهية تجاه كوكس تفوح من آلية تعاملهم، وسير التحقيق في ملابسات قتلها. في حين لو أن مسلماً قتل نملة في بلاد الغرب؛ لكان رد فعلهم أن نعتوه بصفة (إسلامي إرهابي)! ومن هنا نتساءل؛ لماذا لم يطلب كاميرون أيضاً رؤساء العالم والقساوسة، بمسيرة تنديد ضد الإرهابي (ماير)؟ الامر الذي يجعل ديمقراطيتهم على المحك.
برغم كل ذلك الإجحاف، سيبقى دم كوكس نهراً يسقي بذور نضال حقيقي شريف؛ ضد كل ألوان الإرهاب والغلو والتطرف في العالم، ومعولاً فولاذياً لتجفيف منابع الحقد والكراهية التي قتلت كوكس، وسبباً لتحالف الشرق المسلم مع الغرب المسيحي؛ للوقوف بحزم أمام خفافيش الظلام التي تعمل للسيطرة على عقول البشر، لقلب الحقائق في أذهان الناس، وفرض ثقافتهم بصلافة وفوقية واستعلاء وغرور، وتوجيههم إلى ما يريدون، معتبرين أنّ من حقهم أنْ يكونوا فوق القانون، وفوق المحاسبة.
ن هذا المنطلق، نناشد الخيرين والحكماء أينما كانوا أن لا يغسلوا أيديهم من المسؤولية تجاه أرواح تزهق، مهما كان دينها وقوميتها وجنسيتها، كي لا ينضب رصيد الإنسانية في نفوس معتنقيها... وللحديث بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة