الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المدنية ؛ ما أحوجنا اليها اليوم

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2016 / 7 / 11
المجتمع المدني


يمكن القول إن الدولة المدنية تتمثل في شيوع الثقافة الجماهيرية المنشودة قبل ان تتمثل في مؤسسات حاكمة , على الرغم من أن ثقافة المدنية لا يمكن تعميمها إلا عن طريق مؤسسات مختارة بعناية فائقة .
لكن كيف يتم بناء دولة مدنية في مجتمع لا يعرف قيم المدنية ؟ على عاتق من تقع مسؤولية تشكيل المؤسسة النواة ليتم الانطلاق في تحقيق مشروع الدولة المدنية ؟ من أين نبدأ ومتى ؟ هل ننتظر الوقت المناسب ؟ وكيف لنا أن نعرف الوقت والمكان المناسبين لتحقيق مشروع الدولة المدنية ؟
للإجابة عن الاسئلة المتقدمة يمكن القول : أنه لا يمكن بناء مؤسسات مدنية تكفل تحقيق الدولة المدنية دون أن تكون هناك بيئة صالحة , ونقصد بالبيئة الصالحة المجتمع في حالة وعي ممكن معها التفكير في الدولة المدنية , وهنا يأتي دور الحكومة بوصفها النخبة التي تمتلك السلطة المادية والقانونية في تحقيق ذلك عن طريق خطوات مدروسة بعناية وبحسب طبيعة المجتمع , فقبل كل شيء عليها التفكير في القضاء على الأمية بسن تشريعات التعليم الالزامي ومحو الامية ونشر الثقافة المدنية البعيدة عن الانتماءات الأخرى عن طريق وسائل الاعلام , ومن ثم العمل على تحقيق الرفاه الاجتماعي عن طريق القضاء على البطالة بأي شكل من الاشكال والعمل على اقامة مشاريع التكافل الاجتماعي , وبعد أن تضمن الحكومة تحرك الوعي الجماهيري نحو الأحسن تتجه نحو اقامة المؤسسات ذات الصبغة المدنية التي تكفل قيام دولة مدنية .
فالمؤسسة في الدولة المدنية ليست سلطة اجبارية بل وسيلة تربوية ارشادية اقناعية غير منحازة , ومن خلال تلك المؤسسات تكفل الدولة المدنية حماية أعضاء المجتمع جميعا بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية , لذلك ومن هذا المنطلق لا بد من توافر اشتراطات ثقافية لإنجاز مشروع الدولة المدنية قبل توافر الاشتراطات المؤسساتية , إذ إن الدولة المدنية دولة مثقفة قبل كل شيء , دولة تعايش مدني واع قبل أن تكون دولة مصانع ومعامل , ومن اهم تلك الاشتراطات القانون المدني الذي يكفل الحقوق والواجبات ويضمن المساواة والعدالة بين افراد المجتمع , فبالقانون المدني وحده وبتطبيقه العادل الواعي يمكن أن يستشعر الناس قيم العدالة ويعم السلام والتسامح ويصبح بعد ذلك قبول الآخر سلوكا معتادا يكفله القانون ويعززه الوعي الجماعي الذي يتبلور شيئا فشيئا , وهناك امر لا يقل خطورة عن القانون المدني نفسه يتمثل في ثقافة تطبيق القانون , فما الفائدة من وجود القوانين إن لم تطبق على أرض الواقع , ولا يمكن تطبيق القانون إلا بقوة القانون اولا وبإشاعة الثقافة المدنية وبيان اهميتها للقائمين على تطبيق القانون ومن ثم لعامة الناس ثانيا , وفي الوقت ذاته نرى ان من اهم سمات الدولة المدنية احترام الانسان وجعله القيمة العليا بوصفه صانع القيم ومؤسس الدول ومشرع القوانين , ولا يتأتى ذلك الا بضمان الحقوق وعدم اخضاع المواطن لأي شيء يتعارض مع تطلعاته أو اجباره على اتخاذ امر بغير قناعته , أو انتهاك حقوقه وسلبها عنوة , ولا بد من جعله ممثلا في اتخاذ القرارات السياسية بأي صورة من الصور , ومن جانب آخر لا يمكن للدولة المدنية أن تتحقق دون أن يكون هناك اعتبار قانوني خالص للأفراد , بمعنى أن المواطن في الدولة المدنية ــ وهكذا يجب ان يكون ــ فرد اجتماعي قانوني قبل كل شيء , ويجب أن لا يحمل أي ميزة غير ذلك تفضله على الآخرين , فيجب أن لا يكون هناك اعتبار لأي انتماء آخر للفرد داخل المجتمع المدني يميزه عن غيره ؛ يجب أن يكون الانتماء للمواطنة فقط وليس للعشيرة أو الدين أو الطائفة أو المدينة أو الحي أو المنصب أو المهنة أو السلطة , فالكل يجب ان يكونوا متساوين من خلال انتمائهم للدولة فقط وليس لأي شيء آخر , فمن واجب الدولة المدنية الاعلاء من ثقافة إلغاء الفوارق والتمايزات الفئوية والعرقية والطائفية والمناطقية والعشائرية والاثنية واشاعة روح الاحترام والتسامح وقبول الآخر وتقديس قيم المواطنة وعدم السماح للثقافة الانانية المتطرفة والمؤدلجة والنوايا المصلحية الضيقة بالتسرب الى وعي الجماهير لأنها تتعارض اساسا مع كل ما ذكرناه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف إسرائيلية من مغبة صدور أوامر اعتقال من محكمة العدل الد


.. أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى -حماس- يغلقون طريقاً سريعاً في




.. غضب عربي بعد -الفيتو- الأميركي ضد العضوية الكاملة لفلسطين با


.. اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق




.. أربك الشرطة بقنابل وهمية.. اعتقال مقتحم القنصلية الإيرانية ب