الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الشافعي, الحلقة (25 / 29): الحديث ومدى حجيته الجزء 2

انور سلطان

2016 / 7 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقد الشافعي, الحلقة (25 / 29): الحديث ومدى حجيته الجزء 2

نقاش أدلة الشافعي على حجية الحديث

أدلة الشافعي على لزوم الاحتجاج بحديث الآحاد على ثلاثة أنواع: دعاوى زائفة، ومغالطة المصادرة على المطلوب، ومغالطة تسوية الرواية المتسلسلة بخبر الصحابي المباشر عن النبي.

أولا: الدعاوى الزائفة

ادعى الشافعي ادعائين للاحتجاج بحديث الآحاد.

الإدعاء الأول: الرواية أصل للإثبات
يدعى الشافعي أن الرواية طريق للمعرفة في ذاتها تثبت بها الحقيقة، أو ما أسماه العلم في الظاهر تلاعبا بالألفاظ، كما تثبت بالشهادة. ومثَّل الرواية بالشهادة.
قال الشافعي: (إما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي قد يختلف الخبر فيه، فيكون الخبر محتملا للتأويل، وجاء الخبر فيه من طريق الإنفراد، فالحجة فيه عندي أنه يلزم العالمين، حتى لا يكون لهم رد ما كان منصوصا منه، كما يلزمهم أن يقبلوا شهادة العدول، لأن ذلك إحاطة كما يكون نص الكتاب وخبر العامة عن رسول الله. ولو شك في هذا شاك لم نقل له تب. وقلنا ليس لك -إن كنت عالما- أن تشك، كما ليس لك إلا أن تقضي بشهادة الشهود العدول، وإن أمكن فيهم الغلط، ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم، والله ولي ما غاب عنك منهم). (الرسالة: ٤٦١).
وهذه مغالطة ضمنية. فليست الرواية مثل الشهادة. من الجائز أن تمثل الرواية بالشهادة، لو كانت الشهادة تقبل بالرواية. والرواية في الشهادة ليست طريقا للمعرفة.

ومن أغرب الحجج قوله: (الحجة أنه يلزم العالمين، حتى لا يكون لهم رد ما كان منصوصا منه)، حتى لا يرد أحد حديث الآحاد فيجب جعله ملزما! وهنا تتجلى الربوبية من دون الله في أنصع صورها. فقد نصبهم الله أعلاما لدينه، وموقعين عنه، كما زعم، فلماذا لا يجعلون الحديث ملزما.
وهذا يوضح الفكرة المسبقة. فهناك محاولة استدلال على ما استقر، بالتلاعب بالنصوص والمغالطات، لا فهم لتلك المعاني من النصوص. ولو كانت المسألة فهم نص لما احتاج الأمرإلا إلى تلاوة النص لا تأليف المؤلفات لإثبات هذه المقولات.

الإدعاء الثاني: رواة الحديث العدول لا مصلحة لهم في الكذب

قال الشافعي: (والمحدث بما يحل ويحرم، لا يجر إلى نفسه ولا إلى غيره، ولا يدفع عنها ولا عن غيره، شيئا مما يتمول الناس، ولا مما فيه عقوبة عليهم ولا لهم، وهو ومن حدثه ذلك الحديث من المسلمين سواء، إن كان بأمر يحل أو يحرم فهو شريك العامة فيه، لا تختلف حالاته فيه، فيكون ضنينا مرة مردود الخبر، وغير ضنين أخرى مقبول الخبر، كما تختلف حال الشاهد لعوام المسلمين وخواصهم). (الرسالة: 392).

يريد منا الشافعي أن نسلم أنه ليس للراوي مصلحة في الكذب! فعندما يروي حديثا يحرم شيئا أو يحله لا يجر لنفسه مصلحة ولا يدفع عنه غرما كالشاهد في بعض الأحوال، بل ينطبق عليهم ما ينطبق على غيرهم. وإذا كان هذا في عامة الناس فهو في الرواة العدولأولى.
يتحدث الشافعي وكأن عامة الناس ليسوا عدولا، وكأن العدالة حالة خاصة. خص الرواة العدول بمكانة مقدسة ليست لغيرهم، فقال: (كان أهل التقوى والصدق أولى أن يتحفظوا عند أولى الأمور عندهم أن يتحفظوا عندها، في أنهم وُضعوا موضع الأمانة، ونصبوا أعلاما للدين، وكانوا عالمين بما الزمهم الله من الصدق في كل أمر، وأن الحديث في الحلال والحرام أعلى الأمور وأبعدها من أن يكون فيه موضع ظنة، وقد قدم إليهم في الحديث عن رسول الله بشئ لم يقدم إليهم في غيره، فوعد على الكذب على رسول الله النار). (الرسالة: 394)
والقول أنه لا توجد مصلحة فردية للرواة يكذبه الواقع. فالناس في دفاعهم عن أرائهم وأهوائهم لا يقلون حرصا وشراسة في دفاعهم عن مصالحهم الفردية ودفع ما يضرهم. بل قد يكونون أحرص وأشد شراسة.
كما أن هذا الإدعاء يكذبه اختلاف مصالح الجماعات داخل أي مجتمع، وهذا ما ظهر بعد وفاة النبي حول الزعامة. وهذه نقطة أغفلها الشافعي، أو غفل عنها. وقد تتطور هذه الاختلافات إلى صراع سياسي وتناحر كما حدث بين المسلمين، وقد ألبس لباسا دينيا، وتحول إلى مذاهب عقائدية متناحرة. لقد استحلت في تلك الصراعات الدماء، ومن استحل الدماء باسم الدين لا يستبعد اختلاقه للأحاديث.

كما أن مغالطات الشافعي نفسه في الاستدلال بالقران في غير موضعه، وتحريف معناه، تثبت مدى تحكم الأيدلوجياتوالآراء بأصحابها إلى درجة تحريف القران. وإذا فعلوا هذا بالقران، وحرفوا الكلم عن مواضعه، بداعي الانتصار للرأي أو الهوى أو المصلحة السياسية، فلماذا لا تقودهم هذه الدوافعإلى اختلاق الحديث أو تحريف نصه.

والقران يثبت الاختلاف في الدين. فقد اختلفت الأمم السابقة، وليست أمة محمد معصومة من الاختلاف، وميزتها الوحيدة حفظ كتابها بتدوينه. ومحاولة التحريف تطال كل دين، وقد طالت الإسلام نفسه عبر إيجاد أيدلوجية اعتمدت تحريف القران واختلاق الأحاديث. ولأن هذه الأيدلوجية هشةمتهافتة فيمكن إسقاطهاوإزاحة التحريف بالرجوع مباشرة إلى القران الذي حفظ نصه.

ويغالط الشافعي أيضا بالقول أن هناك تحذير من الكذب. والتحذير من الكذب على الرسول ورد في حديث آحاد لا يعلمه إلا من رواه وليس كل الضراوة. ويمكن أن يأوله البعض، ويكذب بداعي مصلحة الدين كما يراه، وأن يزين له الشيطان عمله ذاك. ثم ما الذي يثبت ألا يكون هذا الحديث مكذوبا، واختلقه أحدهم لأنه رأى أن فيه مصلحة للدين وهي منع الكذب على الرسول. ويمكن أن يكون من أهل التقوى والصلاح، بل ربما حسب أنه سيؤجر على عمله هذا. فهناك من يعتقد بصحة رأيه إلى درجة أن يراه هو الإسلام نفسه، وأن خلافه ضلال، فهذا لا يستبعد أن يختلق حديثا يدعم رأيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح
انور سلطان ( 2016 / 7 / 17 - 18:45 )
الفقرة الأخيرة
السطر الثاني
كلمة الضراوة خطأ والمقصود الرواة وليس الضراوة

اخر الافلام

.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا