الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرار لندن بغزو العراق.. خطيئة دولة لا فرد

محمد عبعوب

2016 / 7 / 9
الارهاب, الحرب والسلام


تحاول الدولة البريطانية ومن خلال ما صرح به يوم الأربعاء الماضي رئيس لجنة التحقيق في قرار لندن المشاركة في غزو العراق، إخلاء مسؤوليتها والتنصل من التبعات القانونية التي ستترتب يوما عن المشاركة في في هذه الجريمة، وذلك بمحاولة اختزال المسؤولية وحصرها في شخص رئيس الوزراء البريطاني في تلك الفترة طوني بلير بسيره وراء شريكه في الجريمة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش والتورط بقوة وتهور في هذه الجريمة الشنعاء التي لازالت تبعات زلزالها المدمر متواصلة حتى الساعة ولن تتوقف عن سفك دماء العراقيين وتبديد مواردهم وتدمير بلادهم قبل عقود قادمة..
ما أعلنه رئيس لجنة التحقيق يوم الأربعاء بخصوص عدم صحة قرار الحكومة البريطاني بشن حرب على العراق واحتلاله قبل قرابة عقدين من الآن بأن مبررات اتخاذ ذلك القرار ليست مُرْضية، وتحميل طوني بلير دون ربط الأمر بمنصبه، المسؤولية في ارتكاب هذه الجريمة، هذا الإعلان يبدو أنه محاولة لتبرئة الدولة البريطانية من هذه الجريمة وحصر المسؤولية عن اقترافها في شخص بلير، وهي محاولة كما أراها تفترض -وبشكل خاطئ- أن العراقيين والمجتمع الدولي من السذاجة بحيث تنطلي عليه هذه المحاولة ، ويمكن من خلالها تنظيف صفحة بريطانيا من تلك اللطخات السوداء التي لحقت بسمعتها جراء هذا القرار الإجرامي، وبالتالي تخلصها من أية تبعات قانونية قد تترتب عن هذا القرار الإجرامي.
هل يعتقد ساسة وقادة الأحزاب في المملكة المتحدة أن العالم لا يدرك أن هذا القرار الإجرامي قد اتخذه بلير بصفته رئيس حكومة مخولة بإدارة الدولة في المملكة المتحدة، منتخب عبر صناديق الاقتراع، وان أي قرار يتخذه إنما هو يعبر عن وجهات نظر الغالبية من أعضاء البرلمان البريطاني الذي انتخبه الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة للتشريع ومراقبة الحكومة في إدارة الشؤون الداخلية والخارجية ومنحها الثقة والموافقة او المنع في اتخاذ قرارات مهمة وخطيرة مثل قرار تورطها في جريمة غزو العراق، وبالتالي لا يمكن بأي صورة من الصور أن يتم حصر الجريمة في شخص بلير، لأنه لم يتصرف كفرد بريطاني عادي عندما سار بتهور وإصرار وراء مجنون أمريكا جورج دبليو بوش، بل اتخذ قراره في هذا المسار الخطأ كرئيس حكومة منتخب ديمقراطيا بإرادة الغالبية من البريطانيين، وحضي قراره بموافقة وتأييد الأغلبية في البرلمان .
ولا اعتقد أن مبادرة بلير بعد هذا إعلان نتائج التحقيق، بأنه يتحمل المسؤولية الكاملة ودون أي محاولة للتبرؤ من المسؤولية عن هذا القرار، لا أعتقد أنه يمكن أن تبرئ ساحة الدولة البريطانية من المسؤولية عن هذه الجريمة التي ستكلفها اذا ما أخذت العدالة مجراها يوما – وسيأتي هذا اليوم ولو بعد عقود- ستكلفها مبالغ باهظة قد تضع بريطانيا على حافة الانهيار فضلا عما تلحقه من تشوهات بسمعتها كدولة تؤثر حتى في ثقة المواطن البريطاني العادي في المؤسسات والأحزاب التي تهيمن على إدارة البلاد.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا فيما لو افترضنا أنه تم تحميل بلير في شخصه المسؤولية في هذه الجريمة، هو كيف لشخص فرد أن يعوض شعب بل شعوب تعد عشرات الملايين عن نتائج هذا القرار؟ كيف سيمكن له أن يعوض ذوي أكثر من مليوني قتيل سقطوا في هذه الحرب الإجرامية من العراقيين وعشرات الآلاف من الجنود البريطانيين؟ وكيف لبلير أن يعوض الدولة العراقية عن خسائر تقر بتريليونات الدولارات لحقت باقتصادها وبنيتها التحتية؟ كيف سيعوض مئات آلاف الثكالى وملايين اليتامى والمهجرين الذين يجوبون بحار وقارات العالم كلاجئين؟ كيف وكيف.. وألف كيف تطرحها ذاكرة الشعوب وهي تراقب لحظة بلحظة تفاصيل مرعبة لجريمة ارتكبتها الحكومة البريطانية وشركاءها و لا زالت تتواصل حتى اليوم في العراق ؟؟
اعتقد أن ما أعلنه رئيس لجنة التحقيق في هذه الحرب الإجرامية التي استنسخت من جديد في سوريا وليبيا واليمن ، لا يزيد عن كونه محاولة لتطييب النفوس وتهدئة الرأي العام البريطاني والأوروبي الذي بدأ يكتشف ان ساسته الذين ائتمنهم على إدارة مصالحه، أصبحوا يقامرون وبكل تهور بمستقبلهم ومستقبل أبنائهم ، خاصة بعد أن وصلت شظايا هذه الحروب الإجرامية إلى عواصم أوروبية وذاق المواطن الأوروبي عن قرب فداحتها ومرارتها حتى وإن شنت بعيدا عن أرضه وبيته، وتأكد بالدليل الملموس أن أي حرب تشعل لابد أن يلحق صهيدها مُشْعِلِيها مهما فصلتهم عن ميادينها من مسافات وبحار..
إن القرار الصحيح والشجاع الذي يمكن أن يعالج هذه الشروخ المريعة في ذاكرة الشعوب التي أحدثها هذا التدخل الإجرامي في العراق، و الذي يواصل ارتكابه ساسة بريطانيا والغرب في حق المنطقة العربية حتى اليوم، يجب أن ينطلق أولا من اعتراف صريح بخطأ هذا القرار، وبمسؤولية دولهم عن هذه الأخطاء وتقديم اعتذار رسمي عنها إلى ضحاياهم ، و وقف تدخلهم ودعمهم المعلن والسري للجماعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة التي تعبث بأمن هذه الدول، وكذلك استعدادهم لتعويض هذه الشعوب عن كل الخسائر في الأرواح والموارد التي لحقت بها جراء هذه القرارات الإجرامية .
أما هذا الإعلان الفضفاض عن وجود خطأ - كانت العديد من المنظمات المحلية والدولية قد نبهت في حينه بريطانيا اليه وحذرتها من عواقبه – الإعلان عنه بعد قرابة عقدين من ارتكاب الجريمة و مواصلة إدارتها بتعمد حتى اليوم، فهو لا يزيد عن كونه محاولة لامتصاص غضب الرأي العام المحلي والدولي ، وكذلك محاولة النأي بالدولة البريطانية كمؤسسات وأحزاب سياسية عن تحمل المسؤولية عن هذا القرار والهروب من كل ما يترتب عليها من تكاليف باهظة ماديا ومعنويا. إلا أن ما لا يقدره ساسة الغرب المنتشين بما يرتكبونه من جرائم في حق الشعوب منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم، هو أن العدالة لابد أن تأخذ مجراها يوما ما وستدفع بريطانيا كدولة وشعب وكل الدول الغربية الاستعمارية ثمن جرائمهم عبر العالم، لأن جرائم بهذا الحجم لا تنتهي بالتقادم وستحتفظ ذاكرة ضحاياهم بهذه الصور السوداء لهؤلاء الأشرار، وستطالب ورثتهم يوما بالتعويض وتسمهم بأنهم أحفاد للقتلة والمجرمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر