الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غضب فاشل في تركيا

راغب الركابي

2016 / 7 / 17
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


كنت أظن في الماضي القريب بإن تركيا هي أكمل في الوعي السياسي منا نحن العرب ، وظني كان قائماً على الفلسفة والنهج الذي أتبعه القائد - مصطفى كمال أتاتورك - حين حرر تركيا من جهالة السلطنة ونظامها المتخلف وشعاراته البلهاء ، لكن هذا التحرر لم يكن مجتمعياً ولا ثقافياً بالدرجة التي لم يبلغ معها ان تجعل من الدولة التركية ذات مؤوسسات وأنظمة حكم ثابتة ، بدليل ما حصل قبل يومين ، فهذا الذي حصل كشف عن الخلل في البنيه السياسية والإجتماعية الحاكمة ، إذن هو ليس إنقلاباً ولا تمرداً إنما هو مزيج من هذا وذاك ، هو غضب وتذكير بمبادئ نسوها من يحكمون فتحولت الديمقراطية عندهم إلى شعارات وخطب كتلك الموجودة في بلادنا العربية ، طبعاً لم يكن الإخفاق في هذا الغضب والتذكير دليلا على كراهية الشعب للتغيير ، ولا كراهيته لكي لا يتشبه بدول من العالم الميت ، إنما هي إرادة في التذكير المؤقت ذي الصلاحية المحدودة ، وطبيعي إننا لسنا مع من يُعكر صفو الحياة هناك ، ولا مع من يحاول إنتزاع السلطة بالقوة والعنف ، لأننا مؤمنين بان الشعوب هي التي تحقق ذلك حسب مساراتها وخططها وإرادتها .

لكن الديمقراطية ليست مطية أو شعارات يتلبس بها من يريد الإستحواذ على السلطة وتسخير قوى الدولة لمصلحته ، الديمقراطية هي ممارسة مجتمعية كما هي ثقافة عمل تعتمد البرامجية والتوافقية من قبل الشعب وتقوم على الصلاحية والمصلحة ، ولهذا فهي لا تفرض نفسها بقدر ما تقدم ما يمكنه خدمة الناس وتطوير حياتهم ، فإذا أستعصى هذا أو لم يكن في الإمكان تنحى من يتصدى ليفسح المجال لغيره ، لكن الديمقراطية لا تستقيم ولا تنجح في ظل الحكم الديني والعشائري ، نعم هي ممكنة إن تخلى الديني والعشائري عن مقدماته وفلسفة فهمه للحياة ، ولأننا في الشرق الإسلامي يعتبر الديني والعشائري عندنا مقدساً للحد الذي نتجاوز فيه على القانون والحقوق ، فعندنا الحاكم الديني لا يتغير ولا يتبدل إلاَّ بالموت وكذلك حاكمنا العشائري معنا إلى الموت ، وهذا خلاف الديمقراطية والتي ليس فيها إرادة دائمة أو حاكم دائم ، بل هي طابع ونظام من التجديد والتقدم وصنع المستقبل ، في تركيا التي أسسها أتاتورك كان ممكناً أن تكون فيها ديمقراطية وعلمانية ، ولكن هذا كان بشرط إن يتصدى لحكمها ولثقافتها الجماهيرية من يؤمنون بذلك ، وكان ممكناً ذلك لولا نجاح الحركات الدينية في المنطقة المجاورة بإنتاج أنظمة دينية ، هذا الإنتاج حفز الأتراك للعودة إلى ماضيهم القريب في الهيمنة والسلطنة ، فشجعوا من غير وعي ومن حيث لا يعلمون الحركات والاحزاب ذات الشعار الديني ، معتقدين إنها المُعادل لما حصل في المنطقة والجيران ، فتجربة إيران 1979 في ولاية الفقيه حركت المجتمعات السنية في إنتاج حركات دينية تطالب بإعادة الخلافة ، فكانت القاعدة وطالبان وتعزز دور الوهابية و داعش ، وعرب آسيا هم عبارة عن أنظمة قبلية وعشائرية على النمط القديم لا يمكنها أن تكون المُعادل الطبيعي أو إنها تستطيع خلق فرص للديمقراطية بمفهومها الصحيح ، ولهذا لا يكون للديمقراطية في العالم الإسلامي نصيب وقدرة على التعايش وتأسيس دول صالحة للبناء والتقدم طالما كانت محكومة هي نفسها بما يخالف أسس الديمقراطية وقيمها .

ما حدث في تركيا هو تنبيه يقول للحاكم كفى هذه السنيين من الحكم ، ليس لأنك سيء ولكن ليس لكونك أفضل الموجودين ، إذن فلتدع الأخرين يجربوا برامجهم لعلها تكون نافعة ومفيدة أو تقدم شيئاً جديداً إلى البلد ، أما أن تتمسك بها من العمدة الى الرئاسة فهذه كبيرة من الكبائر في العرف الديمقراطي ، وإذا كان العالم قد غظ الطرف في عدم مساعدة من قاموا بالتحرك هذا ، فلأن هناك ما يكفي من المشاكل في المنطقة ، وخوفاً من أن تتحول تركيا إلى سوريا أو عراق أخر ، لكن في اللحظة التي يرون فيها المصلحة في التغيير وفي التصفير فلا أظن إن هناك ما يمنع إن لم يتعظ ذوي الشأن مما حصل ، وبعيداً عن الشعارات والخطب وبعيداً عن كيف ولماذا ؟ ؟ ، على الحاكم التركي أن يستهل مرحلته الجديدة في الإنفتاح الجدي على سوريا والعراق ، وأن يقطع يد داعش وأعوانه والمحرضين منهم والفاعلين لهم ، فهؤلاء ليس سوى عبء لا فائدة منه ، وسواءُ أكانوا عرباً أو غير ذلك ، وأظن لتركيا الحق ان تعيش بسلام بعيداً عن مخاطرات العرب واحقادهم وطائفيتهم ودينهم البغيض ، على تركيا الإنكفاء على نفسها وتتدرب من جديد على ثقافة الديمقراطية والمهم ان تقوم بمراجعة لخطواتها وما يمكن القيام به ، نحن سعيدون لعدم نجاح هذا التمرد ، وسعيدون لكي يُعاد النظر بالديمقراطية في ظل أسلمة البلد ، وسعيدون لكي تتعلم تركيا كيف لها ان تكون في النادي الأوربي ؟ ، وتتعلم من رئيس الوزراء البريطاني كيف استقال لأنه لم ينجح في إبقاء بريطانيا مع الإتحاد الأوربي ، من يريد ان يكون مع الكبار فيتعلم كيف يكون فعل الكبار ؟ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا