الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخطط الجديد لإصلاح الاستثمار بالمغرب: مخطط للإنقاذ الاقتصادي أم مخطط لترسيخ الإنجازات الاقتصادية السابقة؟

رضا الهمادي

2016 / 7 / 10
الادارة و الاقتصاد


لقد جاء إطلاق المخطط الجديد لإصلاح الاستثمار وهو برنامج كبير يرمي إلى إيجاد مناخ اقتصادي ملائم للاستثمار المنتج وضمان نمو سليم ومستدام في وقت جد مناسب لتدارك جميع الهفوات و الأخطاء التي ارتكبت في السنوات الماضية، فهو كما يدل عليه اسمه مخطط "للإصلاح الاقتصادي" الهدف منه تقويم الاعوجاجات و الاختلالات و التأخرات التي عرفتها المخططات السابقة و التي أدت إما لفشلها أو لتحقيقها نتائج أقل من الاهداف المسطرة.

فبالعودة للمخططات السابقة يبدو الوضع غير مشجع إطلاقا، فمخطط انبثاق لم يحقق ولو نصف الأهداف المرجوة، و باستثناء قطاع السيارات و الايرونوتيك (الصناعات المرتبطة بالطائرات) اللذان عرفا استقرار نسيج صناعي مهم مشغل لليد العاملة، مصدر بشكل كبير و مستقطب للتكنولوجيا عالية الجودة، لم تحقق باقي القطاعات شيئا يذكر. فقطاع النسيح غارق في فوضى لا مثيل لها، أما قطاع الجلد، فلم يحقق الأهداف المرجوة، نفس الشيء بالنسبة لقطاع الاوفشورينغ و الخدمات، فباستثناء القطب الخدماتي للدار البيضاء و تيكنوبوليس بالرباط التي يبقى نجاحهما نسبيا، عرفت منصات الاوفشورينغ بفاس و وجدة فشلا ذريعا و أصبحت فعلا قصة فشل كبير في استقطاب الاستثمارات. كما لم تعرف الصناعات الغذائية و الالكترونية تطورا كبيرا و لازالت الاقطاب التي انجزت للصناعات الغذائية تراوح مكانها (أكروبولات مكناس و بركان كمثال).

أما استراتيجية المغرب الرقمي في نسختها الأولى فتعرف تعثرات و تأخرا كبيرا في إنجاز و تطبيق مخططاتها، نفس الشيء ينطبق على المغرب تصدير الذي يصطدم بالعديد من المعيقات التي تقف في وجه تسويق البضائع المغربية في الخارج.

تبدو الحاجة ملحة لإعادة تقويم ميثاق الاستثمار وإعادة تحديد مضامينه خصوصا بعد عدم مسايرة الاستثمار الخاص و خصوصا الاستثمار الخارجي للاستثمار العمومي و بعد تعثر مجموعة من المشاريع الكبرى بسبب انسحاب المستثمرين الاجانب (مشروع ابو رقراق، مشروع واد الشبيكة السياحي....). لكن الحديث عن تحسين مناخ الاعمال و تسريع الخدمات الإدارية للمستثمرين دون تسجيل تقدم ملموس في جودة التعليم و استقلال القضاء و مؤشر الفساد قد لا يعدو كونه ضربة في الهواء كون المستثمرين الاجانب و مكاتب التنقيط الدولية تعدها أبرز محددات مناخ الاعمال. كما يبقى إعادة هيكلة هيئات استقبال و توجيه المستثمرين الاجانب من أبرز الضروريات خصوصا المراكز الجهوية للاستثمار و الغرف المهنية و الجهات حتى تعطى دينامية افقية و جهوية لهذه الاستثمارات تكمل الدينامية العمودية ذات البعد الوطني. و يبقى أهم نتيجة منتظرة لهذا التوجه الجهوي إعادة الاعتبار للرأسمال الوطني الصناعي الذي أدار ظهره للقطاع الصناعي و توجه لقطاعات أخرى كالعقار و التجارة و الخدمات، و قد يساهم نجاح هذا التوجه على المدى البعيد في بروز صناعات خدماتية صغيرة في الجهات يكون الرأسمال الوطني أهم محرك لها.

كما تبرز ايضا أهمية إحداث مديرية للصناعة حتى تضمن فعالية أكبر لإنجاز و تتبع مخطط التسريع الصناعي الذي أطلق في 2014. و مديرية أخرى للتجارة لإعطاء دينامية أكبر للتصدير و لتجاوز الإخفاقات الكبيرة التي يعرفها هذا القطاع. و يبقى أهم تحد للمديرية الجديدة للتجارة تجاوز الاختلالات الكبيرة التي يعرفها ميزاننا التجاري مع الدول التي تربطنا بها اتفاقيات تبادل حر خصوصا تركيا و الولايات المتحدة الأمريكية و مصر و تونس و الأردن.

لكن الملاحظ أنه تم إهمال جوانب عديدة فيما يخص اللوجستيك و فك العزلة عن بعض الجهات، فمع الحديث عن ميناء عملاق بالداخلة مثلا يبدو الاشتغال على ربط هذا الميناء بخط سكة حديدية ضرورية كبرى و ملحة، نفس الشيء ينطبق على بعض المناطق الصناعية الجهوية الداخلية البعيدة عن الموانئ و التي تعاني اختناقا كبيرا نظرا لضعف تنافسيتها و عدم ربطها بالشبكة الدولية. و يبقى تهاوي القطب الصناعي لفاس و تلاشيه أبرز مثال على تأثير العامل اللوجيستي و مساهمته في تفكيك الأقطاب الصناعية ببلادنا.

كما يعاب على هذا المخطط اعتماده كليا على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية و عدم اهتمامه بإعادة استيعاب الرأسمال الوطني في هذه المشاريع و المخططات رغم الأدوار المكملة و المحفزة التي بإمكان هذا الرأسمال أن يلعبها. فمثلا بإمكان الرأسمال الوطني أن يشكل نواة لصناعات مصدرة جد مدرة للدخل و العملة الصعبة خصوصا في قطاع النسيج الذي فقد تنافسيته و عرف جمودا كبيرا بسبب التأخر في إعادة هيكلته و تركه فريسة للمنافسة الدولية و لاستمرار اشتغاله بطرق عتيقة أكل عليها الدهر و شرب، و هي مسؤولية يتحمل مسؤوليتها أرباب و مسيروا القطاع مشاركة مع الدولة. كما بإمكان الرأسمال الوطني أن يشكل نسيجا صناعيا مكملا للصناعات الاجنبية المستقرة بالمغرب، لكن شريطة توفير التوجيه و التأطير اللازم من الدولة و فيدراليات القطاع.

هو إذن مخطط إنقاذ اقتصادي متكامل وجب على المغرب تنزيله بحذافيره و تحقيق أكبر قدر ممكن من أهدافه كونه فعلا الفرصة الاخيرة للاقتصاد الوطني ليدخل نادي الدول الصاعدة و ليتجاوز عثرات و إخفاقات المخططات السابقة. و يبقى نجاحه رهينا بتظافر جهود القطاعين العام و الخاص في شراكات واسعة تشمل كل المجالات، ثم بتحسين مناخ الأعمال و جودة التعليم بصورة كبيرة حتى لا تساهم هذه العوامل في فرملته و التأثير على تحقيق الاهداف المرجوة من هذا المخطط الطموح.

رضا الهمادي
رئيس المرصد المغربي للسياسات العمومية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صندوق النقد الدولي: تحرير سعر الصرف عزز تدفق رؤوس الأموال لل


.. عقوبات أميركية على شخصيات بارزة وشركات إنتاج الطائرات المسيّ




.. متحدث مجلس الوزراء لـ خالد أبو بكر: الأزمة الاقتصادية لها عد


.. متصل زوجتي بتاكل كتير والشهية بتعلي بدرجة رهيبة وبقت تخينه و




.. كل يوم - فيه فرق بين الأزمة الاقتصادية والأزمة النقدية .. خا