الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الراحل علي الوردي والنزعة الطائفية عند الفرد العراقي

احمد عبدول

2016 / 7 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يختلف اثنان على ما يحتله عالم الاجتماع الراحل المرحوم (علي الوردي 1913 ـ 1995 ) من مكانة مرموقة في سماء العلم والمعرفة ويكفي هذا العالم ان له دوي كدوي النحل في المحافل الأكاديمية والاجتماعية حتى كتابة تلك السطور فقد كان رحمه الله قريبا في طروحاته للجماهير وهو يسلك من السبل وعرها ومن الامور اصعبها الا ان هذا الامر لا يعني بحال من الاحوال ان كل ما جاء به الوردي من اراء وطروحات يعد حقائق لا يرقى اليها الشك وهو امر لم يدعيه الوردي نفسه سواء في ما يذهب اليه من افكار واراء او ما يعتمده من منهج في دراسة الظواهر الاجتماعية على مستوى الفرد والجماعة وهذا ما اكده جمع من المختصين والكتاب كما في كتاب الدكتور (سليم على الوردي ) الذي تناول فيه منهج الراحل على الوردي بالنقد والتحليل والتصويب .
مكانة الراحل الوردي جاءت على خلفية جراءته في الطرح وتحريكه الساكن من البرك الفكرية والثقافية التي احجمت عن تناولها اقلام الاخرين فضلا عن عذوبة اسلوبه المكتنز بالحكايات الشعبية والطرائف والنوادر التي تنطوي على جوانب موضوعية لدراسة وفهم سلوكيات المجتمع , كل تلك العوامل جعلت من الوردي اكثر قبولا من غيره بالنسبة للعامة والخاصة حتى صارت اراء الوردي وطروحاته في متناول الجميع تتناقلها الركبان وترددها الاجيال , وان كان بعض ما جاء به غير مستوفي للشروط المتوخاة في البحوث العلمية الرصينة وهو ما اكده الراحل في اخر سنواته وهو يتمنى لو يعود به الزمن ليصحح الكثير من آرائه التي اوردها في كتبه التي اصدرها قبل عقود من الزمن وهو امر يضاف الى سجل حسنات ومناقب الوردي .
صفحات التواصل الاجتماعي منذ سنوات تزدان بشتى مقولات الراحل الوردي وهي تحظى بمئات الاعجابات والتعليقات وهو شيء متوقع لكلام يصدر عن علم من اعلام الفكر العربي المعاصر الا ان بعض مقولات الوردي التي استوقفتني مؤخرا كانت بخصوص نزعة الطائفية التي بقيت قوية داخل شخصية الفرد العراقي في الوقت الذي ضعفت فيه نزعة التدين يقول الراحل الوردي في كتابه ذائع الصيت (وعاظ السلاطين الفصل (11) الذي يحمل عنوان قضية السنة والشيعة ) ( فقد ضعفت نزعة التدين في اهل العراق وبقيت فيهم الطائفية حيث صاروا لا دينيين وطائفيين في آن واحد ) ولا شك ان الوردي يعد مثل هذا الامر شيء مخل ومعيب وهو كذلك الا ان الوردي نفسه والذي كثيرا ما نجده يستشهد بمقولة (اذا عرف السبب بطل العجب ) قد اعرض عنها في ذلك المورد كل الاعراض عندما لم يكلف نفسه عناء الوقوف على حقيقة واسباب ودواع ما آل اليه حال الكثير من العراقيين بخصوص مسالة اشتداد النزعة الطائفية وضعف نزعة التدين ولعل الوردي كان يدخل ذلك الامر ضمن اطروحته الشهيرة في ما يسمى بازدواج الشخصية العراقية التي تبين فيما بعد مجافاتها للواقع العلمي حيث تبين ان الازدواج مصطلح طبي نفسي شاع في خمسينيات القرن الفائت , يشير الى حالة مرضية لا توجد عند الفرد العراقي ليتم استبدال المصطلح بمصطلح اخر هو التناشز الاجتماعي على يد الدكتور (قاسم حسين صالح) والدكتور (حسين سرمك) .
الوردي يشير الى ظاهرة تخص الفرد العراقي لكنه لا يقف بنا على اسباب وملابسات ما ساعد على بلورة تلك الظاهرة فهو يكتفي بالإشارة الى ظاهرة اجتماعية بأسلوب جميل مبسط فيه شيء من التهكم والسخرية ثم لا يفصل لنا اسباب ذلك الخلل الذي اصاب شخصية الفرد العراقي علما ان الوردي متخصص في بحث جذور كل ظاهرة والوقوف على مسبباتها وقد كان اولى به ان يفصل لنا اسباب استفحال نزعة الطائفية عند العراقيين وضعف نزعة التدين عند شريحة كبيرة منهم وهو امر نراه طبيعيا يقع لكل شخصية اذا ما مرت بنفس الظروف وعانت من نفس الويلات والمصاعب .
ان استفحال نزعة الطائفية عند العراقيين له ما يبرره من اسباب وعوامل فقد رضخ العراقيون على امتداد تاريخهم القديم والمعاصر لحكومات وانظمة تتخذ من المذهب سلاحا بيدها تقرب على ضوئه وتقصي على ضوئه فكانت حكومات بني العباس وبنو امية مرورا بكل الانظمة التي توالت بعد سقوط الدولة العباسية هي حكومات وانظمة طائفية ولعل هذا ما تجسد بشكل جلي وواضح على يد العثمانيين الذين حكموا العراقيين لمدة اربعه قرون حكما يقوم على التعنصر الطائفي واستبعاد المختلف مذهبيا وليس دينيا ولا شك ان ( الطائفة ) تنطوي على جوانب سياسية واجتماعية مهمة وبالتالي بجد الفرد نفسه مجبورا على الالتصاق بطائفته بشكل واخر حتى اذا ضعف عنده الوازع الديني او انسلخ من الدين بمستوى من المستويات .
الفرد العراقي لم يحارب في يوم من الايام على اساس دينه لكنه حورب على اساس هويته المذهبية من هنا كان ارتباطه بالمذهب اقوى من ارتباطه بدينه . لقد كانت اشارة الوردي اشارة دقيقة لكنها كانت منقوصة من حيث بحثها واستقصاء اسبابها .
ان الانظمة السياسية التي حكمت وما تزال تحكم العراقيين هي المسؤولة عن استفحال تلك النزعة وبالتالي فان اللوم لا يقع على عاتق العراقيين بقدر ما يقع على تلك الانظمة والحكومات التي كان اولى بالوردي ان يوجه لها سهام النقد والتقريع .
لقد خضع العراقيون طيلة القرن الفائت الى حكم الدولة القومية التي اسست على قاعدة تهميش واقصاء اهم مكون من مكونات المجتمع العراقي (الشيعة) فكانت هوية عموم ابناء الشعب المذهبية في مآزق وهي تواجه مشروع عروبي متطرف يقوم على تعجيم (الشيعة ) واعتبارهم اجانب جاء بهم القائد العربي (محمد بن القاسم الثقفي ) خلال الفتح مع قطعان الجاموس من بلاد الهند وما جاورها وكان من نتائج ذلك كله ان تمددت النزعة الطائفية على حساب نزعة التدين وكان لزاما ان يحدث مثل هذا الامر بالنسبة للشيعة لما لاقوه من عنت وعسف وتهميش اما جانب (السنة) فكان ان تمددت عندهم نزعة الطائفية على حساب نزعة التدين لانهم اتخذوا من الهوية المذهبية سلما للسلطة ومدرجا للحكم والاستحواذ طيلة حقب وازمان .
ولا شك ان ما خاضه العراقيون وما يخوضونه هذه الايام (2003 ـ 2016) من حرب داخلية انما هو في جوهره وصميمه يعد حربا تخص الهوية المذهبية التي يجب ان تحكم فتلك الحرب لم تقم على اساس البرامج السياسية والاصلاحية بل قامت على اساس هوياتي صرف .
كان على الراحل (الوردي ) ان يضع كل ما تقدم حساباته وان لا يتعجب من حال العراقيين الذين لا يحسدون عليه بحال من الاحوال بسب تعاقب الانظمة التي وظفت الجانب المذهبي لصالح مشاريعها الاستبدادية .
ان اشتداد النزعة الطائفية على حساب نزعة التدين لدى الكثير من العراقيين امر له ما يبرره واذا عرف السبب بطل العجب كما كان الراحل الوردي (رحمه الله) يردها كثيرا في كتبه ومؤلفاته .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان